سورة الكوثر الشَّريفة هي من السّور المكيَّة، وعدد آياتها ثلاثة، وهي سورة جاءت لترتفع بروحيّة النبيّ(ص) بعد أن عمل المشركون بكلّ أساليبهم على إضعاف نفسه، وتدمير معنويّاته، فكانت هذه السّورة الّتي تدعم الرّسول وتسمو به إلى آفاق الرَّحمة الإلهيَّة، الّتي أنعمت عليه بالخير الكثير، بعكس ما كان المشركون يدَّعونه خبثاً وكذباً.
وفي تفسير هذه الآيات، يقول المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، الظَّاهر أنَّ المراد بالكوثر الخير الكثير، وهو المعنى الَّذي يشمل أكثر المفردات المتفرّقة الّتي ذكروها كمعانٍ للكلمة، مما لا شاهد للمفسِّرين عليها. وقد جاء في الدّرّ المنثور، في ما رواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنّه قال: "الكوثر الخير الَّذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإنَّ ناساً يزعمون أنّه نهر في الجنة، قال: النّهر الّذي في الجنّة من الخير الّذي أعطاه الله إياه".
ونستفيد من ذلك، أنَّ الخير عند الله هو الانفتاح على تعاليمه وعلى خطِّه، بما يؤصِّل ذواتنا، ويفتح قلوبنا وعقولنا على آفاق نعمه وعظمته، وهو ما يعطينا الحضور الفاعل والمتجدِّد في كلِّ جوانب الحياة؛ هذه هي القيمة الأصيلة والحقيقيّة للنّاس، وليست القيمة في امتلاكهم للأولاد والثّروات والجاه والمناصب والسّلطة، حيث يستغرق البعض في كلّ ذلك، فينحرف عن خطّ الله وأوامره ونواهيه، ويعيش بالتالي الغفلة والسقوط.
ويتابع سماحته: "{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، لتكون الصَّلاة شكراً لله، وإظهاراً للشّعور بالمنّة على ما أولاه من هذا الخير الكثير. والمراد بالنّحر ـ في ما جاءت به الروايات عن النبيّ(ص)، وعن عليّ(ع)، وعن أئمَّة أهل البيت(ع) ـ هو رفع اليدين في تكبير الصّلاة إلى النحر، ومن ذلك ما رواه السّيوطي في الدرّ المنثور، قال: "أخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه السورة على النبي(ص): {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، قال النبيّ(ص) لجبريل: ما هذه النّحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: إنها ليست بنحيرةٍ، ولكن يأمرك إذا تحرّمت للصّلاة، أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنّها صلاتنا وصلاة الملائكة الّذين هم في السَّماوات السّبع، وإنَّ لكلّ شيء زينةً، وزينة الصّلاة رفع اليدين عند كلّ تكبيرة".
وقيل: معنى الآية: صلِّ لربِّك صلاة العيد وانحر البدن، وقيل: يعني صلِّ لربّك، واستوِ قائماً عند رفع رأسك من الركوع.
وربما كان في هذا التَّوجيه الإلهيّ للنّبيّ بالصَّلاة لربّه، في هذه الأجواء المحيطة به، المليئة بالبغض والعدوان والأذى المادّيّ والمعنويّ، بعض الإيحاء بأنَّ على الإنسان أن يتوجَّه إلى ربّه بصلاته التي تختزن كلَّ معاني السموّ الرّوحيّ والانفتاح العباديّ على الله، في ما يؤدّي ذلك إلى الارتفاع على كلِّ الجزئيّات الصّغيرة التي يريد الآخرون من خلال إثارتها في حياته، سواء بالكلمات الجارحة النّابية، أو بالمشاكل الصّغيرة"...
ولنا في ذلك درس هامّ جدّاً، لجهة تأكيد روح الصَّلاة وقيمتها في نفوسنا، والانفتاح الواعي على مداليلها وأجوائها التي تهذِّب الروح والعقل، وتفتح آفاق الإنسان ومداركه على الخير والفلاح، إذ إنّ الصَّلاة ترفع مستوى الإنسان فوق كلّ الصّغائر والرغائب من أمور الدنيا، فالقيمة الحقيقيَّة هي في التقرّب من الله، والصَّلاة خير عبادة ومفتاح للقرب من الباري عزَّ وجلَّ.
ويضيف سماحته في شرح السّورة: "{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}، فهذا الَّذي يبغضك، ويعلن العداء لك ولرسالتك، انطلاقاً من الحدود المغلقة في شخصيَّته المحدودة، هو الأبتر، لأنَّه لا يملك أيّ امتدادٍ في قضايا الحياة، بعد أن كان امتداده محصوراً في قضايا الذَّات، مهما خيِّل إليه أنّه يتحرّك في خطِّ الخلود، لأنَّ الخالدين هم المنطلقون مع الله في رسالته، فهو الّذي يمنح الخلود للدَّور وللحركة وللذّات في امتداد رسالتها في الحياة".]تفسير "من وحي القرآن"، ج 24، ص 445 ـ 448[.
في سورة الكوثر، كما في كلّ السّور المباركة، نجد خطاب الله تعالى للرَّسول، ومن خلاله للنّاس جميعاً، بأن ينفتحوا على مواطن خيره وفضله ورحمته وعظمته، وأن لا يسقطوا أمام التّحدّيات والضّغوطات النفسيَّة والدّعائيَّة والماديّة، بل ينطلقوا من قاعدة الثّقة بالله والسَّير وفق تعاليمه.

سورة الكوثر الشَّريفة هي من السّور المكيَّة، وعدد آياتها ثلاثة، وهي سورة جاءت لترتفع بروحيّة النبيّ(ص) بعد أن عمل المشركون بكلّ أساليبهم على إضعاف نفسه، وتدمير معنويّاته، فكانت هذه السّورة الّتي تدعم الرّسول وتسمو به إلى آفاق الرَّحمة الإلهيَّة، الّتي أنعمت عليه بالخير الكثير، بعكس ما كان المشركون يدَّعونه خبثاً وكذباً.
وفي تفسير هذه الآيات، يقول المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، الظَّاهر أنَّ المراد بالكوثر الخير الكثير، وهو المعنى الَّذي يشمل أكثر المفردات المتفرّقة الّتي ذكروها كمعانٍ للكلمة، مما لا شاهد للمفسِّرين عليها. وقد جاء في الدّرّ المنثور، في ما رواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنّه قال: "الكوثر الخير الَّذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإنَّ ناساً يزعمون أنّه نهر في الجنة، قال: النّهر الّذي في الجنّة من الخير الّذي أعطاه الله إياه".
ونستفيد من ذلك، أنَّ الخير عند الله هو الانفتاح على تعاليمه وعلى خطِّه، بما يؤصِّل ذواتنا، ويفتح قلوبنا وعقولنا على آفاق نعمه وعظمته، وهو ما يعطينا الحضور الفاعل والمتجدِّد في كلِّ جوانب الحياة؛ هذه هي القيمة الأصيلة والحقيقيّة للنّاس، وليست القيمة في امتلاكهم للأولاد والثّروات والجاه والمناصب والسّلطة، حيث يستغرق البعض في كلّ ذلك، فينحرف عن خطّ الله وأوامره ونواهيه، ويعيش بالتالي الغفلة والسقوط.
ويتابع سماحته: "{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، لتكون الصَّلاة شكراً لله، وإظهاراً للشّعور بالمنّة على ما أولاه من هذا الخير الكثير. والمراد بالنّحر ـ في ما جاءت به الروايات عن النبيّ(ص)، وعن عليّ(ع)، وعن أئمَّة أهل البيت(ع) ـ هو رفع اليدين في تكبير الصّلاة إلى النحر، ومن ذلك ما رواه السّيوطي في الدرّ المنثور، قال: "أخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه السورة على النبي(ص): {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، قال النبيّ(ص) لجبريل: ما هذه النّحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: إنها ليست بنحيرةٍ، ولكن يأمرك إذا تحرّمت للصّلاة، أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنّها صلاتنا وصلاة الملائكة الّذين هم في السَّماوات السّبع، وإنَّ لكلّ شيء زينةً، وزينة الصّلاة رفع اليدين عند كلّ تكبيرة".
وقيل: معنى الآية: صلِّ لربِّك صلاة العيد وانحر البدن، وقيل: يعني صلِّ لربّك، واستوِ قائماً عند رفع رأسك من الركوع.
وربما كان في هذا التَّوجيه الإلهيّ للنّبيّ بالصَّلاة لربّه، في هذه الأجواء المحيطة به، المليئة بالبغض والعدوان والأذى المادّيّ والمعنويّ، بعض الإيحاء بأنَّ على الإنسان أن يتوجَّه إلى ربّه بصلاته التي تختزن كلَّ معاني السموّ الرّوحيّ والانفتاح العباديّ على الله، في ما يؤدّي ذلك إلى الارتفاع على كلِّ الجزئيّات الصّغيرة التي يريد الآخرون من خلال إثارتها في حياته، سواء بالكلمات الجارحة النّابية، أو بالمشاكل الصّغيرة"...
ولنا في ذلك درس هامّ جدّاً، لجهة تأكيد روح الصَّلاة وقيمتها في نفوسنا، والانفتاح الواعي على مداليلها وأجوائها التي تهذِّب الروح والعقل، وتفتح آفاق الإنسان ومداركه على الخير والفلاح، إذ إنّ الصَّلاة ترفع مستوى الإنسان فوق كلّ الصّغائر والرغائب من أمور الدنيا، فالقيمة الحقيقيَّة هي في التقرّب من الله، والصَّلاة خير عبادة ومفتاح للقرب من الباري عزَّ وجلَّ.
ويضيف سماحته في شرح السّورة: "{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}، فهذا الَّذي يبغضك، ويعلن العداء لك ولرسالتك، انطلاقاً من الحدود المغلقة في شخصيَّته المحدودة، هو الأبتر، لأنَّه لا يملك أيّ امتدادٍ في قضايا الحياة، بعد أن كان امتداده محصوراً في قضايا الذَّات، مهما خيِّل إليه أنّه يتحرّك في خطِّ الخلود، لأنَّ الخالدين هم المنطلقون مع الله في رسالته، فهو الّذي يمنح الخلود للدَّور وللحركة وللذّات في امتداد رسالتها في الحياة".]تفسير "من وحي القرآن"، ج 24، ص 445 ـ 448[.
في سورة الكوثر، كما في كلّ السّور المباركة، نجد خطاب الله تعالى للرَّسول، ومن خلاله للنّاس جميعاً، بأن ينفتحوا على مواطن خيره وفضله ورحمته وعظمته، وأن لا يسقطوا أمام التّحدّيات والضّغوطات النفسيَّة والدّعائيَّة والماديّة، بل ينطلقوا من قاعدة الثّقة بالله والسَّير وفق تعاليمه.