كتابات
09/09/2018

كيف نعيش مسؤوليّة العام الجديد؟

كيف نعيش مسؤوليّة العام الجديد؟

عندما نعيش مناسبة [استقبال سنة جديدة]، فلا بدَّ لنا من أن نتوقَّف في دائرتين؛ الدائرة الأولى: أن نودِّع سنة ونستقبل سنة، ولا سيّما إذا كانت هذه السنة بحسب طبيعتها، سنة تحمل معنى الإسلام في الزّمن من خلال حركتها في التاريخ الإسلامي الذي بدأ منذ الهجرة.

إنَّ مسؤوليّتنا في حركة الزمن في حياتنا، هي أن نملك الإحساس بالزمن، بحيث نعتبره مسؤوليَّتنا، لأنّه حركة عمرنا فيما يختزن مما حمّلنا الله من مسؤوليَّة، وقد حشد الله لنا في كلّ فترة من فترات هذا الزّمن، يوماً أو ليلةً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة، الكثير من ألوان الحركة التي لا بدّ لنا من أن نتحرّك فيها من أجل الوصول إليه... فعندما تبدأ نهارك، عليك أن تحسّ إحساساً يشبه الرّعب، أنّ هذا النهار سوف يموت ولن يعود إليك، ولكنّه سوف يبقى في حركته ليدخل كتابك وليتدخل في مصيرك، وهذا ما كان يحسّ به الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في دعاء الصباح والمساء، عندما كان يستقبل الصباح فيقول: "اللّهمّ وهذا يومٌ حادثٌ جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنّا ودّعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذمّ".. أن تتصور الزمن كشاهد يحدّق بك كيف تقوم بمسؤولياتك، أو كيف تنفصل عن مسؤوليّاتك، وكيف تطيع الله وكيف تعصيه، وأن تدرك أنّ لهذا الزمن الشاهد الحاضر إحساساً عميقاً بنوعيّة ما تقوم به "إن أحسنّا"، رافقنا إلى الباب كما يرافق الإنسان زائراً عزيزاً ليقول له أهلاً وسهلاً أو نستودعك الله، ولكن عندما نسيء، فإنه ينظر إلينا نظرة ازدراء، بل يفارقنا غير عابئ بنا. ولاحظوا التفرقة في تعبير الإمام زين العابدين بين "ودعنا" و"فارقنا"، أي أن الإقبال بحميميّة وبحنان، بينما المفارقة تمثل اللامبالاة.

جردة حساب

فعندما تمر مناسبة ما، فعلينا أن ندرسها من الناحية الذاتية ومن الناحية العامة الإسلامية. أما من الناحية الذاتية، فلا بدّ من أن ندرسها في نطاق مسؤولياتنا أمام الله ومسؤولياتنا في حركتنا في الحياة، أما مسؤولياتنا أمام الله، فعلينا أن نعمل جردة حساب، كما يفعل الاقتصاديون في آخر السنة، لنرى كم كان لنا من الحسنات في أول السنة، وكم نملك من الحسنات في آخر السنة، كم كان لنا من السيئات في تلك السنة، وكم خفّفنا من السيئات أو ازددنا منها، لأن الله يريدنا أن نفكر بهذه الطريقة {يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظرْ نفسٌ ما قدَّمت لغد}، أن تعرف ما هو حجم رصيدك عند الله سبحانه وتعالى.

ولذلك، لا بدّ من أن تكون نهايات السنين وبداياتها مرحلة تأمل وتفكير ومراجعة للنفس، فإن رأيت حسناً استزدت الله منه لأن يوفقك لأمثاله ولما هو أفضل منه، وإن رأيت سيِّئاً، تبت إلى الله منه، وطلبت إليه أن لا يجعل مستقبلك في هذا الاتجاه، لأن الله يريد لنا أن نظلّ في خطّ تصاعدي، لا أن نعيش في خط تنازي. ألا تقرأون الدعاء الذي نتلوه دائماً: "اللّهمّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك فيه"؟ هذا الإحساس بالزمن، لا بدّ لنا من أن نعمّق شعورنا وحركتنا وإحساسنا به، حتى إذا وقفنا أمام الله، وسألنا: كم لبثتم في الأرض؟ لا نقول: لبثنا يوماً أو بعض يوم، فاسأل العادّين، بل نتحدَّث عن كلّ العمر، لأننا عشنا كلّ دقيقة فيه وعياً وإحساساً ومسؤوليّة وحركة، حتى إذا فارقنا، سجّلناه في الذاكرة، ليكون عبرة لنا نحو المستقبل...

لذلك أيها الأحبة، من الجانب الذاتي، حاولوا أن تعيشوا الإحساس بالسنة الماضية شكراً لله على الحسنات، واستغفاراً لله وتوبةً على السيئات، ثم لتتساءلوا في الجانب الذاتي أيضاً: هل ازددت علماً،؟ والعمر قيمته بمقدار ما يختزن من علم، لأنّ العلم يعطي العمر إشراقه وانفتاحه على الله سبحانه وتعالى. لذلك فكّر: هل استزدت علماً، أو أنّك انتقصت من علمك ونسيته فيما مضى؟ ثم اسأل نفسك أيضاً: هل شاركت أمّتك قضاياها وأحداثها، أو كنت تعيش اللامبالاة لتقول كما يقول ذلك الشاعر:

ما علينا إن قضى الشعب جميعاً أفلسنا في أمان

ولنتأمّل قول رسول الله(ص): "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم". هذا في الجانب الذاتي في حركة السنة في العمر.

في الجانب الرسالي

أما في الجانب الرسالي في المسألة، فاعلم أنها سنة إسلامية. والسؤال هنا: كيف كان حال الإسلام في أول السنة الثامنة عشرة بعد الألف والأربعمئة من الهجرة، كيف كانت قوته، كيف كانت حركيته، كيف كانت التحديات التي تواجهه، كيف كانت وحدة المسلمين حوله، كيف كانت المشاكل في داخله؟... وهكذا، أن تدرس سنة الإسلام والهجرة في السنة من خلال معنى حركة الإسلام وانتقاله من دور إلى دور.

لذلك، فكّر كمسلم يحمل مسؤوليّة الإسلام في حجمه، فكّر كيف كان الإسلام قبل سنة وكيف هو الآن، فكّر في كلّ الساحات الإسلامية؟ كيف هي حركة الإسلام في الوعي، هل يتجه نحو حركيّة وعي يتصاعد ليقدّم نفسه إلى الإنسان المعاصر حلاً لكلّ مشاكله، أو أن الإسلام يتنازل لينكفئ في زاوية يجترّ فيها آلامه، وتأتي كلّ عناصر التخلف لتطبق عليه فتمنعه من أن يتنفّس فضلاً عن أن يتحرك؟

فلذلك، أيها الأحبة، لا بدّ لنا من أن ندرس مسألة الوعي والتخلف في طرح الإسلام، لأنّ الإسلام عندما يطرح من خلال الجهل والتخلّف التاريخي، فإنّه يكفّ عن أن يدخل عقول الناس، ولكنك عندما تطرحه من خلال وعي منفتح على الله وعلى رسوله وعلى أوليائه وعلى القرآن كله، فإنك تستطيع أن تجتذب الناس تماماً كما اجتذب رسول الله(ص) الناس إلى الإسلام بكلّ وعيه وبكلّ علمه وبكلّ خلقه وبكلّ إخلاصه وبكلّ محبته للناس، فمن أوّل شروط الدّعوة إلى الإسلام، أن يكون الداعية محباً للناس كلهم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} .

*من كتاب الندوة، ج 4.

عندما نعيش مناسبة [استقبال سنة جديدة]، فلا بدَّ لنا من أن نتوقَّف في دائرتين؛ الدائرة الأولى: أن نودِّع سنة ونستقبل سنة، ولا سيّما إذا كانت هذه السنة بحسب طبيعتها، سنة تحمل معنى الإسلام في الزّمن من خلال حركتها في التاريخ الإسلامي الذي بدأ منذ الهجرة.

إنَّ مسؤوليّتنا في حركة الزمن في حياتنا، هي أن نملك الإحساس بالزمن، بحيث نعتبره مسؤوليَّتنا، لأنّه حركة عمرنا فيما يختزن مما حمّلنا الله من مسؤوليَّة، وقد حشد الله لنا في كلّ فترة من فترات هذا الزّمن، يوماً أو ليلةً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة، الكثير من ألوان الحركة التي لا بدّ لنا من أن نتحرّك فيها من أجل الوصول إليه... فعندما تبدأ نهارك، عليك أن تحسّ إحساساً يشبه الرّعب، أنّ هذا النهار سوف يموت ولن يعود إليك، ولكنّه سوف يبقى في حركته ليدخل كتابك وليتدخل في مصيرك، وهذا ما كان يحسّ به الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في دعاء الصباح والمساء، عندما كان يستقبل الصباح فيقول: "اللّهمّ وهذا يومٌ حادثٌ جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنّا ودّعنا بحمد، وإن أسأنا فارقنا بذمّ".. أن تتصور الزمن كشاهد يحدّق بك كيف تقوم بمسؤولياتك، أو كيف تنفصل عن مسؤوليّاتك، وكيف تطيع الله وكيف تعصيه، وأن تدرك أنّ لهذا الزمن الشاهد الحاضر إحساساً عميقاً بنوعيّة ما تقوم به "إن أحسنّا"، رافقنا إلى الباب كما يرافق الإنسان زائراً عزيزاً ليقول له أهلاً وسهلاً أو نستودعك الله، ولكن عندما نسيء، فإنه ينظر إلينا نظرة ازدراء، بل يفارقنا غير عابئ بنا. ولاحظوا التفرقة في تعبير الإمام زين العابدين بين "ودعنا" و"فارقنا"، أي أن الإقبال بحميميّة وبحنان، بينما المفارقة تمثل اللامبالاة.

جردة حساب

فعندما تمر مناسبة ما، فعلينا أن ندرسها من الناحية الذاتية ومن الناحية العامة الإسلامية. أما من الناحية الذاتية، فلا بدّ من أن ندرسها في نطاق مسؤولياتنا أمام الله ومسؤولياتنا في حركتنا في الحياة، أما مسؤولياتنا أمام الله، فعلينا أن نعمل جردة حساب، كما يفعل الاقتصاديون في آخر السنة، لنرى كم كان لنا من الحسنات في أول السنة، وكم نملك من الحسنات في آخر السنة، كم كان لنا من السيئات في تلك السنة، وكم خفّفنا من السيئات أو ازددنا منها، لأن الله يريدنا أن نفكر بهذه الطريقة {يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظرْ نفسٌ ما قدَّمت لغد}، أن تعرف ما هو حجم رصيدك عند الله سبحانه وتعالى.

ولذلك، لا بدّ من أن تكون نهايات السنين وبداياتها مرحلة تأمل وتفكير ومراجعة للنفس، فإن رأيت حسناً استزدت الله منه لأن يوفقك لأمثاله ولما هو أفضل منه، وإن رأيت سيِّئاً، تبت إلى الله منه، وطلبت إليه أن لا يجعل مستقبلك في هذا الاتجاه، لأن الله يريد لنا أن نظلّ في خطّ تصاعدي، لا أن نعيش في خط تنازي. ألا تقرأون الدعاء الذي نتلوه دائماً: "اللّهمّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك فيه"؟ هذا الإحساس بالزمن، لا بدّ لنا من أن نعمّق شعورنا وحركتنا وإحساسنا به، حتى إذا وقفنا أمام الله، وسألنا: كم لبثتم في الأرض؟ لا نقول: لبثنا يوماً أو بعض يوم، فاسأل العادّين، بل نتحدَّث عن كلّ العمر، لأننا عشنا كلّ دقيقة فيه وعياً وإحساساً ومسؤوليّة وحركة، حتى إذا فارقنا، سجّلناه في الذاكرة، ليكون عبرة لنا نحو المستقبل...

لذلك أيها الأحبة، من الجانب الذاتي، حاولوا أن تعيشوا الإحساس بالسنة الماضية شكراً لله على الحسنات، واستغفاراً لله وتوبةً على السيئات، ثم لتتساءلوا في الجانب الذاتي أيضاً: هل ازددت علماً،؟ والعمر قيمته بمقدار ما يختزن من علم، لأنّ العلم يعطي العمر إشراقه وانفتاحه على الله سبحانه وتعالى. لذلك فكّر: هل استزدت علماً، أو أنّك انتقصت من علمك ونسيته فيما مضى؟ ثم اسأل نفسك أيضاً: هل شاركت أمّتك قضاياها وأحداثها، أو كنت تعيش اللامبالاة لتقول كما يقول ذلك الشاعر:

ما علينا إن قضى الشعب جميعاً أفلسنا في أمان

ولنتأمّل قول رسول الله(ص): "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم". هذا في الجانب الذاتي في حركة السنة في العمر.

في الجانب الرسالي

أما في الجانب الرسالي في المسألة، فاعلم أنها سنة إسلامية. والسؤال هنا: كيف كان حال الإسلام في أول السنة الثامنة عشرة بعد الألف والأربعمئة من الهجرة، كيف كانت قوته، كيف كانت حركيته، كيف كانت التحديات التي تواجهه، كيف كانت وحدة المسلمين حوله، كيف كانت المشاكل في داخله؟... وهكذا، أن تدرس سنة الإسلام والهجرة في السنة من خلال معنى حركة الإسلام وانتقاله من دور إلى دور.

لذلك، فكّر كمسلم يحمل مسؤوليّة الإسلام في حجمه، فكّر كيف كان الإسلام قبل سنة وكيف هو الآن، فكّر في كلّ الساحات الإسلامية؟ كيف هي حركة الإسلام في الوعي، هل يتجه نحو حركيّة وعي يتصاعد ليقدّم نفسه إلى الإنسان المعاصر حلاً لكلّ مشاكله، أو أن الإسلام يتنازل لينكفئ في زاوية يجترّ فيها آلامه، وتأتي كلّ عناصر التخلف لتطبق عليه فتمنعه من أن يتنفّس فضلاً عن أن يتحرك؟

فلذلك، أيها الأحبة، لا بدّ لنا من أن ندرس مسألة الوعي والتخلف في طرح الإسلام، لأنّ الإسلام عندما يطرح من خلال الجهل والتخلّف التاريخي، فإنّه يكفّ عن أن يدخل عقول الناس، ولكنك عندما تطرحه من خلال وعي منفتح على الله وعلى رسوله وعلى أوليائه وعلى القرآن كله، فإنك تستطيع أن تجتذب الناس تماماً كما اجتذب رسول الله(ص) الناس إلى الإسلام بكلّ وعيه وبكلّ علمه وبكلّ خلقه وبكلّ إخلاصه وبكلّ محبته للناس، فمن أوّل شروط الدّعوة إلى الإسلام، أن يكون الداعية محباً للناس كلهم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} .

*من كتاب الندوة، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية