مرحلة نزول التّوراة على موسى(ع)

مرحلة نزول التّوراة على موسى(ع)

لا نزال نتحدَّث عن تجربة النّبيِّ موسى(ع) والمراحل الّتي مرَّت بها رسالته، وقد وصلنا إلى مراحلها المتأخِّرة.

رساليّة النبيّ موسى(ع)

لقد كانت مرحلة النّبي موسى(ع) منذ أرسله الله برسالته، هي مرحلة الصِّراع مع فرعون وقومه، من أجل إنقاذ المستضعفين من عشيرته، وإسقاط استكبار فرعون، ودعوته إلى الإيمان بتوحيد الله وعبادته وطاعته، وإبعاده عن التَّفكير الوثنيّ الّذي كان يعيش في خطوطه العباديّة، وتحطيم غروره النّفسيّ في انتفاخ ذاته الَّذي بلغ درجةً اعتبر فيها نفسه ربّاً أعلى يطلب من النّاس أن يخضعوا له خضوع عبادة تأليهيَّة.

وقد حقَّق الله لموسى(ع) ذلك، فاستطاع هزيمة الطّغيان الفرعونيّ بكلِّ أتباعه وأوضاعه، وأنقذ قومه من العبوديّة، فأصبحوا ـ معه ـ أحراراً يملكون أنفسهم، ويقرّرون مصيرهم بأنفسهم... ولكنَّ النّبيَّ موسى(ع) لم يكن شخصاً يبتدع الفكرة الرّساليَّة من خلال ذاته، أو يصنع الشَّريعة للنّاس من خلال حركة ثقافته وموازين عقله، ليكون مجرَّد مصلحٍ يملك عبقريَّة الإصلاح في خطّ النّظام الحركيّ في انطلاقة الواقع، كبقيَّة المصلحين الّذين يتحركون من موقعٍ شخصيٍّ في عمليّة الإصلاح، فتكون الرّسالة بشريّةً لا إلهيَّة، على أساس أنَّ مهمَّته في مسؤوليَّته أمام الله قد انتهت وتحقَّقت بما حقَّقه الله له من النَّتائج الكبرى على مستوى الرّسالة، ليأخذ حريّته الشّخصيَّة في تدبير أمور النّاس من حوله، وخصوصاً الّذين كانوا من قومه. لقد كان موسى رسولاً من قِبَل الله، وقد أعلن في بداية مواجهته لفرعون صفته الرّساليَّة التي تجعله يتحرّك بأمر الله في كلِّ خطواته العمليّة، وفي كلّ أقواله وأفكاره، فليس له أيّ موقعٍ حركيّ في المسؤوليَّة على مستوى الذّات، فهو ـ في حديثه مع فرعون ـ أعلن {أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[1]، وبذلك حدَّد المنطلق لمسيرته في التَّفكير والتَّخطيط والتَّشريع.

انتظار المرحلة الجديدة

وكان موسى(ع) ينتظر وحي الله ليرسم المنهج، وليركِّز الخطَّ ويطلق الشَّريعة، ليكون برنامجه دين الله وشريعته، لا دين موسى وشريعته. وانتظر موسى في المرحلة الجديدة أن ينـزل عليه الوحي، وأن يفصِّل الله له الشّريعة، وجاء وعد الله له بذلك، وحدَّد له موعداً معيَّناً، وأخبره أنَّ الكتاب سينـزل عليه جملةً وتفصيلاً، وأنَّ عليه أن يستوعبه في قلبه قبل أن يكتبه في الألواح، وأن يفكّر فيه ليعرف خصوصيّات القضايا من خلال الخطوط العامّة، وأن يتطلّع إلى آفاق الكتاب كيف تحتوي الحياة في رحابها الواسعة، ليعود إلى قومه حاملاً لهم خطَّ النظريّة وميزان التّطبيق. وعاش في هذا الجوّ تجربةً فريدةً صاعقةً هزَّت كيانه، وعرّضته لموقفٍ صعبٍ محرجٍ مع الله، وهذا ما نستوحيه من جولتنا في هذه الآيات.

جاء في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[2]، فقد أراد الله له أن يأتي إلى موعده معه، ليغيب عن قومه وعن حركته العاديّة اليوميَّة معهم أربعين ليلةً. فكيف كانت ثلاثين ثمّ أتمّها الله بعشر؟ هل هو إتمام طارئ للموعد؟ وكيف ينسجم ذلك مع الله الّذي لا تختلف كلمته، ولا يتخلَّف وعده تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً؟ الظّاهر ـ والله العالم ـ أنَّ المسألة لا تعدو أن تكون تفصيلاً تعبيريّاً فنيّاً عن الأربعين، باعتبار أنَّ الثّلاثين تمثِّل وحدةً زمنيّةً هي الشَّهر، فتكون اللّيالي العشر زيادةً على هذه الوحدة، منفصلةً عنها في المفهوم، متَّصلةً بها في الزَّمن، ولهذا جمعها في نهاية الفقرة.

وبدأ موسى(ع) ينظِّم الأوضاع في مجتمعه ومع قومه، ليجعل لهم قائداً يقود خطاهم إلى الخطوط الإصلاحيّة الإيمانيّة في المسيرة التي بدأها، فكلَّف أخاه هارون الّذي طلب من الله أن يجعله وزيراً له وشريكاً في أمره، ليسيرا معاً من أجل تحقيق الهدف الّذي أراد الله لهما أن يحقِّقاه. وهكذا، زوَّد موسى أخاه هارون بالتّوصيات الحكيمة الّتي تحفظ التوازن لهذا المجتمع، لكي يعود إليه ويكمل مسيرته الّتي أراده الله أن يسير فيها من دون أن يكون في ذلك أيّ شكّ في سلامة مسؤوليّة أخيه، لأنّه يعرف ـ من موقعه الرّساليّ ـ أنّه كان من الرساليّين المنفتحين على الله وعلى الرّسالة.

خلافة هارون لموسى

{وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}، فأنت القائد في غياب القائد، والرسول في غياب الرسول، والمصلح في غياب المصلح، باعتبار أنَّ المسؤوليّة كانت مسؤوليّتي في حضوري، وهي مسؤوليَّتك الكبرى في غيابي، ولا بدَّ لهؤلاء النّاس من أن يعيشوا في امتدادهم العمليّ مع القيادة الروحيَّة المتمثِّلة بشخصك، بحيث تبقي لهم الجوَّ الرّوحيّ الّذي يربطهم بالله ويذكِّرهم بخطِّ الإيمان، لئلا يسقطوا في الغفلة عنه، ويهيِّئ جوّهم العقليّ والروحيّ للمرحلة الجديدة التي أعدّني الله للتحرّك فيها، لأنَّ ابتعادهم عن القيادة، قد يحوّل الواقع في ساحاتهم إلى حالٍ من الفوضى قد تؤدّي بهم إلى الانحراف عن الخطِّ المستقيم، وتعود بهم إلى السّقوط في التراكمات التاريخيّة المملوءة بالرّواسب المتعفّنة، من خلال عقليّة الشِّرك الّذي أوقعهم في مهاوي الذّلّ والعبوديّة في شخصيّاتهم المسحوقة تحت وطأة الاستعباد نتيجة الطّغيان المهيمن عليهم، الأمر الّذي يجعلهم بحاجة إلى الرّعاية الدّائمة والعناية المركّزة، من أجل استكمال عمليَّة الحضانة الإنسانيّة الجديدة التي تؤسِّس لبناء الشخصيَّة القويَّة الواعية المنفتحة على إيجابيّات الحركة الرائدة، بعيداً عن مؤثّرات الشخصيّة المتخلّفة القديمة.

وهكذا أراد موسى(ع) لأخيه هارون أن يخلفه في قومه، ووضع له الخطوط الإصلاحيَّة التربويّة في خطِّ الرّسالات، في إدارة شؤون الإنسان والحياة من الدّاخل والخارج، بالقوَّة التي مارسها النبيّ موسى معهم، والحكمة الّتي حرّكها في برنامجه الّذي وضعه لهم.

{وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[3]، وهو الإصلاح في مضمونه الفكريّ، وفي طريقة تنفيذه، وفي إدارة العلاقات بين النّاس لجهة خلافاتهم ونزاعاتهم وما يتعرّضون له من السلبيّات في تعقيدات الواقع في أوضاعهم العامّة، التي تهدأ حيناً وتضطرب حيناً آخر، هذا في الجانب الإيجابيّ للخطّ. أمّا في الجانب السلبي، فهو الامتناع عن اتّباع سبيل المفسدين في إثارة المشاكل، وتعقيد العلاقات، وإثارة الفتنة، وضعف الإدارة في حركتها المسؤولة، واهتزاز الإرادة في فاعليّتها الواقعيّة، وتوجيه الأوضاع في اتجاه الأنانيّات والعصبيّات، وغير ذلك من الأمور التي تعزل الإنسان عن السّاحة الرحبة الشاملة للحياة، وتحوّله إلى كائنٍ سلبيّ يدور حول نفسه أو عصبيّته بعيداً عن الأجواء الإنسانيّة العامَّة.

الأسلوب التَّوجيهيّ

وقد يطرح هنا سؤال، وهو: كيف يوجِّه النّبيّ موسى(ع) هذا الخطاب إلى أخيه هارون الّذي هو شريك له في المهمَّة والنبوَّة المساندة للدّعوة في حال الصّراع؟ وهل كان في حاجةٍ إلى مثل هذه الوصيَّة للأخذ بأسباب الإصلاح والابتعاد عن خطِّ الفساد في موقعه الجديد في خلافته له؟!

والجواب هو أنَّ المسألة المطروحة في هذه الوصيَّة، لا تعني أنَّ هارون كان لا يملك معرفة خطَّ السّير الّذي تسير عليه النبوّات، ولكنّ موسى(ع) أراد أن يؤكّد له الفكرة من خلال المهمة الصّعبة التي تنتظره في مجال التّطبيق، مما كان يعرفه ـ من خلال التّجربة القاسية ـ من ضيق أفق هؤلاء القوم الّذين ينتسب إليهم، وطفولتهم الفكريّة، والجذب الروحي المهيمن على مشاعرهم وأحاسيسهم وأوضاعهم النفسيّة في واقعهم الدّاخليّ، وربما أراد من ذلك الإيحاء إلى قومه ـ إذا كان التّنصيب لخلافته علنيّاً بمسمعٍ من قومه ـ أنّ خطّ الإصلاح والبعد عن الفساد ليس أمراً مرهوناً بوجوده القويّ الفاعل في الموقع القياديّ، ليكون التزامهم به التزاماً من حيث الإخلاص للشّخص على أساس ما يمثّله من قوّةٍ عندهم، بل هو أمر يحكم حياتهم في حال حضوره وغيابه، لأنّه ينطلق من رسالة الله الّتي تفرض على الإنسان أن يراقب ربَّه قبل أن يراقب أيَّ إنسانٍ آخر، حتى إذا كان في مستوى النبوّة...

وقد لاحظنا هذا الأسلوب التَّوجيهيّ الحادّ في الخطاب القرآني للنبيّ محمّد(ص)، كما جاء في قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}[4]. وقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}[5]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[6].

فإنّنا نلاحظ في هذه الآيات، أنَّ الله يؤكِّد لرسوله ومن معه الاستقامة في الدَّعوة وفي الخطِّ والعمل، وينهاه عن اتّباع أهواء المشركين وعن الطّغيان، كما يريد منه ومن الرّسل أن يعملوا صالحاً في مسؤوليَّاتهم الخاصَّة والعامَّة، وأن لا يركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّهم النّار بذلك، ولا يجدوا هناك ناصراً ينصرهم من الله.

وقد نلتقي في القرآن بآياتٍ كثيرةٍ مماثلة، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[7]. هذا هو الأسلوب القرآنيّ في منهجه التربويّ الّذي يركِّز المبدأ في الأهميّة الكبرى الّتي يتمثّل فيها، من خلال خطاب الشّخصيّات الرساليّة التي تتّصف بالعصمة الروحيّة والسلوكيّة، والإيحاء بأنَّ مثل هذه العناوين الحركيّة الأخلاقيّة، يريد الله للنّاس أن يلتزموها في الجانب الإيجابي، وأن يجتنبوها في الجانب السّلبيّ، وهذا ما أراد الله للنّبيّ موسى(ع) أن يوصي به أخاه هارون في مسؤوليَّته القياديّة الجديدة.

الميقات الإلهيّ

وهناك مسألة أثارها المفسّرون حول موعد الله لموسى وميقاته الّذي قرَّره له؛ هل هو موعد واحد اختار فيه من قومه سبعين رجلاً ليكونوا معه في هذا الميقات الإلهيّ، أو أنّه كان هناك موعدان، كان في الأوّل وحده، وفي الثّاني مع السّبعين من قومه؟

ربما يرى البعض أنّه موعدٌ واحد، وأنَّ موسى(ع) لما أراد الحضور إلى ميقات ربّه وإنزال التَّوراة عليه، اختار هؤلاء السَّبعين، فذهبوا معه إلى الطّور، ولم يقتنعوا بتكليم الله له، وسألوه الرّؤية، فأخذتهم الصَّاعقة فماتوا، ثم أحياهم الله بدعوة موسى، ثم كلَّم الله موسى الّذي سأله الرّؤية، وكان ما كان، ومما كان، اتخاذ بني إسرائيل العجل بعد غيبتهم وذهابهم إلى ميقات الله.

وربما يشهد لهذا الرّأي قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا}[8]، ما يشير إلى الميقات الّذي تحدّث الله عنه، {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[9]، ما يوحي بأنّه ميقاتٌ واحدٌ في هذه الآية وفي الآية الأخرى (143).

ولكنّنا نلاحظ أوّلاً، أنَّ الظَّاهر من آية المواعدة، أنَّ موسى(ع) كان وحده، باعتبار أنّ الميقات كان له من أجل إنزال التَّوراة عليه، ولم يكن للإتيان بالسّبعين رجلاً من قومه أية مناسبة أو ضرورة في ذلك، لأنّهم لم يكن لهم أيّ دور في هذا الأمر.

وثانياً: إنَّ موسى طلب الرّؤية لله من خلال رغبته المعرفيّة، ظنّاً منه أنّ التّكليم الّذي أكرمه الله به قد يبرِّر له الطّلب من الله النّظر إليه لزيادة علمه به، وكانت الصَّدمة السّلبيّة التي صعقته بتجلّي الله للجبل بعد إعلامه بأنَّه لن يرى الله، مختصّة به في هذه التّجربة الذاتيّة، فلو كان معه هؤلاء، لواجهوا الموقف بالاستغراب والدَّهشة.

وثالثاً: إنَّ الآية (155) تتحدَّث عن الرَّجفة التي أصابت هؤلاء منذ وصلوا إلى الميقات، فأهلكتهم وبقي موسى(ع) من دون أن يُصاب بها، ليطلب من الله أن يعيدهم إلى الحياة، فقال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}[10]، الأمر الّذي يوحي بأنَّ هناك شيئاً سلبيّاً في تاريخ قومه أدَّى إلى ذلك، من دون أن تفصِّل الآية طبيعة العلاقة بين هؤلاء وما فعله السّفهاء.

وقد ذكر البعض أنَّهم لم يصدّقوا موسى في تكليم الله له، فأرادوا رؤية الله، ولكنّ ذلك ليس واضحاً في الآيات، ولم يتبيّن أنّ هؤلاء كانوا في موقع الإنكار والتّكذيب لموسى.

ورابعاً: إنَّ الله قد أكرم موسى بالإعلان له عن اصطفائه على النّاس برسالته وكلامه، ما يدلّ على أنَّ الخطاب له وحده، وأنَّه لم يكن معه أحد ممن اختارهم، بل إنَّ الله أنزل التَّوراة عليه بشكلٍ خاصّ، وذلك قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}[11].

وفي ضوء هذا، فقد يكون من القريب القول إنَّه كان هناك موعدان، موعد لإنزال التّوراة عليه، وموعد لاختيار جماعة من قومه من أجل أن ينفتحوا على الله في الجبل، ولكنّنا لا نجد كبير فائدة من الدّخول في مثل هذه التفاصيل، لأنَّ القرآن أجمل القصّة، لابتعاد خصوصيّاتها عما يريده الله من أغراض، وهو تأكيد العقاب الإلهيّ لمن تمرّد وانحرف، وتقرير الفكرة الّتي تربط الحاضر بالماضي في قضايا الإيمان والانحراف. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [الأعراف: 105].

[2]  [الأعراف: 142].

[3]  [الأعراف: 142].

[4]  [الشّورى: 15].

[5]   [هود: 112، 113].

[6]  [المؤمنون: 51، 52].

[7]   [الزّمر: 65].

[8]  [الأعراف: 155].

[9]  [الأعراف: 142].

[10]  [الأعراف: 155].

[11]  [الأعراف: 144].

لا نزال نتحدَّث عن تجربة النّبيِّ موسى(ع) والمراحل الّتي مرَّت بها رسالته، وقد وصلنا إلى مراحلها المتأخِّرة.

رساليّة النبيّ موسى(ع)

لقد كانت مرحلة النّبي موسى(ع) منذ أرسله الله برسالته، هي مرحلة الصِّراع مع فرعون وقومه، من أجل إنقاذ المستضعفين من عشيرته، وإسقاط استكبار فرعون، ودعوته إلى الإيمان بتوحيد الله وعبادته وطاعته، وإبعاده عن التَّفكير الوثنيّ الّذي كان يعيش في خطوطه العباديّة، وتحطيم غروره النّفسيّ في انتفاخ ذاته الَّذي بلغ درجةً اعتبر فيها نفسه ربّاً أعلى يطلب من النّاس أن يخضعوا له خضوع عبادة تأليهيَّة.

وقد حقَّق الله لموسى(ع) ذلك، فاستطاع هزيمة الطّغيان الفرعونيّ بكلِّ أتباعه وأوضاعه، وأنقذ قومه من العبوديّة، فأصبحوا ـ معه ـ أحراراً يملكون أنفسهم، ويقرّرون مصيرهم بأنفسهم... ولكنَّ النّبيَّ موسى(ع) لم يكن شخصاً يبتدع الفكرة الرّساليَّة من خلال ذاته، أو يصنع الشَّريعة للنّاس من خلال حركة ثقافته وموازين عقله، ليكون مجرَّد مصلحٍ يملك عبقريَّة الإصلاح في خطّ النّظام الحركيّ في انطلاقة الواقع، كبقيَّة المصلحين الّذين يتحركون من موقعٍ شخصيٍّ في عمليّة الإصلاح، فتكون الرّسالة بشريّةً لا إلهيَّة، على أساس أنَّ مهمَّته في مسؤوليَّته أمام الله قد انتهت وتحقَّقت بما حقَّقه الله له من النَّتائج الكبرى على مستوى الرّسالة، ليأخذ حريّته الشّخصيَّة في تدبير أمور النّاس من حوله، وخصوصاً الّذين كانوا من قومه. لقد كان موسى رسولاً من قِبَل الله، وقد أعلن في بداية مواجهته لفرعون صفته الرّساليَّة التي تجعله يتحرّك بأمر الله في كلِّ خطواته العمليّة، وفي كلّ أقواله وأفكاره، فليس له أيّ موقعٍ حركيّ في المسؤوليَّة على مستوى الذّات، فهو ـ في حديثه مع فرعون ـ أعلن {أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[1]، وبذلك حدَّد المنطلق لمسيرته في التَّفكير والتَّخطيط والتَّشريع.

انتظار المرحلة الجديدة

وكان موسى(ع) ينتظر وحي الله ليرسم المنهج، وليركِّز الخطَّ ويطلق الشَّريعة، ليكون برنامجه دين الله وشريعته، لا دين موسى وشريعته. وانتظر موسى في المرحلة الجديدة أن ينـزل عليه الوحي، وأن يفصِّل الله له الشّريعة، وجاء وعد الله له بذلك، وحدَّد له موعداً معيَّناً، وأخبره أنَّ الكتاب سينـزل عليه جملةً وتفصيلاً، وأنَّ عليه أن يستوعبه في قلبه قبل أن يكتبه في الألواح، وأن يفكّر فيه ليعرف خصوصيّات القضايا من خلال الخطوط العامّة، وأن يتطلّع إلى آفاق الكتاب كيف تحتوي الحياة في رحابها الواسعة، ليعود إلى قومه حاملاً لهم خطَّ النظريّة وميزان التّطبيق. وعاش في هذا الجوّ تجربةً فريدةً صاعقةً هزَّت كيانه، وعرّضته لموقفٍ صعبٍ محرجٍ مع الله، وهذا ما نستوحيه من جولتنا في هذه الآيات.

جاء في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[2]، فقد أراد الله له أن يأتي إلى موعده معه، ليغيب عن قومه وعن حركته العاديّة اليوميَّة معهم أربعين ليلةً. فكيف كانت ثلاثين ثمّ أتمّها الله بعشر؟ هل هو إتمام طارئ للموعد؟ وكيف ينسجم ذلك مع الله الّذي لا تختلف كلمته، ولا يتخلَّف وعده تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً؟ الظّاهر ـ والله العالم ـ أنَّ المسألة لا تعدو أن تكون تفصيلاً تعبيريّاً فنيّاً عن الأربعين، باعتبار أنَّ الثّلاثين تمثِّل وحدةً زمنيّةً هي الشَّهر، فتكون اللّيالي العشر زيادةً على هذه الوحدة، منفصلةً عنها في المفهوم، متَّصلةً بها في الزَّمن، ولهذا جمعها في نهاية الفقرة.

وبدأ موسى(ع) ينظِّم الأوضاع في مجتمعه ومع قومه، ليجعل لهم قائداً يقود خطاهم إلى الخطوط الإصلاحيّة الإيمانيّة في المسيرة التي بدأها، فكلَّف أخاه هارون الّذي طلب من الله أن يجعله وزيراً له وشريكاً في أمره، ليسيرا معاً من أجل تحقيق الهدف الّذي أراد الله لهما أن يحقِّقاه. وهكذا، زوَّد موسى أخاه هارون بالتّوصيات الحكيمة الّتي تحفظ التوازن لهذا المجتمع، لكي يعود إليه ويكمل مسيرته الّتي أراده الله أن يسير فيها من دون أن يكون في ذلك أيّ شكّ في سلامة مسؤوليّة أخيه، لأنّه يعرف ـ من موقعه الرّساليّ ـ أنّه كان من الرساليّين المنفتحين على الله وعلى الرّسالة.

خلافة هارون لموسى

{وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}، فأنت القائد في غياب القائد، والرسول في غياب الرسول، والمصلح في غياب المصلح، باعتبار أنَّ المسؤوليّة كانت مسؤوليّتي في حضوري، وهي مسؤوليَّتك الكبرى في غيابي، ولا بدَّ لهؤلاء النّاس من أن يعيشوا في امتدادهم العمليّ مع القيادة الروحيَّة المتمثِّلة بشخصك، بحيث تبقي لهم الجوَّ الرّوحيّ الّذي يربطهم بالله ويذكِّرهم بخطِّ الإيمان، لئلا يسقطوا في الغفلة عنه، ويهيِّئ جوّهم العقليّ والروحيّ للمرحلة الجديدة التي أعدّني الله للتحرّك فيها، لأنَّ ابتعادهم عن القيادة، قد يحوّل الواقع في ساحاتهم إلى حالٍ من الفوضى قد تؤدّي بهم إلى الانحراف عن الخطِّ المستقيم، وتعود بهم إلى السّقوط في التراكمات التاريخيّة المملوءة بالرّواسب المتعفّنة، من خلال عقليّة الشِّرك الّذي أوقعهم في مهاوي الذّلّ والعبوديّة في شخصيّاتهم المسحوقة تحت وطأة الاستعباد نتيجة الطّغيان المهيمن عليهم، الأمر الّذي يجعلهم بحاجة إلى الرّعاية الدّائمة والعناية المركّزة، من أجل استكمال عمليَّة الحضانة الإنسانيّة الجديدة التي تؤسِّس لبناء الشخصيَّة القويَّة الواعية المنفتحة على إيجابيّات الحركة الرائدة، بعيداً عن مؤثّرات الشخصيّة المتخلّفة القديمة.

وهكذا أراد موسى(ع) لأخيه هارون أن يخلفه في قومه، ووضع له الخطوط الإصلاحيَّة التربويّة في خطِّ الرّسالات، في إدارة شؤون الإنسان والحياة من الدّاخل والخارج، بالقوَّة التي مارسها النبيّ موسى معهم، والحكمة الّتي حرّكها في برنامجه الّذي وضعه لهم.

{وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[3]، وهو الإصلاح في مضمونه الفكريّ، وفي طريقة تنفيذه، وفي إدارة العلاقات بين النّاس لجهة خلافاتهم ونزاعاتهم وما يتعرّضون له من السلبيّات في تعقيدات الواقع في أوضاعهم العامّة، التي تهدأ حيناً وتضطرب حيناً آخر، هذا في الجانب الإيجابيّ للخطّ. أمّا في الجانب السلبي، فهو الامتناع عن اتّباع سبيل المفسدين في إثارة المشاكل، وتعقيد العلاقات، وإثارة الفتنة، وضعف الإدارة في حركتها المسؤولة، واهتزاز الإرادة في فاعليّتها الواقعيّة، وتوجيه الأوضاع في اتجاه الأنانيّات والعصبيّات، وغير ذلك من الأمور التي تعزل الإنسان عن السّاحة الرحبة الشاملة للحياة، وتحوّله إلى كائنٍ سلبيّ يدور حول نفسه أو عصبيّته بعيداً عن الأجواء الإنسانيّة العامَّة.

الأسلوب التَّوجيهيّ

وقد يطرح هنا سؤال، وهو: كيف يوجِّه النّبيّ موسى(ع) هذا الخطاب إلى أخيه هارون الّذي هو شريك له في المهمَّة والنبوَّة المساندة للدّعوة في حال الصّراع؟ وهل كان في حاجةٍ إلى مثل هذه الوصيَّة للأخذ بأسباب الإصلاح والابتعاد عن خطِّ الفساد في موقعه الجديد في خلافته له؟!

والجواب هو أنَّ المسألة المطروحة في هذه الوصيَّة، لا تعني أنَّ هارون كان لا يملك معرفة خطَّ السّير الّذي تسير عليه النبوّات، ولكنّ موسى(ع) أراد أن يؤكّد له الفكرة من خلال المهمة الصّعبة التي تنتظره في مجال التّطبيق، مما كان يعرفه ـ من خلال التّجربة القاسية ـ من ضيق أفق هؤلاء القوم الّذين ينتسب إليهم، وطفولتهم الفكريّة، والجذب الروحي المهيمن على مشاعرهم وأحاسيسهم وأوضاعهم النفسيّة في واقعهم الدّاخليّ، وربما أراد من ذلك الإيحاء إلى قومه ـ إذا كان التّنصيب لخلافته علنيّاً بمسمعٍ من قومه ـ أنّ خطّ الإصلاح والبعد عن الفساد ليس أمراً مرهوناً بوجوده القويّ الفاعل في الموقع القياديّ، ليكون التزامهم به التزاماً من حيث الإخلاص للشّخص على أساس ما يمثّله من قوّةٍ عندهم، بل هو أمر يحكم حياتهم في حال حضوره وغيابه، لأنّه ينطلق من رسالة الله الّتي تفرض على الإنسان أن يراقب ربَّه قبل أن يراقب أيَّ إنسانٍ آخر، حتى إذا كان في مستوى النبوّة...

وقد لاحظنا هذا الأسلوب التَّوجيهيّ الحادّ في الخطاب القرآني للنبيّ محمّد(ص)، كما جاء في قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}[4]. وقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}[5]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[6].

فإنّنا نلاحظ في هذه الآيات، أنَّ الله يؤكِّد لرسوله ومن معه الاستقامة في الدَّعوة وفي الخطِّ والعمل، وينهاه عن اتّباع أهواء المشركين وعن الطّغيان، كما يريد منه ومن الرّسل أن يعملوا صالحاً في مسؤوليَّاتهم الخاصَّة والعامَّة، وأن لا يركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّهم النّار بذلك، ولا يجدوا هناك ناصراً ينصرهم من الله.

وقد نلتقي في القرآن بآياتٍ كثيرةٍ مماثلة، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[7]. هذا هو الأسلوب القرآنيّ في منهجه التربويّ الّذي يركِّز المبدأ في الأهميّة الكبرى الّتي يتمثّل فيها، من خلال خطاب الشّخصيّات الرساليّة التي تتّصف بالعصمة الروحيّة والسلوكيّة، والإيحاء بأنَّ مثل هذه العناوين الحركيّة الأخلاقيّة، يريد الله للنّاس أن يلتزموها في الجانب الإيجابي، وأن يجتنبوها في الجانب السّلبيّ، وهذا ما أراد الله للنّبيّ موسى(ع) أن يوصي به أخاه هارون في مسؤوليَّته القياديّة الجديدة.

الميقات الإلهيّ

وهناك مسألة أثارها المفسّرون حول موعد الله لموسى وميقاته الّذي قرَّره له؛ هل هو موعد واحد اختار فيه من قومه سبعين رجلاً ليكونوا معه في هذا الميقات الإلهيّ، أو أنّه كان هناك موعدان، كان في الأوّل وحده، وفي الثّاني مع السّبعين من قومه؟

ربما يرى البعض أنّه موعدٌ واحد، وأنَّ موسى(ع) لما أراد الحضور إلى ميقات ربّه وإنزال التَّوراة عليه، اختار هؤلاء السَّبعين، فذهبوا معه إلى الطّور، ولم يقتنعوا بتكليم الله له، وسألوه الرّؤية، فأخذتهم الصَّاعقة فماتوا، ثم أحياهم الله بدعوة موسى، ثم كلَّم الله موسى الّذي سأله الرّؤية، وكان ما كان، ومما كان، اتخاذ بني إسرائيل العجل بعد غيبتهم وذهابهم إلى ميقات الله.

وربما يشهد لهذا الرّأي قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا}[8]، ما يشير إلى الميقات الّذي تحدّث الله عنه، {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[9]، ما يوحي بأنّه ميقاتٌ واحدٌ في هذه الآية وفي الآية الأخرى (143).

ولكنّنا نلاحظ أوّلاً، أنَّ الظَّاهر من آية المواعدة، أنَّ موسى(ع) كان وحده، باعتبار أنّ الميقات كان له من أجل إنزال التَّوراة عليه، ولم يكن للإتيان بالسّبعين رجلاً من قومه أية مناسبة أو ضرورة في ذلك، لأنّهم لم يكن لهم أيّ دور في هذا الأمر.

وثانياً: إنَّ موسى طلب الرّؤية لله من خلال رغبته المعرفيّة، ظنّاً منه أنّ التّكليم الّذي أكرمه الله به قد يبرِّر له الطّلب من الله النّظر إليه لزيادة علمه به، وكانت الصَّدمة السّلبيّة التي صعقته بتجلّي الله للجبل بعد إعلامه بأنَّه لن يرى الله، مختصّة به في هذه التّجربة الذاتيّة، فلو كان معه هؤلاء، لواجهوا الموقف بالاستغراب والدَّهشة.

وثالثاً: إنَّ الآية (155) تتحدَّث عن الرَّجفة التي أصابت هؤلاء منذ وصلوا إلى الميقات، فأهلكتهم وبقي موسى(ع) من دون أن يُصاب بها، ليطلب من الله أن يعيدهم إلى الحياة، فقال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}[10]، الأمر الّذي يوحي بأنَّ هناك شيئاً سلبيّاً في تاريخ قومه أدَّى إلى ذلك، من دون أن تفصِّل الآية طبيعة العلاقة بين هؤلاء وما فعله السّفهاء.

وقد ذكر البعض أنَّهم لم يصدّقوا موسى في تكليم الله له، فأرادوا رؤية الله، ولكنّ ذلك ليس واضحاً في الآيات، ولم يتبيّن أنّ هؤلاء كانوا في موقع الإنكار والتّكذيب لموسى.

ورابعاً: إنَّ الله قد أكرم موسى بالإعلان له عن اصطفائه على النّاس برسالته وكلامه، ما يدلّ على أنَّ الخطاب له وحده، وأنَّه لم يكن معه أحد ممن اختارهم، بل إنَّ الله أنزل التَّوراة عليه بشكلٍ خاصّ، وذلك قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}[11].

وفي ضوء هذا، فقد يكون من القريب القول إنَّه كان هناك موعدان، موعد لإنزال التّوراة عليه، وموعد لاختيار جماعة من قومه من أجل أن ينفتحوا على الله في الجبل، ولكنّنا لا نجد كبير فائدة من الدّخول في مثل هذه التفاصيل، لأنَّ القرآن أجمل القصّة، لابتعاد خصوصيّاتها عما يريده الله من أغراض، وهو تأكيد العقاب الإلهيّ لمن تمرّد وانحرف، وتقرير الفكرة الّتي تربط الحاضر بالماضي في قضايا الإيمان والانحراف. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [الأعراف: 105].

[2]  [الأعراف: 142].

[3]  [الأعراف: 142].

[4]  [الشّورى: 15].

[5]   [هود: 112، 113].

[6]  [المؤمنون: 51، 52].

[7]   [الزّمر: 65].

[8]  [الأعراف: 155].

[9]  [الأعراف: 142].

[10]  [الأعراف: 155].

[11]  [الأعراف: 144].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية