في أجواء سورة القدر المباركة

في أجواء سورة القدر المباركة

قد لا يعرف البعض منَّا معنى أو ماهية "القدر"، وإلى ما تشير إليه، وقد تعدَّدت التَّوجيهات من العلماء حول ذلك والمراد منه، فالبعض يعتبر أنَّ معنى "القدر" هو الشَّرف والرّفعة وعلوّ المنزلة عند الله تعالى، والبعض اعتبرها ليلةً لتقدير أمور النَّاس على اختلافها، هذا ويتبنّى المرجع السيِّد فضل الله(رض) في معرض تناوله للكلام عن "القدر" ومعناه، الرّأي الّذي يقول بأنّها ليلة لتقدير الأحداث وأمور النّاس والحياة.

يقول سماحته: "ما هو المراد بالقدر؟ فهل هو بمعنى الشَّرف والرّفعة في ما يمثّله ذلك من علوّ الدّرجة والمنزلة.. أم أنَّ المراد التّقدير، فهي اللّيلة التي يقدّر الله فيها كلّ أحداث السّنة، من حياةٍ وموت، وبؤسٍ وشقاء، وحربٍ وسلمٍ وغير ذلك؟ ولعلَّ هذا هو الأقرب بلحاظ قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[الدخان: 4 ـ 5]، وقوله في آخر السّورة: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}[القدر: 4].

ويشير الله تعالى إلى أهميّة هذه اللّيلة وتميّزها عن بقية اللّيالي، بحيث منحها الكثير من الخصوصيّة المتفرّدة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: 2]، فالإنسان بما يملك من طاقاتٍ محدودةٍ وعلمٍ محدود، لا يستطيع مهما بلغ من حظوة، أن يدرك عظمة هذه اللّيلة المباركة. وفي تفسيرها، يعلِّق السيّد فضل الله(رض) بالقول: "فليس من شأنها مما يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه، لأنَّ ذلك سرّ الله في الزَّمان، كما هو سرّه في المكان وفي الأشخاص، فهو الخالق للوجود كلِّه بكلِّ أنواعه، وهو الَّذي يمنح هذا بعضاً من الخصوصيَّة، ويمنح ذاك بعضاً من الأسرار الّتي تجعله شيئاً عظيماً، لأنَّ الَّذي يخلق الوجود هو القادر على أن يمنحه قيمته".

ويلفت سماحته(رض) إلى أنَّ المقصود بالرّقم "ألف شهر"، هو شيء معنويّ كدلالة على أهميَّة هذه اللّيلة وفضلها وخصوصيَّتها الزمنيَّة، وليس ألف شهر ككمٍّ من الوقت، إذ يقول: "وهكذا جعل الله لهذه اللّيلة قيمتها الرّوحيَّة: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 3]، وقد لا يكون هذا الرّقم تحديداً في الكمّ، فربما كان تقريباً للنّوع في الدّرجة التي يتضاءل أمامها كلّ زمنٍ من هذه الأزمنة الّتي لا تحمل إلا الذرّات الزمنيّة المجرّدة".

وهذه اللَّيلة تتميَّز بنزول الملائكة الَّذين يوكلهم ربّهم ببعض المهمَّات المتَّصلة بعالم الإنس وما يتعلَّق بشؤونه، كما أنَّ الرّوح التي تنزل فيها، المقصود منها جبريل(ع)، الَّذي يحمل رسالات السّماء إلى الأرض؛ إنها اللَّيلة التي تحتضن السرّ الربّاني في هذا الوجود من خلال مظاهر الرَّحمة واللّطف.

يقول تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}. وفي تعليقه عليها، يقول سماحته(رض): "وهذا هو سرّ اللّيلة التي تنزّل به الملائكة، الَّذين يوكل الله إليهم المهمَّات المتعلّقة بالكون الأرضي المتَّصل بالإنسان من كلِّ أمرٍ يهمّه أو يتعلّق بشؤونه.. كما يتنزَّل به الرّوح الّذي قد يكون المراد به جبريل(ع)، الّذي امتاز عن الملائكة ـ حسب الأحاديث الكثيرة ـ بأنّه الرّسول الّذي يحمل الوحي للأنبياء لتبلّغوه للنّاس".

إنّ الرّحمة الربانيّة في هذه اللّيلة تتضاعف، والأجر فيها يكبر، ونحن كمؤمنين مدعوّون إلى الإفادة من خيراتها وبركاتها، وأن نكون على قدر شرفها، فنطهّر قلوبنا وعقولنا من كلّ انحراف، وننفتح على رحمة الله الواسعة في هذه اللّيلة المباركة، وفي هذا الشّهر الفضيل.

وإلى هذا المعنى، يقول سماحته(رض): "فالرّحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد، وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السّلام التي يعيش فيها الإنسان روحيّة السّلام مع نفسه ومع النّاس، لأنها تحوّلت إلى معنى السّلام المنفتح بكلّ معانيه على الله، ليكون برداً وسلاماً على قلب الإنسان وروحه، ليعود طفل الحياة الباحث عن الله".

فهذه اللّيلة هي الخير كلّه والسَّلام كلّه، فلا مجال للأذى والضَّرر والشّرور، إنها اللَّيلة الخالصة لله، لا شيء فيها سوى الرَّحمة والطّمأنينة، وهي تحثّ الإنسان وتدعو إلى الإقبال عليها بكلِّ وعيٍ ومسؤوليَّةٍ وتقوى وإيمان، فكم نحتاج إلى سلام الرّوح وسلام الجسد والنّفس والفكر والمشاعر!

وقد يعلق في الأذهان بعض التصوّرات الخاطئة التي تشوّه هذه اللّيلة، وهو مما لا أساس حقيقيّاً وموضوعيّاً له في الواقع، ويندرج في إطار الجهل والسَّخافات والتخلف، إذ قد يزعم البعض عن رؤيته لأشياء خارجة عن المألوف، ما يجعله يعيش الوهم والانتفاخ الشخصيّ، وهو ما يحرّف الإنسان عن وعي حقيقة دينه وعمق مفاهيمه ومضمونه.

وحول ذلك، يقول السيّد فضل الله(رض): "وقد تكون من مشكلة الوعي الشّعبيّ لهذه اللّيلة، أنّ النّاس يتطلّعون إليها في نظرتهم إلى السّماء، ليراقبوا ظاهرة كونيّة لامعةً فيها، أو شبحاً غامضاً يطوف في أرجائها، أو ملكاً سابحاً في الفضاء، أو نوراً، أو شيئاً ـ أيّ شيء ـ مما يكون إيحاؤه السّاذج أنّ هذا الإنسان قد طلعت عليه ليلة القدر، ليكون ذلك بمثابة الكرامة الإلهيّة الّتي توحي له بالاعتزاز، وتبعثه على الرّضى بنتائج ليلته، ولكنّ ذلك الوهم الرّوحيّ الباحث عن الظاهرة في خارج الذّات، هو المشكلة النّاشئة من التخلّف الفكريّ والروحيّ في فهم العبادة وفي وعي الدّين، وفي الإحساس بأسرار الذّات في عمق المضمون، حيث يتطلَّع الإنسان إلى خارج ذاته لا إلى داخلها، وإلى شكل العبادة لا إلى مضمونها، وإلى سطح الدِّين لا إلى عمقه، ومن خلال ذلك، تجمّد الدّين وتحوّل إلى طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد، وابتعد الإنسان عن وعي حقيقته الإنسانيّة". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 350 ـ 354].

وفي أجواء ليلة القدر، تتوجَّه القلوب الخاشعة الصَّادقة بإخلاصٍ إلى ربّها، كي يتلطَّف عليها بالرَّحمة والخير، ويكتبها في ديوان الأبرار الصَّالحين، وأن ينالها الفضل من الله، وأن تعيش الاستقامة في دنياها، وتعيش الالتزام بالمسؤوليّة أمام الله تجاه النّاس والحياة، إنها اللّيلة التي ترجو فيها النفوس أن تكون قريبةً من الله إلى أقصى الحدود، وبكلِّ ما تملك من طاقاتٍ وإمكاناتٍ، كي تحيا السَّلام والسَّعادة في جنب الله، بعيداً عن كلِّ التحدّيات والضّغوطات.

قد لا يعرف البعض منَّا معنى أو ماهية "القدر"، وإلى ما تشير إليه، وقد تعدَّدت التَّوجيهات من العلماء حول ذلك والمراد منه، فالبعض يعتبر أنَّ معنى "القدر" هو الشَّرف والرّفعة وعلوّ المنزلة عند الله تعالى، والبعض اعتبرها ليلةً لتقدير أمور النَّاس على اختلافها، هذا ويتبنّى المرجع السيِّد فضل الله(رض) في معرض تناوله للكلام عن "القدر" ومعناه، الرّأي الّذي يقول بأنّها ليلة لتقدير الأحداث وأمور النّاس والحياة.

يقول سماحته: "ما هو المراد بالقدر؟ فهل هو بمعنى الشَّرف والرّفعة في ما يمثّله ذلك من علوّ الدّرجة والمنزلة.. أم أنَّ المراد التّقدير، فهي اللّيلة التي يقدّر الله فيها كلّ أحداث السّنة، من حياةٍ وموت، وبؤسٍ وشقاء، وحربٍ وسلمٍ وغير ذلك؟ ولعلَّ هذا هو الأقرب بلحاظ قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[الدخان: 4 ـ 5]، وقوله في آخر السّورة: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}[القدر: 4].

ويشير الله تعالى إلى أهميّة هذه اللّيلة وتميّزها عن بقية اللّيالي، بحيث منحها الكثير من الخصوصيّة المتفرّدة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: 2]، فالإنسان بما يملك من طاقاتٍ محدودةٍ وعلمٍ محدود، لا يستطيع مهما بلغ من حظوة، أن يدرك عظمة هذه اللّيلة المباركة. وفي تفسيرها، يعلِّق السيّد فضل الله(رض) بالقول: "فليس من شأنها مما يمكن للإنسان أن يدركه بنفسه، لأنَّ ذلك سرّ الله في الزَّمان، كما هو سرّه في المكان وفي الأشخاص، فهو الخالق للوجود كلِّه بكلِّ أنواعه، وهو الَّذي يمنح هذا بعضاً من الخصوصيَّة، ويمنح ذاك بعضاً من الأسرار الّتي تجعله شيئاً عظيماً، لأنَّ الَّذي يخلق الوجود هو القادر على أن يمنحه قيمته".

ويلفت سماحته(رض) إلى أنَّ المقصود بالرّقم "ألف شهر"، هو شيء معنويّ كدلالة على أهميَّة هذه اللّيلة وفضلها وخصوصيَّتها الزمنيَّة، وليس ألف شهر ككمٍّ من الوقت، إذ يقول: "وهكذا جعل الله لهذه اللّيلة قيمتها الرّوحيَّة: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 3]، وقد لا يكون هذا الرّقم تحديداً في الكمّ، فربما كان تقريباً للنّوع في الدّرجة التي يتضاءل أمامها كلّ زمنٍ من هذه الأزمنة الّتي لا تحمل إلا الذرّات الزمنيّة المجرّدة".

وهذه اللَّيلة تتميَّز بنزول الملائكة الَّذين يوكلهم ربّهم ببعض المهمَّات المتَّصلة بعالم الإنس وما يتعلَّق بشؤونه، كما أنَّ الرّوح التي تنزل فيها، المقصود منها جبريل(ع)، الَّذي يحمل رسالات السّماء إلى الأرض؛ إنها اللَّيلة التي تحتضن السرّ الربّاني في هذا الوجود من خلال مظاهر الرَّحمة واللّطف.

يقول تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}. وفي تعليقه عليها، يقول سماحته(رض): "وهذا هو سرّ اللّيلة التي تنزّل به الملائكة، الَّذين يوكل الله إليهم المهمَّات المتعلّقة بالكون الأرضي المتَّصل بالإنسان من كلِّ أمرٍ يهمّه أو يتعلّق بشؤونه.. كما يتنزَّل به الرّوح الّذي قد يكون المراد به جبريل(ع)، الّذي امتاز عن الملائكة ـ حسب الأحاديث الكثيرة ـ بأنّه الرّسول الّذي يحمل الوحي للأنبياء لتبلّغوه للنّاس".

إنّ الرّحمة الربانيّة في هذه اللّيلة تتضاعف، والأجر فيها يكبر، ونحن كمؤمنين مدعوّون إلى الإفادة من خيراتها وبركاتها، وأن نكون على قدر شرفها، فنطهّر قلوبنا وعقولنا من كلّ انحراف، وننفتح على رحمة الله الواسعة في هذه اللّيلة المباركة، وفي هذا الشّهر الفضيل.

وإلى هذا المعنى، يقول سماحته(رض): "فالرّحمة فيها تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد، وهي ـ بعد ذلك ـ ليلة السّلام التي يعيش فيها الإنسان روحيّة السّلام مع نفسه ومع النّاس، لأنها تحوّلت إلى معنى السّلام المنفتح بكلّ معانيه على الله، ليكون برداً وسلاماً على قلب الإنسان وروحه، ليعود طفل الحياة الباحث عن الله".

فهذه اللّيلة هي الخير كلّه والسَّلام كلّه، فلا مجال للأذى والضَّرر والشّرور، إنها اللَّيلة الخالصة لله، لا شيء فيها سوى الرَّحمة والطّمأنينة، وهي تحثّ الإنسان وتدعو إلى الإقبال عليها بكلِّ وعيٍ ومسؤوليَّةٍ وتقوى وإيمان، فكم نحتاج إلى سلام الرّوح وسلام الجسد والنّفس والفكر والمشاعر!

وقد يعلق في الأذهان بعض التصوّرات الخاطئة التي تشوّه هذه اللّيلة، وهو مما لا أساس حقيقيّاً وموضوعيّاً له في الواقع، ويندرج في إطار الجهل والسَّخافات والتخلف، إذ قد يزعم البعض عن رؤيته لأشياء خارجة عن المألوف، ما يجعله يعيش الوهم والانتفاخ الشخصيّ، وهو ما يحرّف الإنسان عن وعي حقيقة دينه وعمق مفاهيمه ومضمونه.

وحول ذلك، يقول السيّد فضل الله(رض): "وقد تكون من مشكلة الوعي الشّعبيّ لهذه اللّيلة، أنّ النّاس يتطلّعون إليها في نظرتهم إلى السّماء، ليراقبوا ظاهرة كونيّة لامعةً فيها، أو شبحاً غامضاً يطوف في أرجائها، أو ملكاً سابحاً في الفضاء، أو نوراً، أو شيئاً ـ أيّ شيء ـ مما يكون إيحاؤه السّاذج أنّ هذا الإنسان قد طلعت عليه ليلة القدر، ليكون ذلك بمثابة الكرامة الإلهيّة الّتي توحي له بالاعتزاز، وتبعثه على الرّضى بنتائج ليلته، ولكنّ ذلك الوهم الرّوحيّ الباحث عن الظاهرة في خارج الذّات، هو المشكلة النّاشئة من التخلّف الفكريّ والروحيّ في فهم العبادة وفي وعي الدّين، وفي الإحساس بأسرار الذّات في عمق المضمون، حيث يتطلَّع الإنسان إلى خارج ذاته لا إلى داخلها، وإلى شكل العبادة لا إلى مضمونها، وإلى سطح الدِّين لا إلى عمقه، ومن خلال ذلك، تجمّد الدّين وتحوّل إلى طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد، وابتعد الإنسان عن وعي حقيقته الإنسانيّة". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 350 ـ 354].

وفي أجواء ليلة القدر، تتوجَّه القلوب الخاشعة الصَّادقة بإخلاصٍ إلى ربّها، كي يتلطَّف عليها بالرَّحمة والخير، ويكتبها في ديوان الأبرار الصَّالحين، وأن ينالها الفضل من الله، وأن تعيش الاستقامة في دنياها، وتعيش الالتزام بالمسؤوليّة أمام الله تجاه النّاس والحياة، إنها اللّيلة التي ترجو فيها النفوس أن تكون قريبةً من الله إلى أقصى الحدود، وبكلِّ ما تملك من طاقاتٍ وإمكاناتٍ، كي تحيا السَّلام والسَّعادة في جنب الله، بعيداً عن كلِّ التحدّيات والضّغوطات.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية