عشت منذ طفولتي الأولى في رحاب النبيّ محمّد (ص) والأئمّة الهداة من أهل بيته في الخطّ الإسلاميّ النقيّ الأصيل الّذي يتحرَّك في إشراقة الفكر وأصالة المعرفة وصفاء الرّوح وسموّ الإيمان، وحركيّة القرب من الله في اتجاه رفع مستوى الإنسان فكريّاً وروحياً وحركياً، من أجل أن يكون إنسان الحقّ الذي يصنع الحضارة الإنسانيّة في المزيج المعرفي بين المادة والروح، باعتبار الإنسان قبضة من طين ونفخة من روح الله في عمليّة تمازج وتفاعل، فلا تنفصل المادة عن الروح، ولا تبتعد الرّوح عن المادة، لأنهما يمثّلان عنصر الوحدة الإنسانيّة في خصائصها الوجوديّة.
وإنّنا نعتقد أنَّ الإمامة تمثّل الامتداد المعرفيّ والحركيّ للنبوَّة، باعتبار أنّ الخلافة عن النبي لا تمثّل القيام بالدور الإداري للحكم في الأمَّة فقط، بل تمثّل إلى جانب ذلك القيام بالدّور الرّسالي في الدّعوة والتربية والمواجهة للتحدّيات الفكريّة والعمليّة المضادّة.
ولهذا، فلا بدّ من دراسة حياة الأئمّة وتراثهم الفكريّ والتشريعيّ في هذا الجانب، باعتبار أنّ ذلك هو التجسيد العملي لقولهم: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، لأنَّ أمرهم يتحرّك في أمر الإسلام وحركة الحياة في الإنسان في اتجاهه، لأنهم لا يلتزمون أيّ خطّ غير خطّ الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص)، مما بلّغه من كتاب الله وبيّنه من سنَّته.
ولذلك، كان حديثُهم حديثَ رسول الله (ص)، وسيرتهم امتداداً لسيرته، كما جاء في حديث الإمام جعفر الصّادق (ع).
ولذلك، جاءت الأحاديث المتواترة عنهم بأن يعرض القرّاء والرواة أحاديثهم على كتاب الله وسنّة رسول الله، فما وافقهما فهو الحقّ والصّدق، وما خالفهما فهو زخرف.
وعلى ضوء هذا، كنت أتحدَّث منذ أكثر من خمسين سنة عن النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) في المنهج التحليليّ المنفتح على اكتشاف المعنى الإنساني في الإسلام، والخطّ الحضاري في مفاهيمه وتشريعاته، من أجل تأصيل الفكر الإسلامي، وإبعاده عن الخرافة التي فرضتها ذهنيَّة التخلّف على الإسلام، لأني كنت ولاأزال أتصوّر أنَّ هذا هو الأسلوب الذي يمكننا من خلاله إيضاح الصورة الإسلامية الأصيلة المشرقة للخطّ الإسلامي الأصيل ومنهج أئمّة أهل البيت (ع) ومدرستهم الفكرية والشرعية، ليعرف الناس، ولا سيّما الجيل المعاصر، أنَّ التراث الفكري الذي تركوه لنا يمكن أن يساهم في حلّ مشكلة الإنسان المعاصر ورعاية تطلّعاته وتحريك الخطوط الحضارية في الصراع مع التيارات المضادَّة، وفي حوار الحضارات مع المفكّرين المنفتحين على الحوار، حتى يدخل تراث الأئمّة من أهل البيت (ع) في الثقافة المعاصرة على مستوى النظرية والتطبيق، ليعرف النّاس الغنى الفكري والروحي والقانوني الذي يتمتّعون به، هذا إضافةً إلى الجوانب المضيئة المتمثّلة بسيرتهم في تجسيدهم للقيم الإسلاميّة في حريّة الفكر وإنسانيّة الحوار، ومسؤوليّة المعرفة، وحركة العدل، وأصالة الحقّ، واحترام حقوق الإنسان.
وقد حاولت في أحاديثي كلّها أن أؤكّد العناصر الأصيلة في شخصيّاتهم القدسيَّة وفي مواقعهم الإماميّة العمليّة، بطريقة علميّة تحليليّة على مستوى القراءة الموضوعيّة للتراث والتاريخ.
وقد لاقيت الكثير من عَنَت الجهَّال والمتخلِّفين الذين لا يتحمّلون مسؤوليَّة العلم وإنسانيّة الكلمة وعدالة الموقف، ولا يتثبّتون ممّا يسمعون أو يقرأون، ولكن ذلك لم يزدني إلا إصراراً على الموقف، ودعوةً للحوار الموضوعي، لأنّ المسألة لا تتصل بالجانب الذّاتي، بل بالخطّ الرّسالي الذي لاأزال أعمل من أجل استقامته في الواقع منذ أكثر من نصف قرن.
*من مقدِّمة كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، الجزء الثاني.
عشت منذ طفولتي الأولى في رحاب النبيّ محمّد (ص) والأئمّة الهداة من أهل بيته في الخطّ الإسلاميّ النقيّ الأصيل الّذي يتحرَّك في إشراقة الفكر وأصالة المعرفة وصفاء الرّوح وسموّ الإيمان، وحركيّة القرب من الله في اتجاه رفع مستوى الإنسان فكريّاً وروحياً وحركياً، من أجل أن يكون إنسان الحقّ الذي يصنع الحضارة الإنسانيّة في المزيج المعرفي بين المادة والروح، باعتبار الإنسان قبضة من طين ونفخة من روح الله في عمليّة تمازج وتفاعل، فلا تنفصل المادة عن الروح، ولا تبتعد الرّوح عن المادة، لأنهما يمثّلان عنصر الوحدة الإنسانيّة في خصائصها الوجوديّة.
وإنّنا نعتقد أنَّ الإمامة تمثّل الامتداد المعرفيّ والحركيّ للنبوَّة، باعتبار أنّ الخلافة عن النبي لا تمثّل القيام بالدور الإداري للحكم في الأمَّة فقط، بل تمثّل إلى جانب ذلك القيام بالدّور الرّسالي في الدّعوة والتربية والمواجهة للتحدّيات الفكريّة والعمليّة المضادّة.
ولهذا، فلا بدّ من دراسة حياة الأئمّة وتراثهم الفكريّ والتشريعيّ في هذا الجانب، باعتبار أنّ ذلك هو التجسيد العملي لقولهم: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا"، لأنَّ أمرهم يتحرّك في أمر الإسلام وحركة الحياة في الإنسان في اتجاهه، لأنهم لا يلتزمون أيّ خطّ غير خطّ الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص)، مما بلّغه من كتاب الله وبيّنه من سنَّته.
ولذلك، كان حديثُهم حديثَ رسول الله (ص)، وسيرتهم امتداداً لسيرته، كما جاء في حديث الإمام جعفر الصّادق (ع).
ولذلك، جاءت الأحاديث المتواترة عنهم بأن يعرض القرّاء والرواة أحاديثهم على كتاب الله وسنّة رسول الله، فما وافقهما فهو الحقّ والصّدق، وما خالفهما فهو زخرف.
وعلى ضوء هذا، كنت أتحدَّث منذ أكثر من خمسين سنة عن النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) في المنهج التحليليّ المنفتح على اكتشاف المعنى الإنساني في الإسلام، والخطّ الحضاري في مفاهيمه وتشريعاته، من أجل تأصيل الفكر الإسلامي، وإبعاده عن الخرافة التي فرضتها ذهنيَّة التخلّف على الإسلام، لأني كنت ولاأزال أتصوّر أنَّ هذا هو الأسلوب الذي يمكننا من خلاله إيضاح الصورة الإسلامية الأصيلة المشرقة للخطّ الإسلامي الأصيل ومنهج أئمّة أهل البيت (ع) ومدرستهم الفكرية والشرعية، ليعرف الناس، ولا سيّما الجيل المعاصر، أنَّ التراث الفكري الذي تركوه لنا يمكن أن يساهم في حلّ مشكلة الإنسان المعاصر ورعاية تطلّعاته وتحريك الخطوط الحضارية في الصراع مع التيارات المضادَّة، وفي حوار الحضارات مع المفكّرين المنفتحين على الحوار، حتى يدخل تراث الأئمّة من أهل البيت (ع) في الثقافة المعاصرة على مستوى النظرية والتطبيق، ليعرف النّاس الغنى الفكري والروحي والقانوني الذي يتمتّعون به، هذا إضافةً إلى الجوانب المضيئة المتمثّلة بسيرتهم في تجسيدهم للقيم الإسلاميّة في حريّة الفكر وإنسانيّة الحوار، ومسؤوليّة المعرفة، وحركة العدل، وأصالة الحقّ، واحترام حقوق الإنسان.
وقد حاولت في أحاديثي كلّها أن أؤكّد العناصر الأصيلة في شخصيّاتهم القدسيَّة وفي مواقعهم الإماميّة العمليّة، بطريقة علميّة تحليليّة على مستوى القراءة الموضوعيّة للتراث والتاريخ.
وقد لاقيت الكثير من عَنَت الجهَّال والمتخلِّفين الذين لا يتحمّلون مسؤوليَّة العلم وإنسانيّة الكلمة وعدالة الموقف، ولا يتثبّتون ممّا يسمعون أو يقرأون، ولكن ذلك لم يزدني إلا إصراراً على الموقف، ودعوةً للحوار الموضوعي، لأنّ المسألة لا تتصل بالجانب الذّاتي، بل بالخطّ الرّسالي الذي لاأزال أعمل من أجل استقامته في الواقع منذ أكثر من نصف قرن.
*من مقدِّمة كتاب "في رحاب أهل البيت (ع)"، الجزء الثاني.