كتابات
13/10/2020

"إنّا لله وإنّا إليه راجعون".. هل تلغي إرادة الإنسان؟!

"إنّا لله وإنّا إليه راجعون".. هل تلغي إرادة الإنسان؟!

[إنّ] كلمة "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" تُعبّر، تماماً، عن الحقيقة الكونيّة المرتبطة بالإيمان بالله، التي تقول إنّ الخلق كلّهم ملك لله، وإنّهم راجعون إليه، لأنّهم لا يملكون الخلود في هذه الحياة(2).

ولكن هل معنى ذلك، أنّ الله فرض عليهم "العجز التكويني"، فألغى فيهم عنصر الإرادة والقدرة على التحرّك والاختيار؟

إنّنا لا نقرّ هذا أبداً، لأنَّ الناس ـــ في التفكير الديني ـــ عباد الله الّذين يملكون إرادة السلب والإيجاب، حتى في مقابل إرادة الله التّشريعيّة، فهم يعصون الله في أوامره ونواهيه، في بعض الحالات، كما يطيعونه في حالات أخرى، بعيداً من أيّ ضغط هنا وهناك من ناحية عملية.

إنّ الظاهرة تعبّر ـــ في أغلب الحالات ـــ عن استسلام الإنسان لحالات الموت، كظاهرةٍ كونيّة لا تقبل التغيّر. ولكن هذا لا يمنع من استمرار الكفاح ضدّ بعض أسباب الموت الطّارئة، كبعض الأمراض المستعصية التي تسبّب الموت، بفعل الجهل بطبيعتها وبدوائها، أو بعض العوارض الحياتيّة الّتي يمكن للإنسان أن يتغلّب عليها، كوسيلة من وسائل مواجهة نتائجها السيّئة.

إنّ هناك فرقاً بين استسلامك للموت كظاهرة من ظواهر حدوث المادّة التي تلتقي بالموت في نهاية المطاف، وبين استسلامك لأسباب الموت التي يمكن أن تزول أو تتغيّر، أو تخضع لسيطرة أقوى منها. فليس لك أن تستسلم لهذه، لأنّك تملك القدرة على مواجهتها بما تملك من علم وأدوات وتجربة، أو بما تملك تحصيله من ذلك. ولكن، لا بدّ لك من الاستسلام للموت؛ لأنّه قانون حتميّ من قوانين الوجود المادّي الذي تتجسّد فيه.

على ضوء هذا كلّه، لا نعرف كيف تكون هذه الكلمات والنصوص الدينيّة مسؤولة عن خضوع الإنسان لسلطة المتنفّذين في المجتمع، أو يكون الخضوع الواقعيّ لهذه السلطة سبباً في تقبّل إنسان المجتمع الإقطاعيّ البرجوازي لهذه الأفكار الدينية، لأنّ عقلية الخضوع للظلم، تفسح المجال لمثل هذه الأفكار، والعكس هو الصّحيح.

إنّنا لا نعرف العلاقة فيما بين هذا وذاك؛ لأنّنا استطعنا أن نضع أيدينا على أنّ هذه النصوص لا تحمل أيّ معنى من معاني الضّعف والعجز، فيما يمكن للإنسان ممارسة القوّة فيه من ناحية طبيعيّة أو مادّية.

وخلاصة القول: إنّنا لا نفهم أيّ ارتباط بين الفكرة الدينيّة عن الله بصفته كلّيّ القدرة، وبين الفكرة التي تعمّق شعور الإنسان بالضّعف والانسحاق، بل نرى أنّ الفكرة الأولى تلغي الفكرة الثّانية، لأنّها ـــ بدلاً من ذلك ـــ تعمِّق الشعور بالقوَّة الممتدَّة التي تملأ الإنسان ـــ في كلّ وقت ـــ بكلّ ما يستطيع أن يحمله من عناصر القوّة في الحياة، لأنَّ القوّة الإلهيَّة أعطت الإنسان كلّ عناصر القوّة، وليس له إلا أن يأخذ منها بالمقدار الذي يتحمّله ويستطيعه.

وقد رأينا في حديثنا هذا، أنَّ قوّة الله ــ في الفكرة الدينيّة ــ لم تُطلق لتسحق في الإنسان إرادته، بل لتسحق العناصر التي تشلّ تلك الإرادة. أمّا الحديث عن الطبيعة كقوّة ساحقة، لا يملك الإنسان أن يفهمها أو يكتشف أسرارها، أو يواجهها، فقد استطعنا أن نكتشف خطأ هذه الفكرة، وبالتالي، فإنّ الله سخّر الكون والطّبيعة للإنسان، ودعاه إلى أن يتعامل معها من خلال الوعي العميق الشّامل لأسرارها وقوانينها التي يملك القدرة على معرفتها بفكره وتجربته. فهو سيّد الطبيعة القويّ، وليس خادمها الذّليل الخاضع المطيع.

*من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".


(2) في نهج البلاغة، عن الإمام عليّ (عليه السلام): "وسمع رجلاً يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال (عليه السلام): إنّ قولنا: إنّا لله، إقرار على أنفسنا بالملك، وقولنا: وإنّا إليه راجعون، إقرار على أنفسنا بالهلك". نهج البلاغة ص 485.

[إنّ] كلمة "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" تُعبّر، تماماً، عن الحقيقة الكونيّة المرتبطة بالإيمان بالله، التي تقول إنّ الخلق كلّهم ملك لله، وإنّهم راجعون إليه، لأنّهم لا يملكون الخلود في هذه الحياة(2).

ولكن هل معنى ذلك، أنّ الله فرض عليهم "العجز التكويني"، فألغى فيهم عنصر الإرادة والقدرة على التحرّك والاختيار؟

إنّنا لا نقرّ هذا أبداً، لأنَّ الناس ـــ في التفكير الديني ـــ عباد الله الّذين يملكون إرادة السلب والإيجاب، حتى في مقابل إرادة الله التّشريعيّة، فهم يعصون الله في أوامره ونواهيه، في بعض الحالات، كما يطيعونه في حالات أخرى، بعيداً من أيّ ضغط هنا وهناك من ناحية عملية.

إنّ الظاهرة تعبّر ـــ في أغلب الحالات ـــ عن استسلام الإنسان لحالات الموت، كظاهرةٍ كونيّة لا تقبل التغيّر. ولكن هذا لا يمنع من استمرار الكفاح ضدّ بعض أسباب الموت الطّارئة، كبعض الأمراض المستعصية التي تسبّب الموت، بفعل الجهل بطبيعتها وبدوائها، أو بعض العوارض الحياتيّة الّتي يمكن للإنسان أن يتغلّب عليها، كوسيلة من وسائل مواجهة نتائجها السيّئة.

إنّ هناك فرقاً بين استسلامك للموت كظاهرة من ظواهر حدوث المادّة التي تلتقي بالموت في نهاية المطاف، وبين استسلامك لأسباب الموت التي يمكن أن تزول أو تتغيّر، أو تخضع لسيطرة أقوى منها. فليس لك أن تستسلم لهذه، لأنّك تملك القدرة على مواجهتها بما تملك من علم وأدوات وتجربة، أو بما تملك تحصيله من ذلك. ولكن، لا بدّ لك من الاستسلام للموت؛ لأنّه قانون حتميّ من قوانين الوجود المادّي الذي تتجسّد فيه.

على ضوء هذا كلّه، لا نعرف كيف تكون هذه الكلمات والنصوص الدينيّة مسؤولة عن خضوع الإنسان لسلطة المتنفّذين في المجتمع، أو يكون الخضوع الواقعيّ لهذه السلطة سبباً في تقبّل إنسان المجتمع الإقطاعيّ البرجوازي لهذه الأفكار الدينية، لأنّ عقلية الخضوع للظلم، تفسح المجال لمثل هذه الأفكار، والعكس هو الصّحيح.

إنّنا لا نعرف العلاقة فيما بين هذا وذاك؛ لأنّنا استطعنا أن نضع أيدينا على أنّ هذه النصوص لا تحمل أيّ معنى من معاني الضّعف والعجز، فيما يمكن للإنسان ممارسة القوّة فيه من ناحية طبيعيّة أو مادّية.

وخلاصة القول: إنّنا لا نفهم أيّ ارتباط بين الفكرة الدينيّة عن الله بصفته كلّيّ القدرة، وبين الفكرة التي تعمّق شعور الإنسان بالضّعف والانسحاق، بل نرى أنّ الفكرة الأولى تلغي الفكرة الثّانية، لأنّها ـــ بدلاً من ذلك ـــ تعمِّق الشعور بالقوَّة الممتدَّة التي تملأ الإنسان ـــ في كلّ وقت ـــ بكلّ ما يستطيع أن يحمله من عناصر القوّة في الحياة، لأنَّ القوّة الإلهيَّة أعطت الإنسان كلّ عناصر القوّة، وليس له إلا أن يأخذ منها بالمقدار الذي يتحمّله ويستطيعه.

وقد رأينا في حديثنا هذا، أنَّ قوّة الله ــ في الفكرة الدينيّة ــ لم تُطلق لتسحق في الإنسان إرادته، بل لتسحق العناصر التي تشلّ تلك الإرادة. أمّا الحديث عن الطبيعة كقوّة ساحقة، لا يملك الإنسان أن يفهمها أو يكتشف أسرارها، أو يواجهها، فقد استطعنا أن نكتشف خطأ هذه الفكرة، وبالتالي، فإنّ الله سخّر الكون والطّبيعة للإنسان، ودعاه إلى أن يتعامل معها من خلال الوعي العميق الشّامل لأسرارها وقوانينها التي يملك القدرة على معرفتها بفكره وتجربته. فهو سيّد الطبيعة القويّ، وليس خادمها الذّليل الخاضع المطيع.

*من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".


(2) في نهج البلاغة، عن الإمام عليّ (عليه السلام): "وسمع رجلاً يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال (عليه السلام): إنّ قولنا: إنّا لله، إقرار على أنفسنا بالملك، وقولنا: وإنّا إليه راجعون، إقرار على أنفسنا بالهلك". نهج البلاغة ص 485.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية