الإمام الحسن بن علي العسكري(ع) مكانة علمية وثقة اجتماعية

الإمام الحسن بن علي العسكري(ع) مكانة علمية وثقة اجتماعية

وُلِدَ الإمام الحسن بن عليّ العسكري(ع) عام 232هـ في المدينة، وتوفّي عام260هـ في سامراء، وقد استفاض المؤرخون في ذكر فضله، حيث يقول الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد): "كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد(ع) ابنه أبا محمدٍ الحسن بن عليّ، لاجتماع خلال (خصال) الفضل فيه، وتقدّمِهِ على كافّة أهل عصره في ما يُوجبُ له الإمامة ويقتضي له الرئاسة، من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقرّبة إلى الله"(1).

وأمّا لَقَبُ "العسكري"، فنسبةً إلى البلد التي كان يُقيم فيها، وهي التي تسمّى الآن "سامرّاء" أو "سُرَّ مَنْ رأى"، وقد بنى هذه المدينة الحكّام العباسيّون، وذلك لإقامة الجند فيها، ولذلك، فإنَّ أغلب النّاس الذين كانوا يقطنون هذه المدينة يُطلق عليهم لقب "العسكريّ".

والإمام العسكري(ع) عاش كما عاش آباؤهُ من أئمة أهل البيت(ع) في موقع الإمامة من أجل فتح عقول النّاس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الذي انطلق به رسول الله(ص)، وسار فيه أئمة أهل البيت(ع)، باعتبار أنّهم أمناء الله على الرسالة، ولأنهم خلفاؤه سبحانه في أرضه وحججه على عباده.. وقد تتلمذ عليه الكثيرون من الرواة والعلماء، وأثّر في مجتمعه بالرغم من حداثة سنه تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى أنَّ أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. وكما ذكرنا، فإنَّه بالرغم من أنَّه كان أصغر الأئمة عمراً، لكنّه استطاع أن يستولي على ثقة المجتمع كلِّه، وكان يُقَدَّم على شيوخ بني هاشم، والمجتمع كلُّه يقدّمه ويثقُ به ويتحرّك باتجاه علمه وإمامته.

وفي سيرته(ع) أنَّه بلغ عدد الرواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة مع الاختلاف في وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثقافي آنذاك بالمكانة العلميّة التي يمثّلها الإمام الحسن العسكري(ع)، لأنَّ الرواة ليسوا مجرّد أشخاص يسألون، بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه.

وقد ذُكر في كتاب "المناقب" أنَّ من ثقاته: "عليّ بن جعفر، وأبا هاشم داود بن القاسم الجعفريّ (وقد عاصر خمسةً من الأئمة)، وداود بن أبي يزيد النيسابوريّ، ومحمد بن علي بن بلال، وعبد الله بن جعفر القمّي، وأبا عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الزيّات، وإسحاق بن الربيع الكوفيّ، وأبا القاسم جابر بن يزيد الفارسيّ، وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوريّ.

ومن وكلائه محمد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل الصّيقل، وقد أدركا أباه وابنه.

ومن أصحابه: محمّد بن الحسن الصفّار، وعبدوس العطّار، وسريُّ بن سلامة النيسابوريّ، وأبو طالب الحسن بن جعفر المنافاي، وأبو البختري"(2).

وكما قلنا، فإنَّ أعداءه أنفسهم دانوا له بالفضل، وامتلك امتداداً من التعظيم والإجلال في مواقع المجتمع كلِّها، بما في ذلك الوزراء والثوّار وطبقات المجتمع.. وهناك وثيقةٌ تاريخيّة تنقل لنا ذلك:

"كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج، وهو أحد أولاد رجال الدولة العباسيّة، وكان أبوه وزيراً للمعتمد بـ(قُم)، فجرى في مجلسه يوماً ذكرُ العلويّة ومذاهبهم، وكان شديد النَصْب والانحراف عن أهل البيت(ع)، فقال: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ من رأى (سامرّاء) من العلويّة مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَدْيه وسكونه وعفافه ونُبْله، وكبْرَتِه (إكباره) عند أهل بيته وبني هاشم كافّة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السِّن منهم والخَطَر (المقام الكبير)، وكذلك كانت حالُه عند القوّاد والوزراء وعامّة النّاس.

فأذكُر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي وهو يومُ مجلسه للنّاس، إذ دخل حجّابُه، فقالوا: أبو محمد بنُ الرّضا بالباب، فقال بصوتٍ عالٍ: ائذنوا له، فتعجّبتُ مما سمعت منهم ومن جسارتهم أن يُكَنُّوا رجلاً بحضرة أبي، ولم يكن يُكنَّى عنده إلا خليفةٌ أو وليُّ عهدٍ أو مَن أمر السلطان أن يُكَنَّى، فدخل رجلٌ أسمرُ حَسَنُ القامة جميل الوجه جيِّد البدن حديث السن، له جلالةٌ وهيئةٌ حَسَنة، فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خُطىً، ولا أعلمه فعلَ هذا بأحدٍ من بني هاشم والقوّاد، فلمّا دنا منه عانقه وقبَّل وجهه وصدره، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويُفدِّيه بنفسه، وأنا متعجّبٌ مما أرى منه، إذ دخل الحاجب، فقال: الموفّق (ابن المتوكّل العباسي وأخو الخلفاء المعتزّ والمهدي والمعتمد) قد جاء، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدّمه حجّابُه وخاصة قوّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدّار سِماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد (العسكري) يحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصّة، فقال حينئذٍ له: إذا شئتَ فقم جعلني الله فداك، ثم قال لحجّابه: خذوا به خلفَ السِماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفّق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى.

فقلت لحُجّاب أبي وغلمانه: ويلكم مَن هذا الذي كنّيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويٌّ يُقَالُ له: الحسنُ بن عليّ يُعْرَف بـ"ابن الرضا"، فازددتُ تعجُّباً، ولم أزل بوحي ذلك قَلِقاً مفكّراً في أمره وأمر أبي وما رأيتُه منه حتى كان الليل، وكانت عادتُه أن يصلّي العتمة (أي العشاء) ثم يجلس فينظر في ما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان.

فلما صلّى وجلس جئتُ فجلستُ بين يديه وليس عنده أحدٌ، فقال لي: يا أحمد، ألك حاجةٌ؟ فقلت: نعم يا أبَهْ، فإن أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت، قلت: يا أبه، من الرجلُ الذي رأيته بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبوَيْك؟ فقال: يا بنيّ، ذاك إمام الرافضة الحسن بن عليّ، المعروف بابن الرّضا، ثم سكت ساعةً وأنا ساكتٌ، ثم قال: با بُنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العبّاس، ما استحقّها أحدٌ من بني هاشم غيره، لفضله وعفافه وهَدْيه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه (الإمام الهادي) رأيت رجلاً جَزْلاً نبيلاً فاضلاً. فازددتُ قلقاً وتفكّراً على أبي وما سمعتُ منه فيه ورأيت من فعله به، فلم يكن لي همّةٌ بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره والبحث عن أمره.

فما سألتُ أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس إلا وجدتُه عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلِّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فَعَظُم قَدْرُه عندي، إذْ لم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يُحسن القولَ فيه والثناءَ عليه"(3).

فالإنسان الذي يلتقي أعداؤه وأولياؤه على تعظيمه ومدحه والثناء عليه، هو إنسانٌ استطاع أن يقتحم عقول الناس وقلوبهم بكلِّ ما يرفع ثقافتهم، وما يؤكّد الخيرَ والعلم والعدلَ في حياتهم كلّها، لأنَّه لا يمكن أن يلتقي الناس على شخص إلاَّ إذا استطاع أن يفرض نفسه عليهم بكلّ الطاقات العلمية والروحية والأخلاقية التي تتمثّل فيه. وهكذا كان الإمام العسكريُّ(ع).

المصادر:

(1) الإرشاد، ص:313.

(2) مناقب آل أبي طالب، ج:4، ص:423.

(3) الإرشاد للمفيد، ص:321 وما يليها.

وُلِدَ الإمام الحسن بن عليّ العسكري(ع) عام 232هـ في المدينة، وتوفّي عام260هـ في سامراء، وقد استفاض المؤرخون في ذكر فضله، حيث يقول الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد): "كان الإمام بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد(ع) ابنه أبا محمدٍ الحسن بن عليّ، لاجتماع خلال (خصال) الفضل فيه، وتقدّمِهِ على كافّة أهل عصره في ما يُوجبُ له الإمامة ويقتضي له الرئاسة، من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقرّبة إلى الله"(1).

وأمّا لَقَبُ "العسكري"، فنسبةً إلى البلد التي كان يُقيم فيها، وهي التي تسمّى الآن "سامرّاء" أو "سُرَّ مَنْ رأى"، وقد بنى هذه المدينة الحكّام العباسيّون، وذلك لإقامة الجند فيها، ولذلك، فإنَّ أغلب النّاس الذين كانوا يقطنون هذه المدينة يُطلق عليهم لقب "العسكريّ".

والإمام العسكري(ع) عاش كما عاش آباؤهُ من أئمة أهل البيت(ع) في موقع الإمامة من أجل فتح عقول النّاس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الذي انطلق به رسول الله(ص)، وسار فيه أئمة أهل البيت(ع)، باعتبار أنّهم أمناء الله على الرسالة، ولأنهم خلفاؤه سبحانه في أرضه وحججه على عباده.. وقد تتلمذ عليه الكثيرون من الرواة والعلماء، وأثّر في مجتمعه بالرغم من حداثة سنه تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى أنَّ أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. وكما ذكرنا، فإنَّه بالرغم من أنَّه كان أصغر الأئمة عمراً، لكنّه استطاع أن يستولي على ثقة المجتمع كلِّه، وكان يُقَدَّم على شيوخ بني هاشم، والمجتمع كلُّه يقدّمه ويثقُ به ويتحرّك باتجاه علمه وإمامته.

وفي سيرته(ع) أنَّه بلغ عدد الرواة عنه 149 حدّثوا عنه بلا واسطة مع الاختلاف في وثاقتهم ومنازلهم، ما يدلُّ على اهتمام المجتمع الثقافي آنذاك بالمكانة العلميّة التي يمثّلها الإمام الحسن العسكري(ع)، لأنَّ الرواة ليسوا مجرّد أشخاص يسألون، بل كانوا يمثّلون أساتذة المجتمع في الثقافة الإسلاميّة، ومواقع المعرفة فيه.

وقد ذُكر في كتاب "المناقب" أنَّ من ثقاته: "عليّ بن جعفر، وأبا هاشم داود بن القاسم الجعفريّ (وقد عاصر خمسةً من الأئمة)، وداود بن أبي يزيد النيسابوريّ، ومحمد بن علي بن بلال، وعبد الله بن جعفر القمّي، وأبا عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الزيّات، وإسحاق بن الربيع الكوفيّ، وأبا القاسم جابر بن يزيد الفارسيّ، وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوريّ.

ومن وكلائه محمد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل الصّيقل، وقد أدركا أباه وابنه.

ومن أصحابه: محمّد بن الحسن الصفّار، وعبدوس العطّار، وسريُّ بن سلامة النيسابوريّ، وأبو طالب الحسن بن جعفر المنافاي، وأبو البختري"(2).

وكما قلنا، فإنَّ أعداءه أنفسهم دانوا له بالفضل، وامتلك امتداداً من التعظيم والإجلال في مواقع المجتمع كلِّها، بما في ذلك الوزراء والثوّار وطبقات المجتمع.. وهناك وثيقةٌ تاريخيّة تنقل لنا ذلك:

"كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج، وهو أحد أولاد رجال الدولة العباسيّة، وكان أبوه وزيراً للمعتمد بـ(قُم)، فجرى في مجلسه يوماً ذكرُ العلويّة ومذاهبهم، وكان شديد النَصْب والانحراف عن أهل البيت(ع)، فقال: ما رأيت ولا عرفت بسُرَّ من رأى (سامرّاء) من العلويّة مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَدْيه وسكونه وعفافه ونُبْله، وكبْرَتِه (إكباره) عند أهل بيته وبني هاشم كافّة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السِّن منهم والخَطَر (المقام الكبير)، وكذلك كانت حالُه عند القوّاد والوزراء وعامّة النّاس.

فأذكُر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي وهو يومُ مجلسه للنّاس، إذ دخل حجّابُه، فقالوا: أبو محمد بنُ الرّضا بالباب، فقال بصوتٍ عالٍ: ائذنوا له، فتعجّبتُ مما سمعت منهم ومن جسارتهم أن يُكَنُّوا رجلاً بحضرة أبي، ولم يكن يُكنَّى عنده إلا خليفةٌ أو وليُّ عهدٍ أو مَن أمر السلطان أن يُكَنَّى، فدخل رجلٌ أسمرُ حَسَنُ القامة جميل الوجه جيِّد البدن حديث السن، له جلالةٌ وهيئةٌ حَسَنة، فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خُطىً، ولا أعلمه فعلَ هذا بأحدٍ من بني هاشم والقوّاد، فلمّا دنا منه عانقه وقبَّل وجهه وصدره، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويُفدِّيه بنفسه، وأنا متعجّبٌ مما أرى منه، إذ دخل الحاجب، فقال: الموفّق (ابن المتوكّل العباسي وأخو الخلفاء المعتزّ والمهدي والمعتمد) قد جاء، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدّمه حجّابُه وخاصة قوّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدّار سِماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد (العسكري) يحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصّة، فقال حينئذٍ له: إذا شئتَ فقم جعلني الله فداك، ثم قال لحجّابه: خذوا به خلفَ السِماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفّق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى.

فقلت لحُجّاب أبي وغلمانه: ويلكم مَن هذا الذي كنّيتموه بحضرة أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علويٌّ يُقَالُ له: الحسنُ بن عليّ يُعْرَف بـ"ابن الرضا"، فازددتُ تعجُّباً، ولم أزل بوحي ذلك قَلِقاً مفكّراً في أمره وأمر أبي وما رأيتُه منه حتى كان الليل، وكانت عادتُه أن يصلّي العتمة (أي العشاء) ثم يجلس فينظر في ما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان.

فلما صلّى وجلس جئتُ فجلستُ بين يديه وليس عنده أحدٌ، فقال لي: يا أحمد، ألك حاجةٌ؟ فقلت: نعم يا أبَهْ، فإن أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت، قلت: يا أبه، من الرجلُ الذي رأيته بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبوَيْك؟ فقال: يا بنيّ، ذاك إمام الرافضة الحسن بن عليّ، المعروف بابن الرّضا، ثم سكت ساعةً وأنا ساكتٌ، ثم قال: با بُنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العبّاس، ما استحقّها أحدٌ من بني هاشم غيره، لفضله وعفافه وهَدْيه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه (الإمام الهادي) رأيت رجلاً جَزْلاً نبيلاً فاضلاً. فازددتُ قلقاً وتفكّراً على أبي وما سمعتُ منه فيه ورأيت من فعله به، فلم يكن لي همّةٌ بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره والبحث عن أمره.

فما سألتُ أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر النّاس إلا وجدتُه عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلِّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فَعَظُم قَدْرُه عندي، إذْ لم أرَ له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يُحسن القولَ فيه والثناءَ عليه"(3).

فالإنسان الذي يلتقي أعداؤه وأولياؤه على تعظيمه ومدحه والثناء عليه، هو إنسانٌ استطاع أن يقتحم عقول الناس وقلوبهم بكلِّ ما يرفع ثقافتهم، وما يؤكّد الخيرَ والعلم والعدلَ في حياتهم كلّها، لأنَّه لا يمكن أن يلتقي الناس على شخص إلاَّ إذا استطاع أن يفرض نفسه عليهم بكلّ الطاقات العلمية والروحية والأخلاقية التي تتمثّل فيه. وهكذا كان الإمام العسكريُّ(ع).

المصادر:

(1) الإرشاد، ص:313.

(2) مناقب آل أبي طالب، ج:4، ص:423.

(3) الإرشاد للمفيد، ص:321 وما يليها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية