كتابات
04/02/2020

دور القيادة في انتصار الثَّورة الإسلاميَّة

دور القيادة في انتصار الثَّورة الإسلاميَّة

إنَّ الثَّورة الإسلاميَّة في إيران، استطاعت أن تثبت وهي في جوّ العواصف القاسية الشَّديدة، وفي جوّ الزّلازل التي يشعر الإنسان فيها بأنّ الأرض تميد من تحته. فهل المسألة هي مسألة القيادة فقط؟

للقيادة دور كبير، ولكنَّ القيادة وحدها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، ولنأخذ قيادة رسول الله (ص) وقيادة أمير المؤمنين (ع) على ذلك مثلاً: لماذا انهزم المسلمون في أُحد، وقد كان رسول الله قائدهم؟ ذلك لأنَّهم لم يطيعوا القيادة في بعض مواقع المعركة، وعندما وجدت الثَّغرة بين القيادة والأمَّة، وتركت الأمّة طاعتها للقيادة، تغلّب الأعداء عليها.. ثمّ أيّة قمة شامخة بعد رسول الله أعظم من عليّ؟ لقد كان القمّة في الفكر والبطولة والتّضحية والتّخطيط، فلماذا لم يستطع أن يصل إلى ما يريد؟ لأنَّه كان يأتي إلى قومه في الصّيف، فيقولون: انتظر حتّى تخفّ الحرارة، وفي الشّتاء حتى يذهب البرد.. قال لهم: "لوددت، والله، أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم"، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم.

ليس لدينا قيادة بمستوى قيادة عليّ (ع)، ولكنّ القيادة والأمّة هما سرّ الانتصار، وهما كذلك عندما يكون هناك رابط أساس يربط الأمَّة بالقيادة، لا أن يكون الرّابط مجرَّد علاقة شخصيَّة مع القائد، بأن تحبّه الأمَّة أو تخلص له أو تنتفع من ماله، بل أن تكون هناك علاقة أساسيّة تربط الأمَّة بالقيادة، بحيث لا تنفصل عنها مهما كانت الظّروف.. وعندما تشعر الأمَّة بأنّ كلام القيادة ينطلق من كلام الله ورسوله، وبأنّ تعليماتها تنطلق من خلال تعاليم الله ورسوله، وأن تطبيقاتها تنطلق من الوعي لكلام الله ورسوله، فإنَّها تدرك ـ حينئذٍ ـ أنّها تسير في خطّ النّجاة وخطّ الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وبذلك تكون المسألة كما قال الشّاعر:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنب كان في الله مصرعي

وهذا هو الشّيء الذي استطاعت القيادة أن تربّي الأمَّة عليه، حيث ربّتها على أن تلتزم بحكم الله، على أساس أن ترتبط بشريعة رسول الله، وأن تحبّ الله ورسوله، وتحبّ أهل بيت رسوله، وتحبّ كلّ المجاهدين من المسلمين.. واستطاعت القيادة أن توجد في الأمَّة قاعدةً تتحرَّك في صلاتها من موقع الخطِّ الفقهيّ لتسأل الفقيه عن أحكام الصّلاة، وتتحرّك في حجّها وصومها وزكاتها وخمسها لتسأل الفقيه عن ذلك، ثمّ تتحرَّك في سياستها وحربها وسلمها وأمنها لتسأل الفقيه عن ذلك.

كان الفقهاء يحدِّثون النَّاس عن الطَّهارة والصَّلاة والصَّوم والحجّ، ويتركون السّياسة للزّعماء والطّغاة والحاكمين ولغير أولئك، حتَّى شكَّل ذلك انفصاماً في الأمَّة، باعتبار أنَّك تصلّي في المسجد، ثم تتحرَّك لتحارب مع الكفر والضَّلال والفسق والفجور، لأنَّ الزَّعيم فاسق وفاجر ويتحرَّك مع الكافرين في خططه.

كانت الأمَّة تعيش ازدواجيَّة، ولهذا كانت لا تندفع ولا تتحمَّس، وكان الطّغاة يثيرون عصبيَّاتها، والمعروف أنَّ الزَّعيم إذا أراد أن يسيطر على قريةٍ قسَّمها إلى قسمين، وجعل كلّ قسم يحارب القسم الآخر، فكانت تُثار العصبيَّة حتّى يجتمع النَّاس على الطَّاغية، وتُثار الأطماع حتّى يتعلَّق النَّاس به، ويُضلَّل النَّاس حتَّى يرتبطوا به، وجاء الفقيه العدل ليقول للنَّاس: تعالوا إلى الإسلام كلِّه، ففي الصَّلاة سياستكم، وفي السَّياسة روح صلاتكم، وفي الحرب جهادكم، وفي السِّلم الخطّ الّذي يحفظ لكم مواقعكم.. وليس هناك انفصال بين الصَّلاة والجهاد وبين العبادة والسّياسة، فعندما تقول: "الله أكبر"، فإنَّك ترفض أن يحكم كلّ الصّغار بغير ما أنزل الله، وعندما تقول: "لا إله إلا الله"، فإنَّك تسقط كلّ الآلهة ليبقى توحيدك لله وحده، وحتّى الصَّلاة، تستطيع أن تفسّرها تفسيراً سياسيّاً، كموقفٍ من المستكبرين، وموقفٍ من الطّغاة ومن كلّ الظّالمين.

من هنا، قال بعض العلماء قبل الثّورة الإسلاميَّة، ليربَّ الشّعب المسلم في إيران على هذا الخطّ: ديننا سياسة وسياستنا دين، لأنَّنا لا نبتعد في خطّ السّياسة عن الدّين، وهذا ما استطاعت الأمَّة أن تحقّقه، لأنَّها كانت ترى في القيادة المتمثّلة بالإمام الخميني ـ حفظه الله ـ التّقوى والمعرفة بالله، والوعي لشريعته، والوعي للسَّاحة والبصيرة بالأمور.

كان الإمام يلاحق السَّاحة ليدرسها على أساس قول الله وقول رسوله، ثمّ يتَّخذ الموقف على أساس ما يرضي الله ورسوله، وهذا ما استطاعت الأمَّة أن تجده في شخصيَّته وفي سلوكه وفي قيادته وانفتاحه على الله سبحانه وتعالى، وفي اهتمامه بأمور المسلمين ـ كلّ المسلمين ـ وقد استطاع أن يحصل على ثقة المسلمين في خارج إيران، لأنّه لم يتحدَّث للمسلمين عن المجتمع الفارسي أو عن المجتمع الإيراني، وإنَّما تحدَّث لهم عن المجتمع الإسلامي وعن الإسلام، وعندما أراد للمسلمين أن يواجهوا أمريكا قال لهم: واجهوها لا من خلال عملائها في إيران فحسب، بل واجهوها من أجل أن تكون الحريَّة للمسلمين وللمستضعفين، حتَّى لا تستطيع أن تبقى في مواقع الاستكبار الّذي يضغط على حريّة الشّعوب واقتصادها.

وقال لهم: إنّ الله جعلكم أمَّةً واحدةً، وجعل العزّة والحريّة لكم، فلماذا تريدون أن تذلّوا للشَّرق أو للغرب؟.. لا تكونوا دولةً ملحقةً بالشّرق أو بالغرب، بل التحقوا بقرآنكم لتكونوا دولةً إسلاميّة، لأنَّ الله يريد أن نرجع إليه وإلى الرَّسول، ولا يريدنا أن نرجع إلى الطّاغوت، وكلّ التزام بغير الخطّ الّذي يرضاه الله والرّسول، هو التزام بالطّاغوت.

وعندما خوَّفه النّاس بالنّاس وأطلقوا كلّ التَّهاويل، كان يدعو الأمَّة إلى الاعتماد على الله، فكانت قيمته ولاتزال أنَّه لا يربط النَّاس بشخصه، وإنما يربطهم بالله، وكان لا يحاول أن يعطي الأمجاد لشخصه، وإنَّما يعطي الأمجاد للأمَّة.

لقد سمعناه وهو يتحدّث في يوم الثّورة أمام كلّ قيادات الدّولة، وأمام كلّ ممثّلي الدّول وهم يجلسون على الأرض، كان يقول لهم: إنَّكم تهتمّون بالشّخص ـ شخصه ـ بينما ليس لي في الأمر إلا دور صغير فقط، فالأمَّة هي الّتي قامت بذلك كلِّه، وبعد ذلك الأمر لله، فالله هو الّذي نصر، وهو الّذي أيّد، وهو الّذي أعطى، وكنّا نتحرّك على أساس أن نتَّجه في اتجاه معيَّن، وإذا بالله يحوّلنا إلى اتجاه آخر ونرى النَّصر في هذا كلّه.

كان الشّرق والغرب يلتقيان في حسينيَّة جمران، وكان كلّ القادة هناك، فكان يحدّثهم عن الله ويقول لهم: بلّغوا دولكم أنَّنا نتحرّك لأنَّ الله معنا، وأنَّنا نحارب من خلال ما أعطانا الله من قوَّة، ومن خلال استلهامنا في ذلك كلِّه، وكان يقول لكلّ القيادات في الدّولة هناك: لا تنسوا الله، ولا تعتبروا أنفسكم كباراً لأنّكم في موقع كبير، بل فكّروا أنّكم تتحرّكون بإرادة الله، وتنطلقون في مشيئته، وأنّه ـ تعالى ـ أكبر منكم.. فتواضعوا لله وتواضعوا لعباده.

هذا التّرابط الوثيق بين القيادة والأمَّة، هو الّذي ركّز قواعد الثَّورة، فليست القيادة وحدها هي الّتي خلقت الثّورة، وليست الأمَّة وحدها الّتي خلقتها، بل الأمَّة التي ترتبط بالقيادة الفقهيّة الورعة الواعية البصيرة بأمور الدّين والدّنيا، وهذا هو الّذي يجب أن نتحرَّك فيه، حتّى نستطيع أن نُثبِّت أقدامنا ولا ننهزم أمام كلّ التّهاويل.

كانت أميركا تراهن على أن يتحرَّك المعارضون والمنافقون ليسقطوا الثَّورة، لأنّهم يعتبرون أنّ أمريكا تستطيع أن تحميهم، ولكنّ الشّعب الإيراني المسلم كان يفكِّر ـ من خلال قيادته ـ أنّ الله يحميه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا...}[التّوبة: 40].

هذه التَّجربة الّتي انطلقت من خلال الارتباط بالله والإسلام، هي الّتي يجب أن نستفيد منها وندرسها، حتَّى لا نرتبط بأحد إلا إذا كان يؤدِّي عن الله، وحتّى لا نتحاكم إلى أيّ طاغوت ـ سواء كان كبيراً أو صغيراً ـ بل نتحاكم إلى الله سبحانه وتعالى، لأنَّ ذلك هو شرط الإيمان: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[النّساء: 65]، وهذا ما استلهمه المؤمنون في كلّ مكان من خلال قيادة الإمام الخميني الشَّاملة لكلّ موقع من المواقع.

*من أرشيف خطب الجمعة، العام 1988.

إنَّ الثَّورة الإسلاميَّة في إيران، استطاعت أن تثبت وهي في جوّ العواصف القاسية الشَّديدة، وفي جوّ الزّلازل التي يشعر الإنسان فيها بأنّ الأرض تميد من تحته. فهل المسألة هي مسألة القيادة فقط؟

للقيادة دور كبير، ولكنَّ القيادة وحدها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، ولنأخذ قيادة رسول الله (ص) وقيادة أمير المؤمنين (ع) على ذلك مثلاً: لماذا انهزم المسلمون في أُحد، وقد كان رسول الله قائدهم؟ ذلك لأنَّهم لم يطيعوا القيادة في بعض مواقع المعركة، وعندما وجدت الثَّغرة بين القيادة والأمَّة، وتركت الأمّة طاعتها للقيادة، تغلّب الأعداء عليها.. ثمّ أيّة قمة شامخة بعد رسول الله أعظم من عليّ؟ لقد كان القمّة في الفكر والبطولة والتّضحية والتّخطيط، فلماذا لم يستطع أن يصل إلى ما يريد؟ لأنَّه كان يأتي إلى قومه في الصّيف، فيقولون: انتظر حتّى تخفّ الحرارة، وفي الشّتاء حتى يذهب البرد.. قال لهم: "لوددت، والله، أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم"، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم.

ليس لدينا قيادة بمستوى قيادة عليّ (ع)، ولكنّ القيادة والأمّة هما سرّ الانتصار، وهما كذلك عندما يكون هناك رابط أساس يربط الأمَّة بالقيادة، لا أن يكون الرّابط مجرَّد علاقة شخصيَّة مع القائد، بأن تحبّه الأمَّة أو تخلص له أو تنتفع من ماله، بل أن تكون هناك علاقة أساسيّة تربط الأمَّة بالقيادة، بحيث لا تنفصل عنها مهما كانت الظّروف.. وعندما تشعر الأمَّة بأنّ كلام القيادة ينطلق من كلام الله ورسوله، وبأنّ تعليماتها تنطلق من خلال تعاليم الله ورسوله، وأن تطبيقاتها تنطلق من الوعي لكلام الله ورسوله، فإنَّها تدرك ـ حينئذٍ ـ أنّها تسير في خطّ النّجاة وخطّ الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وبذلك تكون المسألة كما قال الشّاعر:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنب كان في الله مصرعي

وهذا هو الشّيء الذي استطاعت القيادة أن تربّي الأمَّة عليه، حيث ربّتها على أن تلتزم بحكم الله، على أساس أن ترتبط بشريعة رسول الله، وأن تحبّ الله ورسوله، وتحبّ أهل بيت رسوله، وتحبّ كلّ المجاهدين من المسلمين.. واستطاعت القيادة أن توجد في الأمَّة قاعدةً تتحرَّك في صلاتها من موقع الخطِّ الفقهيّ لتسأل الفقيه عن أحكام الصّلاة، وتتحرّك في حجّها وصومها وزكاتها وخمسها لتسأل الفقيه عن ذلك، ثمّ تتحرَّك في سياستها وحربها وسلمها وأمنها لتسأل الفقيه عن ذلك.

كان الفقهاء يحدِّثون النَّاس عن الطَّهارة والصَّلاة والصَّوم والحجّ، ويتركون السّياسة للزّعماء والطّغاة والحاكمين ولغير أولئك، حتَّى شكَّل ذلك انفصاماً في الأمَّة، باعتبار أنَّك تصلّي في المسجد، ثم تتحرَّك لتحارب مع الكفر والضَّلال والفسق والفجور، لأنَّ الزَّعيم فاسق وفاجر ويتحرَّك مع الكافرين في خططه.

كانت الأمَّة تعيش ازدواجيَّة، ولهذا كانت لا تندفع ولا تتحمَّس، وكان الطّغاة يثيرون عصبيَّاتها، والمعروف أنَّ الزَّعيم إذا أراد أن يسيطر على قريةٍ قسَّمها إلى قسمين، وجعل كلّ قسم يحارب القسم الآخر، فكانت تُثار العصبيَّة حتّى يجتمع النَّاس على الطَّاغية، وتُثار الأطماع حتّى يتعلَّق النَّاس به، ويُضلَّل النَّاس حتَّى يرتبطوا به، وجاء الفقيه العدل ليقول للنَّاس: تعالوا إلى الإسلام كلِّه، ففي الصَّلاة سياستكم، وفي السَّياسة روح صلاتكم، وفي الحرب جهادكم، وفي السِّلم الخطّ الّذي يحفظ لكم مواقعكم.. وليس هناك انفصال بين الصَّلاة والجهاد وبين العبادة والسّياسة، فعندما تقول: "الله أكبر"، فإنَّك ترفض أن يحكم كلّ الصّغار بغير ما أنزل الله، وعندما تقول: "لا إله إلا الله"، فإنَّك تسقط كلّ الآلهة ليبقى توحيدك لله وحده، وحتّى الصَّلاة، تستطيع أن تفسّرها تفسيراً سياسيّاً، كموقفٍ من المستكبرين، وموقفٍ من الطّغاة ومن كلّ الظّالمين.

من هنا، قال بعض العلماء قبل الثّورة الإسلاميَّة، ليربَّ الشّعب المسلم في إيران على هذا الخطّ: ديننا سياسة وسياستنا دين، لأنَّنا لا نبتعد في خطّ السّياسة عن الدّين، وهذا ما استطاعت الأمَّة أن تحقّقه، لأنَّها كانت ترى في القيادة المتمثّلة بالإمام الخميني ـ حفظه الله ـ التّقوى والمعرفة بالله، والوعي لشريعته، والوعي للسَّاحة والبصيرة بالأمور.

كان الإمام يلاحق السَّاحة ليدرسها على أساس قول الله وقول رسوله، ثمّ يتَّخذ الموقف على أساس ما يرضي الله ورسوله، وهذا ما استطاعت الأمَّة أن تجده في شخصيَّته وفي سلوكه وفي قيادته وانفتاحه على الله سبحانه وتعالى، وفي اهتمامه بأمور المسلمين ـ كلّ المسلمين ـ وقد استطاع أن يحصل على ثقة المسلمين في خارج إيران، لأنّه لم يتحدَّث للمسلمين عن المجتمع الفارسي أو عن المجتمع الإيراني، وإنَّما تحدَّث لهم عن المجتمع الإسلامي وعن الإسلام، وعندما أراد للمسلمين أن يواجهوا أمريكا قال لهم: واجهوها لا من خلال عملائها في إيران فحسب، بل واجهوها من أجل أن تكون الحريَّة للمسلمين وللمستضعفين، حتَّى لا تستطيع أن تبقى في مواقع الاستكبار الّذي يضغط على حريّة الشّعوب واقتصادها.

وقال لهم: إنّ الله جعلكم أمَّةً واحدةً، وجعل العزّة والحريّة لكم، فلماذا تريدون أن تذلّوا للشَّرق أو للغرب؟.. لا تكونوا دولةً ملحقةً بالشّرق أو بالغرب، بل التحقوا بقرآنكم لتكونوا دولةً إسلاميّة، لأنَّ الله يريد أن نرجع إليه وإلى الرَّسول، ولا يريدنا أن نرجع إلى الطّاغوت، وكلّ التزام بغير الخطّ الّذي يرضاه الله والرّسول، هو التزام بالطّاغوت.

وعندما خوَّفه النّاس بالنّاس وأطلقوا كلّ التَّهاويل، كان يدعو الأمَّة إلى الاعتماد على الله، فكانت قيمته ولاتزال أنَّه لا يربط النَّاس بشخصه، وإنما يربطهم بالله، وكان لا يحاول أن يعطي الأمجاد لشخصه، وإنَّما يعطي الأمجاد للأمَّة.

لقد سمعناه وهو يتحدّث في يوم الثّورة أمام كلّ قيادات الدّولة، وأمام كلّ ممثّلي الدّول وهم يجلسون على الأرض، كان يقول لهم: إنَّكم تهتمّون بالشّخص ـ شخصه ـ بينما ليس لي في الأمر إلا دور صغير فقط، فالأمَّة هي الّتي قامت بذلك كلِّه، وبعد ذلك الأمر لله، فالله هو الّذي نصر، وهو الّذي أيّد، وهو الّذي أعطى، وكنّا نتحرّك على أساس أن نتَّجه في اتجاه معيَّن، وإذا بالله يحوّلنا إلى اتجاه آخر ونرى النَّصر في هذا كلّه.

كان الشّرق والغرب يلتقيان في حسينيَّة جمران، وكان كلّ القادة هناك، فكان يحدّثهم عن الله ويقول لهم: بلّغوا دولكم أنَّنا نتحرّك لأنَّ الله معنا، وأنَّنا نحارب من خلال ما أعطانا الله من قوَّة، ومن خلال استلهامنا في ذلك كلِّه، وكان يقول لكلّ القيادات في الدّولة هناك: لا تنسوا الله، ولا تعتبروا أنفسكم كباراً لأنّكم في موقع كبير، بل فكّروا أنّكم تتحرّكون بإرادة الله، وتنطلقون في مشيئته، وأنّه ـ تعالى ـ أكبر منكم.. فتواضعوا لله وتواضعوا لعباده.

هذا التّرابط الوثيق بين القيادة والأمَّة، هو الّذي ركّز قواعد الثَّورة، فليست القيادة وحدها هي الّتي خلقت الثّورة، وليست الأمَّة وحدها الّتي خلقتها، بل الأمَّة التي ترتبط بالقيادة الفقهيّة الورعة الواعية البصيرة بأمور الدّين والدّنيا، وهذا هو الّذي يجب أن نتحرَّك فيه، حتّى نستطيع أن نُثبِّت أقدامنا ولا ننهزم أمام كلّ التّهاويل.

كانت أميركا تراهن على أن يتحرَّك المعارضون والمنافقون ليسقطوا الثَّورة، لأنّهم يعتبرون أنّ أمريكا تستطيع أن تحميهم، ولكنّ الشّعب الإيراني المسلم كان يفكِّر ـ من خلال قيادته ـ أنّ الله يحميه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا...}[التّوبة: 40].

هذه التَّجربة الّتي انطلقت من خلال الارتباط بالله والإسلام، هي الّتي يجب أن نستفيد منها وندرسها، حتَّى لا نرتبط بأحد إلا إذا كان يؤدِّي عن الله، وحتّى لا نتحاكم إلى أيّ طاغوت ـ سواء كان كبيراً أو صغيراً ـ بل نتحاكم إلى الله سبحانه وتعالى، لأنَّ ذلك هو شرط الإيمان: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[النّساء: 65]، وهذا ما استلهمه المؤمنون في كلّ مكان من خلال قيادة الإمام الخميني الشَّاملة لكلّ موقع من المواقع.

*من أرشيف خطب الجمعة، العام 1988.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية