أهمّية التّخطيط في الحياة

أهمّية التّخطيط في الحياة

يعيش محمود حياته كلّها، سواء في العمل، أو على المستوى الشخصي، أو العائلي، على أساس ردّ الفعل، فهو لا يقدم على أيّ عمل إلا بناءً على ردّ فعل تجاه ما يصادفه، ولكنّه يبقى بعيداً كلّ البعد عن التّخطيط لأعماله. أمّا سمير، فهو أيضاً بعيد عن التّخطيط، ولكن يضاف إلى ذلك، أنّ ما يقوم به يتميّز بالعشوائيّة والفوضى، فإذا ما جاءه اقتراح من هنا أو هناك، وأعجبه، أبدى الاستعداد لتنفيذه، إلا أنّ جذوة الحماس سرعان ما تخبو فيه، فينسى ما سعى إليه، ويعود إلى وضعه دون تنفيذ، وهو ما يطلق عليه بعض الظّرفاء "سياسة النّقزة"...

هاتان حكايتا محمود وسمير، وهما كحكايات الكثيرين منا، من الذين لا يعرفون إلى أين هم سائرون في الحياة، بل يسيرون وفق ما يريد الآخرون، أو وفق مقتضيات الأحداث، فتتقاذفهم أمواج الحياة، ولا يشعرون إلا وهم على شفير السّقوط في حفرها، الصّغير منها والكبير، فلا يدرون أين هم ولا ماذا يفعلون، فهم مصابون بما أسماه بعض المختصّين النفسيّين، بمتلازمة شلالات نياغارا، حيث يقول: "إنّني أعتقد أنَّ الحياة مثل النّهر، وأنَّ معظم الناس يقفزون وسط نهر الحياة، دون أن يقرّروا في الواقع أين يتّجهون، ولذا، فإن التيار سرعان ما يمسك بهم؛ تيار الأحداث، تيار المخاوف، وتيار التحدّيات...

وحين تصل بهم الأمور إلى مفترق طرق في ذلك النّهر، فإنهم لا يقرّرون بطريقة واعية في أيّ اتجاه يتجهون، أو أين هو الاتجاه الصّحيح بالنّسبة إليهم، بل يكتفون بالاندفاع مع التيّار، ويصبحون جزءاً من أناس يوجّههم محيطهم، بدلاً من أن توجّههم قيمهم، ولذا، فإنهم يشعرون بأنّهم فقدوا السّيطرة، ويظلّون في تلك الحالة اللاواعية، إلى أن يوقظهم صوت المياه الغاضبة في يوم من الأيّام، ويكتشفون أنهم أصبحوا على مسافة ضئيلة فقط من شلالات نياغارا، على متن قارب دون مجاديف، وحينذاك، يتأهّبون للعمل، ولكن بعد فوات الأوان، إذ لا بدّ لهم من أن يسقطوا، وقد تكون هذه السّقطة عاطفيّة، أو بدنيّة، أو ماليّة...

فأيّ تحدّيات تواجهها حاليّاً في حياتك، كان يمكن لك في الغالب تجنّبها، باتخاذك قرارات أفضل في البداية. ولكن كيف لك أن تحوّل مجرى الأمور إذا أمسكت القوّة الكامنة في النهر الغاضب بك؟ عليك إمّا أن تقرّر استخدام مجدافين في الماء، وتبدأ بالتّجديف بجنون في اتجاه جديد، وإما أن تقرّر خطّة مسبقة، فتحدّد المسار الذي تنوي السير فيه، وتضع خطّة أو خريطة يمكنك بموجبها اتخاذ قرارات نوعيّة طوال الطّريق"[1].

أمّا نحن كمسلمين، فإنّنا مطالبون أكثر من غيرنا بالتخطيط لحياتنا وأعمالنا، لأننا مرتبطون في هذه الحياة الدّنيا بالتعاليم الإلهيّة، فنحن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، وما هي واجباتنا في الحياة الدّنيا، وهناك العديد من آيات القرآن الكريم الّتي تتحدّث عن التخطيط في مواضع معيّنة، كالتخطيط في الموضوع العسكريّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[2]. وفي الحديث عن رسول الله(ص) عن أهميّة الوقت عند المسلم: "اغتنمخمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"[3]. أمّا عن أهميّة التدبّر، فنحن نستمع إلى حديث رسول الله(ص): "إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ خَيْراً أَوْ رُشْداً اتَّبَعْتَهُ، وَإِنْ يَكُ شَرّاً أَوْ غَيّاً تَرَكْتَه"[4]، وعن الإمام عليّ(ع): "من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه، فهو ملعون".


[1]أنتوني روبنز  في كتابه : أيقظ قواك الخفية.

[2]الأنفال: 60.

[3] وسائل الشّيعة: ج1، ص114.

[4]من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص410.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه


يعيش محمود حياته كلّها، سواء في العمل، أو على المستوى الشخصي، أو العائلي، على أساس ردّ الفعل، فهو لا يقدم على أيّ عمل إلا بناءً على ردّ فعل تجاه ما يصادفه، ولكنّه يبقى بعيداً كلّ البعد عن التّخطيط لأعماله. أمّا سمير، فهو أيضاً بعيد عن التّخطيط، ولكن يضاف إلى ذلك، أنّ ما يقوم به يتميّز بالعشوائيّة والفوضى، فإذا ما جاءه اقتراح من هنا أو هناك، وأعجبه، أبدى الاستعداد لتنفيذه، إلا أنّ جذوة الحماس سرعان ما تخبو فيه، فينسى ما سعى إليه، ويعود إلى وضعه دون تنفيذ، وهو ما يطلق عليه بعض الظّرفاء "سياسة النّقزة"...

هاتان حكايتا محمود وسمير، وهما كحكايات الكثيرين منا، من الذين لا يعرفون إلى أين هم سائرون في الحياة، بل يسيرون وفق ما يريد الآخرون، أو وفق مقتضيات الأحداث، فتتقاذفهم أمواج الحياة، ولا يشعرون إلا وهم على شفير السّقوط في حفرها، الصّغير منها والكبير، فلا يدرون أين هم ولا ماذا يفعلون، فهم مصابون بما أسماه بعض المختصّين النفسيّين، بمتلازمة شلالات نياغارا، حيث يقول: "إنّني أعتقد أنَّ الحياة مثل النّهر، وأنَّ معظم الناس يقفزون وسط نهر الحياة، دون أن يقرّروا في الواقع أين يتّجهون، ولذا، فإن التيار سرعان ما يمسك بهم؛ تيار الأحداث، تيار المخاوف، وتيار التحدّيات...

وحين تصل بهم الأمور إلى مفترق طرق في ذلك النّهر، فإنهم لا يقرّرون بطريقة واعية في أيّ اتجاه يتجهون، أو أين هو الاتجاه الصّحيح بالنّسبة إليهم، بل يكتفون بالاندفاع مع التيّار، ويصبحون جزءاً من أناس يوجّههم محيطهم، بدلاً من أن توجّههم قيمهم، ولذا، فإنهم يشعرون بأنّهم فقدوا السّيطرة، ويظلّون في تلك الحالة اللاواعية، إلى أن يوقظهم صوت المياه الغاضبة في يوم من الأيّام، ويكتشفون أنهم أصبحوا على مسافة ضئيلة فقط من شلالات نياغارا، على متن قارب دون مجاديف، وحينذاك، يتأهّبون للعمل، ولكن بعد فوات الأوان، إذ لا بدّ لهم من أن يسقطوا، وقد تكون هذه السّقطة عاطفيّة، أو بدنيّة، أو ماليّة...

فأيّ تحدّيات تواجهها حاليّاً في حياتك، كان يمكن لك في الغالب تجنّبها، باتخاذك قرارات أفضل في البداية. ولكن كيف لك أن تحوّل مجرى الأمور إذا أمسكت القوّة الكامنة في النهر الغاضب بك؟ عليك إمّا أن تقرّر استخدام مجدافين في الماء، وتبدأ بالتّجديف بجنون في اتجاه جديد، وإما أن تقرّر خطّة مسبقة، فتحدّد المسار الذي تنوي السير فيه، وتضع خطّة أو خريطة يمكنك بموجبها اتخاذ قرارات نوعيّة طوال الطّريق"[1].

أمّا نحن كمسلمين، فإنّنا مطالبون أكثر من غيرنا بالتخطيط لحياتنا وأعمالنا، لأننا مرتبطون في هذه الحياة الدّنيا بالتعاليم الإلهيّة، فنحن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، وما هي واجباتنا في الحياة الدّنيا، وهناك العديد من آيات القرآن الكريم الّتي تتحدّث عن التخطيط في مواضع معيّنة، كالتخطيط في الموضوع العسكريّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[2]. وفي الحديث عن رسول الله(ص) عن أهميّة الوقت عند المسلم: "اغتنمخمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"[3]. أمّا عن أهميّة التدبّر، فنحن نستمع إلى حديث رسول الله(ص): "إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ خَيْراً أَوْ رُشْداً اتَّبَعْتَهُ، وَإِنْ يَكُ شَرّاً أَوْ غَيّاً تَرَكْتَه"[4]، وعن الإمام عليّ(ع): "من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه، فهو ملعون".


[1]أنتوني روبنز  في كتابه : أيقظ قواك الخفية.

[2]الأنفال: 60.

[3] وسائل الشّيعة: ج1، ص114.

[4]من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص410.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية