في كلّ موسم من مواسم عاشوراء، ندخل في مرحلة جديدة للزمن الإسلامي، في صفته ومعناه؛ فلكلّ أُمّة منهج ونظام لحساب التاريخ، فهناك من جعل التاريخ منطلقاً من السنة العبرية، وهناك مَن جعله في السنة الفارسية، التي انطلقت في خطّ الإمبراطورية؛ وهناك السنة الميلادية، التي تبدأ من ميلاد السيّد المسيح (عليه السلام)؛ وللمسلمين تاريخهم، الذي لا يتنكّر لأيّ تاريخٍ آخر.. فقد جاء الإسلام {مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}(1)، وجاء ليطرح أنّه {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}(2). ولكنّ للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، رسول الإسلام، خصوصيّته، وللإسلام خصوصيّته، لأنّها مسيرة جديدة تتميَّز بأنَّ الرسالة فيها تحمل عناصر كلّ الرسالات، ففي القرآن شيء من الإنجيل، وشيء من التّوراة، وشيء من صحف إبراهيم... وفيه ما يكمل الشّريعة والناموس والفكر وحركة الإنسان من خلال وحي الله.
ولذلك، كان لا بدّ للمسلمين من أن يكون لهم تاريخهم، غير المتعصّب، وغير المنغلق، لأنّه تاريخ حركة الإنسان من أجل أن يخرج من مرحلة الصنميّة التي تجعل عقل الإنسان يتحجَّر بخضوعه للحجر الصنم، وتجعل كيان الإنسان يعيش في كلّ آفاقه حالة الوثنيّة التي قد تتطوَّر إلى وثنيّة اللّحم والدّم، حيث يعبد الإنسان مثله، من دون أن يكون له ما يميِّزه عنه في إنسانيّته.
وكانت الهجرة تمثّل حركيّة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من مكّة إلى المدينة، لا حركيّة السفر بين هاتين المدينتين، ولكن حركيّة الرحلة بين مرحلة ومرحلة؛ لأنَّ المرحلة التي سبقت ـــ وقد كانت مرحلة الدعوة في مكّة ـــ كانت مرحلة عاش الإسلام فيها الاضطهاد بكلّ ألوانه، وكلّ قساوته، حتّى قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو يتحدّث عن تلك المرحلة: "ما أوذي نبيٌّ مثلما أوذيت".. فأراد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بعد أن هيَّأ الجوّ، أن يهاجر من مكّة إلى المدينة، من أجل أن ينطلق الإنسان في توحيد الله، وأن يتحرَّك في خطّ الله، وأن يخرج من وثنيّة الحجر، ومن وثنيّة الإنسان الآخر، ليبقى الإنسان حرّاً أمام أيّ شيءٍ آخر، عبداً لله وحده. وتلك هي الحرية التي تجعل الإنسان سيّداً في حركة وجوده، سيّداً في العالم، فلا تستعبده الظواهر الكونيّة، فهي خلق الله وهو خلق الله، والبشريّة لا تستعبده، فهو عبد الله وهي عباد الله، ولذلك، يملك الإنسان حريّة موقفه، وإرادته، وحركته في مواجهة كلّ التحدّيات الأخرى.
وهكذا، اتّفق المسلمون على أن يكون أوّل التاريخ الإسلامي، الذي يؤرّخون به كلّ قضاياهم، هو تاريخ الهجرة، حتّى ينطلق الإسلام من قاعدة متحرّكة، إذا تصوّرها الإنسان يشعر بأنّ بداية هذا التاريخ كانت بداية حركة وصراع وتحدٍّ ومواجهة لكلّ القوى المضادّة للإنسان وللحياة، من خلال أنّها مضادّة لله، حتّى عندما ينطلق الإنسان ليؤرّخ كلّ شيء بالهجرة، فيلتفت إلى أنّ الهجرة كانت حركة تطوّرية من مرحلة إلى أخرى، أراد الإنسان من خلالها أن يطوّر الواقع من أجل أن يواجه كلّ قوى الاستعباد بحريّة الإنسان، وبكلّ حركة العدالة، من خلال التزامه بتوحيد الله.
الالتزام بالتاريخ الهجري
ومن هنا، نؤكّد ضرورة أن يلتزم المسلمون التاريخ الهجري، لأنَّ التزامك به يجعلك تفكّر في كلّ رقم تكتبه، كما نكتب الآن بداية السنة السابعة عشرة بعد الأربعمائة والألف للهجرة، في كلّ ما مرّ في حركة هذه الأرقام المتلاحقة مع الزمن، تفكّر في كلّ التاريخ الإسلامي المتحرّك، في بدايته، في انتصاراته، في هزائمه... ولذلك، يبقى تاريخك ماثلاً أمامك، وربّما يشدّك هذا الرقم إلى أن ترجع فتقرأ، وتدرس، وتسأل، ماذا جرى في كلّ هذا التاريخ؟ حتّى تكون المسلم الواعي لكلّ حركة التاريخ التي عاشها كلّ آبائه وأجداده في الزمن، ليشعر بأنّ هذا التاريخ حمل كلّ جهد آبائنا وأجدادنا، الذين صنعوا تاريخهم، ويسأل نفسه: ماذا عن مسؤوليّتنا في صنع التاريخ؟
عدم الاستغراق في تاريخ الماضين
نحن نتحدّث غالباً عن كلّ الانتصارات في التاريخ ـــ ويحاول البعض أن يجعله تاريخاً عربيّاً، ولا عقدة لنا من العروبة عندما تكون في مسيرة الإسلام ـــ نتحدَّث عن انتصارات بدر وأُحُد والأحزاب... وتنطلق كلّ تلك الأمجاد في الفتح الإسلامي، وما إلى ذلك، وتأتي إلينا كربلاء في كلّ أجواء هذا التاريخ، ونستغرق في التاريخ، ونعيش فيه.. ولكن هل سأل أحدٌ منّا نفسه، وهو يقف أمام كلّ هذا التاريخ: الآخرون صنعوا تاريخهم، فكيف نصنع تاريخنا؟
هل تعني الانتصارات التي قام بها المسلمون في مواجهة الشرك، والظلم، والاستكبار، والاحتلال، هل تعني لنا شيئاً؟
هل تعني هزائمنا التي عاشت في تاريخنا لنا شيئاً؟
هل يكفي أن نصفِّق للذين فتحوا؟ أو "نصفِّر" للذين انهزموا؟ أم أنّ علينا أن نأخذ من كلّ هذه الانتصارات والهزائم، ما يمكن لنا أن نحرّكه في واقعنا، لنصنع نصراً هنا، ونمنع هزيمة هناك، من خلال دراسة كلّ نقاط القوّة والضعف في حركة التاريخ؟
استلهام الحركة من النبيّ (ص)
لقد كانت حركة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من أجل أن يفتح عقول الناس على الله، وأن يفتح حياة الناس على الإسلام. كانت كلّ قضيّته هي أن يحطّم هذا التحجُّر العقلي، العاطفي، والعملي، وكان يريد للإنسان عندما يؤمن بالله ويوحّده، أن يعيش في آفاق الله، فينطلق في رحاب الكون كلّه، ليفكّر ويكتشف، وليفتح في كلّ يومٍ أُفقاً جديداً.. ووقف الآخرون أمامه، واضطهدوه، واتّهموه، وكادوا أن يقتلوه، وحاربوه حرباً لا هوادة فيها ليسقطوه، وخاض الحروب كلّها؛ الحرب الثقافية، والعسكرية، والاجتماعية، وغيرها، وانتصر، وانطلق حتّى دفع بالإسلام إلينا...
من كتاب "حديث عاشوراء"
في كلّ موسم من مواسم عاشوراء، ندخل في مرحلة جديدة للزمن الإسلامي، في صفته ومعناه؛ فلكلّ أُمّة منهج ونظام لحساب التاريخ، فهناك من جعل التاريخ منطلقاً من السنة العبرية، وهناك مَن جعله في السنة الفارسية، التي انطلقت في خطّ الإمبراطورية؛ وهناك السنة الميلادية، التي تبدأ من ميلاد السيّد المسيح (عليه السلام)؛ وللمسلمين تاريخهم، الذي لا يتنكّر لأيّ تاريخٍ آخر.. فقد جاء الإسلام {مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}(1)، وجاء ليطرح أنّه {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}(2). ولكنّ للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، رسول الإسلام، خصوصيّته، وللإسلام خصوصيّته، لأنّها مسيرة جديدة تتميَّز بأنَّ الرسالة فيها تحمل عناصر كلّ الرسالات، ففي القرآن شيء من الإنجيل، وشيء من التّوراة، وشيء من صحف إبراهيم... وفيه ما يكمل الشّريعة والناموس والفكر وحركة الإنسان من خلال وحي الله.
ولذلك، كان لا بدّ للمسلمين من أن يكون لهم تاريخهم، غير المتعصّب، وغير المنغلق، لأنّه تاريخ حركة الإنسان من أجل أن يخرج من مرحلة الصنميّة التي تجعل عقل الإنسان يتحجَّر بخضوعه للحجر الصنم، وتجعل كيان الإنسان يعيش في كلّ آفاقه حالة الوثنيّة التي قد تتطوَّر إلى وثنيّة اللّحم والدّم، حيث يعبد الإنسان مثله، من دون أن يكون له ما يميِّزه عنه في إنسانيّته.
وكانت الهجرة تمثّل حركيّة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من مكّة إلى المدينة، لا حركيّة السفر بين هاتين المدينتين، ولكن حركيّة الرحلة بين مرحلة ومرحلة؛ لأنَّ المرحلة التي سبقت ـــ وقد كانت مرحلة الدعوة في مكّة ـــ كانت مرحلة عاش الإسلام فيها الاضطهاد بكلّ ألوانه، وكلّ قساوته، حتّى قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو يتحدّث عن تلك المرحلة: "ما أوذي نبيٌّ مثلما أوذيت".. فأراد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بعد أن هيَّأ الجوّ، أن يهاجر من مكّة إلى المدينة، من أجل أن ينطلق الإنسان في توحيد الله، وأن يتحرَّك في خطّ الله، وأن يخرج من وثنيّة الحجر، ومن وثنيّة الإنسان الآخر، ليبقى الإنسان حرّاً أمام أيّ شيءٍ آخر، عبداً لله وحده. وتلك هي الحرية التي تجعل الإنسان سيّداً في حركة وجوده، سيّداً في العالم، فلا تستعبده الظواهر الكونيّة، فهي خلق الله وهو خلق الله، والبشريّة لا تستعبده، فهو عبد الله وهي عباد الله، ولذلك، يملك الإنسان حريّة موقفه، وإرادته، وحركته في مواجهة كلّ التحدّيات الأخرى.
وهكذا، اتّفق المسلمون على أن يكون أوّل التاريخ الإسلامي، الذي يؤرّخون به كلّ قضاياهم، هو تاريخ الهجرة، حتّى ينطلق الإسلام من قاعدة متحرّكة، إذا تصوّرها الإنسان يشعر بأنّ بداية هذا التاريخ كانت بداية حركة وصراع وتحدٍّ ومواجهة لكلّ القوى المضادّة للإنسان وللحياة، من خلال أنّها مضادّة لله، حتّى عندما ينطلق الإنسان ليؤرّخ كلّ شيء بالهجرة، فيلتفت إلى أنّ الهجرة كانت حركة تطوّرية من مرحلة إلى أخرى، أراد الإنسان من خلالها أن يطوّر الواقع من أجل أن يواجه كلّ قوى الاستعباد بحريّة الإنسان، وبكلّ حركة العدالة، من خلال التزامه بتوحيد الله.
الالتزام بالتاريخ الهجري
ومن هنا، نؤكّد ضرورة أن يلتزم المسلمون التاريخ الهجري، لأنَّ التزامك به يجعلك تفكّر في كلّ رقم تكتبه، كما نكتب الآن بداية السنة السابعة عشرة بعد الأربعمائة والألف للهجرة، في كلّ ما مرّ في حركة هذه الأرقام المتلاحقة مع الزمن، تفكّر في كلّ التاريخ الإسلامي المتحرّك، في بدايته، في انتصاراته، في هزائمه... ولذلك، يبقى تاريخك ماثلاً أمامك، وربّما يشدّك هذا الرقم إلى أن ترجع فتقرأ، وتدرس، وتسأل، ماذا جرى في كلّ هذا التاريخ؟ حتّى تكون المسلم الواعي لكلّ حركة التاريخ التي عاشها كلّ آبائه وأجداده في الزمن، ليشعر بأنّ هذا التاريخ حمل كلّ جهد آبائنا وأجدادنا، الذين صنعوا تاريخهم، ويسأل نفسه: ماذا عن مسؤوليّتنا في صنع التاريخ؟
عدم الاستغراق في تاريخ الماضين
نحن نتحدّث غالباً عن كلّ الانتصارات في التاريخ ـــ ويحاول البعض أن يجعله تاريخاً عربيّاً، ولا عقدة لنا من العروبة عندما تكون في مسيرة الإسلام ـــ نتحدَّث عن انتصارات بدر وأُحُد والأحزاب... وتنطلق كلّ تلك الأمجاد في الفتح الإسلامي، وما إلى ذلك، وتأتي إلينا كربلاء في كلّ أجواء هذا التاريخ، ونستغرق في التاريخ، ونعيش فيه.. ولكن هل سأل أحدٌ منّا نفسه، وهو يقف أمام كلّ هذا التاريخ: الآخرون صنعوا تاريخهم، فكيف نصنع تاريخنا؟
هل تعني الانتصارات التي قام بها المسلمون في مواجهة الشرك، والظلم، والاستكبار، والاحتلال، هل تعني لنا شيئاً؟
هل تعني هزائمنا التي عاشت في تاريخنا لنا شيئاً؟
هل يكفي أن نصفِّق للذين فتحوا؟ أو "نصفِّر" للذين انهزموا؟ أم أنّ علينا أن نأخذ من كلّ هذه الانتصارات والهزائم، ما يمكن لنا أن نحرّكه في واقعنا، لنصنع نصراً هنا، ونمنع هزيمة هناك، من خلال دراسة كلّ نقاط القوّة والضعف في حركة التاريخ؟
استلهام الحركة من النبيّ (ص)
لقد كانت حركة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من أجل أن يفتح عقول الناس على الله، وأن يفتح حياة الناس على الإسلام. كانت كلّ قضيّته هي أن يحطّم هذا التحجُّر العقلي، العاطفي، والعملي، وكان يريد للإنسان عندما يؤمن بالله ويوحّده، أن يعيش في آفاق الله، فينطلق في رحاب الكون كلّه، ليفكّر ويكتشف، وليفتح في كلّ يومٍ أُفقاً جديداً.. ووقف الآخرون أمامه، واضطهدوه، واتّهموه، وكادوا أن يقتلوه، وحاربوه حرباً لا هوادة فيها ليسقطوه، وخاض الحروب كلّها؛ الحرب الثقافية، والعسكرية، والاجتماعية، وغيرها، وانتصر، وانطلق حتّى دفع بالإسلام إلينا...
من كتاب "حديث عاشوراء"