نتابع في الأجواء المتعلّقة بالروح والشّعور، في رحاب المعاني الدّقيقة لأدعية الإمام زين العابدين(ع) في الصّحيفة السجاديّة، هذا السِّفر الإسلامي المشتمل على أرقِّ الابتهالات والأدعية وأدقِّها..
يقول الإمام السجّاد(ع): "اللّهمَّ إنّي أعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب، وغلبة الحسد، وضعف الصّبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلُق، وإلحاح الشَّهوة، وملكة الحميّة، ومتابعة الهوى، ومخالفة الهدى، وسِنَة الغفلة، وتعاطي الكُلفة، وإيثار الباطل على الحقّ، والإصرار على المآثم، واستصغار المعصية، واستكثار الطّاعة، ومباهاة المُكثرين، والإزراء بالمقلّين، وسوء الولاية لمن تحت أيدينا، وترك الشّكر لمن اصطنع العارفة عندنا".
يدعو الإمام(ع) ربَّه التعوّذ من المكاره، وعدم الابتلاء بها، والاستغاثة به كي يلطف فينا من سوء الأخلاق، وأن يدفع عنّا كلّ مكروه، وهو أرحم الرّاحمين، وإلى من يتوجَّه الإنسان بالاستعانة إلا بالله الواحد القهّار المهيمن على الأمر كلّه؟!
يتعوَّذ الإمام(ع) بدايةً من الحرص الّذي يسلب منّا إرادتنا وحريّتنا، ويجعلنا عبيداً لشهواتنا وأهوائنا، هذا الحرص الّذي يبعدنا عن رؤية الأمور بوضوح، ويرمينا في أحضان الجهالة والضّلالة، وهو الخطر المحدق بنا، كما يتعوَّذ الإمام من فورة الغضب الذي يفقد الإنسان توازنه، ويخرجه بالتّالي عن الصَّواب والعقلانيّة، بل يصبح كائناً متهوّراً، أمّا الحسد، فو آفة الآفات الّتي يمكن الابتلاء بها، حيث يلوِّث مشاعرنا، ويُسقط إنسانيَّتنا، ويُضعف حضورنا، ويقضي على مشاعرنا.
ويدعو الإمام ربّه أن يثبِّتنا بالصّبر الّذي هو عنوان المؤمن، ومن جميل أخلاقيّاته، إذ إنَّ المؤمن يتميَّز بقوّة الصّبر في مواجهة كلّ الضّغوطات، كما يدعو أن يبعدنا الله عن قلّة القناعة، وأن يرزقنا الكفاف الّذي فيه خيرنا وصلاحنا، ويمتِّعنا بحسن الخلق، ويجنّبنا شكاسته.
ويتعوَّذ الإمام(ع) من إلحاح الشَّهوة النّابعة من الذّات ورغباتها، هذه الشَّهوة الّتي تضغط على صاحبها، والأسوأ، أن ينقاد لها من دون تعقّلٍ، فيقع في المحذور.
كما ويتعوَّذ الإمام(ع) من سيطرة العصبيَّة على الإنسان وفقدانه صوابه، وبالتّالي ضياع الحقّ إذ ذاك، فالمؤمن لا يدع الغضب يتملّكه ويؤثِّر في رؤيته للأمور والتَّعاطي معها.
ويتعوَّذ الإمام أيضاً في دعائه من الاستسلام للهوى الّذي يغيِّب وعينا، ويحاصر عقولنا ويفقدنا توازننا، فلقد حذَّرنا الله تعالى من اتّباع الهوى، ونتائج ذلك السلبيَّة على الواقع.
اللّهمَّ إنّا نعوذ بك كما تعوَّذ بك الإمام زين العابدين(ع) من الغفلة والاستكانة والخنوع، لأنَّ هذه الأمور ليست من خصائص المؤمن الواعي والمتيقّظ على الدّوام لدوره ومسؤوليَّاته.
ولقد أردتنا ـ يا ربّ ـ أن نعبدك بكلِّ عفويّة وقناعة وبساطة، بما يؤكِّد ارتباطنا بك، ولا يجب أن نعيش الكلفة في هذه العبادة، بل نعيشها معنىً في الرّوح، ونشاطاً في الجسد.
ويتعوَّذ الإمام(ع) من اتّباع الباطل، والابتعاد عن التزام الحقِّ ونصرته، فالباطل له أهله البعيدون عن رضا الله تعالى، فلنعش الحقّ فكراً وعاطفةً وحركةً.
ونعوذ بك ـ يا ربّ ـ من الإصرار على المآثم، ومن استصغار المعصية والاستخفاف بها، ونسألك أن تعيننا على أن نكون من السَّاعين إلى التّوبة، والعائدين العودة المحمودة إليك، وعلى أن نستعين بنعمك على طاعتك وأداء حقوقك علينا، وألا نستكثر طاعتك، فمهما فعلنا، لن نستطيع أداء جزء يسيرٍ من حقِّك علينا، وأنت الّذي وهبتنا الوجود كلَّه.
اللّهمَّ ونعوذ بك من المباهاة بكثرة المال والولد والجاه، وأن نهين الفقير والمحتاج، أو نقسو عليهما بمجانبتهما وعدم التّعاطي معهما كما يليق.
اللّهمَّ أنت جعلتنا وكلاء على النّاس والبلاد، فاجعلنا ممّن يقومون بواجباتهم تجاه الحياة بكلّ مصداقيّة وإخلاص ومسؤوليَّة، واجعلنا ممّن يعترفون بالجميل، ويؤدّون الشّكر لمن يستحقّه، فعن الإمام السجّاد(ع): "أشكركم لله، أشكركم للنَّاس".
أوردنا بعضاً من صفات المؤمنين الّتي يجب أن يتحلّوا بها كي يرفعوا من مستوى الحياة والناس بكلّ ما ينفعهما.
إنها الوصايا الروحيّة والأخلاقيّة التي أطلقها الإمام السجّاد(ع) في صحيفته المباركة، لتعلّمنا السّبيل إلى الإخلاص والإيمان وتقوى الله تعالى في حياتنا الخاصّة والعامّة.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.