نسمع كثيراً في الأوساط العامَّة عن مشاكل كثيرة ومتنوّعة يقوم بها بعض التلامذة ضدّ بعضهم البعض، وقد يصل الأمر بهم إلى افتعال المشكلات مع الأساتذة. ومشكلة الشغب في المدارس، من أبرز المعوّقات التي تواجه العمليّة التعليميّة اليوم في الغرب، وحتى في العالم العربي والإسلامي.
تشير إحدى الدّراسات إلى أنَّ نسبةً لا بأس بها من تلاميذ المدارس، سواء كانوا صغاراً أو كباراً، يغيبون يوماً واحداً في الأسبوع على الأقلّ عن المدرسة، بسبب الخوف من الذهاب إليها، لأن هناك من يتسبَّب لهم بالمشاكل من زملائهم، فالعنف المدرسي بات أزمة حقيقية، ليس في الولايات المتحدة الأميركية فقط، ولكن في العديد من الدول أيضاً، مثل الدول الأوروبية وبعض دول آسيا.
إنَّ الاعتداء المتكرر وسوء المعاملة ضدّ طلبة آخرين، وكذلك الضغط والقمع، والتهديد الشخصي بالاعتداء جسدياً أو نفسياً، والسخرية، وسرقة بعض الأغراض، هي من صور العنف المدرسيّ المُمارَس.
وفي المدارس البريطانية، هناك جماعات من الطلبة هي فعلاً عصابات مسلّحة تثير الرعب بين الطلبة والطالبات في مختلف المراحل الدراسية، وفي المدن والقرى على حدّ سواء، وإن كثرت المشكلة أكثر في المدن، وبخاصّة في الأحياء الفقيرة أو الأماكن التي تقلّ فيها الخدمات الترفيهيّة للشباب.
ويرى متابعون لهذا الشأن، أنّ تفشّي ظاهرة العنف في المجتمعات، وما تنقله وسائل الإعلام من صور عنيفة، وضعف الروابط الاجتماعيّة، وضغوطات الحياة الاقتصاديّة، وما نجم عن ذلك من بؤس وحرمان، إضافةً إلى التفكّك العائلي، كلّ ذلك أدّى إلى تزايد العنف المدرسي، حتى إنّ الأهل فقدوا السّيطرة على أولادهم، ولم يعودوا قادرين على ضبط تصرفاتهم، وكأن التمرّد على القانون وإثارة الشغب هو المحرِّك لهؤلاء، ما يجعلهم مشاريع حقيقية لمجرمين في المستقبل.
هؤلاء الأطفال أو المراهقون، تعرّض بعضهم للعنف في المنزل من قبل أقاربه أو عائلته، ولذلك، يمارس بدوره العنف على زملائه، ناهيك بإهمال الأهل لمتابعة سلوكيات أولادهم، وعدم مراقبتها بالشكل الذي يحافظ على توازنها، فكثير من الأولاد يفقدون الحنان والعاطفة في منازلهم، فيصبحون أكثر نقمةً وميلاً إلى العصبية المفرطة، التي تصل إلى درجة العنف، وأحياناً، يعاني بعض الطلبة اضطرابات سلوكية مرضية تقتضي علاجاً نفسياً واجتماعياً من قبل مختصين.
ولم يعد العنف المدرسي هذه الأيام مقتصراً على التلامذة بين بعضهم البعض، بل تعدّاه ليشمل عنف الطلاب ضدّ المعلمين، حيث بات هؤلاء يستفيدون من وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً كثيرة لممارسة المضايقات والتحرش ضدّ المعلّمين، وهو ما أشارت إليه مجلة "ديرشبيغل" الألمانية، التي نشرت استطلاعاً للرأي شمل 7500 معلم، فقالت إنَّ خمس المستطلع آراؤهم تعرضوا للمضايقة والتحرش الكلامي من قبل تلاميذهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ويعاني المعلمون الذين شملتهم الدراسة غياب الحماية والدعم.
وتختلف الأسباب وراء تلك الظاهرة، ففي الوقت الّذي يقوم بعض التلاميذ بذلك بدافع الانتقام أو لإغضاب المعلّمين، فإنّ صنفاً آخر يقوم بذلك بدافع الملل.
وهناك إحصاءات معلنة في بريطانيا حول معدّل العنف في المدارس، يظهر أنَّ 18% من تلاميذ الفئة العمريّة ما بين 11-16 سنة، يتعرّضون لمضايقات، و14% يتمّ الاعتداء عليهم، و11% يعانون اضطهاداً عنصريّاً، وليست كلّ المناطق سواء، حيث تتفاوت حدة العنف من منطقة إلى أخرى.
وعلى الرّغم من وضع الحكومة البريطانيّة خططاً ومشاريع للحدّ من ظاهرة العنف المدرسي، ورصد مبالغ ماليّة كبيرة من أجل ذلك، فإنّ ظاهرة العنف المدرسي لا تزال منتشرة.
هذه الأوضاع، بحسب البعض، أقوى من مجرد برامج وخطط، فتراكمات المشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة، خلقت بيئة غير سليمة للمراهقين، إضافةً إلى تأثير وسائل الإعلام عليهم، فهذا العنف سيستمر ما دامت بيئته موجودة وخصبة.
ويتابع هؤلاء بأنّ الخطط والبرامج يجب أن تكون متكاملة، وحزمة الحلول واحدة لكلّ المشكلات، لأنها متداخلة مع بعضها البعض، فيجب الاهتمام بموطن الشعور الأوّل للمراهقين والأطفال، أي العائلة وكيفيّة حمايتها والحفاظ على تماسكها من عوامل التفكّك، من طلاق وعنف أسريّ وغير ذلك، ومن ثم التركيز على المدرسة، بتأهيل الأساتذة، ووضع البرامج المواكبة لمشاكل العصر، والاستعانة بكلّ الخبرات في مجالي الإرشاد النفسي والتوجيه الاجتماعي.
ويضيف هؤلاء بأنّه لا يمكن إغفال ما وصلت إليه الأوضاع الاجتماعيّة من تفاقم يتطلّب وقفة ضمير، وتأمّلاً واعياً ومسؤولاً من الجميع، لا مجرد توصيف الأمور ونشر الدّراسات والإحصاءات، فيما الواقع يزداد مأساويّة وسقوطاً يوماً بعد يوم...
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه