إشكالات قد تطرح حول سيرة الرسول الأكرم (ص)، ومنها زواجه من زوجات متعدّدة بلغن
تسعة على روايات، وكذلك زواجه من عائشة وهي صغيرة بنت تسع سنين. ومن الإشكالات،
زواج ملك اليمين؟ كذلك قتله لبعض الأسرى المقاتلين، بما يوحي بأنّ الرسول (ص) كان
يتصرّف وفق أهوائه الخاصّة ونزواته الذاتيّة، وهو ما يخالف تماماً ما قاله تعالى
بحقّه: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
والواقع أن تعدّد زوجات النبيّ (ص) له حكمة تتّصل برسالته وأوضاعه الاجتماعيّة
والإنسانيّة، وما كانت تفرضة المعطيات الواقعيّة التي يرى من خلالها وجهاً حكيماً
للزّواج، يعطي مردوده الإيجابي على الواقع العام وليس عليه كشخص لمجرّد أنه يريد
التزوج والاستمتاع، فليس الرسول (ص)، كما يحاول البعض تصويره، رجلاً يبحث كل الوقت
عن الملذات، وهو من هو في توعية الناس وتربتيهم وتهذيب أحاسيسهم ودعوتهم للاتزان في
كلّ أمورهم الخاصّة والعامّة.
إنّ أخلاق النبيّ العالية وسلوكه قدوة ومثل أعلى للإنسانيّة، فلا يعقل أن يقوم
بسلوك يخالف رساليّته وينافي أمر الله له، فهذا شيء لا نقاش فيه.
وملك اليمين كان سائداً في المجتمعات القديمة، وهو عبارة عن استرقاق العبيد والإماء
وتملكّهن بالشّراء، ولا وجود لملك اليمين اليوم.
ويدّعي البعض القول بأنَّ الرّسول (ص) قد أمر بالتّمثيل بجثث القتلى، كما أمر
بتصفية بعض المقاتلين المحاربين له.
ولكن في الأحاديث عكس ذلك تماماً، حيث نهى النبيّ (ص) عن المثلة، فمن وصايا أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) لولديه الحسن والحسين (ع)، قوله: "إني سمعت رسول
الله (ص) يقول: "إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
وروي عن عليّ (ع): "أنَّ رسول الله (ص)، كان إذا بعث جيشاً أو سريّة، أوصى صاحبها
بتقوى الله في خاصّة نفسه، ومن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا بسم الله وفي
سبيل الله ـ إلى أن قال ـ ولا تقتلوا وليداً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا
تمثّلوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا".
ناهيك بأنَّ الله تعالى أوضح لنبيِّه أنّه رحمة مهداة للعالمين، بقوله تعالى: {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، فكلّ تصرفاته وأقواله ومواقفه
وسيرته كانت تنبع من الرّحمة والحكمة.
كذلك ما قاله رسول الله (ص) عن أهمّ أسباب بعثته المباركة: "إنما بعثت لأتمّم مكارم
الأخلاق".
قال العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) حول ما تقدّم من إشكالات: "لقد
أكّد القرآن الكريم، وهو أصدق القول، أنّ أخلاق النبيّ (ص) عظيمة، وأنه ينطلق في
تصرفاته عن أمر الله تعالى، وأن أزواجه الكثيرات كان معظمهنّ كبيرات في السن
ومترمّلات، وكان زواجه منهنّ لأهداف إنسانيّة ورساليّة، ولم يكن لمتعة شخصيّة، وأنّ
زواجه من عائشة في تلك السنّ كان متعارفاً، فقد تزوّج علي (ع) من فاطمة وهي بنت تسع،
وهكذا غيرهما، فإنّ المرأة في ذلك الزمان وتلك المنطقة، كانت تحيض في سنّ التاسعة
والعاشرة،. أمّا ملك اليمين، فهو أمر له علاقة بنظام العبوديّة الذي كان سائداً،
ولاعتبارات كثيرة، لم يكن من الممكن تحرير العبيد فجأة، فسعى الإسلام في تشريعاته
من أجل تحريرهم تدريجيّاً، وهذا موضوع واسع لا بدّ من مراجعته في مصادره...
لقد كان النبيّ (ص) أرحم الفاتحين، وهو لا يفعل ذلك، وكان قد نهى عن التمثيل بجثث
القتلى، وما يذكر من ذلك غير صحيح. نعم، هو قد قتل بعض الأسرى المقاتلين الذين يرى
في بقائهم خطراً على الرِّسالة ومستقبلها، فقتلهم دفاعاً عن الحقّ، تماماً وفقاً
لما يمليه منطق الحرب وضرورات المعركة". [سؤال وجواب – تاريخ وسيرة].
أمام ما يطرح من إشكالات حول السيرة، لا بدّ من من الإحاطة أكثر بسيرة الرّسول
الكريم (ص) وما فيها، قبل إطلاق التّهم جزافاً، وأخذ الأمور من دون تدقيق وتعمق
وشمولية، بما يخالف أبسط القواعد في العرض والنّتيجة، لأننا بحاجة فعلاً إلى
استلهام السيرة النبويّة وقراءتها قراءة مستفيضة ومتأنّية، لاستخلاص الدروس والعبر
منها بحكمة ومسؤوليّة وأمانة.