هناك مجموعة من الآيات نزلت في علاقة المسلمين مع اليهود، لأنّ أهل الكتاب الذين كانوا محلّ ابتلاء المسلمين في عهد نزول القرآن هم ـ بشكل عام ـ من اليهود الّذين عاثوا في الواقع الإسلامي فساداً، وهم الذي نقضوا عهدهم وحاربوا المسلمين مع حلفائهم من المشركين. لذلك، فعندما ندرس الآيات المتعلّقة بأهل الكتاب في القرآن، نجد أنّ أغلبها تتّجه إلى اليهود، باعتبار القرائن الموجودة فيهم، ولأنّ اليهود كانوا يمثلون المشكلة المتحرّكة للمسلمين.
ففي الآية التالية، حديث للمؤمنين في أن لا يجعلوا هؤلاء مستودع أسرارهم، ولا يدخلوهم الوظائف الحيويَّة التي يمكن أن ينفذوا إليها ليعبثوا في الأوضاع العامّة، فلا تُعطِ أسرارك، سواء كانت سياسيّة أو إداريّة أو أمنيّة أو اقتصاديّة لهؤلاء، فالقرآن يريد النفوذ إلى الواقع النفسي والسياسي لليهود. فلنتابع قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}، أي من الناس الآخرين {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالً}، أي يحاولون إثارة المشاكل التي تربك الواقع {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}، والعنت المشقّة، فهم يتمنّون أن تعيشوا المشقة في أوضاعكم كلّها {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} في أحاديثهم {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} مما يظهر على ألسنتهم. {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ} التي تدلّكم على ما فيه المصلحة وما فيه دفع الضّرر {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران: 118]. فكأنّ القرآن يريد أن يقول للإنسان المسلم: حاول في علاقاتك مع الآخرين أن تستنفر عقلك وتدفعه ليدرس المعطيات الميدانية، حتى تستطيع أن تحفظ نفسك مما يخطّطه الآخرون لك.
{هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ}، لأنكم منفتحون كما علّمكم القرآن {وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}، فأنتم تؤمنون بالتّوراة والإنجيل والقرآن، بينما لا يؤمنون بالكتاب كلّه، {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّ}، حتى يحصلوا على الأمن من خلالكم {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، فهم يتوعّدونكم بالخطط والأساليب التي يمكن أن تحطّمكم {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران: 119]، فإنّ الله تعالى يعرّفنا ما تضمرون، وهو الذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُو}، بلا انفعال، بحيث تتّقون الله في خطواتكم {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120].
ونختم بآية تركّز معنى قد لا يكون واضحاً في الآيات السابقة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}، بحيث تدخلونهم في عمق مجتمعكم. والمقصود هنا الذين يعيشون العداوة منهم، بقرينة الآية السابقة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}[الممتحنة: 8]. {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فهم يمثّلون حلفاً للكفر، فهم يتحالفون ضدّكم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، أي الذي يواليهم فهو منهم، ولدينا في ذلك حديث يقول: "إذا أردت أن تعرف نفسك، فانظر قلبك، فإن كان يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله، ففيك خير والله يحبّك، وإن كان قلبك يوالي أعداء الله ويعادي أولياء الله، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ"، فكلّ فرد يُحشر مع المجتمع الذي يحبّه.
{إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51]. فالفكرة الّتي يعطيها الله في قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} هي أنَّ الحبَّ ليس خفقة قلب ونبضة إحساس، بل هو الأساس الذي ترتكز عليه شخصيَّتك وشخصيَّة الآخر، فإذا كان الأساس واحداً، فهناك الحبّ العميق، وإذا كان مختلفاً، فلا معنى لأن تحبّ إنساناً يختلف عن قاعدتك الفكريَّة والروحيَّة {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: 80 – 81].
* المصدر: كتاب "النّدوة"، ج5.
هناك مجموعة من الآيات نزلت في علاقة المسلمين مع اليهود، لأنّ أهل الكتاب الذين كانوا محلّ ابتلاء المسلمين في عهد نزول القرآن هم ـ بشكل عام ـ من اليهود الّذين عاثوا في الواقع الإسلامي فساداً، وهم الذي نقضوا عهدهم وحاربوا المسلمين مع حلفائهم من المشركين. لذلك، فعندما ندرس الآيات المتعلّقة بأهل الكتاب في القرآن، نجد أنّ أغلبها تتّجه إلى اليهود، باعتبار القرائن الموجودة فيهم، ولأنّ اليهود كانوا يمثلون المشكلة المتحرّكة للمسلمين.
ففي الآية التالية، حديث للمؤمنين في أن لا يجعلوا هؤلاء مستودع أسرارهم، ولا يدخلوهم الوظائف الحيويَّة التي يمكن أن ينفذوا إليها ليعبثوا في الأوضاع العامّة، فلا تُعطِ أسرارك، سواء كانت سياسيّة أو إداريّة أو أمنيّة أو اقتصاديّة لهؤلاء، فالقرآن يريد النفوذ إلى الواقع النفسي والسياسي لليهود. فلنتابع قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}، أي من الناس الآخرين {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالً}، أي يحاولون إثارة المشاكل التي تربك الواقع {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}، والعنت المشقّة، فهم يتمنّون أن تعيشوا المشقة في أوضاعكم كلّها {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} في أحاديثهم {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} مما يظهر على ألسنتهم. {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ} التي تدلّكم على ما فيه المصلحة وما فيه دفع الضّرر {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران: 118]. فكأنّ القرآن يريد أن يقول للإنسان المسلم: حاول في علاقاتك مع الآخرين أن تستنفر عقلك وتدفعه ليدرس المعطيات الميدانية، حتى تستطيع أن تحفظ نفسك مما يخطّطه الآخرون لك.
{هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ}، لأنكم منفتحون كما علّمكم القرآن {وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}، فأنتم تؤمنون بالتّوراة والإنجيل والقرآن، بينما لا يؤمنون بالكتاب كلّه، {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّ}، حتى يحصلوا على الأمن من خلالكم {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، فهم يتوعّدونكم بالخطط والأساليب التي يمكن أن تحطّمكم {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران: 119]، فإنّ الله تعالى يعرّفنا ما تضمرون، وهو الذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُو}، بلا انفعال، بحيث تتّقون الله في خطواتكم {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120].
ونختم بآية تركّز معنى قد لا يكون واضحاً في الآيات السابقة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}، بحيث تدخلونهم في عمق مجتمعكم. والمقصود هنا الذين يعيشون العداوة منهم، بقرينة الآية السابقة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}[الممتحنة: 8]. {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فهم يمثّلون حلفاً للكفر، فهم يتحالفون ضدّكم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، أي الذي يواليهم فهو منهم، ولدينا في ذلك حديث يقول: "إذا أردت أن تعرف نفسك، فانظر قلبك، فإن كان يوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله، ففيك خير والله يحبّك، وإن كان قلبك يوالي أعداء الله ويعادي أولياء الله، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ"، فكلّ فرد يُحشر مع المجتمع الذي يحبّه.
{إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51]. فالفكرة الّتي يعطيها الله في قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} هي أنَّ الحبَّ ليس خفقة قلب ونبضة إحساس، بل هو الأساس الذي ترتكز عليه شخصيَّتك وشخصيَّة الآخر، فإذا كان الأساس واحداً، فهناك الحبّ العميق، وإذا كان مختلفاً، فلا معنى لأن تحبّ إنساناً يختلف عن قاعدتك الفكريَّة والروحيَّة {وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[المائدة: 80 – 81].
* المصدر: كتاب "النّدوة"، ج5.