كان السيّد يحب الصّلاة وإيحاءاتها، إلى جانب التوسّل بالرحمة ودعاء الله تعالى، بما فيها من معانٍ سامية وترفّعٍ وارتقاء إلى أنوار الهدى ومشارق التقى وروعة الصّلاح. هكذا كانت لحظات السيّد الصوفيّة والعرفانية الرائعة، لأنّه لم يفهم التصوّف أو العرفان سوى علاقة مع الله، ونبضة حبيبة في القلب، ونغم إنساني يتحسس كلّ هموم الناس وقضاياهم ومشاكلهم، فصلاة السيّد الدعائية خطاب بينه وبين الخالق، وسموّ لا يدانيه مدى، ونور يفيض إشراقةً وصفاءً وحبّاً.
نظم السيد محمد حسين فضل الله قصيدة "
صلاة" في الخمسينيّات، في مدينة بنت جبيل؛ مرتع صباه وملعب أحلامه. هذه القصيدة شكلّت توجهاً آخر في منهج السيّد الروحي واتجاهه الديني المؤسّس على بناء متين هو الاعتصام بحبل الله والالتزام بشريعته وأوامره ونواهيه.
ألم تكن الصّلاة دُعاءً وتوسُّلاً ورجاءً؟ ألم يُقم السيِّد الصّلاة والدعاء قولاً وفعلاً وسلوكاً، وحتّى شعراً؟ تلك هي المعاني التي يمكن استدرارها من مطوّلته "
صلاة" في ديوان "
قصائد للإسلام والحياة":
"أنا هنا يا ربِّ.. في زورق الحيرة.. أجري في المدى الضـيِّق
كأنني روحُ صبـاحٍ غـفا على التـفاتاتِ السّـنا الريـِّقِ
يحلمُ بالفرحةِ تكسو الرُّبـى ببسمـةٍ مـن حُلمِها الشيـِّقِ
فلم يفقْ إلا عـلى غيـمةٍ سوداءَ تطـوي روعـةَ المشْرقِ
سافرةٍ بالنُّورِ... ما هـمُّها إنْ رْفرَفَ الفـَجْرُ.. ولم يُشِرقِ
هذا هو الحلم الرّوحي والرداء النبيل الذي ارتداه السيّد في الليلة القمراء وعبر الشاطئ الأزرق؛ شاطئ النجاة والخلاص:
"أنـا هـنا ـ يـا ربّ ـ في ليـلة قمراء.. أحسـو خـمرة المطـلقِ
وفي جفـوني دعـوةٌ حُـرّةٌ للنُّـور عبرَ الشـاطئ الأزرقِ
ألمحهُ كالـموج إنْ تَنْـطَـلِقْ دنيـاهُ في أنشـودةِ الـزَّوْرَقِ
فتـارةً يحـنو عـلى ظِـلِّه سكـران في إغـفاءة المرهـَقِ
وتارةً ـ يطغى ـ كمجنونةٍ مزَّقـتِ الـحلم ولم تشـفقِ"
وهذا هو عالم الروح، عالم المثالية والحقّ والخير والجمال، خمرة المطلق
/ الدعوة الحرّة/ النوّر الأمل/ الموج الحياة/ الإغفاءة والتهويمة الحالمة/ الثورة المجدّدة... اللهفة للمدى المجهول، للغيب الذي يحبّه السيد ويهواه:
"وفي كياني لهفَةٌ.. للمـدى المجهول.. للغيب.. فهل نـلتـقي
حسبي غموضُ السِرّ أحيى به فـلم أزلْ مـن نبـعهِ أستـقي
أحـسُّه بخاطري ـ عالـماً يـمـوجُ بالأشبـاح إن يخفـقِ
مبهـمة اللـون ضبـابيـة.. الأحـلام والأشـواقِ والرَّوْنـَقِ
أُحِـسُّه فينتشي خاطِـرِي وتركُـضُ الأضواءُ في مـَفْرِقي"
ويبقى الدعاء، وتبقى المناجاة، كيف لا والحديث عن الروح!
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: 85]. وأيّ روح أسمى من روح المؤمن المتبتل المنقطع إلى الله، ليس زهداً فحسب، وإنما تحركاً وتحسساً للمسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان؛ خليفة الله تعالى في الأرض. ولهذا نجد قصائد السيّد صلوات مختومة بدعاء الرّجاء والأمل، ونجد حضور النّور الدائم مقابل ظلام الكفر والغيّ والضّلال:
"وهـا أنا يا ربِّ في روحـي الحيرى... أناجيك فهل أرتقي
حسبي إذا الإثمُ طغى في دمي إشعاعةٌ من طُـهرك المُشرقِ
ينـهل في قلبي حنـاناً كما.. ينهل بالطُّهرِ شـذَى الزَّنبَقِ"
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"
كان السيّد يحب الصّلاة وإيحاءاتها، إلى جانب التوسّل بالرحمة ودعاء الله تعالى، بما فيها من معانٍ سامية وترفّعٍ وارتقاء إلى أنوار الهدى ومشارق التقى وروعة الصّلاح. هكذا كانت لحظات السيّد الصوفيّة والعرفانية الرائعة، لأنّه لم يفهم التصوّف أو العرفان سوى علاقة مع الله، ونبضة حبيبة في القلب، ونغم إنساني يتحسس كلّ هموم الناس وقضاياهم ومشاكلهم، فصلاة السيّد الدعائية خطاب بينه وبين الخالق، وسموّ لا يدانيه مدى، ونور يفيض إشراقةً وصفاءً وحبّاً.
نظم السيد محمد حسين فضل الله قصيدة "
صلاة" في الخمسينيّات، في مدينة بنت جبيل؛ مرتع صباه وملعب أحلامه. هذه القصيدة شكلّت توجهاً آخر في منهج السيّد الروحي واتجاهه الديني المؤسّس على بناء متين هو الاعتصام بحبل الله والالتزام بشريعته وأوامره ونواهيه.
ألم تكن الصّلاة دُعاءً وتوسُّلاً ورجاءً؟ ألم يُقم السيِّد الصّلاة والدعاء قولاً وفعلاً وسلوكاً، وحتّى شعراً؟ تلك هي المعاني التي يمكن استدرارها من مطوّلته "
صلاة" في ديوان "
قصائد للإسلام والحياة":
"أنا هنا يا ربِّ.. في زورق الحيرة.. أجري في المدى الضـيِّق
كأنني روحُ صبـاحٍ غـفا على التـفاتاتِ السّـنا الريـِّقِ
يحلمُ بالفرحةِ تكسو الرُّبـى ببسمـةٍ مـن حُلمِها الشيـِّقِ
فلم يفقْ إلا عـلى غيـمةٍ سوداءَ تطـوي روعـةَ المشْرقِ
سافرةٍ بالنُّورِ... ما هـمُّها إنْ رْفرَفَ الفـَجْرُ.. ولم يُشِرقِ
هذا هو الحلم الرّوحي والرداء النبيل الذي ارتداه السيّد في الليلة القمراء وعبر الشاطئ الأزرق؛ شاطئ النجاة والخلاص:
"أنـا هـنا ـ يـا ربّ ـ في ليـلة قمراء.. أحسـو خـمرة المطـلقِ
وفي جفـوني دعـوةٌ حُـرّةٌ للنُّـور عبرَ الشـاطئ الأزرقِ
ألمحهُ كالـموج إنْ تَنْـطَـلِقْ دنيـاهُ في أنشـودةِ الـزَّوْرَقِ
فتـارةً يحـنو عـلى ظِـلِّه سكـران في إغـفاءة المرهـَقِ
وتارةً ـ يطغى ـ كمجنونةٍ مزَّقـتِ الـحلم ولم تشـفقِ"
وهذا هو عالم الروح، عالم المثالية والحقّ والخير والجمال، خمرة المطلق
/ الدعوة الحرّة/ النوّر الأمل/ الموج الحياة/ الإغفاءة والتهويمة الحالمة/ الثورة المجدّدة... اللهفة للمدى المجهول، للغيب الذي يحبّه السيد ويهواه:
"وفي كياني لهفَةٌ.. للمـدى المجهول.. للغيب.. فهل نـلتـقي
حسبي غموضُ السِرّ أحيى به فـلم أزلْ مـن نبـعهِ أستـقي
أحـسُّه بخاطري ـ عالـماً يـمـوجُ بالأشبـاح إن يخفـقِ
مبهـمة اللـون ضبـابيـة.. الأحـلام والأشـواقِ والرَّوْنـَقِ
أُحِـسُّه فينتشي خاطِـرِي وتركُـضُ الأضواءُ في مـَفْرِقي"
ويبقى الدعاء، وتبقى المناجاة، كيف لا والحديث عن الروح!
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء: 85]. وأيّ روح أسمى من روح المؤمن المتبتل المنقطع إلى الله، ليس زهداً فحسب، وإنما تحركاً وتحسساً للمسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان؛ خليفة الله تعالى في الأرض. ولهذا نجد قصائد السيّد صلوات مختومة بدعاء الرّجاء والأمل، ونجد حضور النّور الدائم مقابل ظلام الكفر والغيّ والضّلال:
"وهـا أنا يا ربِّ في روحـي الحيرى... أناجيك فهل أرتقي
حسبي إذا الإثمُ طغى في دمي إشعاعةٌ من طُـهرك المُشرقِ
ينـهل في قلبي حنـاناً كما.. ينهل بالطُّهرِ شـذَى الزَّنبَقِ"
المصدر: كتاب "مطارحات في الشعر والفن والأدب"