لو عبّر السيِّد محمَّد حسين فضل الله عن الهمّ الإسلامي المعاصر بلغة العالم أو السياسي أو المصلح الاجتماعي، لما عُنينا بشعره، لأنَّ الشعر فن له أصوله، وهي أصول لا تسلس القياد إلا لأهل الموهبة القادرين على الإبداع من خلال الكلمة الفنية.
إنَّ هدفاً، مهما سما وعظم، لا يمكن أن نتجاوب معه وننفعل بُرؤاه، إلا إذا كانت الأداة التي تصوره أداة فنية تراعي أصول الفن، شعراً كان أو قصة أو مسرحاً. وشعر السيد يحافظ على هذه المعادلة (الهدف ـ والفن)، حيث يتعانق الهدف العظيم والفن الأصيل والصدق الشعوري الذي يعشق الفكرة ويذوب فيها.
ولعلَّ أوضح عناصر التَّجربة الشّعرية عند السيّد، هي اللغة المتفردة التي توظف الطبيعة المتحركة وتستقي منها مفرداتها المأنوسة الهامسة، وهي لغة اعتمدها الشعراء الرومنسيون الأوروبيون والشّعراء العرب الذين تأثروا بهم، من أصحاب مدرسة الديوان والمهجر وأبولو. وقد تأثر السيد في هذا المجال باللغة الرومنسية تأثراً لا يجعل السيد شاعراً ورومنسياً، لأن الرومنسية موقف من الحياة والمجتمع، وهو موقف يختلف عن موقف الإسلام الَّذي يعتنقه السيّد، ولكن اللغة حيادية يمكن أن يوظفها أصحاب الرؤى والنظرات المتفاوتة عن الكون والحياة.
إنَّ مفردات الطبيعة تتعانق مع مفردات الوجدان والأحاسيس والمشاعر ومفردات الموسيقى وأدواتها في لغة السيد، شأنه شأن شعراء الاتجاه الوجداني. وحصيلة هذا، تقريب الفكرة والهمّ الذي يحمله الشاعر إلى نفوس المتلقين، ما يجعل هذه اللغة عنصراً محبّباً إلى الشعر الهادف، لأن اللغة الصائتة الحادة، واللغة التي تعتمد كلياً على القاموس القديم، ربما لا تساعد على خدمة الفكرة وتقريبها إلى الإنسان المعاصر.
والعنصر الآخر في تجربة الشاعر هو الصورة، التي تعتبر عنصراً أساسياً في قيمة التجربة وأصالتها وعمقها. والحق أن مخيلة السيد فضل الله مخيلة خصبة ومكثفة، إذ قلّما تجد قصيدة أو مقطعاً من شعره يخلو من التصوير، ولكنه ـ في الواقع ـ تصوير جزئي عبر الاستعارة أو التشبيه أو التركيب المعبر عن صورة مستحدثة.
وتقل في ديوان السيد الصورة القصصية أو المشهد التركيبـي، وهو المشهد الذي تمثله صورة واحدة متنامية، كما يقل في الديوان مشهد الحوار أو الاستفادة من الفنون الأخرى. ولكنَّنا نجد السيِّد يستثمر الرمز الموضوعي، وهو الَّذي يستثير التراث بما فيه من طاقات تفجر الوعي لدى الجمهور المسلم، ولا سيما الرموز الحية في نفوس أنصار أهل البيت، من مثل رمز الحسين والرموز التي تمثل واقعة كربلاء، وما صاحبها من رموز للشرّ والحقد، من مثل رمز يزيد بن معاوية والشمر بن ذي الجوشن.
وقد يعمد السيد إلى الرموز اللغويَّة من مثل: الدرب والذئاب والكلاب والزورق والضباب والظلام والنور والمستنقع والرياح، وهو يلتقي بهذا مع كثير من الشعراء المعاصرين، والوجدانيون منهم خاصة.
وموسيقى السيّد موسيقى هادئة رخية، وهذا الهدوء متأتٍ من اللغة الهامسة، ومن البحور ذات النبر الرخي، مثل البحر الخفيف الَّذي يستأثر بالكثير من قصائد السيّد.
وبشكلٍ عام، فإنَّ السيِّد يوفّق بين عناصر الكيان الإنساني في تجربته الشّعريَّة بشيء من التَّوازن، فلا يطغى العقل على العاطفة، كما لا تطغى العاطفة على العقل، بل يؤدي كل مكوّنٍ من مكوّنات الذات الإنسانيَّة وظيفته، وهذا يتَّسق ونظريَّة الأدب وفق المفهوم الإسلامي، في الوقت الَّذي تغلو مذاهب الأدب في أوروبا، فيتجاوز العقل أو العاطفة أو الشعور أو اللاشعور على غيره من مكوّنات الوجود الإنساني، ما يجعل التجربة الفنيَّة غير واقعيَّة وغير معبّرة عن الكيان الإنساني ذي النّسب المتزنة.
وفي الختام، يمكن القول إنَّ الشّاعر أعطى لهدفه العقائدي حقّه، كما أعطى للفنّ حقّه من العناية والصّدق والانفعال، وبهذا يتحقّق المطلب المنشود في التّعادل بين الهدف والفن.
المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر
لو عبّر السيِّد محمَّد حسين فضل الله عن الهمّ الإسلامي المعاصر بلغة العالم أو السياسي أو المصلح الاجتماعي، لما عُنينا بشعره، لأنَّ الشعر فن له أصوله، وهي أصول لا تسلس القياد إلا لأهل الموهبة القادرين على الإبداع من خلال الكلمة الفنية.
إنَّ هدفاً، مهما سما وعظم، لا يمكن أن نتجاوب معه وننفعل بُرؤاه، إلا إذا كانت الأداة التي تصوره أداة فنية تراعي أصول الفن، شعراً كان أو قصة أو مسرحاً. وشعر السيد يحافظ على هذه المعادلة (الهدف ـ والفن)، حيث يتعانق الهدف العظيم والفن الأصيل والصدق الشعوري الذي يعشق الفكرة ويذوب فيها.
ولعلَّ أوضح عناصر التَّجربة الشّعرية عند السيّد، هي اللغة المتفردة التي توظف الطبيعة المتحركة وتستقي منها مفرداتها المأنوسة الهامسة، وهي لغة اعتمدها الشعراء الرومنسيون الأوروبيون والشّعراء العرب الذين تأثروا بهم، من أصحاب مدرسة الديوان والمهجر وأبولو. وقد تأثر السيد في هذا المجال باللغة الرومنسية تأثراً لا يجعل السيد شاعراً ورومنسياً، لأن الرومنسية موقف من الحياة والمجتمع، وهو موقف يختلف عن موقف الإسلام الَّذي يعتنقه السيّد، ولكن اللغة حيادية يمكن أن يوظفها أصحاب الرؤى والنظرات المتفاوتة عن الكون والحياة.
إنَّ مفردات الطبيعة تتعانق مع مفردات الوجدان والأحاسيس والمشاعر ومفردات الموسيقى وأدواتها في لغة السيد، شأنه شأن شعراء الاتجاه الوجداني. وحصيلة هذا، تقريب الفكرة والهمّ الذي يحمله الشاعر إلى نفوس المتلقين، ما يجعل هذه اللغة عنصراً محبّباً إلى الشعر الهادف، لأن اللغة الصائتة الحادة، واللغة التي تعتمد كلياً على القاموس القديم، ربما لا تساعد على خدمة الفكرة وتقريبها إلى الإنسان المعاصر.
والعنصر الآخر في تجربة الشاعر هو الصورة، التي تعتبر عنصراً أساسياً في قيمة التجربة وأصالتها وعمقها. والحق أن مخيلة السيد فضل الله مخيلة خصبة ومكثفة، إذ قلّما تجد قصيدة أو مقطعاً من شعره يخلو من التصوير، ولكنه ـ في الواقع ـ تصوير جزئي عبر الاستعارة أو التشبيه أو التركيب المعبر عن صورة مستحدثة.
وتقل في ديوان السيد الصورة القصصية أو المشهد التركيبـي، وهو المشهد الذي تمثله صورة واحدة متنامية، كما يقل في الديوان مشهد الحوار أو الاستفادة من الفنون الأخرى. ولكنَّنا نجد السيِّد يستثمر الرمز الموضوعي، وهو الَّذي يستثير التراث بما فيه من طاقات تفجر الوعي لدى الجمهور المسلم، ولا سيما الرموز الحية في نفوس أنصار أهل البيت، من مثل رمز الحسين والرموز التي تمثل واقعة كربلاء، وما صاحبها من رموز للشرّ والحقد، من مثل رمز يزيد بن معاوية والشمر بن ذي الجوشن.
وقد يعمد السيد إلى الرموز اللغويَّة من مثل: الدرب والذئاب والكلاب والزورق والضباب والظلام والنور والمستنقع والرياح، وهو يلتقي بهذا مع كثير من الشعراء المعاصرين، والوجدانيون منهم خاصة.
وموسيقى السيّد موسيقى هادئة رخية، وهذا الهدوء متأتٍ من اللغة الهامسة، ومن البحور ذات النبر الرخي، مثل البحر الخفيف الَّذي يستأثر بالكثير من قصائد السيّد.
وبشكلٍ عام، فإنَّ السيِّد يوفّق بين عناصر الكيان الإنساني في تجربته الشّعريَّة بشيء من التَّوازن، فلا يطغى العقل على العاطفة، كما لا تطغى العاطفة على العقل، بل يؤدي كل مكوّنٍ من مكوّنات الذات الإنسانيَّة وظيفته، وهذا يتَّسق ونظريَّة الأدب وفق المفهوم الإسلامي، في الوقت الَّذي تغلو مذاهب الأدب في أوروبا، فيتجاوز العقل أو العاطفة أو الشعور أو اللاشعور على غيره من مكوّنات الوجود الإنساني، ما يجعل التجربة الفنيَّة غير واقعيَّة وغير معبّرة عن الكيان الإنساني ذي النّسب المتزنة.
وفي الختام، يمكن القول إنَّ الشّاعر أعطى لهدفه العقائدي حقّه، كما أعطى للفنّ حقّه من العناية والصّدق والانفعال، وبهذا يتحقّق المطلب المنشود في التّعادل بين الهدف والفن.
المصدر: حدائق الشعر الإسلامي المعاصر