أعجب مظهرٍ من مظاهر الانهيار، هو التَّناقض الَّذي كان موجوداً بين قلب الأمَّة وعواطفها وعملها؛ هذا التَّناقض الَّذي عبَّر عنه الفرزدق بقوله للإمام الحسين(ع): "إنَّ قلوبهم معك وسيوفهم عليك".
وليس معنى ذلك أنَّ جماعةً قلوبهم معك، وجماعةً أخرى سيوفهم عليك، بل الوحدات الثَّمانية في التّناقض كلّها محفوظة، ولكن مع هذا لا تناقض، لأنَّ هذا الشَّخص الَّذي لا يملك إرادته، يمكن أن تتحرَّك يده على خلاف قلبه وعاطفته، ولهذا كنّا نراهم يبكون ويقتلون الإمام الحسين(ع)، لأنَّهم يشعرون بقتلهم له أنَّهم يقتلون مجدهم، يقتلون آخر آمالهم، يقتلون البقيَّة الباقية من تراث الإمام عليّ(ع)؛ هذه البقيَّة الَّتي كان يعقد عليها كلّ الواعين من المسلمين الأمل في إعادة إحياء الإسلام..
كانوا يشعرون بأنَّهم يقتلون الأمل الوحيد الباقي للتخلّص من الظّلم القائم، ولكنَّهم مع هذا الشّعور، لم يكونوا يستطيعون إلا أن يقفوا هذا الموقف ويقتلوا الإمام الحسين.. قتلوه وهم يبكون.
وأسأل الله أن لا يجعلنا نقتل الإمام الحسين(ع) ونحن نبكي عليه، أن لا يجعلنا نقتل أهداف الحسين ونحن نبكي. الإمام الحسين ليس إنساناً محدوداً عاش من سنة كذا ومات في سنة كذا، الإمام الحسين هو الإسلام ككلّ، هو كلّ هذه الأهداف الَّتي ضحَّى من أجلها، وهذه الأهداف هي الإمام الحسين، لأنَّها هي روحه، وهي فكره، وهي قلبه، وهي عواطفه، وكلّ مضمون الإمام الحسين هو هذه الأهداف؛ هو هذه القيم المتمثِّلة في الإسلام.
فكما أنَّ أهل الكوفة و(أهل الشّام)، كانوا يقتلون الإمام الحسين وهم يبكون، فهناك خطر كبير في أن نُمنى نحن بالمحنة نفسها؛ أن نقتل الحسين ونحن نبكي.
يجب أن نشعر بأنَّنا لا نكون على الأقلّ قتلة للحسين ونحن باكون. البكاء لا يعني أننا غير قاتلين للحسين، لأنَّ البكاء لو كان وحده يعني أنَّ الإنسان غير قاتل للإمام، إذاً لما كان عمر بن سعد قاتلاً للحسين، لأنَّ عمر بن سعد بنفسه بكى حينما مرَّت زينب(ع) في موكب السَّبايا بالضّحايا، والتفتت إلى أخيها، واتَّجهت إلى رسول الله(ص) تستنجده، أو تستصرخه، أو تخبره عن جثّة الإمام الحسين وهي بالعراء، وعن السَّبايا وهم مشتَّتون، وعن الأطفال وهم مقيَّدون. حينما أخبرت جدَّها بكلِّ ذلك، ضجَّ القتلة كلّهم بالبكاء؛ بكى السفّاكون، بكى هؤلاء الَّذين أوقعوا هذه المجازر.. بكوا أنفسهم، إذاً فالبكاء وحده ليس ضماناً، والعاطفة وحدها ليست ضماناً لإثبات أنَّ صاحب العاطفة لا يقف موقفاً يقتل فيه الإمام الحسين أو يقتل أهداف الإمام.
لا بدَّ من امتحان، لا بدَّ من تأمّل، لا بدَّ من تدبّر، لا بدَّ من تعقّل، لكي نتأكَّد أنّنا لسنا من قتلة الإمام.. ومجرَّد أنَّنا نحبّ الإمام، ومجرَّد أنَّنا نزور الإمام الحسين، ومجرَّد أنَّنا نبكي الإمام الحسين، ومجرَّد أنَّنا نمشي إلى زيارته(ع)، كلّ هذا شيء عظيم، شيء جيِّد، شيء ممتاز، شيء راجح، لكنَّ هذا الشَّيء الرّاجح لا يكفي ضماناً ودليلاً لكي يثبت أنّنا لا نساهم في قتل الإمام. يجب أن نحاسب أنفسنا، يجب أن نتأمَّل في سلوكنا، يجب أن نعيش موقفاً بدرجةٍ أكبر من التدبّر والعمق والإحاطة والانفتاح على كلِّ المضاعفات والملابسات، لكي نتأكَّد من أنّنا لا نمارس من قريبٍ أو بعيد، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، قتل الإمام الحسين(ع).
[المصدر: من محاضرة للشَّهيد السيِّد محمَّد باقر الصَّدر نشرها أحد تلامذته بعنوان "الحسين يكتب قصَّته الأخيرة"].

أعجب مظهرٍ من مظاهر الانهيار، هو التَّناقض الَّذي كان موجوداً بين قلب الأمَّة وعواطفها وعملها؛ هذا التَّناقض الَّذي عبَّر عنه الفرزدق بقوله للإمام الحسين(ع): "إنَّ قلوبهم معك وسيوفهم عليك".
وليس معنى ذلك أنَّ جماعةً قلوبهم معك، وجماعةً أخرى سيوفهم عليك، بل الوحدات الثَّمانية في التّناقض كلّها محفوظة، ولكن مع هذا لا تناقض، لأنَّ هذا الشَّخص الَّذي لا يملك إرادته، يمكن أن تتحرَّك يده على خلاف قلبه وعاطفته، ولهذا كنّا نراهم يبكون ويقتلون الإمام الحسين(ع)، لأنَّهم يشعرون بقتلهم له أنَّهم يقتلون مجدهم، يقتلون آخر آمالهم، يقتلون البقيَّة الباقية من تراث الإمام عليّ(ع)؛ هذه البقيَّة الَّتي كان يعقد عليها كلّ الواعين من المسلمين الأمل في إعادة إحياء الإسلام..
كانوا يشعرون بأنَّهم يقتلون الأمل الوحيد الباقي للتخلّص من الظّلم القائم، ولكنَّهم مع هذا الشّعور، لم يكونوا يستطيعون إلا أن يقفوا هذا الموقف ويقتلوا الإمام الحسين.. قتلوه وهم يبكون.
وأسأل الله أن لا يجعلنا نقتل الإمام الحسين(ع) ونحن نبكي عليه، أن لا يجعلنا نقتل أهداف الحسين ونحن نبكي. الإمام الحسين ليس إنساناً محدوداً عاش من سنة كذا ومات في سنة كذا، الإمام الحسين هو الإسلام ككلّ، هو كلّ هذه الأهداف الَّتي ضحَّى من أجلها، وهذه الأهداف هي الإمام الحسين، لأنَّها هي روحه، وهي فكره، وهي قلبه، وهي عواطفه، وكلّ مضمون الإمام الحسين هو هذه الأهداف؛ هو هذه القيم المتمثِّلة في الإسلام.
فكما أنَّ أهل الكوفة و(أهل الشّام)، كانوا يقتلون الإمام الحسين وهم يبكون، فهناك خطر كبير في أن نُمنى نحن بالمحنة نفسها؛ أن نقتل الحسين ونحن نبكي.
يجب أن نشعر بأنَّنا لا نكون على الأقلّ قتلة للحسين ونحن باكون. البكاء لا يعني أننا غير قاتلين للحسين، لأنَّ البكاء لو كان وحده يعني أنَّ الإنسان غير قاتل للإمام، إذاً لما كان عمر بن سعد قاتلاً للحسين، لأنَّ عمر بن سعد بنفسه بكى حينما مرَّت زينب(ع) في موكب السَّبايا بالضّحايا، والتفتت إلى أخيها، واتَّجهت إلى رسول الله(ص) تستنجده، أو تستصرخه، أو تخبره عن جثّة الإمام الحسين وهي بالعراء، وعن السَّبايا وهم مشتَّتون، وعن الأطفال وهم مقيَّدون. حينما أخبرت جدَّها بكلِّ ذلك، ضجَّ القتلة كلّهم بالبكاء؛ بكى السفّاكون، بكى هؤلاء الَّذين أوقعوا هذه المجازر.. بكوا أنفسهم، إذاً فالبكاء وحده ليس ضماناً، والعاطفة وحدها ليست ضماناً لإثبات أنَّ صاحب العاطفة لا يقف موقفاً يقتل فيه الإمام الحسين أو يقتل أهداف الإمام.
لا بدَّ من امتحان، لا بدَّ من تأمّل، لا بدَّ من تدبّر، لا بدَّ من تعقّل، لكي نتأكَّد أنّنا لسنا من قتلة الإمام.. ومجرَّد أنَّنا نحبّ الإمام، ومجرَّد أنَّنا نزور الإمام الحسين، ومجرَّد أنَّنا نبكي الإمام الحسين، ومجرَّد أنَّنا نمشي إلى زيارته(ع)، كلّ هذا شيء عظيم، شيء جيِّد، شيء ممتاز، شيء راجح، لكنَّ هذا الشَّيء الرّاجح لا يكفي ضماناً ودليلاً لكي يثبت أنّنا لا نساهم في قتل الإمام. يجب أن نحاسب أنفسنا، يجب أن نتأمَّل في سلوكنا، يجب أن نعيش موقفاً بدرجةٍ أكبر من التدبّر والعمق والإحاطة والانفتاح على كلِّ المضاعفات والملابسات، لكي نتأكَّد من أنّنا لا نمارس من قريبٍ أو بعيد، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، قتل الإمام الحسين(ع).
[المصدر: من محاضرة للشَّهيد السيِّد محمَّد باقر الصَّدر نشرها أحد تلامذته بعنوان "الحسين يكتب قصَّته الأخيرة"].