كنت ولاأزال أتابع بدقّة كل ما يحصل في المنطقة من أحداث سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة، أتابع حركة سياسة الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الدولة التي ترى نفسها، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قائدةً للعالم، وتخطط كي تكون إمبراطوريّة عالميّة تشمل استراتيجيتها كل مكان، ولا سيّما المواقع التي تملك القوّة الاقتصاديّة، فتعزّز الاقتصاد الأميركي من جهة، وتفتح أكثر من أفق للتدخّل في هذا الموقع أو ذاك، وبسط نفوذها عليه من جهة أخرى.
وكنت ألاحظ أنَّ الولايات المتحدة التي كانت تسيطر على الكثير من المواقع في الشرق الأوسط بصورة غير مباشرة، تخطّط وتعمل للسيطرة عليه بصورة مباشرة. وكانت أوّل خطوة في هذا السياق تتمحور حول الدّعم المطلق لإسرائيل، وهذا ما حدث فعلاً بعدما انتقلت الرّعاية لهذه الدولة المغتصبة من أيدي الأوروبّيين: الإنكليز، ثم الفرنسيّين، إلى الأميركيّين.
وهكذا أصبحت إسرائيل، ولو بشكل غير رسميّ، جزءاً لا يتجزّأ من أميركا نفسها... لذلك، فالسياسة الأميركيّة راحت تضغط على كلّ مفاصل السياسات العربيّة، أو النظام العربي الرّسمي. وبالفعل، فقد نجحت في تحييد أكثر العرب عن المسألة الفلسطينيّة، التي كان يقال دائماً إنّها «قضية العرب الأولى»، ثم انتقلت للضّغط على الفلسطينيين، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي دفعت أميركا لإعلان الحرب على الإرهاب، بحيث أطبقت على حركة الكفاح الفلسطيني، وعملت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في كلّ العالم العربي والإسلامي، وهذا كلّه بهدف استكمال حصار الشعب الفلسطيني، بحيث لا يبقى إلى جانبه أيُّ صوت عربي أو إسلامي، واستكمال الخطة الإسرائيليّة للسيطرة، وضمّ أكثر الجغرافية الفلسطينيّة، فلا يبقى للفلسطينيّين أيُّ شيء.
إذاً، انطلقت مسألة 11 أيلول (سبتمبر) لتفتح للولايات المتحدة الأفق العالمي، وتبرز، سواء أمام حلفائها في أوروبّا، أو أمام الذين تعيش بعض العقد معهم، كالصّين وروسيا، فتضغط عليهم بذريعة مكافحة الإرهاب، وتجذبهم إلى الجانب المأساويّ من الصورة، باعتبار أنَّ الاعتداء عليها هو اعتداء على الغرب كلّه، بل على العالم، وأنّ قضيّة الحرب على الإرهاب، التي مارست فيها الكثير من الإرهاب الفكري والسياسي، أصبحت قضيّة عالميّة. وهذا يعني أنّ أيّ دولة تتباطأ في دعمها ومساندتها، معرَّضة للرّجم بدعوى مساندة الإرهاب، أو تمويله، أو ما شابه.
وماذا كان بعد؟ بعد ذلك أرادت السَّيطرة على العراق، مستغلّةً الوضع الذي كان يعيشه الشعب العراقي في ظلّ نظام صدّام حسين، هذا النظام الذي كان أميركيّاً بالكامل وبامتياز، فصدّام كان موظفاً في المخابرات الأميركية أصلاً، ثم وظَّفته واشنطن لخدمة سياستها في إرباك الوضع العربي كلّه، من خلال الحرب على إيران، ثم في اجتياح الكويت الذي أرادت واشنطن من خلاله الإيحاء لعرب الخليج، بأنّها هي الوحيدة التي تستطيع إنقاذهم من خطره.
ونحن نعرف أنَّ أميركا عادت واحتلت العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدّمار الشّامل، وإنقاذ الشعب العراقي من طغيان النظام، والمسألة لاتزال تتفاعل في السياسة الأميركيّة التي تتخبَّط في الرّمال العراقية المتحرّكة، والسَّبب هو أنّ أميركا عندما احتلَّت العراق، كانت تفكّر في القوّة التي تملكها، ولم تفكّر لما بعد الاحتلال، فغرقت في الوحول، وحول المقاومة أوَّلاً، ووحول الفوضى، التي أفسحت في المجال لها، تحت عنوان «الفوضى البنّاءة»، وفي التعقيدات التي أحاطت بها وأحاطت بالدول المجاورة التي شعرت بأنّ القوات الأميركية أصبحت على حدودها، وتعمل للضّغط عليها بطريقة أو بأخرى.
ولذلك، فإنّني أعتقد أنَّ المرحلة التي نعيشها، هي مرحلة السيطرة الإسرائيليّة الأميركيّة على المنطقة. ففي الحديث مثلاً عن الحوار، فإنّهم يتحدّثون في الواقع عن الفرص التي يتوسّلونها، والتي يمكنهم تحريكها لإسقاط هذين السلاحين من منطلق الالتزام بالشرعيّة الدوليّة والقرارات الدوليّة.
وأخلص إلى القول: فتّش عن أميركا. إنّ المصائب لا تأتي فرادى، غير أنّ المصائب تنطلق من قاعدة ولا تنطلق من مفردات، وهذا ما عنيته بقولي: فتّش عن أمريكا.
*من حوارات سياسية ، العام 2005.
كنت ولاأزال أتابع بدقّة كل ما يحصل في المنطقة من أحداث سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة، أتابع حركة سياسة الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الدولة التي ترى نفسها، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قائدةً للعالم، وتخطط كي تكون إمبراطوريّة عالميّة تشمل استراتيجيتها كل مكان، ولا سيّما المواقع التي تملك القوّة الاقتصاديّة، فتعزّز الاقتصاد الأميركي من جهة، وتفتح أكثر من أفق للتدخّل في هذا الموقع أو ذاك، وبسط نفوذها عليه من جهة أخرى.
وكنت ألاحظ أنَّ الولايات المتحدة التي كانت تسيطر على الكثير من المواقع في الشرق الأوسط بصورة غير مباشرة، تخطّط وتعمل للسيطرة عليه بصورة مباشرة. وكانت أوّل خطوة في هذا السياق تتمحور حول الدّعم المطلق لإسرائيل، وهذا ما حدث فعلاً بعدما انتقلت الرّعاية لهذه الدولة المغتصبة من أيدي الأوروبّيين: الإنكليز، ثم الفرنسيّين، إلى الأميركيّين.
وهكذا أصبحت إسرائيل، ولو بشكل غير رسميّ، جزءاً لا يتجزّأ من أميركا نفسها... لذلك، فالسياسة الأميركيّة راحت تضغط على كلّ مفاصل السياسات العربيّة، أو النظام العربي الرّسمي. وبالفعل، فقد نجحت في تحييد أكثر العرب عن المسألة الفلسطينيّة، التي كان يقال دائماً إنّها «قضية العرب الأولى»، ثم انتقلت للضّغط على الفلسطينيين، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي دفعت أميركا لإعلان الحرب على الإرهاب، بحيث أطبقت على حركة الكفاح الفلسطيني، وعملت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في كلّ العالم العربي والإسلامي، وهذا كلّه بهدف استكمال حصار الشعب الفلسطيني، بحيث لا يبقى إلى جانبه أيُّ صوت عربي أو إسلامي، واستكمال الخطة الإسرائيليّة للسيطرة، وضمّ أكثر الجغرافية الفلسطينيّة، فلا يبقى للفلسطينيّين أيُّ شيء.
إذاً، انطلقت مسألة 11 أيلول (سبتمبر) لتفتح للولايات المتحدة الأفق العالمي، وتبرز، سواء أمام حلفائها في أوروبّا، أو أمام الذين تعيش بعض العقد معهم، كالصّين وروسيا، فتضغط عليهم بذريعة مكافحة الإرهاب، وتجذبهم إلى الجانب المأساويّ من الصورة، باعتبار أنَّ الاعتداء عليها هو اعتداء على الغرب كلّه، بل على العالم، وأنّ قضيّة الحرب على الإرهاب، التي مارست فيها الكثير من الإرهاب الفكري والسياسي، أصبحت قضيّة عالميّة. وهذا يعني أنّ أيّ دولة تتباطأ في دعمها ومساندتها، معرَّضة للرّجم بدعوى مساندة الإرهاب، أو تمويله، أو ما شابه.
وماذا كان بعد؟ بعد ذلك أرادت السَّيطرة على العراق، مستغلّةً الوضع الذي كان يعيشه الشعب العراقي في ظلّ نظام صدّام حسين، هذا النظام الذي كان أميركيّاً بالكامل وبامتياز، فصدّام كان موظفاً في المخابرات الأميركية أصلاً، ثم وظَّفته واشنطن لخدمة سياستها في إرباك الوضع العربي كلّه، من خلال الحرب على إيران، ثم في اجتياح الكويت الذي أرادت واشنطن من خلاله الإيحاء لعرب الخليج، بأنّها هي الوحيدة التي تستطيع إنقاذهم من خطره.
ونحن نعرف أنَّ أميركا عادت واحتلت العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدّمار الشّامل، وإنقاذ الشعب العراقي من طغيان النظام، والمسألة لاتزال تتفاعل في السياسة الأميركيّة التي تتخبَّط في الرّمال العراقية المتحرّكة، والسَّبب هو أنّ أميركا عندما احتلَّت العراق، كانت تفكّر في القوّة التي تملكها، ولم تفكّر لما بعد الاحتلال، فغرقت في الوحول، وحول المقاومة أوَّلاً، ووحول الفوضى، التي أفسحت في المجال لها، تحت عنوان «الفوضى البنّاءة»، وفي التعقيدات التي أحاطت بها وأحاطت بالدول المجاورة التي شعرت بأنّ القوات الأميركية أصبحت على حدودها، وتعمل للضّغط عليها بطريقة أو بأخرى.
ولذلك، فإنّني أعتقد أنَّ المرحلة التي نعيشها، هي مرحلة السيطرة الإسرائيليّة الأميركيّة على المنطقة. ففي الحديث مثلاً عن الحوار، فإنّهم يتحدّثون في الواقع عن الفرص التي يتوسّلونها، والتي يمكنهم تحريكها لإسقاط هذين السلاحين من منطلق الالتزام بالشرعيّة الدوليّة والقرارات الدوليّة.
وأخلص إلى القول: فتّش عن أميركا. إنّ المصائب لا تأتي فرادى، غير أنّ المصائب تنطلق من قاعدة ولا تنطلق من مفردات، وهذا ما عنيته بقولي: فتّش عن أمريكا.
*من حوارات سياسية ، العام 2005.