أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه؟!

أفرأيت من اتَّخذ إلهه هواه؟!

لا معبود إلا الله تعالى؛ الإله الَّذي يملك رزقنا وحياتنا وموتنا، وبيده مصيرنا، وبيده مقاليد أمورنا، وبيده الأمر كلّه. من هنا، إنَّ الإنسان مطالب بالتنبّه إلى حقِّ الله عليه، بأن ينفتح عليه بقلبه وعقله، وأن يعرف ما يريده الله منه من التزام حدوده والإخلاص له وتوحيده، وعدم تأليه غيره أو الانجرار وراء المظاهر والزَّخارف الَّتي تجذب المرء، وتسقطه في عوالمها، وتسحقه ببهارجها.

إنّ الإنسان المؤمن المخلص لا ينقاد إلى شهوات المال والسّلطة والجاه، ولا يستغرق فيها إلى درجة تستحوذ على فكره، وتستعبده وتسيّره، فيصبح عبداً لها، وتصبح بالنِّسبة إليه إلهاً يُعبَد على حساب عبادته لربِّه وخالقه، أمَّا من يفعل ذلك، فيعيش غاية الانسحاق والضَّلال والعمى، وتصبح مشاعره مخطوفةً ومغيَّبة، فلا يحركها إلا في سبيل الحصول على الملذَّات والمراكز، حتى لو تطلَّب ذلك أن يؤلِّه زعيماً أو جهةً، ما دام ذلك يضمن له الوصول إلى هدفه، وتصبح أفكاره موجَّهةً فقط لإرضاء نزواته والتّخطيط للوصول إليها دون وازع، ويصبح قلبه مقفلاً عن ذكر الله تعالى، ومركزاً لنفحات الشّيطان ووسوسته، وتصبح أذناه مغلقتين عن سماع كلمة الحقّ والموعظة الحسنة، فلا يُعمِلْهما إلا في مجال الباطل والكلام الفاسد الَّذي يرضي حساباته. ويتعجَّب القرآن الكريم من الإنسان الَّذي يتَّخذ إلهه هواه، فيتحرّك وفق نزواته وملذّاته الَّتي تغدو هي المحرّك لأفعاله وحركاته، وهي الباعث والدّافع له، بدل أن يكون الباعث والمحرّك هو رضا الله في كلّ أموره.

يقول تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(الجاثية: 23).

وفي معرض تفسيره للآية الكريمة، يقول المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}، في ما يمثِّله الاستغراق في اتّباع الهوى، في الملذّات والشَّهوات الحسيَّة، دون الخضوع للضَّوابط الحقيقيَّة التي يحدِّدها عمق المصلحة الإنسانيّة، ودون أيِّ توازنٍ على خطّ المبادئ الإيمانيَّة العامَّة، ما يعني اعتبار الهوى بمثابة الإله المعبود في الاستسلام له، والتَّسليم المطلق له بالطّاعة.. وهكذا نجد ـ في هذا التّعبير القرآنيّ عن الهوى المطاع بالإله ـ أنَّ مسألة الألوهيَّة لا تتعلَّق بالمسألة النظريَّة والتصوّر العقليّ للإله، بل تتَّصل بالوعي العمليّ الّذي تجسِّده الممارسة في الواقع، حيث يتَّجه اهتمام الإنسان عمليّاً في اتجاهٍ معيّنٍ يملك عليه كلّ مشاعره، ويسيطر على أفعاله، في الوقت الَّذي يتَّجه فكره باتجاه آخر".

إنَّ العبادة الحقَّة هي المتوجّهة إلى الذّات الإلهيَّة العزيزة الَّتي منحتنا نعمة الوجود، وهيّأت لنا كلّ الوسائل لنتحرّك في الحياة. ومن حقّ الله علينا أن نعبده، ولا نشرك به أو نتوجَّه إلى عبادة الهوى والأشخاص، مقابل شهوةٍ زائلةٍ عابرة تترك مضاعفاتها السّلبيّة في واقعنا، وتدع الإنسان يعيش الفوضى والخنوع والضَّعف والقهر والاستسلام للغفلة، ويخسر كرامته وإرادته وعزّته، وفي الحديث عن الرّسول الأكرم(ص): "ما عبد تحت السّماء إلهٌ أبغض إلى الله من الهوى"، وعن عليّ(ع): "أيّها النّاس، إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتّباع الهوى، فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل، فينسي الآخرة".

وهناك من الناس من وصل إلى درجة العلم، ومع ذلك تراه متّبعاً لهواه، قد عميت بصيرته، ويلهث وراء دنياه، ويستعمل كلّ الطّرق للحصول على زينتها، ولقد حذّرنا السيّد المسيح(ع) من هؤلاء فيما يروى عنه قوله: "إنّ شرّ النّاس لرجلٌ عالم، آثر دنياه على علمه، فأحبَّها وطلبها وجهد عليها، ولو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا ينفع الأعمى نور الشّمس وهو لا يبصرها، كذلك لا ينفع العالم علمه إذا هو لم يعمل به، فتحفَّظوا من العلماء الكذبة الّذين يخالف قولهم فعلهم".

ويتابع السيّد فضل الله(رض) في شرح الآية: "{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، فليس ضلاله مستنداً إلى جهلٍ بالفكر أو بمواقع الهدى، لأنَّ هذا الإنسان قد أخذ بأسباب العلم الَّذي يمكن أن يصل به إلى مواقع الإيمان، أو يعرّفه وسيلة الالتزام به، ولكنّه انطلق في خطّ الهوى الذي تحوّل إلى غشاءٍ ثقيل غشّى بصيرته، وأعمى بصره، فتحوّل العلم عنده إلى جهل، أو إلى ما يشبهه، الأمر الَّذي جعله يتحرَّك في متاهات الضياع...

{وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ}، لأنَّ الهوى عندما يغلب على الإنسان، فإنَّه يمنعه من سماع الحق، أو يشوّش عليه ما يسمع، كما يغلق أمام عقله النافذة الواسعة التي يطلّ بها على الحقائق، {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}، فهو يبصر سطح الأشياء الظّاهرة، من دون أن يحدّق فيها تحديقاً دقيقاً يمكِّنه من معرفتها في العمق، بالمستوى الّذي يملك فيه الوصول إلى معرفة مدلولات الأشياء التي يراها...

{فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ}، الَّذي يملك وحده أمر الإنسان في حركة العلاقات الإنسانيَّة، كما يملك الكون كلّه في حركة العلاقات العضوية بين ظواهره، ولا يملك شيئاً من ذلك غيره {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}، وتخرجون أنفسكم من الغفلة المطبقة التي تمنع عنكم وضوح الرؤية للأشياء، لتملكوا التصوّر المتوازن لقضايا الحياة والإنسان، في آفاق الله".]المصدر: تفسير من وحي القرآن، ج 20، ص 326 ـ 328[

فلننمّ حبّ الله فينا، كي نرتفع بأرواحنا وإنسانيَّتنا، ولنحذر من اتّباع الهوى وتأليهه، والسقوط في حبائل الشّيطان، ولنتوجَّه إلى عبادة الله وطاعته وتوحيده حقَّ التوحيد والإخلاص له، كي نسمو بواقعنا، ونبتعد عن الأذى، حيث كثرت مظاهر تأليه الأشخاص، وكثر الانجراف إلى مستنقع الحياة الدّنيا، الّتي تطغى زينتها على جوانب من علاقاتنا وأوضاعنا، ولنكن ممن يسمعون القول فيتّبعون أحسنه.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


لا معبود إلا الله تعالى؛ الإله الَّذي يملك رزقنا وحياتنا وموتنا، وبيده مصيرنا، وبيده مقاليد أمورنا، وبيده الأمر كلّه. من هنا، إنَّ الإنسان مطالب بالتنبّه إلى حقِّ الله عليه، بأن ينفتح عليه بقلبه وعقله، وأن يعرف ما يريده الله منه من التزام حدوده والإخلاص له وتوحيده، وعدم تأليه غيره أو الانجرار وراء المظاهر والزَّخارف الَّتي تجذب المرء، وتسقطه في عوالمها، وتسحقه ببهارجها.

إنّ الإنسان المؤمن المخلص لا ينقاد إلى شهوات المال والسّلطة والجاه، ولا يستغرق فيها إلى درجة تستحوذ على فكره، وتستعبده وتسيّره، فيصبح عبداً لها، وتصبح بالنِّسبة إليه إلهاً يُعبَد على حساب عبادته لربِّه وخالقه، أمَّا من يفعل ذلك، فيعيش غاية الانسحاق والضَّلال والعمى، وتصبح مشاعره مخطوفةً ومغيَّبة، فلا يحركها إلا في سبيل الحصول على الملذَّات والمراكز، حتى لو تطلَّب ذلك أن يؤلِّه زعيماً أو جهةً، ما دام ذلك يضمن له الوصول إلى هدفه، وتصبح أفكاره موجَّهةً فقط لإرضاء نزواته والتّخطيط للوصول إليها دون وازع، ويصبح قلبه مقفلاً عن ذكر الله تعالى، ومركزاً لنفحات الشّيطان ووسوسته، وتصبح أذناه مغلقتين عن سماع كلمة الحقّ والموعظة الحسنة، فلا يُعمِلْهما إلا في مجال الباطل والكلام الفاسد الَّذي يرضي حساباته. ويتعجَّب القرآن الكريم من الإنسان الَّذي يتَّخذ إلهه هواه، فيتحرّك وفق نزواته وملذّاته الَّتي تغدو هي المحرّك لأفعاله وحركاته، وهي الباعث والدّافع له، بدل أن يكون الباعث والمحرّك هو رضا الله في كلّ أموره.

يقول تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(الجاثية: 23).

وفي معرض تفسيره للآية الكريمة، يقول المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}، في ما يمثِّله الاستغراق في اتّباع الهوى، في الملذّات والشَّهوات الحسيَّة، دون الخضوع للضَّوابط الحقيقيَّة التي يحدِّدها عمق المصلحة الإنسانيّة، ودون أيِّ توازنٍ على خطّ المبادئ الإيمانيَّة العامَّة، ما يعني اعتبار الهوى بمثابة الإله المعبود في الاستسلام له، والتَّسليم المطلق له بالطّاعة.. وهكذا نجد ـ في هذا التّعبير القرآنيّ عن الهوى المطاع بالإله ـ أنَّ مسألة الألوهيَّة لا تتعلَّق بالمسألة النظريَّة والتصوّر العقليّ للإله، بل تتَّصل بالوعي العمليّ الّذي تجسِّده الممارسة في الواقع، حيث يتَّجه اهتمام الإنسان عمليّاً في اتجاهٍ معيّنٍ يملك عليه كلّ مشاعره، ويسيطر على أفعاله، في الوقت الَّذي يتَّجه فكره باتجاه آخر".

إنَّ العبادة الحقَّة هي المتوجّهة إلى الذّات الإلهيَّة العزيزة الَّتي منحتنا نعمة الوجود، وهيّأت لنا كلّ الوسائل لنتحرّك في الحياة. ومن حقّ الله علينا أن نعبده، ولا نشرك به أو نتوجَّه إلى عبادة الهوى والأشخاص، مقابل شهوةٍ زائلةٍ عابرة تترك مضاعفاتها السّلبيّة في واقعنا، وتدع الإنسان يعيش الفوضى والخنوع والضَّعف والقهر والاستسلام للغفلة، ويخسر كرامته وإرادته وعزّته، وفي الحديث عن الرّسول الأكرم(ص): "ما عبد تحت السّماء إلهٌ أبغض إلى الله من الهوى"، وعن عليّ(ع): "أيّها النّاس، إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتّباع الهوى، فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل، فينسي الآخرة".

وهناك من الناس من وصل إلى درجة العلم، ومع ذلك تراه متّبعاً لهواه، قد عميت بصيرته، ويلهث وراء دنياه، ويستعمل كلّ الطّرق للحصول على زينتها، ولقد حذّرنا السيّد المسيح(ع) من هؤلاء فيما يروى عنه قوله: "إنّ شرّ النّاس لرجلٌ عالم، آثر دنياه على علمه، فأحبَّها وطلبها وجهد عليها، ولو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا ينفع الأعمى نور الشّمس وهو لا يبصرها، كذلك لا ينفع العالم علمه إذا هو لم يعمل به، فتحفَّظوا من العلماء الكذبة الّذين يخالف قولهم فعلهم".

ويتابع السيّد فضل الله(رض) في شرح الآية: "{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، فليس ضلاله مستنداً إلى جهلٍ بالفكر أو بمواقع الهدى، لأنَّ هذا الإنسان قد أخذ بأسباب العلم الَّذي يمكن أن يصل به إلى مواقع الإيمان، أو يعرّفه وسيلة الالتزام به، ولكنّه انطلق في خطّ الهوى الذي تحوّل إلى غشاءٍ ثقيل غشّى بصيرته، وأعمى بصره، فتحوّل العلم عنده إلى جهل، أو إلى ما يشبهه، الأمر الَّذي جعله يتحرَّك في متاهات الضياع...

{وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ}، لأنَّ الهوى عندما يغلب على الإنسان، فإنَّه يمنعه من سماع الحق، أو يشوّش عليه ما يسمع، كما يغلق أمام عقله النافذة الواسعة التي يطلّ بها على الحقائق، {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}، فهو يبصر سطح الأشياء الظّاهرة، من دون أن يحدّق فيها تحديقاً دقيقاً يمكِّنه من معرفتها في العمق، بالمستوى الّذي يملك فيه الوصول إلى معرفة مدلولات الأشياء التي يراها...

{فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ}، الَّذي يملك وحده أمر الإنسان في حركة العلاقات الإنسانيَّة، كما يملك الكون كلّه في حركة العلاقات العضوية بين ظواهره، ولا يملك شيئاً من ذلك غيره {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}، وتخرجون أنفسكم من الغفلة المطبقة التي تمنع عنكم وضوح الرؤية للأشياء، لتملكوا التصوّر المتوازن لقضايا الحياة والإنسان، في آفاق الله".]المصدر: تفسير من وحي القرآن، ج 20، ص 326 ـ 328[

فلننمّ حبّ الله فينا، كي نرتفع بأرواحنا وإنسانيَّتنا، ولنحذر من اتّباع الهوى وتأليهه، والسقوط في حبائل الشّيطان، ولنتوجَّه إلى عبادة الله وطاعته وتوحيده حقَّ التوحيد والإخلاص له، كي نسمو بواقعنا، ونبتعد عن الأذى، حيث كثرت مظاهر تأليه الأشخاص، وكثر الانجراف إلى مستنقع الحياة الدّنيا، الّتي تطغى زينتها على جوانب من علاقاتنا وأوضاعنا، ولنكن ممن يسمعون القول فيتّبعون أحسنه.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية