بين الأخلاق والعادات

بين الأخلاق والعادات

كان سفسطائيّو اليونان القدامى يعلّمون الشباب الجدل الفارغ وفنّ المغالطة والتلاعب بالألفاظ، ويتقاضون أجراً معلوماً على هذا التّشكيك والتّضليل.

وقد شمل نقاش السفسطة فيما شمل، الطعن بالأخلاق، حيث قال السفسطائيون: إنّ الأخلاق تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن زمن إلى زمن، فالخير عند أناس في الشّرق هو شرّ عند آخرين في الغرب، والعدل في زمن كان، هو ظلم في هذا الزّمن، ولو كانت الأخلاق تصدر عن الوحي والعقل ـ كما سبق ـ لكانت بكاملها على نسق واحد، ومن نوعيّة واحدة شرقاً وغرباً وفي كلّ حين.

وحفظ هذه السفسطة من حفظها في هذا العصر، وأخذ يشيعها ويروّجها.

وهذا جهل وخلط بين علم الأخلاق المستقلّ في موضوعه ومنهجه وقواعده كغيره من العلوم، وبين العادات والتقاليد التي توجد وتنشأ من الظروف والمناسبات، ولا ترتكز على أساس من العلم والحقّ. وفيما يلي، نشير إلى الفروق بين مبادئ الأخلاق والعادات:

1 ـ إنّ المبدأ الخلقي، كالصدق والعدل، عامّ وثابت يصلح لكلّ مجتمع في كلّ زمان ومكان، لا يتعدّد أو يتجزّأ، وإنما التعدّد في الفهم وكيفيّة التطبيق، أمّا العادة، فقد تختصّ بالفرد، كالتّدخين، أو بشعب أو قبيلة أو طائفة أو دولة تبعاً لظروفها. وعلى سبيل المثال: ما جاء في كتاب "دراسات إسلاميّة" للدكتور دراز: إنّ قانون الرومان القديم كان يُخوِّل ربَّ الأسرة أن يقتل زوجته وأولاده، وإنّ قانون أسبارطة كان يبيح النّهب والاختلاس في بعض المواسم، وإنّ الأمّهات في الصين كانت ترمي أطفالها إلى الحيوانات المفترسة تخلّصاً من أثقالهم.. وكلّنا يحفظ قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت* بأيّ ذنب قتلت} (8 ـ التكوير).

ومن أغرب ما قرأت في هذا الباب، ما جاء في مجلّة "عالم الفكر" الكويتية، العدد الرابع من المجلّد الأوّل: أنّ جريحاً من البيض في الولايات المتحدة احتاج إلى عمليّة نقل الدم، ولم تتّفق فصيلة دمه إلا مع فصيلة دم السّود، وقد تبرّع هذا المسكين إلى الجريح بدمه لوجه الله والإنسانية، ولكن الممرّضة أخذت الزجاجة التي فيها دم الإنسان الأسود وكسرتها، وتركت الجريح يموت كيلا يختلط دم العبيد بدم السّادات !

فهل هذا إنسانيّة أو وحشيّة؟ وهل قتل الأولاد من إملاق دليل على ضغط الفقر وكفره، أو على قسوة الأمومة والأبوّة؟ وهل قانون القتل والنّهب وإباحتهما من وحي الله والضّمير، أو من الخطأ والجهل بالمقاييس والمعايير؟

2 ـ إن العادة مصدرها الشعور والانفعال أو العرف، أمّا الأخلاق، فمصدرها الوحي والعقل، كما سبقت الإشارة إليه.

3 ـ إن أحكام الأخلاق كلّها صالحة نافعة للفرد والجماعة، أمّا التقاليد والعادات، فمنها الضارّ والنافع، ومنها وجوده كعدمه.

وبعد، فإنّ القاعدة الأخلاقيّة تقوم على معيار إلهيّ وعقليّ، وتنطلق منه إلى التّطبيق والعمل، أمّا العادة، فهي وليدة الظروف والمصادفات، فقياسها على الأخلاق أشبه بقياس اللامعقول على المعقول، واللاقيم وعدم الالتزام على الالتزام والقيم الجاهزة.

*من كتاب "فلسفة الأخلاق في الإسلام".

كان سفسطائيّو اليونان القدامى يعلّمون الشباب الجدل الفارغ وفنّ المغالطة والتلاعب بالألفاظ، ويتقاضون أجراً معلوماً على هذا التّشكيك والتّضليل.

وقد شمل نقاش السفسطة فيما شمل، الطعن بالأخلاق، حيث قال السفسطائيون: إنّ الأخلاق تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن زمن إلى زمن، فالخير عند أناس في الشّرق هو شرّ عند آخرين في الغرب، والعدل في زمن كان، هو ظلم في هذا الزّمن، ولو كانت الأخلاق تصدر عن الوحي والعقل ـ كما سبق ـ لكانت بكاملها على نسق واحد، ومن نوعيّة واحدة شرقاً وغرباً وفي كلّ حين.

وحفظ هذه السفسطة من حفظها في هذا العصر، وأخذ يشيعها ويروّجها.

وهذا جهل وخلط بين علم الأخلاق المستقلّ في موضوعه ومنهجه وقواعده كغيره من العلوم، وبين العادات والتقاليد التي توجد وتنشأ من الظروف والمناسبات، ولا ترتكز على أساس من العلم والحقّ. وفيما يلي، نشير إلى الفروق بين مبادئ الأخلاق والعادات:

1 ـ إنّ المبدأ الخلقي، كالصدق والعدل، عامّ وثابت يصلح لكلّ مجتمع في كلّ زمان ومكان، لا يتعدّد أو يتجزّأ، وإنما التعدّد في الفهم وكيفيّة التطبيق، أمّا العادة، فقد تختصّ بالفرد، كالتّدخين، أو بشعب أو قبيلة أو طائفة أو دولة تبعاً لظروفها. وعلى سبيل المثال: ما جاء في كتاب "دراسات إسلاميّة" للدكتور دراز: إنّ قانون الرومان القديم كان يُخوِّل ربَّ الأسرة أن يقتل زوجته وأولاده، وإنّ قانون أسبارطة كان يبيح النّهب والاختلاس في بعض المواسم، وإنّ الأمّهات في الصين كانت ترمي أطفالها إلى الحيوانات المفترسة تخلّصاً من أثقالهم.. وكلّنا يحفظ قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت* بأيّ ذنب قتلت} (8 ـ التكوير).

ومن أغرب ما قرأت في هذا الباب، ما جاء في مجلّة "عالم الفكر" الكويتية، العدد الرابع من المجلّد الأوّل: أنّ جريحاً من البيض في الولايات المتحدة احتاج إلى عمليّة نقل الدم، ولم تتّفق فصيلة دمه إلا مع فصيلة دم السّود، وقد تبرّع هذا المسكين إلى الجريح بدمه لوجه الله والإنسانية، ولكن الممرّضة أخذت الزجاجة التي فيها دم الإنسان الأسود وكسرتها، وتركت الجريح يموت كيلا يختلط دم العبيد بدم السّادات !

فهل هذا إنسانيّة أو وحشيّة؟ وهل قتل الأولاد من إملاق دليل على ضغط الفقر وكفره، أو على قسوة الأمومة والأبوّة؟ وهل قانون القتل والنّهب وإباحتهما من وحي الله والضّمير، أو من الخطأ والجهل بالمقاييس والمعايير؟

2 ـ إن العادة مصدرها الشعور والانفعال أو العرف، أمّا الأخلاق، فمصدرها الوحي والعقل، كما سبقت الإشارة إليه.

3 ـ إن أحكام الأخلاق كلّها صالحة نافعة للفرد والجماعة، أمّا التقاليد والعادات، فمنها الضارّ والنافع، ومنها وجوده كعدمه.

وبعد، فإنّ القاعدة الأخلاقيّة تقوم على معيار إلهيّ وعقليّ، وتنطلق منه إلى التّطبيق والعمل، أمّا العادة، فهي وليدة الظروف والمصادفات، فقياسها على الأخلاق أشبه بقياس اللامعقول على المعقول، واللاقيم وعدم الالتزام على الالتزام والقيم الجاهزة.

*من كتاب "فلسفة الأخلاق في الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية