عاقبةُ الطّغيانِ والتمرّدِ على اللهِ

عاقبةُ الطّغيانِ والتمرّدِ على اللهِ

يخاطبُ القرآنُ الكريم الذين يتمرّدون على الله ويتكبّرون عليه ويتحرّكون بعيداً من مواقع رضاه: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاْهَا} .

أيُّها النّاس الذين لا تقفون مع الله سبحانه وقفةَ الإنسان الذي يخاف ربَّه ويخشعُ لعظمة ربّه، ما هو حجمُكم؛ حجمُكم في الجسد، وحجمُكم في المعرفة أمام علم الله؟ إنَّكم لا تستطيعون أن تحصلوا على المعرفة إلّا بما تصلُ إليه أبصارُكم، وتتحرّك فيه حواسّكم. ولذا، ما هي قدراتكم وقوّتكم أمام قوّة الله وقدرته؟

{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} ارجِعوا إلى خَلْقِكم، وانظروا في نقاط ضعفِكم، إنَّ الشّوكة تُدميكم، وقبضة التراب في الأرض اللاهبة تُحرق أقدامكم، إنَّ أقلَّ شيء في هذا الوجود يمكن أن يُنهيَ حياتَكم، فالبَقَّةُ تُؤلمكم، والشّرقة تقتلكم، مَنْ أنتم لكي تتمرّدوا على الله؟

{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاْهَا} انظروا إلى السّماء بكلّ ظواهرها هذه الّتي بناها في عالم غَيبِه، ونَثَر كواكبها في الفضاء؛ هل أنتم أكبر منها، وما حجمُكم بالقياس إلى حجمها؟

{رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}، رفع بناءها بكلّ العناصر التي تجعلها متماسكة، فسوَّاها بالطريقة التي تحقّق لها كلّ ما يريده من حكمةٍ في خلقها، ومن نظامٍ في وجودها وحركتها وبقائِها.

{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}، جعل ليلها خفيّاً من خلال هذا الظّلام، ثمّ أضاءها بالشّمس التي تُشرِق على الكون.

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، مهَّدها لكم حتّى تستطيعوا أن تعيشوا فيها.

{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا}، فجَّر لكم هذه الينابيع هنا وهناك حتّى تستمرَّ حياتُكم، وأنبتَ هذا العُشب وكلَّ ما يمكن أن يقتاتَ منه الإنسان والحيوان.

{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}، وتطلَّعوا إلى هذه الجبال كيف أرساها على هذه الأرض التي لا قرار لها، وأعطاها قوانينها، فحفظ توازنها. فهذه الأرضُ والينابيعُ والمراعي والجبالُ جعلها الله {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}.

تلك هي الدّنيا التي تعيشونها في أرضها وسمائها وجبالها ومائها ومرعاها ومتاعها وزينتها، تنطلقون بها وتنطلق بكم.. ولكنْ، ماذا بعد ذلك، هل هناك خلودٌ؟ هل تَخْلد في هذه الدّنيا، أيُّها الإنسان الذي ترى نفسَك أنَّك في الموقع العظيم؟ وهل تبقى هذه الجبال والمراعي؟ وهل تبقى هذه الأرض والسّماوات، كلُّ ذلك مجرَّدُ مرحلة؟!

{فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} هذا الحدثُ العظيم الذي يطمُّ كلَّ شيءٍ تحتَه، لا يبقى هناك شيء... وكان الإنسانُ قد عاش مع أحلامِه ولذائِذه وشهواته، واستقامَ في بعض حياته وانحرفَ في بعضها الآخر، أطاع الله هنا وعصاه هناك، آمن به في فترة وكفر به في أخرى.

{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى} أنتَ الآن غافلٌ عن سعيك وعملك، هل يُدخلك الجنّة أم النّار؟ ماذا عملت؟ وما نظامُ عملك وخطّ عملك ونهايات عملك؟ هل فكّرت في ذلك، أم أنَّ الأمر عندك، أنْ تأكل وتشرب وتتلذَّذ وتشتهي؟ هل منّا مَنْ يقفُ في كلِّ صباح ومساء ليتذكَّر ما سعى؟ كم لنا من السّعي في كلِّ يوم، ما هو عددُ كلماتنا فيما يُرضي اللهَ أو يُسخطه؟ كم نتحرّك في أيدينا وأرجلنا وألسنتنا فيما نرى فيه مصلحةً للإيمان أو مصلحةً للشيطان؟...

ويقف النّاسُ جميعاً في هذا اليوم {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى}. وفي يوم القيامة، تبرُز الجحيمُ واضحةً، وتنطلقُ الصّرخات {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء}[الأعراف: 50]، ومن أين لهم أن ينالوا ذلك، وقد كانوا يسخرون منهم ويضحكون عليهم ويستهزئون من إيمانهم بالله واليوم الآخر {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد : 13].

وها هي النتائج {فَأَمَّا مَن طَغَى}. الطّغيان كلمةٌ نُطلقها عادةً على الحاكمين المستكبرين، ولكنَّ المقصود منها هنا تجاوز الحدَّ. ومن طغى، أي تجاوز الحدود التّي رسمها الله للإنسان فيما يجب أن يأخذ به، أو فيما يجب أن يتركه، فالله تعالى حدَّ لنا حدوداً، حدَّ لنا الحلال، وقال للإنسان: اشرب ما تشاء، ولكن لا تشرب الخمر، وكُلْ ما شئت، ولكن لا تأكل كلَّ ما حرَّم الله... أيِّد مَنْ شئت وارفض مَنْ شئت، ولكن بشرط أن يكون هذا التّأييد في خطِّ رضى الله سبحانه، فالله وضع للحلال والحرام حدّاً {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: 229] الذين يتجاوزون الحدَّ ويحرّكون شهواتهم فيما يُغضب الله...

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}، فهذا الذي طغى وتجاوز في تاريخه وحياته حدودَ الله، وكانت الدّنيا همَّه دون الآخرة، يُقال له: لقد حفروا لك في الآخرة مكاناً ملتهباً بالنّيران، تجتمع فيه مع أصحابك في الدُّنيا ممّن كانوا من الطَّاغين والمستكبرين.

*من كتاب: "من عرفان القرآن".

يخاطبُ القرآنُ الكريم الذين يتمرّدون على الله ويتكبّرون عليه ويتحرّكون بعيداً من مواقع رضاه: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاْهَا} .

أيُّها النّاس الذين لا تقفون مع الله سبحانه وقفةَ الإنسان الذي يخاف ربَّه ويخشعُ لعظمة ربّه، ما هو حجمُكم؛ حجمُكم في الجسد، وحجمُكم في المعرفة أمام علم الله؟ إنَّكم لا تستطيعون أن تحصلوا على المعرفة إلّا بما تصلُ إليه أبصارُكم، وتتحرّك فيه حواسّكم. ولذا، ما هي قدراتكم وقوّتكم أمام قوّة الله وقدرته؟

{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} ارجِعوا إلى خَلْقِكم، وانظروا في نقاط ضعفِكم، إنَّ الشّوكة تُدميكم، وقبضة التراب في الأرض اللاهبة تُحرق أقدامكم، إنَّ أقلَّ شيء في هذا الوجود يمكن أن يُنهيَ حياتَكم، فالبَقَّةُ تُؤلمكم، والشّرقة تقتلكم، مَنْ أنتم لكي تتمرّدوا على الله؟

{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاْهَا} انظروا إلى السّماء بكلّ ظواهرها هذه الّتي بناها في عالم غَيبِه، ونَثَر كواكبها في الفضاء؛ هل أنتم أكبر منها، وما حجمُكم بالقياس إلى حجمها؟

{رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}، رفع بناءها بكلّ العناصر التي تجعلها متماسكة، فسوَّاها بالطريقة التي تحقّق لها كلّ ما يريده من حكمةٍ في خلقها، ومن نظامٍ في وجودها وحركتها وبقائِها.

{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}، جعل ليلها خفيّاً من خلال هذا الظّلام، ثمّ أضاءها بالشّمس التي تُشرِق على الكون.

{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، مهَّدها لكم حتّى تستطيعوا أن تعيشوا فيها.

{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا}، فجَّر لكم هذه الينابيع هنا وهناك حتّى تستمرَّ حياتُكم، وأنبتَ هذا العُشب وكلَّ ما يمكن أن يقتاتَ منه الإنسان والحيوان.

{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}، وتطلَّعوا إلى هذه الجبال كيف أرساها على هذه الأرض التي لا قرار لها، وأعطاها قوانينها، فحفظ توازنها. فهذه الأرضُ والينابيعُ والمراعي والجبالُ جعلها الله {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}.

تلك هي الدّنيا التي تعيشونها في أرضها وسمائها وجبالها ومائها ومرعاها ومتاعها وزينتها، تنطلقون بها وتنطلق بكم.. ولكنْ، ماذا بعد ذلك، هل هناك خلودٌ؟ هل تَخْلد في هذه الدّنيا، أيُّها الإنسان الذي ترى نفسَك أنَّك في الموقع العظيم؟ وهل تبقى هذه الجبال والمراعي؟ وهل تبقى هذه الأرض والسّماوات، كلُّ ذلك مجرَّدُ مرحلة؟!

{فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} هذا الحدثُ العظيم الذي يطمُّ كلَّ شيءٍ تحتَه، لا يبقى هناك شيء... وكان الإنسانُ قد عاش مع أحلامِه ولذائِذه وشهواته، واستقامَ في بعض حياته وانحرفَ في بعضها الآخر، أطاع الله هنا وعصاه هناك، آمن به في فترة وكفر به في أخرى.

{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى} أنتَ الآن غافلٌ عن سعيك وعملك، هل يُدخلك الجنّة أم النّار؟ ماذا عملت؟ وما نظامُ عملك وخطّ عملك ونهايات عملك؟ هل فكّرت في ذلك، أم أنَّ الأمر عندك، أنْ تأكل وتشرب وتتلذَّذ وتشتهي؟ هل منّا مَنْ يقفُ في كلِّ صباح ومساء ليتذكَّر ما سعى؟ كم لنا من السّعي في كلِّ يوم، ما هو عددُ كلماتنا فيما يُرضي اللهَ أو يُسخطه؟ كم نتحرّك في أيدينا وأرجلنا وألسنتنا فيما نرى فيه مصلحةً للإيمان أو مصلحةً للشيطان؟...

ويقف النّاسُ جميعاً في هذا اليوم {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى}. وفي يوم القيامة، تبرُز الجحيمُ واضحةً، وتنطلقُ الصّرخات {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء}[الأعراف: 50]، ومن أين لهم أن ينالوا ذلك، وقد كانوا يسخرون منهم ويضحكون عليهم ويستهزئون من إيمانهم بالله واليوم الآخر {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد : 13].

وها هي النتائج {فَأَمَّا مَن طَغَى}. الطّغيان كلمةٌ نُطلقها عادةً على الحاكمين المستكبرين، ولكنَّ المقصود منها هنا تجاوز الحدَّ. ومن طغى، أي تجاوز الحدود التّي رسمها الله للإنسان فيما يجب أن يأخذ به، أو فيما يجب أن يتركه، فالله تعالى حدَّ لنا حدوداً، حدَّ لنا الحلال، وقال للإنسان: اشرب ما تشاء، ولكن لا تشرب الخمر، وكُلْ ما شئت، ولكن لا تأكل كلَّ ما حرَّم الله... أيِّد مَنْ شئت وارفض مَنْ شئت، ولكن بشرط أن يكون هذا التّأييد في خطِّ رضى الله سبحانه، فالله وضع للحلال والحرام حدّاً {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: 229] الذين يتجاوزون الحدَّ ويحرّكون شهواتهم فيما يُغضب الله...

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}، فهذا الذي طغى وتجاوز في تاريخه وحياته حدودَ الله، وكانت الدّنيا همَّه دون الآخرة، يُقال له: لقد حفروا لك في الآخرة مكاناً ملتهباً بالنّيران، تجتمع فيه مع أصحابك في الدُّنيا ممّن كانوا من الطَّاغين والمستكبرين.

*من كتاب: "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية