في أجواء سورة "الكافرون" المباركة

في أجواء سورة "الكافرون" المباركة

سورة "الكافرون" هي سورة مكّيّة، وتتألّف من ستّ آيات تتحدَّث عن الالتزام بالعبادة الحقيقيَّة القائمة على توحيد الله، وعدم الانجرار وراء كلّ أشكال العبادة للأوثان؛ أوثان الحجارة، وأوثان الآدميّين والسّلطة والمال.

هذه السّورة المباركة، جاء في أسباب نزولها، أنَّ الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأميّة بن خلف، لقوا الرّسول(ص)، فقالوا له: "يا محمّد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كلّه، فإن كان الّذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنَّا قد شركناك فيه، وأخذنا بحظّنا منه، وإن كان الّذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظِّك منه"، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.

على مستوى الاعتقاد الدّينيّ، هناك ذهنيَّتان يأخذ بهما بالإنسان؛ الذّهنيَّة الأولى تتّصف بالانغلاق والتحجّر، جرّاء عدم انفتاحها على الحقّ المتمثّل بفطرة التّوحيد، وما تعنيه من تفتّح آفاق الرّوح والعقل، لجهة السير على الطّريق القويم، وتنمية الرّوح والوعي، والارتقاء بهما من حضيض المادّة وعوالمها السفيفة التي تقتل كلّ طاقات الإنسان وإبداعاته عندما يستغرق بهما، ولا يعود يبصر الحقّ والحقيقة. وهناك الذهنيّة الأخرى المقابلة، والمقاومة لكلّ أشكال الانحطاط الفكري والروحي والعقيدي، والمتمسّكة بنهج الحقّ القويم، وبتوحيد الله تعالى، حيث تؤكّد التزامها بهذا الخطّ، وتناضل وتقاوم كلّ الإغراءات والتحدّيات، من أجل تأكيده في الحياة بالشَّكل الّذي يحفظ لها توازنها. إنهما منهجان متضادّان، لا يمكن لهما أن يلتقيا في الذّات الواحدة.

يقول سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في شرح هذه السّورة: "{قُلْ يا أيّهَا الْكَافِرُونَ} بالله أو بوحدانيّته، من خلال المنهج الَّذي تسيرون عليه، قل لهم: {يا أيّهَا الْكَافِرُونَ} الَّذين تكفرون بالله أو بتوحيده، وتريدونني أن أصدِّق أنكم جادُّون في طرحكم بأنّكم تريدون عبادته، {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}، لأنَّ الله قد أرسلني لأرفض الَّذي تعبدونه، ولأدعو النّاس إلى أن يرفضوه، فكيف تدعونني إلى أن أعبده؟!".

ويتابع سماحته: "{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}، لأنّ الَّذين عاشوا الوثنيّة في عقولهم ومشاعرهم وحياتهم، كيف يقتنعون بعبادة الله الواحد، في الوقت الذي كانوا يتحركون ضدّ الرسول الذي جاء بالتوحيد في العقيدة وفي العبادة؟

{وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتُّمْ}، وهذا تأكيدٌ للرّفض الأوّل بصيغة الجملة الاسمية الدالة على ثبات الصفة واستمرارها.

{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}، لأنَّكم ـ في موقفكم ضدّي ـ تمثّلون الرفض كلّه، فكيف تريدونني أن أقبل منكم ذلك؟

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، فإذا كنتم لا تريدون الالتزام بديني، فابتعدوا عني، لأني لن أترك ديني الّذي أخلصت به لله في كلّ ما يريده ويرضاه. وعلى المعنى الثّاني، وهو إرادة الجزاء من كلمة الدّين، فيكون المراد، لكم جزاؤكم على عبادتكم، وهو النّار، ولي جزائي على عبادتي، وهو الجنة".]"تفسير من وحي القرآن"، ج 24، ص 445 ـ 457[.

لقد أغلق الكافرون عقولهم وقلوبهم عن ذكر الله تعالى، وانطووا على ذواتهم المتفاعلة مع معتقدات الآباء والأجداد في عبادة الأوثان، وعبادة كلّ مظاهر المادّة، التي حرمتهم من نعمة الانفتاح على الله وتوحيده، وما لذلك من أثر في حياة الأفراد والجماعات. وما دمتم، أيّها الكافرون بالله، قد عكفتم على عبادتكم تلك، وألغيتم كلّ فرصة للهداية، فإنّنا، نحن الموحّدين، نؤكّد التزامنا بعقيدة التّوحيد وروحها، عن قناعةٍ ومعرفةٍ وإخلاص، ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال، أن تجتمع عقيدة التّوحيد مع عقيدة عبادة غير الله تعالى.

وعلى المسلمين، انطلاقاً من هذه السّورة، مواجهة كلّ المغريات والمؤامرات والمشاريع التي تحاول أن تحرمهم من عقيدتهم الحقّة، وأن يلتزموا خطّ التوحيد، ويحافظوا عليه، فلا يسيئوا إليه بتصرّفاتهم اللامسؤولة، ولا يشوّهوا هذا التوحيد بأخلاقيّات وسلوكيّات تنسجم مع أهل الباطل.

إنَّ المحافظة على العقيدة الصَّحيحة مسؤوليَّة والتزام، وتتطلَّب حضور العقل والقلب في كلّ المواقف واللّحظات، ليعيش الإنسان الإخلاص لله على مستوى الشّعور المتجسّد حركةً ووعياً في الواقع.


سورة "الكافرون" هي سورة مكّيّة، وتتألّف من ستّ آيات تتحدَّث عن الالتزام بالعبادة الحقيقيَّة القائمة على توحيد الله، وعدم الانجرار وراء كلّ أشكال العبادة للأوثان؛ أوثان الحجارة، وأوثان الآدميّين والسّلطة والمال.

هذه السّورة المباركة، جاء في أسباب نزولها، أنَّ الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأميّة بن خلف، لقوا الرّسول(ص)، فقالوا له: "يا محمّد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كلّه، فإن كان الّذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنَّا قد شركناك فيه، وأخذنا بحظّنا منه، وإن كان الّذي بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظِّك منه"، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.

على مستوى الاعتقاد الدّينيّ، هناك ذهنيَّتان يأخذ بهما بالإنسان؛ الذّهنيَّة الأولى تتّصف بالانغلاق والتحجّر، جرّاء عدم انفتاحها على الحقّ المتمثّل بفطرة التّوحيد، وما تعنيه من تفتّح آفاق الرّوح والعقل، لجهة السير على الطّريق القويم، وتنمية الرّوح والوعي، والارتقاء بهما من حضيض المادّة وعوالمها السفيفة التي تقتل كلّ طاقات الإنسان وإبداعاته عندما يستغرق بهما، ولا يعود يبصر الحقّ والحقيقة. وهناك الذهنيّة الأخرى المقابلة، والمقاومة لكلّ أشكال الانحطاط الفكري والروحي والعقيدي، والمتمسّكة بنهج الحقّ القويم، وبتوحيد الله تعالى، حيث تؤكّد التزامها بهذا الخطّ، وتناضل وتقاوم كلّ الإغراءات والتحدّيات، من أجل تأكيده في الحياة بالشَّكل الّذي يحفظ لها توازنها. إنهما منهجان متضادّان، لا يمكن لهما أن يلتقيا في الذّات الواحدة.

يقول سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في شرح هذه السّورة: "{قُلْ يا أيّهَا الْكَافِرُونَ} بالله أو بوحدانيّته، من خلال المنهج الَّذي تسيرون عليه، قل لهم: {يا أيّهَا الْكَافِرُونَ} الَّذين تكفرون بالله أو بتوحيده، وتريدونني أن أصدِّق أنكم جادُّون في طرحكم بأنّكم تريدون عبادته، {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}، لأنَّ الله قد أرسلني لأرفض الَّذي تعبدونه، ولأدعو النّاس إلى أن يرفضوه، فكيف تدعونني إلى أن أعبده؟!".

ويتابع سماحته: "{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}، لأنّ الَّذين عاشوا الوثنيّة في عقولهم ومشاعرهم وحياتهم، كيف يقتنعون بعبادة الله الواحد، في الوقت الذي كانوا يتحركون ضدّ الرسول الذي جاء بالتوحيد في العقيدة وفي العبادة؟

{وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتُّمْ}، وهذا تأكيدٌ للرّفض الأوّل بصيغة الجملة الاسمية الدالة على ثبات الصفة واستمرارها.

{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}، لأنَّكم ـ في موقفكم ضدّي ـ تمثّلون الرفض كلّه، فكيف تريدونني أن أقبل منكم ذلك؟

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، فإذا كنتم لا تريدون الالتزام بديني، فابتعدوا عني، لأني لن أترك ديني الّذي أخلصت به لله في كلّ ما يريده ويرضاه. وعلى المعنى الثّاني، وهو إرادة الجزاء من كلمة الدّين، فيكون المراد، لكم جزاؤكم على عبادتكم، وهو النّار، ولي جزائي على عبادتي، وهو الجنة".]"تفسير من وحي القرآن"، ج 24، ص 445 ـ 457[.

لقد أغلق الكافرون عقولهم وقلوبهم عن ذكر الله تعالى، وانطووا على ذواتهم المتفاعلة مع معتقدات الآباء والأجداد في عبادة الأوثان، وعبادة كلّ مظاهر المادّة، التي حرمتهم من نعمة الانفتاح على الله وتوحيده، وما لذلك من أثر في حياة الأفراد والجماعات. وما دمتم، أيّها الكافرون بالله، قد عكفتم على عبادتكم تلك، وألغيتم كلّ فرصة للهداية، فإنّنا، نحن الموحّدين، نؤكّد التزامنا بعقيدة التّوحيد وروحها، عن قناعةٍ ومعرفةٍ وإخلاص، ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال، أن تجتمع عقيدة التّوحيد مع عقيدة عبادة غير الله تعالى.

وعلى المسلمين، انطلاقاً من هذه السّورة، مواجهة كلّ المغريات والمؤامرات والمشاريع التي تحاول أن تحرمهم من عقيدتهم الحقّة، وأن يلتزموا خطّ التوحيد، ويحافظوا عليه، فلا يسيئوا إليه بتصرّفاتهم اللامسؤولة، ولا يشوّهوا هذا التوحيد بأخلاقيّات وسلوكيّات تنسجم مع أهل الباطل.

إنَّ المحافظة على العقيدة الصَّحيحة مسؤوليَّة والتزام، وتتطلَّب حضور العقل والقلب في كلّ المواقف واللّحظات، ليعيش الإنسان الإخلاص لله على مستوى الشّعور المتجسّد حركةً ووعياً في الواقع.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية