في أجواء سورة "الرّوم" المباركة

في أجواء سورة "الرّوم" المباركة

من أصعب الأمور الَّتي من الممكن أن يمرَّ بها الإنسان، "الغفلة"، والتَّعاطي مع الأمور بسطحيَّة، دون النَّفاذ إلى عمقها، الّذي يساعده في امتلاك القوّة والطاقة نحو بناء وعيه، والانطلاق بمسؤوليّة لمقاربة شؤونه الخاصَّة والعامّة، ومن أهمّها مصيره في الآخرة، والإعداد الكافي لهذا المصير، بما يضمن سلامته وأمنه وسعادته.

وللأسف، كثيرون ربما يغفلون عن أمر الآخرة، ويلتهون بالمظاهر البرّاقة للدّنيا، ويستغرقون في الأهواء والمصالح والنّزوات، ولا يعيرون الآخرة الاهتمام اللازم من إعدادٍ روحيّ وأخلاقيّ يربطهم بحبل الله المتين، وينجيهم من الحساب الموعود.

فهم الغافلون الذين دعتهم غفلتهم إلى الانجذاب إلى شهواتهم، وصرف الجهد والوقت في إشباع ملذّاتهم، فيما المطلوب أن يتحرّك الإنسان بكلّ وعيٍ ومسؤوليّة، ليبحث عن أهدافه الكبرى في الحياة، وبالتّالي، ليسعى بكلّ قوّة إلى التزام كلّ قيمة يسمو بها، ويرتفع بها من حضيض الدّنيا، إلى التفكّر بالآفاق الواسعة للكون وبخلقه، وأن يحاسب نفسه ويراقبها، ويتلمَّس الله تعالى في حركاته وسكناته، ويبتعد عن جوّ الغفلة الّتي تسلب منه عمق وجوده، وتجعله ضعيفاً ومنسحقاً أمام بهارج الدّنيا، ومستسلماً لنفسه وشهواتها.

الإنسان المؤمن هو الّذي يفتِّش عن كلّ شيءٍ يثير فكره ويحرّك عقله، ويحاول الاستفسار عن كلّ علامات الاستفهام حول القضايا المتّصلة بالله والآخرة وقضيَّة المصير، فالدّنيا لديه ميدان للعمل الصَّالح، والحركة النّافعة الصَّاعدة إلى الله، والدّنيا لديه فرصة ليعيش صحوة الضَّمير وصحوة القرار وصحوة الحركة في سبيل إصلاح أوضاعه، وليست مجرّد متاعٍ يقبل عليه فقط لمجرَّد إشباع نهمه على مظاهرها الفانية.

وكما جاء في الحديث: "الدّنيا مزرعة الآخرة"، بمعنى أنَّ الإنسان يزرع فيها العمل الصّالح الّذي يرفعه الله إليه، ليأتي الإنسان يوم الآخرة، ويحصل على نتاج أعماله، بحيث يوفّيه الله تعالى أجره غير منقوص.

يقول الله تعالى في سورة الرّوم المباركة: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى}[الرّوم: 7، 8].

وفي تفسير هذه الآية، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في ألوانها وزخارفها ومظاهرها ولذائذها وشهواتها وأوضاعها، وامتيازات النّاس الظّاهرة فيها، ولكنَّهم لا ينفذون إلى عمقها ليعرفوا ما في داخلها من آلامٍ وأحزانٍ وقبائح وأشجان، وليتلمَّسوا كيف يواجهون الأفراح المختلطة بالأحزان، واللّذَّات الممتزجة بالآلام، والورود المحاطة بالأشواك، ليعرفوا أنَّ المسؤوليَّة التي يخضع الإنسان لها في حياته، هي الّتي تجعل لهذا المزيج معنىً معقولاً وروحاً طيّبة، تكون الحياة من خلالهما ذات معنىً يلتقي بالأهداف الكبيرة للإنسان، وذلك هو الّذي يتمثّل بالوعي الكامن في فكرة الآخرة، كعقيدةٍ ومصيرٍ ونهاية، ولكنّهم لا يفهمون ذلك كلّه، لأنهم يستغرقون في الجانب الظّاهر من الحياة الدّنيا.

{وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، لأنهم لا يلتفتون إلا إلى الجانب المادّيّ الَّذي يتَّصل بالقضايا بشكلٍ مباشر، ولا يتطلَّعون إلى الجوانب الروحيّة الكامنة في معنى الغيب الذي يطلّ على آفاق الله الرّحبة الممتدّة، التي تتجاوز الدّنيا إلى الآخرة، لتأخذ من فناء الدّنيا فكرة الخلود للآخرة...

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ}، عندما يحدِّقون في الظواهر الكونيَّة في ما تثيره في داخل الفكر الواعي من علامات الاستفهام حول حركة هذه الظَّواهر ودورها في تنظيم العالم.

{مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، فليس هناك حالة عبثيَّة في ما يتحرّك في هذه الآفاق، أو في ما يسكن، بل هناك سرّ كامن في العمق، يفرضه السكون هنا والحركة هناك، والنّظام الذي يتدخّل في التفاصيل، ما يوحي للمتأمّل الذي يلاحق كلّ هذه الظواهر بأنَّ هناك شيئاً ما وراء ذلك كلّه.

{وَأَجَلٍ مُّسَمًّى}، ينتهي بالأشياء إلى شاطئ الآخرة الّتي تبدأ فيها وضعاً جديداً وحياةً جديدة، يقف النّاس كلّهم ليواجهوا المسؤوليَّة في لقاء الله، وهذا هو الّذي يريد الله لهم أن يختزنوه في داخلهم، ويتحركوا به في إدارة شؤون حياتهم، من خلال أن تحديد الأجل يعمِّق المسؤوليّة في وعي الإنسان لطاقته". [تفسير من وحي القرآن، ج 18، ص 105، 106].

من هنا، نتعلَّم الدَّرس في أن نكون في تمام الصَّحوة الفكريَّة والروحيَّة والأخلاقيَّة، وأن نأخذ بأسباب الوعي والتفكّر، ونعدّ العدَّة الكافية ليوم الآخرة، وألا نستسلم ونضعف أمام الرّغبات والشّهوات الّتي تحاصر الإنسان وتسقطه في عوالمها، إن لم يعرف إدارة التّعامل معها بالشَّكل الّذي يحفظ توازنه.

وعلينا أن نربّي أنفسنا وأجيالنا على الصَّحوة وعدم الغفلة، وعدم الانجراف وراء المظاهر الخدَّاعة، فذلك من صميم مسؤوليَّاتنا أمام الله تعالى، وكما ورد في الحديث: "اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل"، فلنحرص على أن نكون من الواعين العاملين لا الغافلين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

من أصعب الأمور الَّتي من الممكن أن يمرَّ بها الإنسان، "الغفلة"، والتَّعاطي مع الأمور بسطحيَّة، دون النَّفاذ إلى عمقها، الّذي يساعده في امتلاك القوّة والطاقة نحو بناء وعيه، والانطلاق بمسؤوليّة لمقاربة شؤونه الخاصَّة والعامّة، ومن أهمّها مصيره في الآخرة، والإعداد الكافي لهذا المصير، بما يضمن سلامته وأمنه وسعادته.

وللأسف، كثيرون ربما يغفلون عن أمر الآخرة، ويلتهون بالمظاهر البرّاقة للدّنيا، ويستغرقون في الأهواء والمصالح والنّزوات، ولا يعيرون الآخرة الاهتمام اللازم من إعدادٍ روحيّ وأخلاقيّ يربطهم بحبل الله المتين، وينجيهم من الحساب الموعود.

فهم الغافلون الذين دعتهم غفلتهم إلى الانجذاب إلى شهواتهم، وصرف الجهد والوقت في إشباع ملذّاتهم، فيما المطلوب أن يتحرّك الإنسان بكلّ وعيٍ ومسؤوليّة، ليبحث عن أهدافه الكبرى في الحياة، وبالتّالي، ليسعى بكلّ قوّة إلى التزام كلّ قيمة يسمو بها، ويرتفع بها من حضيض الدّنيا، إلى التفكّر بالآفاق الواسعة للكون وبخلقه، وأن يحاسب نفسه ويراقبها، ويتلمَّس الله تعالى في حركاته وسكناته، ويبتعد عن جوّ الغفلة الّتي تسلب منه عمق وجوده، وتجعله ضعيفاً ومنسحقاً أمام بهارج الدّنيا، ومستسلماً لنفسه وشهواتها.

الإنسان المؤمن هو الّذي يفتِّش عن كلّ شيءٍ يثير فكره ويحرّك عقله، ويحاول الاستفسار عن كلّ علامات الاستفهام حول القضايا المتّصلة بالله والآخرة وقضيَّة المصير، فالدّنيا لديه ميدان للعمل الصَّالح، والحركة النّافعة الصَّاعدة إلى الله، والدّنيا لديه فرصة ليعيش صحوة الضَّمير وصحوة القرار وصحوة الحركة في سبيل إصلاح أوضاعه، وليست مجرّد متاعٍ يقبل عليه فقط لمجرَّد إشباع نهمه على مظاهرها الفانية.

وكما جاء في الحديث: "الدّنيا مزرعة الآخرة"، بمعنى أنَّ الإنسان يزرع فيها العمل الصّالح الّذي يرفعه الله إليه، ليأتي الإنسان يوم الآخرة، ويحصل على نتاج أعماله، بحيث يوفّيه الله تعالى أجره غير منقوص.

يقول الله تعالى في سورة الرّوم المباركة: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى}[الرّوم: 7، 8].

وفي تفسير هذه الآية، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في ألوانها وزخارفها ومظاهرها ولذائذها وشهواتها وأوضاعها، وامتيازات النّاس الظّاهرة فيها، ولكنَّهم لا ينفذون إلى عمقها ليعرفوا ما في داخلها من آلامٍ وأحزانٍ وقبائح وأشجان، وليتلمَّسوا كيف يواجهون الأفراح المختلطة بالأحزان، واللّذَّات الممتزجة بالآلام، والورود المحاطة بالأشواك، ليعرفوا أنَّ المسؤوليَّة التي يخضع الإنسان لها في حياته، هي الّتي تجعل لهذا المزيج معنىً معقولاً وروحاً طيّبة، تكون الحياة من خلالهما ذات معنىً يلتقي بالأهداف الكبيرة للإنسان، وذلك هو الّذي يتمثّل بالوعي الكامن في فكرة الآخرة، كعقيدةٍ ومصيرٍ ونهاية، ولكنّهم لا يفهمون ذلك كلّه، لأنهم يستغرقون في الجانب الظّاهر من الحياة الدّنيا.

{وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، لأنهم لا يلتفتون إلا إلى الجانب المادّيّ الَّذي يتَّصل بالقضايا بشكلٍ مباشر، ولا يتطلَّعون إلى الجوانب الروحيّة الكامنة في معنى الغيب الذي يطلّ على آفاق الله الرّحبة الممتدّة، التي تتجاوز الدّنيا إلى الآخرة، لتأخذ من فناء الدّنيا فكرة الخلود للآخرة...

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ}، عندما يحدِّقون في الظواهر الكونيَّة في ما تثيره في داخل الفكر الواعي من علامات الاستفهام حول حركة هذه الظَّواهر ودورها في تنظيم العالم.

{مَا خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، فليس هناك حالة عبثيَّة في ما يتحرّك في هذه الآفاق، أو في ما يسكن، بل هناك سرّ كامن في العمق، يفرضه السكون هنا والحركة هناك، والنّظام الذي يتدخّل في التفاصيل، ما يوحي للمتأمّل الذي يلاحق كلّ هذه الظواهر بأنَّ هناك شيئاً ما وراء ذلك كلّه.

{وَأَجَلٍ مُّسَمًّى}، ينتهي بالأشياء إلى شاطئ الآخرة الّتي تبدأ فيها وضعاً جديداً وحياةً جديدة، يقف النّاس كلّهم ليواجهوا المسؤوليَّة في لقاء الله، وهذا هو الّذي يريد الله لهم أن يختزنوه في داخلهم، ويتحركوا به في إدارة شؤون حياتهم، من خلال أن تحديد الأجل يعمِّق المسؤوليّة في وعي الإنسان لطاقته". [تفسير من وحي القرآن، ج 18، ص 105، 106].

من هنا، نتعلَّم الدَّرس في أن نكون في تمام الصَّحوة الفكريَّة والروحيَّة والأخلاقيَّة، وأن نأخذ بأسباب الوعي والتفكّر، ونعدّ العدَّة الكافية ليوم الآخرة، وألا نستسلم ونضعف أمام الرّغبات والشّهوات الّتي تحاصر الإنسان وتسقطه في عوالمها، إن لم يعرف إدارة التّعامل معها بالشَّكل الّذي يحفظ توازنه.

وعلينا أن نربّي أنفسنا وأجيالنا على الصَّحوة وعدم الغفلة، وعدم الانجراف وراء المظاهر الخدَّاعة، فذلك من صميم مسؤوليَّاتنا أمام الله تعالى، وكما ورد في الحديث: "اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل"، فلنحرص على أن نكون من الواعين العاملين لا الغافلين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية