تعدّد المراجع أمر معروف في عالم الشِّيعة، فقبل مئة وخمسين عاماً، لم تكن هناك مرجعيَّة شاملة للشّيعة، وكان النّاس يرجعون في كلِّ منطقة إلى علمائهم الموجودين فيها، من دون أن ينتظروا وصول رأي المجتهد الكبير الموجود في المراكز العلميَّة كالنّجف وغير النّجف، فكان أهل جبل عامل يرجعون إلى فقهائهم ومراجعهم، وجبل عام كانت مدرسة علميَّة فقهيّة واسعة، فيها العلماء الكبار الّذين لايزال يتغذَّى فقهاء الشيعة من فقههم، كالشّهيد الأوّل والشّهيد الثاني والمحقّق الكركي وغيرهم... فكان النّاس يرجعون إلى العلماء الموجودين بينهم، وربما يرجع إليهم من كان قريباً من المنطقة.
لذلك، لم تكن هناك مرجعيَّة مركّزة شاملة، ربما بدأت المرجعيّة الشّاملة عندما بدأت البلاد تتقارب، في مدى مئة سنة أو أكثر. وفي هذه الحال، لم تكن المرجعيَّة ناشئةً من وجود قرارٍ جماعيٍّ يعتمد على التَّصويت وعلى نسبة الأصوات، بل كانت تنطلق عفويّاً، إذ يبرز من بين العلماء الموجودين في حاضرة النّجف أو في غيرها، علماء مجتهدون يبدعون في تقاريرهم وفي دروسهم، ويبرزون دون سواهم، عندئذٍ يصبح هؤلاء تدريجيّاً موضعاً للثّقة العلميَّة والتّقويّة، وتضرب شهرتهم الآفاق، وكان طبيعيّاً أن يرجع البعض إلى مرجعٍ ما يرونه الأكفأ، ويعود غيرهم إلى سواه للأسباب نفسها، فتمشي الأمور على هذا النَّحو.. وقد يموت مجتهد، فينصرف التَّقليد إلى المجتهد الّذي بدأت مرجعيَّته في السَّابق.
وربما تتوحَّد المرجعيّات في مرجعٍ واحد، كما حصل بالنِّسبة إلى الميرزا محمّد حسن الشيرازي، صاحب الفتوى المشهورة (فتوى تحريم التّنباك)، وبالنّسبة إلى السيّد أبي الحسن الأصفهاني، والسيّد محسن الحكيم، وما إلى ذلك.
والتّعدّدية في المرجعيَّة هي ظاهرة طبيعيّة في تاريخ المرجعيّة الشيعيّة، وليست حدثاً جديداً، ولكن الفرق أنّه في المراحل السابقة، كان هناك مراجع كبار متجذّرون في ذهنيَّة الأمّة، فإذا مات مرجع، تتوجَّه الأمّة تلقائياً إلى مرجع غيره سابق، كما هي الحال عندما توفّي السيّد محسن الحكيم، فإنَّ الأمّة عموماً توجَّهت إلى السيّد أبي القاسم الخوئي، لأنَّ مرجعيَّته كانت متجذّرةً سلفاً، وتتلمذ عليه الكثير من الطلاب، وعرفوه أهل ثقة وعلم.
*من حوارات فكريّة - العام 1995.

تعدّد المراجع أمر معروف في عالم الشِّيعة، فقبل مئة وخمسين عاماً، لم تكن هناك مرجعيَّة شاملة للشّيعة، وكان النّاس يرجعون في كلِّ منطقة إلى علمائهم الموجودين فيها، من دون أن ينتظروا وصول رأي المجتهد الكبير الموجود في المراكز العلميَّة كالنّجف وغير النّجف، فكان أهل جبل عامل يرجعون إلى فقهائهم ومراجعهم، وجبل عام كانت مدرسة علميَّة فقهيّة واسعة، فيها العلماء الكبار الّذين لايزال يتغذَّى فقهاء الشيعة من فقههم، كالشّهيد الأوّل والشّهيد الثاني والمحقّق الكركي وغيرهم... فكان النّاس يرجعون إلى العلماء الموجودين بينهم، وربما يرجع إليهم من كان قريباً من المنطقة.
لذلك، لم تكن هناك مرجعيَّة مركّزة شاملة، ربما بدأت المرجعيّة الشّاملة عندما بدأت البلاد تتقارب، في مدى مئة سنة أو أكثر. وفي هذه الحال، لم تكن المرجعيَّة ناشئةً من وجود قرارٍ جماعيٍّ يعتمد على التَّصويت وعلى نسبة الأصوات، بل كانت تنطلق عفويّاً، إذ يبرز من بين العلماء الموجودين في حاضرة النّجف أو في غيرها، علماء مجتهدون يبدعون في تقاريرهم وفي دروسهم، ويبرزون دون سواهم، عندئذٍ يصبح هؤلاء تدريجيّاً موضعاً للثّقة العلميَّة والتّقويّة، وتضرب شهرتهم الآفاق، وكان طبيعيّاً أن يرجع البعض إلى مرجعٍ ما يرونه الأكفأ، ويعود غيرهم إلى سواه للأسباب نفسها، فتمشي الأمور على هذا النَّحو.. وقد يموت مجتهد، فينصرف التَّقليد إلى المجتهد الّذي بدأت مرجعيَّته في السَّابق.
وربما تتوحَّد المرجعيّات في مرجعٍ واحد، كما حصل بالنِّسبة إلى الميرزا محمّد حسن الشيرازي، صاحب الفتوى المشهورة (فتوى تحريم التّنباك)، وبالنّسبة إلى السيّد أبي الحسن الأصفهاني، والسيّد محسن الحكيم، وما إلى ذلك.
والتّعدّدية في المرجعيَّة هي ظاهرة طبيعيّة في تاريخ المرجعيّة الشيعيّة، وليست حدثاً جديداً، ولكن الفرق أنّه في المراحل السابقة، كان هناك مراجع كبار متجذّرون في ذهنيَّة الأمّة، فإذا مات مرجع، تتوجَّه الأمّة تلقائياً إلى مرجع غيره سابق، كما هي الحال عندما توفّي السيّد محسن الحكيم، فإنَّ الأمّة عموماً توجَّهت إلى السيّد أبي القاسم الخوئي، لأنَّ مرجعيَّته كانت متجذّرةً سلفاً، وتتلمذ عليه الكثير من الطلاب، وعرفوه أهل ثقة وعلم.
*من حوارات فكريّة - العام 1995.