في أجواء بعض آيات سورة "فاطر" المباركة

في أجواء بعض آيات سورة "فاطر" المباركة

يقول الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}[فاطر: 15 ـ 17].

يخاطبنا الله تعالى في هذه السّورة المباركة، وينبّهنا إلى مسألة هامَّة، وهي أنَّ كلَّ وجودنا وأوضاعنا وعلاقاتنا بيد الله تعالى، فهو الَّذي يهبنا الحياة الَّتي نتحرَّك من خلالها، ونبني من فيها العلاقات ونقيمها، وهو الّذي يأخذها، لأنَّه واهبها ومالكها، وهو الَّذي يرزقنا ونحن أجنّة في بطون أمّهاتنا، ويرزقنا في مدى عمرنا، وهو الَّذي يدفع البلاء عنّا، ويعيننا على شؤون الحياة ومتطلّباتها، بما أبدعه في أجسامنا وأرواحنا من طاقات وقدرات، إذ أعطانا العقل الّذي نتأمّل به، ونفكّر، ونتعلّم، وننتج، ونبدع، ونميّز الخبيث من الطيّب، ونميّز الجيّد من الرّديء على مستوى القول والعمل، وأعطانا الحواسّ الَّتي ننفتح بها على عظيم صنعه وقدرته، ونعي ما أودعه الله من أسرارٍ في هذا الوجود اللامتناهي، وأعطانا الأفئدة الَّتي هي مركز الحبّ والشّعور والعاطفة، كي نتحسَّس إنسانيَّتنا، وننفتح على كلّ معنى وقيمة طيّبة، تلهب الشّعور، وترطّب الإحساس.

إنَّنا فقراء إلى الله في حياتنا، وفقراء إليه في مماتنا وبعثنا، وفقراء إليه حتى في حركة نبضات قلوبنا وعروقنا، فهل نعي مدى ارتباطنا بالله وفقرنا إليه في أنفاسنا وحركتنا وكلّ حياتنا؟ وفي ذلك درسٌ لنا كي نعيش التّواضع بكلّ وجوهه وأشكاله وحالاته، وألا ننجرف نحو التكبُّر ونسيان الله وذكره، وكأنَّنا كائنات مستقلّة مكتفية تستمدّ قوّتها من ذاتها، فهذا قمَّة التخلّف والجهل والسقوط والانحراف، فكم من أناسٍ يعيشون التكبُّر والعُجُب والخيلاء، وكأنهم أربابٌ أو آلهة، وينسون حقيقة وجودهم، وينسون ذكر الله وعظمته، فيتحوَّلون إلى كائنات مستعلية تؤذي أنفسها، وتؤذي المحيط من حولها، حيث تنشر الكراهية والعداوة والبغضاء والأحقاد والعصبيّات، وتسلك مسالك الأهواء والمصالح!

هؤلاء يظنّون أنفسهم أغنياء لا يحتاجون إلى شيء، وهم في الحقيقة من أشدّ الناس فقراً، لأنهم يعيشون قمّة الجهل والسّقوط وقلّة الوعي، باستغراقهم في الدّنيا، ونسيانهم لربّهم وألطافه ورحمته، فلو أمعنوا التَّفكير قليلاً، لوجدوا أنَّ وجودهم كلّه في هذه الدّنيا، وأمرهم كلّه بيد الله سبحانه وتعالى. فليكفّوا عن تكبّرهم وغيِّهم واستعلائهم، وليفتحوا قلوبهم وعقولهم المغلقة أمام ألطاف الله وآياته، ليروها حاضرةً وشاهدةً في مجرى عروقهم وأحاسيس قلوبهم وكلّ حواسّهم.

أمّا المؤمنون بالله، المنفتحون على مواقع فضله ورحمته، فيزدادون اطمئناناً به وسكناً إليه، فهم على بصيرةٍ من ربهم، ويعرفون مدى ارتباطهم العضويّ بوجوده، فلا يبغون ويتسلَّطون أو يشعرون باستقلاليّة عن وجود الله، بل يؤكّدون حركتهم الدائمة من خلال وجوده وفضله عليهم، من خلال قولهم وفعلهم وذكرهم المستمرّ لآياته وانفتاحهم عليها.

{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فالله تعالى لا يحتاج في وجوده إلى أحد، فهو ليس ناقصاً أو مخلوقاً كبقيّة المخلوقات المحتاجة في أصلها ووجودها إلى خالقها، فهو الغنيّ بذاته وصفاته وأفعاله، وهو خالق كلّ شيء، وهو المحمود والمشكور على كلّ شيء.

ونورد في هذا السّياق، تفسير سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) لهذه الآيات المباركة: "{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ}، بكلّ مفردات الفقر ومعانيه ومواقعه، لأنكم في حاجةٍ  إليه في وجودكم، لأنه سبب الوجود، وفي استمراره بكلّ العناصر التي تؤمّن لك ذلك في ما تتوقّف عليه الحياة من عناصر وشروط، سواء في ذلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة، فلا يمكن لكم أن تتصوَّروا لحظةً واحدةً تعيشون فيها الغنى عن الله، لأنَّ حاجتكم إليه تتحرَّك في مجرى الدّماء في عروقكم، وفي حركة الهواء في أنفاسكم، وفي طبيعة الأجهزة المختلفة التي تتحرّك وفق تدبير الله في أجسادكم، وفي كلّ شيء يحيط بكم ويعيش معكم، {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فهو الغنيّ بذاته، لاستغنائه عن كلّ شيء، لأنّه خالق كلّ شيء، وهو المحمود في كلّ أفعاله وصفاته".

ويتابع سماحته(رض) تفسيره للآيات المباركة بقوله: "{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا هو المظهر الحيّ لغناه عنكم وحاجتكم إليه، فإذا تعلّقت إرادته بزوالكم من الوجود كلّه، فلم يبقَ منكم أحد، فلن ينقص من ملكه شيء، لأنّكم لا تمثّلون شيئاً، ولن تنتهي قدرته وملكه بزوالكم، فهو القادر على أن يخلق خلقاً جديداً مثلكم، أو أعظم منكم، من دون أن يكلّفه ذلك جهداً، ومن دون أن يزيد ذلك في غناه.

{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، لأنَّ قدرته تتَّسع لكلّ شيء، فلا يعجزها أيّ شيء".[تفسير "من وحي القرآن"، ج 19، ص 99، 100].

وهنا، لا بدَّ لنا من أن ننفتح على الله، ونذكره في حال الصحَّة والعافية، والرّخاء والشدَّة، وأن نعي وجود الله في كلّ حركاتنا وسكناتنا، وأن نلتزم حدوده بما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا، وأن نعلم تمام العلم أنَّنا على الدّوام نحتاج رحمة الله ورضوانه وألطافه، كأفراد وأمم وجماعات، فهو الخلّاق الغنيّ عن خلقه.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.


يقول الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}[فاطر: 15 ـ 17].

يخاطبنا الله تعالى في هذه السّورة المباركة، وينبّهنا إلى مسألة هامَّة، وهي أنَّ كلَّ وجودنا وأوضاعنا وعلاقاتنا بيد الله تعالى، فهو الَّذي يهبنا الحياة الَّتي نتحرَّك من خلالها، ونبني من فيها العلاقات ونقيمها، وهو الّذي يأخذها، لأنَّه واهبها ومالكها، وهو الَّذي يرزقنا ونحن أجنّة في بطون أمّهاتنا، ويرزقنا في مدى عمرنا، وهو الَّذي يدفع البلاء عنّا، ويعيننا على شؤون الحياة ومتطلّباتها، بما أبدعه في أجسامنا وأرواحنا من طاقات وقدرات، إذ أعطانا العقل الّذي نتأمّل به، ونفكّر، ونتعلّم، وننتج، ونبدع، ونميّز الخبيث من الطيّب، ونميّز الجيّد من الرّديء على مستوى القول والعمل، وأعطانا الحواسّ الَّتي ننفتح بها على عظيم صنعه وقدرته، ونعي ما أودعه الله من أسرارٍ في هذا الوجود اللامتناهي، وأعطانا الأفئدة الَّتي هي مركز الحبّ والشّعور والعاطفة، كي نتحسَّس إنسانيَّتنا، وننفتح على كلّ معنى وقيمة طيّبة، تلهب الشّعور، وترطّب الإحساس.

إنَّنا فقراء إلى الله في حياتنا، وفقراء إليه في مماتنا وبعثنا، وفقراء إليه حتى في حركة نبضات قلوبنا وعروقنا، فهل نعي مدى ارتباطنا بالله وفقرنا إليه في أنفاسنا وحركتنا وكلّ حياتنا؟ وفي ذلك درسٌ لنا كي نعيش التّواضع بكلّ وجوهه وأشكاله وحالاته، وألا ننجرف نحو التكبُّر ونسيان الله وذكره، وكأنَّنا كائنات مستقلّة مكتفية تستمدّ قوّتها من ذاتها، فهذا قمَّة التخلّف والجهل والسقوط والانحراف، فكم من أناسٍ يعيشون التكبُّر والعُجُب والخيلاء، وكأنهم أربابٌ أو آلهة، وينسون حقيقة وجودهم، وينسون ذكر الله وعظمته، فيتحوَّلون إلى كائنات مستعلية تؤذي أنفسها، وتؤذي المحيط من حولها، حيث تنشر الكراهية والعداوة والبغضاء والأحقاد والعصبيّات، وتسلك مسالك الأهواء والمصالح!

هؤلاء يظنّون أنفسهم أغنياء لا يحتاجون إلى شيء، وهم في الحقيقة من أشدّ الناس فقراً، لأنهم يعيشون قمّة الجهل والسّقوط وقلّة الوعي، باستغراقهم في الدّنيا، ونسيانهم لربّهم وألطافه ورحمته، فلو أمعنوا التَّفكير قليلاً، لوجدوا أنَّ وجودهم كلّه في هذه الدّنيا، وأمرهم كلّه بيد الله سبحانه وتعالى. فليكفّوا عن تكبّرهم وغيِّهم واستعلائهم، وليفتحوا قلوبهم وعقولهم المغلقة أمام ألطاف الله وآياته، ليروها حاضرةً وشاهدةً في مجرى عروقهم وأحاسيس قلوبهم وكلّ حواسّهم.

أمّا المؤمنون بالله، المنفتحون على مواقع فضله ورحمته، فيزدادون اطمئناناً به وسكناً إليه، فهم على بصيرةٍ من ربهم، ويعرفون مدى ارتباطهم العضويّ بوجوده، فلا يبغون ويتسلَّطون أو يشعرون باستقلاليّة عن وجود الله، بل يؤكّدون حركتهم الدائمة من خلال وجوده وفضله عليهم، من خلال قولهم وفعلهم وذكرهم المستمرّ لآياته وانفتاحهم عليها.

{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فالله تعالى لا يحتاج في وجوده إلى أحد، فهو ليس ناقصاً أو مخلوقاً كبقيّة المخلوقات المحتاجة في أصلها ووجودها إلى خالقها، فهو الغنيّ بذاته وصفاته وأفعاله، وهو خالق كلّ شيء، وهو المحمود والمشكور على كلّ شيء.

ونورد في هذا السّياق، تفسير سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) لهذه الآيات المباركة: "{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ}، بكلّ مفردات الفقر ومعانيه ومواقعه، لأنكم في حاجةٍ  إليه في وجودكم، لأنه سبب الوجود، وفي استمراره بكلّ العناصر التي تؤمّن لك ذلك في ما تتوقّف عليه الحياة من عناصر وشروط، سواء في ذلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة، فلا يمكن لكم أن تتصوَّروا لحظةً واحدةً تعيشون فيها الغنى عن الله، لأنَّ حاجتكم إليه تتحرَّك في مجرى الدّماء في عروقكم، وفي حركة الهواء في أنفاسكم، وفي طبيعة الأجهزة المختلفة التي تتحرّك وفق تدبير الله في أجسادكم، وفي كلّ شيء يحيط بكم ويعيش معكم، {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فهو الغنيّ بذاته، لاستغنائه عن كلّ شيء، لأنّه خالق كلّ شيء، وهو المحمود في كلّ أفعاله وصفاته".

ويتابع سماحته(رض) تفسيره للآيات المباركة بقوله: "{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا هو المظهر الحيّ لغناه عنكم وحاجتكم إليه، فإذا تعلّقت إرادته بزوالكم من الوجود كلّه، فلم يبقَ منكم أحد، فلن ينقص من ملكه شيء، لأنّكم لا تمثّلون شيئاً، ولن تنتهي قدرته وملكه بزوالكم، فهو القادر على أن يخلق خلقاً جديداً مثلكم، أو أعظم منكم، من دون أن يكلّفه ذلك جهداً، ومن دون أن يزيد ذلك في غناه.

{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، لأنَّ قدرته تتَّسع لكلّ شيء، فلا يعجزها أيّ شيء".[تفسير "من وحي القرآن"، ج 19، ص 99، 100].

وهنا، لا بدَّ لنا من أن ننفتح على الله، ونذكره في حال الصحَّة والعافية، والرّخاء والشدَّة، وأن نعي وجود الله في كلّ حركاتنا وسكناتنا، وأن نلتزم حدوده بما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا، وأن نعلم تمام العلم أنَّنا على الدّوام نحتاج رحمة الله ورضوانه وألطافه، كأفراد وأمم وجماعات، فهو الخلّاق الغنيّ عن خلقه.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية