ربما يتساءل البعض عن مكان ولادة سيّدنا المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وخصوصاً أنّ القرآن الكريم أشار تلميحاً إلى مكانٍ شرقيٍّ بعيد عن النّاس ذهبت إليه السيّدة مريم إبّان مخاضها ودنوّ موعد ولادتها.
وفي رأي العلماء، لا يمكن الجزم بمكان ولادة السيّد المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام)، حيث إنّ الروايات الواردة بهذا الخصوص مختلفة، والآيات القرآنية التي تحدّثت عن قصة ولادة النبيّ عيسى(ع)، لم يأت فيها تحديد المكان بصورة دقيقة، سوى الإشارة إلى أنها(ع) تنحَّت به إلى مكان قصيّ، أي بعيد، وأنها التجأت عند المخاض إلى جذع النخلة، من دون تحديد مكان النخلة أو مكان وضعها لولدها عيسى.
قال الله عزّ وجلّ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}[مريم: 16- 25].
ومن الأقوال في موضع ولادة النبيّ عيسى(ع):
القول الأوّل: ما جاء في كتاب "بحار الأنوار" للمجلسي: أنّه وُلد في بيت لحم. فقد رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ـ أي الإمام جعفر بن محمّد الصَّادق ـ (ع) عن الرّسول المصطفى(ص) ـ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي صِفَةِ الْمِعْرَاجِ ـ "ثُمَّ قَالَ لِي ـ أي جبرئيل ـ:انْزِلْ فَصَلِّ، فَنَزَلْتُ وَصَلَّيْتُ .فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ فَقُلْتُ: لا .فَقَالَ: صَلَّيْتَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ". وَبَيْتُ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ(ع).
القول الثّاني: ما ورد في كتاب" وسائل الشّيعة" للحرّ العاملي: أنَّ مريم(ع ) وضعت عيسى(ع) في كربلاء في موضع قبر الحسين(ع)، فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) فِي قَوْلِهِ: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا}، قَالَ: "خَرَجَتْ مِنْ دِمَشْقَ حَتَّى أَتَتْ كَرْبَلَاءَ، فَوَضَعَتْهُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ(ع)، ثُمَّ رَجَعَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا" .
القول الثّالث: ما جاء في البحار للمجلسي أيضاً: أنّ موضع ولادة المسيح بن مريم(ع) على صخرة بيضاء في أرض برثا، أي موضع مسجد برثا الحاليّ في بغداد: رَوَى الْمُفِيدُ بإسناده عَنْ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) حديثاً مفصَّلاً جاء فيه: أنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(ع) لَمَّا رَجَعَ مِنْ وَقْعَةِ الْخَوَارِجِ، اجْتَازَ بِالزَّوْرَاءِ، فَلَمَّا أَتَى يَمْنَةَ السَّوَادِ، إِذَا هُوَ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ ـ فجرى بينهما حديث، إلى أن قال ـ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ ...: إِنِّي وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ نَعْتَكَ، وَأَنَّكَ تَنْزِلُ أَرْضَ بَرَاثَا بَيْتَ مَرْيَمَ وَأَرْضَ عِيسَى(ع)، فَأَتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(ع) مَوْضِعاً، فَلَكَزَهُ بِرِجْلِهِ، فَانْبَجَسَتْ عَيْنٌ خَرَّارَةٌ . فَقَالَ: " هَذِهِ عَيْنُ مَرْيَمَ الَّتِي أُنْبِعَتْ لَهَا". ثُمَّ قَالَ: "اكْشِفُوا هَا هُنَا عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً" . فَكُشِفَ فَإِذَا بِصَخْرَةٍ بَيْضَاءَ. فَقَالَ(ع): "عَلَى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى (عليهما السّلام) مِنْ عَاتِقِهَا، وَصَلَّتْ هَا هُنَا". ثُمَّ قَالَ: "أَرْضُ بَرَاثَا هَذِهِ بَيْتُ مَرْيَمَ (عليها السّلام)". والله العالم بحقيقة الأمر .
وما يهمّنا ليس الانشغال بمكان الولادة الميمونة لعيسى (عليه السَّلام)، وإنما التَّصديق بما جرى من معجزةٍ خاصّة بالولادة، وما صاحبها من مواقف عندما أتت به مريم البتول إلى قومها، وواجهوها بالافتراء والتّجريم، متناسين طهارتها ومكانتها الأخلاقيّة والروحيّة، وهي العفيفة التي عاشت بينهم، وكانوا يصدّقونها ويحترمونها ويؤمنون بقداستها ونزاهتها، وما يهمّنا أيضاً الاعتبار من القصّة في كلّ جوانبها الروحيّة والأخلاقيّة والدينيّة، بما يحفّزنا على الإيمان أكثر بعظمة الله وقدرته وعظيم سلطانه، وحكمته الّتي جرت مع أوليائه الصَّالحين الّذين كانوا ولا يزالوا قدوة صالحة طيّبة نافعة للنّاس، مهما تقادم الزّمن وحاول البعض التّخفيف من حضورهم السّاطع على الدّوام، كمشاعل للحريّة والطّهر في الفكر والقول والعمل.
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها].

ربما يتساءل البعض عن مكان ولادة سيّدنا المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام)، وخصوصاً أنّ القرآن الكريم أشار تلميحاً إلى مكانٍ شرقيٍّ بعيد عن النّاس ذهبت إليه السيّدة مريم إبّان مخاضها ودنوّ موعد ولادتها.
وفي رأي العلماء، لا يمكن الجزم بمكان ولادة السيّد المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام)، حيث إنّ الروايات الواردة بهذا الخصوص مختلفة، والآيات القرآنية التي تحدّثت عن قصة ولادة النبيّ عيسى(ع)، لم يأت فيها تحديد المكان بصورة دقيقة، سوى الإشارة إلى أنها(ع) تنحَّت به إلى مكان قصيّ، أي بعيد، وأنها التجأت عند المخاض إلى جذع النخلة، من دون تحديد مكان النخلة أو مكان وضعها لولدها عيسى.
قال الله عزّ وجلّ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}[مريم: 16- 25].
ومن الأقوال في موضع ولادة النبيّ عيسى(ع):
القول الأوّل: ما جاء في كتاب "بحار الأنوار" للمجلسي: أنّه وُلد في بيت لحم. فقد رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ـ أي الإمام جعفر بن محمّد الصَّادق ـ (ع) عن الرّسول المصطفى(ص) ـ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي صِفَةِ الْمِعْرَاجِ ـ "ثُمَّ قَالَ لِي ـ أي جبرئيل ـ:انْزِلْ فَصَلِّ، فَنَزَلْتُ وَصَلَّيْتُ .فَقَالَ لِي: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ فَقُلْتُ: لا .فَقَالَ: صَلَّيْتَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ". وَبَيْتُ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ(ع).
القول الثّاني: ما ورد في كتاب" وسائل الشّيعة" للحرّ العاملي: أنَّ مريم(ع ) وضعت عيسى(ع) في كربلاء في موضع قبر الحسين(ع)، فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) فِي قَوْلِهِ: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا}، قَالَ: "خَرَجَتْ مِنْ دِمَشْقَ حَتَّى أَتَتْ كَرْبَلَاءَ، فَوَضَعَتْهُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ(ع)، ثُمَّ رَجَعَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا" .
القول الثّالث: ما جاء في البحار للمجلسي أيضاً: أنّ موضع ولادة المسيح بن مريم(ع) على صخرة بيضاء في أرض برثا، أي موضع مسجد برثا الحاليّ في بغداد: رَوَى الْمُفِيدُ بإسناده عَنْ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(ع) حديثاً مفصَّلاً جاء فيه: أنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(ع) لَمَّا رَجَعَ مِنْ وَقْعَةِ الْخَوَارِجِ، اجْتَازَ بِالزَّوْرَاءِ، فَلَمَّا أَتَى يَمْنَةَ السَّوَادِ، إِذَا هُوَ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ ـ فجرى بينهما حديث، إلى أن قال ـ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ ...: إِنِّي وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ نَعْتَكَ، وَأَنَّكَ تَنْزِلُ أَرْضَ بَرَاثَا بَيْتَ مَرْيَمَ وَأَرْضَ عِيسَى(ع)، فَأَتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(ع) مَوْضِعاً، فَلَكَزَهُ بِرِجْلِهِ، فَانْبَجَسَتْ عَيْنٌ خَرَّارَةٌ . فَقَالَ: " هَذِهِ عَيْنُ مَرْيَمَ الَّتِي أُنْبِعَتْ لَهَا". ثُمَّ قَالَ: "اكْشِفُوا هَا هُنَا عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً" . فَكُشِفَ فَإِذَا بِصَخْرَةٍ بَيْضَاءَ. فَقَالَ(ع): "عَلَى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى (عليهما السّلام) مِنْ عَاتِقِهَا، وَصَلَّتْ هَا هُنَا". ثُمَّ قَالَ: "أَرْضُ بَرَاثَا هَذِهِ بَيْتُ مَرْيَمَ (عليها السّلام)". والله العالم بحقيقة الأمر .
وما يهمّنا ليس الانشغال بمكان الولادة الميمونة لعيسى (عليه السَّلام)، وإنما التَّصديق بما جرى من معجزةٍ خاصّة بالولادة، وما صاحبها من مواقف عندما أتت به مريم البتول إلى قومها، وواجهوها بالافتراء والتّجريم، متناسين طهارتها ومكانتها الأخلاقيّة والروحيّة، وهي العفيفة التي عاشت بينهم، وكانوا يصدّقونها ويحترمونها ويؤمنون بقداستها ونزاهتها، وما يهمّنا أيضاً الاعتبار من القصّة في كلّ جوانبها الروحيّة والأخلاقيّة والدينيّة، بما يحفّزنا على الإيمان أكثر بعظمة الله وقدرته وعظيم سلطانه، وحكمته الّتي جرت مع أوليائه الصَّالحين الّذين كانوا ولا يزالوا قدوة صالحة طيّبة نافعة للنّاس، مهما تقادم الزّمن وحاول البعض التّخفيف من حضورهم السّاطع على الدّوام، كمشاعل للحريّة والطّهر في الفكر والقول والعمل.
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها].