بعض الناس يقول نحن شيعة عليّ بن أبي طالب (ع)، وعلى هذا الأساس "حبّ عليّ حَسَنة لا تضرّ معها سيّئة"، فلا مانع من أن نكذب، فالسياسة تحتاج إلى كذب، والتجارة تحتاج إلى كذب، والحياة الاجتماعيّة تحتاج إلى كذب، وتريدون منّا أن نحمل "السلّم بالعرض"، فنصدق والنّاس كلّهم يكذبون.
بعض الناس يقول ذلك، لكن إذا كان رسول الله (ص) الذي هو سيّد عليّ (ع) وإمامه ونبيّه وقائده وأستاذه الصّادق الأمين، وإذا كان عليّ (ع) بلغ ما بلغ عند رسول الله (ص)، وكانت مشكلته أنّه الصادق الذي عاش مع الحقّ وعاش الحقّ معه، فما قيمة أن تحبُّوه أيُّها الكذّابون، ما قيمة ذلك؟
عليّ (ع) لم يحارب الناس على أساس عواطفهم، ولكنّه حارب النّاس على أساس موقفهم من الله، ولهذا مَن كان وليّاً لله، فهو وليّ لعليّ الذي لا يتحرّك في ولايته إلّا من خلال الله، ومن كان عدوّاً لله فهو له عدوّ.
واستمعوا إلى كلمة الإمام الصادق (ع)، فقد كان في شيعة زمانه بعض الكذّابين، كما أنّ هناك في شيعته وغير شيعته الكثير من الكذّابين الآن، يقول: "إنَّ فيمن ينتحل هذا الأمر ـــ يعني فيمن ينتحل التشيُّع، ويقول إنّني من شيعة عليّ وشيعة أولاده ـــ لَمَن يكذب حتّى يحتاج الشيطان إلى كذبه"1، يعني كذّاب من الدرجة الأولى، بحيث يحتاج الشيطان أن يتعلَّم منه حتى يرقى إلى مستوى كذبه.
هذا واقع موجود، يقول بعضهم أنا شيعيّ، ولكنّه يكذب حتّى يحتاج الشيطان إلى كذبه، أيّ شيعي هو هذا الشّيعي؟! وأيّ التشيُّع هو هذا، إنَّ التشيُّع ليس عاطفةً، إنّه الإسلام الّذي ينطلق في خطّ حاسم على النّهج الذي انطلق به الإمام عليّ (ع) في كلّ حياته. أن تكون شيعيّاً يعني أن تكون مع الحقّ، أن تكون شيعيّاً يعني أن تكون مع الصّدق، وأمّا إذا كنت مع الباطل وكنت مع الكذب، فكيف يتعرّف عليك عليّ (ع) الصادق الذي حارَبَ من أجل الصدق.
لهذا، لا تفكِّروا في الشكليات، ولكن فكّروا بالعمق في ذلك كلّه، لأنّكم تقفون أمام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، والذي يطّلع على كلّ شيء مهما كان دقيقاً ومهما كان خفيّاً.
وهكذا، جاء رجل إلى النبيّ (ص) قال: يا رسول الله ما عمل الجنّة؟ أنا أحبّ أن أدخل الجنّة، وأنتَ دليلنا إلى الجنّة، ودليلنا إلى الأعمال التي تدخلنا الجنّة، قال: "الصّدق، إنَّ العبد إذا صدَق برّ، وإذا برّ آمن، وإذا آمن دخل الجنّة". الصدق يقودك إلى الخير، والخير يقودك إلى الإيمان، والإيمان يقودك إلى الجنّة. قال: يا رسول الله، وما عمل النار؟ قال: "الكذب، إنّ العبد إذا كذب فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار"2.
وهناك حديث أخطر من ذلك، يقول إنّ الله جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح لتلك الأقفال: الشراب والكذب، والكذب شرّ من الشّراب. إذا قالوا عن أحدكم إنّه يصلّي ويصوم ويشرب الخمر، فهل يعقل أن يكون الإنسان مصلّياً وشارباً للخمر؟! ولكنّ الكذب شرّ من الشّراب، لأنَّ الشراب يسيء إليك وحدك؛ يُذهِب عقلك ويُفسِد جسدك، ولكنَّ الكذب يشكِّل خطراً على حياتك وحياة الآخرين، فهو أخطر من الشّراب في النتائج، وهو من مفاتيح الشرّ التي أراد الله لها أن تبقى مغلقةً في الحياة.
استمعوا إلى هذا الحديث، أيُّها المؤمنون الذين تستحلُّون الكذب في المزاح: "لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب؛ هزله وجدّه"3. وفي وصيّة الإمام زين العابدين (ع) لأولاده قال: "اتّقوا الكذب الصّغير منه والكبير، في هزل أو جدّ، فإنَّ الرجل إذا اجترأ على الصغير اجترأ على الكبير"4، يعني الإنسان يأخذ كذبةً صغيرة، وفي ما بعد يأخذ أكبر منها بقليل، حتّى يصل إلى الكذبة الكبيرة، وهكذا تبدأ كذبة مزاح، ويتعوَّد اللّسان على أن يتحرّك بالباطل.
فلهذا، يحرم الكذب في الجدّ والهزل، وتحرم الكذبة الصّغيرة كما تحرم الكذبة الكبيرة، لأنَّ الله لا يريد للحياة أن تفقد الصّورة الحقيقيّة التي يتمثّلها النّاس في كلّ أمورهم وفي كلّ قضاياهم وفي كلّ حياتهم.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".
[1]البحار، ج:72، ص:265، رواية:28، باب:114.
[2]ميزان الحكمة، محمّد الرّيشهري، ج3، ص 817.
[3]البحار، ج:72، ص:249، رواية:14، باب:114.
[4]البحار، ج:78، ص:135، رواية:3، باب:21.