سؤالٌ طرحه ويطرحه الإنسان حول قضيّة البعث والحساب، وكيف أنَّ العظام البالية، أو التي انتشر رمادها في أرجاء الأرض، يمكن لها أن تعود إلى هيئتها الطبيعيّة، ويعود صاحبها إلى شكله وهيئته؟!
ولقد أجاب القرآن الكريم عن ذلك في سورة "يس" المباركة. يقول تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ}[يس: 78- 80].
وفي الآيات المباركة، دعوة للإنسان كي يتدبّر ويفكّر بعمق ووعي، وألا يكون سطحيّاً في طرحه وساذجاً، بل أن ينطلق في تساؤلاته من موقع المسؤول والواعي الَّذي يحاول الوصول إلى النّتائج التي تقوّي إيمانه وتعزّز قناعاته، فيعود القرآن ليطرح التّساؤل على ذات الإنسان: هل نسيت خلقك؛ كيف كنت في عالم العدم وكنت لا شيء، وكيف أنَّ الله تعالى بإرادته وقدرته سوّاك إنساناً، ووهب لك الرّوح، ومنحك كلّ وسائل العيش والحياة، وأنَّ التكوين والإيجاد أهمّ وأصعب من البعث من جديد، وما من شيء صعب ومحال على الله تعالى؟! وعندما يتحسّس الإنسان عظمة إبداع الله فيه وفي الآفاق من حوله، يؤمن بما لله من حكمة وعظمة وإبداع ودقّة في الخلق والتّصوير، وأنّ هذا الرّبّ القدير قادر على بعثه من جديد بالقدرة نفسها التي خلقه بها.
كثيرون ربما يعيشون الغفلة، ويبدأون بطرح الأسئلة الَّتي تنمّ عن تخلّفٍ وجهل، أو مكابرة وعناد، فيشكِّكون في قدرة الله على بعث الخلائق، وينسون أو يتناسون إبداع تصويره وخلقه، فيلجأون إلى الإنكار، وأنهم لن يبعثوا من جديد، ويعيشون الاستغراق والغفلة عن المصير الَّذي ينتظر البشر وهو الفناء، وعن البعث المحتوم، حيث يبعث الله تعالى الخلائق للحساب. من هنا، علينا مسؤوليّة التنبّه للمصير، والعمل لما ينفعنا يوم بعثنا، وأن نقابل ربَّنا ونحن في أحسن حال، وأن ننطلق في حياتنا على أساس التزامنا بخطّ الله ومسؤوليّاتنا أمامه، وأن نفتح عقولنا وقلوبنا ومداركنا على الباري تعالى، ونتلمَّس عظيم صنعه وإتقانه في خلقه لنا وللكون من حولنا.
وفي تفسير هذه الآيات، يقول المرجع السيِّد فضل الله(رض): "{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً}، في ما طرحه من العظام البالية الّتي تتفتَّت، وتساءل متعجِّباً من طرح فكرة المعاد من موقع الحقيقة {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، فلم يلتفت إلى عمق القدرة وروعة الإبداع في مسألة الإيجاد من عدم، أي لم يسبقه نموذج ولا مثال {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، أي بالية. قالها وهو مستغرق في غفلته، مشدود إلى القدرات المحدودة المحيطة به، العاجزة عن أيِّ شيء من هذا القبيل، من خلال الموقع المادّيّ للقدرة. {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}، فأنت لا تنكر الخالق الّذي خلق الإنسان وخلق لحمه وعظامه، فإذا كنت تعترف به، فإنَّك تستطيع أن تأخذ فكرةً عن إمكان البعث، لأنَّ القادر على الإيجاد من العدم، قادر على الإعادة، لأنَّ عمليَّة الإيجاد الثّاني مسبوقة بالنَّموذج، ما يجعله أقرب إلى السّهولة من الإيجاد الأوَّل الّذي لم يسبق بمثال {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، لإحاطته بكلِّ عناصره الّتي تحكم عمليَّة الوجود، فلا يمتنع عليه شيء من جهة العلم ولا من جهة القدرة". {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ}، وهذا تقريب حسّيّ للفكرة المعنويّة الّتي تسيطر على أذهانهم، في استبعاد انطلاق الحياة من قلب الواقع المادّيّ للموت في مسألة البعث، لأنّ الحياة والموت حقيقتان متضادّتان... فإذا كان الله قادراً على أن يجعل النّار من قلب الشّجرة الخضراء، فهو قادر على أن يجعل الميت حيّاً، لأنّ مشاكل التّفاعل بينهما تتحدّى قدرة الإنسان ولا تتحدّى قدرة الله سبحانه". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 165- 166].
ويعلّق العلامة السيّد موسى الصّدر على هذه الآية بقوله: "... يقول القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، فيجيب تلميحاً أوّلاً حينما يقول: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، وتفصيلاً في هذه الآية الثانية حينما يقول: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍوَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، فإذا لاحظنا أنّ الإنسان، أيّ إنسان، يتكوّن في المرحلة الأولى من مجموعةٍ من الأتربة المنتشرة في أرجاء الأرض، والّتي تحوّلت إلى الموادّ الغذائيّة، فاجتمعت وكوّنت إنساناً واحداً، هذا في البدء، فلا غرو إذا تفرّقت عظام الإنسان وتحوّلت إلى أتربة، ثمّ انتشرت الأتربة في أرجاء الأرض، فلا غرو إذا جمعها الله ثانيةً وحوّلها إلى موجود واحد، والبداية أصعب من التّجديد، وهكذا يجيب القرآن الكريم على هذا السّؤال بلسانٍ هو لفت نظر الإنسان إلى خلقه، قائلاً: أنسيت خلقك وتسأل وتوجّه هذا السؤال؟...
فإذاً كلّ إنسان من تراب. والمقصود في تركيز القرآن الكريم على أنَّ الإنسان خلق من تراب، تهذيب الإنسان، وإلفات نظره بأنّه خلق من تراب الأرض لكي لا يطغى ولا يتكبّر، ويشعر بأنّه في الأساس كان من التراب وسيعود إليه؛ وإنما عظمته بتفكيره وبعزمه وبعلمه، وهذه أمانات الله الّتي أعطيت للإنسان لكي يؤدّي رسالته ويوصل أمانته".[كتاب أحاديث السّحر، ص 218- 221].
وأمام عظمة خلق الله تعالى، ما على الإنسان سوى أن يفكِّر في آيات الكون من حوله، بما يرتفع بإنسانيّته، ويفتح مداركه وعقله وقلبه على الخالق، وعلى مسؤوليَّاته أمامه وأمام الناس، وبما يدفعه كي يلتزم بهذه المسؤوليّات، ويقوم بدوره الرّساليّ بكلّ وعيٍ وانفتاح.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

سؤالٌ طرحه ويطرحه الإنسان حول قضيّة البعث والحساب، وكيف أنَّ العظام البالية، أو التي انتشر رمادها في أرجاء الأرض، يمكن لها أن تعود إلى هيئتها الطبيعيّة، ويعود صاحبها إلى شكله وهيئته؟!
ولقد أجاب القرآن الكريم عن ذلك في سورة "يس" المباركة. يقول تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ}[يس: 78- 80].
وفي الآيات المباركة، دعوة للإنسان كي يتدبّر ويفكّر بعمق ووعي، وألا يكون سطحيّاً في طرحه وساذجاً، بل أن ينطلق في تساؤلاته من موقع المسؤول والواعي الَّذي يحاول الوصول إلى النّتائج التي تقوّي إيمانه وتعزّز قناعاته، فيعود القرآن ليطرح التّساؤل على ذات الإنسان: هل نسيت خلقك؛ كيف كنت في عالم العدم وكنت لا شيء، وكيف أنَّ الله تعالى بإرادته وقدرته سوّاك إنساناً، ووهب لك الرّوح، ومنحك كلّ وسائل العيش والحياة، وأنَّ التكوين والإيجاد أهمّ وأصعب من البعث من جديد، وما من شيء صعب ومحال على الله تعالى؟! وعندما يتحسّس الإنسان عظمة إبداع الله فيه وفي الآفاق من حوله، يؤمن بما لله من حكمة وعظمة وإبداع ودقّة في الخلق والتّصوير، وأنّ هذا الرّبّ القدير قادر على بعثه من جديد بالقدرة نفسها التي خلقه بها.
كثيرون ربما يعيشون الغفلة، ويبدأون بطرح الأسئلة الَّتي تنمّ عن تخلّفٍ وجهل، أو مكابرة وعناد، فيشكِّكون في قدرة الله على بعث الخلائق، وينسون أو يتناسون إبداع تصويره وخلقه، فيلجأون إلى الإنكار، وأنهم لن يبعثوا من جديد، ويعيشون الاستغراق والغفلة عن المصير الَّذي ينتظر البشر وهو الفناء، وعن البعث المحتوم، حيث يبعث الله تعالى الخلائق للحساب. من هنا، علينا مسؤوليّة التنبّه للمصير، والعمل لما ينفعنا يوم بعثنا، وأن نقابل ربَّنا ونحن في أحسن حال، وأن ننطلق في حياتنا على أساس التزامنا بخطّ الله ومسؤوليّاتنا أمامه، وأن نفتح عقولنا وقلوبنا ومداركنا على الباري تعالى، ونتلمَّس عظيم صنعه وإتقانه في خلقه لنا وللكون من حولنا.
وفي تفسير هذه الآيات، يقول المرجع السيِّد فضل الله(رض): "{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً}، في ما طرحه من العظام البالية الّتي تتفتَّت، وتساءل متعجِّباً من طرح فكرة المعاد من موقع الحقيقة {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، فلم يلتفت إلى عمق القدرة وروعة الإبداع في مسألة الإيجاد من عدم، أي لم يسبقه نموذج ولا مثال {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، أي بالية. قالها وهو مستغرق في غفلته، مشدود إلى القدرات المحدودة المحيطة به، العاجزة عن أيِّ شيء من هذا القبيل، من خلال الموقع المادّيّ للقدرة. {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}، فأنت لا تنكر الخالق الّذي خلق الإنسان وخلق لحمه وعظامه، فإذا كنت تعترف به، فإنَّك تستطيع أن تأخذ فكرةً عن إمكان البعث، لأنَّ القادر على الإيجاد من العدم، قادر على الإعادة، لأنَّ عمليَّة الإيجاد الثّاني مسبوقة بالنَّموذج، ما يجعله أقرب إلى السّهولة من الإيجاد الأوَّل الّذي لم يسبق بمثال {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، لإحاطته بكلِّ عناصره الّتي تحكم عمليَّة الوجود، فلا يمتنع عليه شيء من جهة العلم ولا من جهة القدرة". {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ}، وهذا تقريب حسّيّ للفكرة المعنويّة الّتي تسيطر على أذهانهم، في استبعاد انطلاق الحياة من قلب الواقع المادّيّ للموت في مسألة البعث، لأنّ الحياة والموت حقيقتان متضادّتان... فإذا كان الله قادراً على أن يجعل النّار من قلب الشّجرة الخضراء، فهو قادر على أن يجعل الميت حيّاً، لأنّ مشاكل التّفاعل بينهما تتحدّى قدرة الإنسان ولا تتحدّى قدرة الله سبحانه". [تفسير من وحي القرآن، ج 19، ص 165- 166].
ويعلّق العلامة السيّد موسى الصّدر على هذه الآية بقوله: "... يقول القرآن الكريم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، فيجيب تلميحاً أوّلاً حينما يقول: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، وتفصيلاً في هذه الآية الثانية حينما يقول: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍوَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}، فإذا لاحظنا أنّ الإنسان، أيّ إنسان، يتكوّن في المرحلة الأولى من مجموعةٍ من الأتربة المنتشرة في أرجاء الأرض، والّتي تحوّلت إلى الموادّ الغذائيّة، فاجتمعت وكوّنت إنساناً واحداً، هذا في البدء، فلا غرو إذا تفرّقت عظام الإنسان وتحوّلت إلى أتربة، ثمّ انتشرت الأتربة في أرجاء الأرض، فلا غرو إذا جمعها الله ثانيةً وحوّلها إلى موجود واحد، والبداية أصعب من التّجديد، وهكذا يجيب القرآن الكريم على هذا السّؤال بلسانٍ هو لفت نظر الإنسان إلى خلقه، قائلاً: أنسيت خلقك وتسأل وتوجّه هذا السؤال؟...
فإذاً كلّ إنسان من تراب. والمقصود في تركيز القرآن الكريم على أنَّ الإنسان خلق من تراب، تهذيب الإنسان، وإلفات نظره بأنّه خلق من تراب الأرض لكي لا يطغى ولا يتكبّر، ويشعر بأنّه في الأساس كان من التراب وسيعود إليه؛ وإنما عظمته بتفكيره وبعزمه وبعلمه، وهذه أمانات الله الّتي أعطيت للإنسان لكي يؤدّي رسالته ويوصل أمانته".[كتاب أحاديث السّحر، ص 218- 221].
وأمام عظمة خلق الله تعالى، ما على الإنسان سوى أن يفكِّر في آيات الكون من حوله، بما يرتفع بإنسانيّته، ويفتح مداركه وعقله وقلبه على الخالق، وعلى مسؤوليَّاته أمامه وأمام الناس، وبما يدفعه كي يلتزم بهذه المسؤوليّات، ويقوم بدوره الرّساليّ بكلّ وعيٍ وانفتاح.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.