الصوم هو: الإمساك والامتناع في زمن محدّد عن تناول أو فعل أمور معينة اعتبرها الشرع مُفطِّرة ومبطلة للصوم.
ومبدأ الصوم طلوع الفجر الصادق الذي يتميّز بأنه ينتشر أفقياً فيشكل في بدايته ما يشبه الخيط الأبيض الممتد مع الأفق، يتوسع في الانتشار طولاً وعرضاً. وينتهي عند غروب الشمس الذي يتحقّق بغياب القرص، من دون ضرورة لإنتظار ذهاب الحمرة المشرقية التي تتحقّق ـ عادة ـ بعد غياب القرص بما بين اثنتي عشرة وخمس عشرة دقيقة، وإن كان الاحتياط بالانتظار إلى حين زوال الحمرة المشرقية لا ينبغي تركه.
مسألة 956: يجب الإمساك قبل طلوع الفجر ولو بلحظة، فليس هناك وقتان: وقت للإمساك ووقت لطلوع الفجر، كما هو الشائع بين النّاس، بل هو وقت واحد، وقت الفجر، ولكن لما كان تحديد الفجر بدقة أو اكتشافه للرائي أمراً لا يخلو من الصعوبة، كان الاحتياط بالإمساك قبل الوقت بفترة وجيزة، كخمس دقائق، لازماً من باب المقدمة. هذا وقد سبق منا في مواقيت الصلاة ذكر الوسائل التي يمكن معرفة الوقت بها، وهي لا تختلف في الصوم عنها في الصلاة.
مسألة 957: يجوز للمكلّف الاستمرار في الأكل والشرب ما دام لـم يعلم بطلوع الفجر، بل يجوز له ذلك حتى مع الشك في الطلوع وعدمه، ولا يجب عليه الفحص والتدقيق في ذلك. وعليه فإنه إذا ظلّ على جهله بالأمر، ولم يتبين له الواقع فيما بعد، مضى في صومه ولا شيء عليه، وإذا تبين له أثناء النهار أنه كان قد أكل أو شرب بعد طلوع الفجر، يحكم ببطلان صومه ولزوم قضائه فيما بعد، ولا إثـم عليه ولا كفارة.
أمّا إذا فحص وتحرّى عن الوقت عند الشك، فإن كان قد اعتقد بقاء الليل وعدم طلوع الفجر فأكل أو شرب ثُمَّ تبين أنه كان طالعاً فصومه صحيح ولا شيء عليه، وإن كان قد اعتقد طلوع الفجر فتناول المفطر ـ رغم ذلك ـ تعمداً وإهمالاً فصومه باطل وعليه القضاء والكفارة إلاَّ إذا تبين خطأُه وبقاء الليل فليس عليه شيء.
هذا بالنسبة لطلوع الفجر. أمّا بالنسبة للإخلال بوقت الغروب فنقول:
إنه لا يجوز للصائم تناول المفطر إلاَّ بعد التأكد والاعتماد على حجة معتبرة يتحقّق بها من غروب الشمس، فإن تحقّق من غروب الشمس فأفطر فتبين بقاء النهار وجب عليه الاستمرار في الصوم ولا شيء عليه، وإن كان الاحتياط بالقضاء لا بأس به، أمّا إذا تحقّق من بقاء النهار فخالف الحجة وأفطر وكان النهار باقياً فعلاً، فإنه يبطل صومه، وعليه القضاء والكفارة، إلاَّ أن يتبين حلول الغروب فلا شيء عليه.
وأمّا إذا كان قادراً على الفحص فأهمله وظنّ دخول الليل فأفطر فتبين بقاء النهار، فإن كان في السَّماء ظلمة وكانت ناتجة عن تكاثف الغيوم فصومه صحيح ويواصله إلى الغروب ولا شيء عليه. أمّا إذا كانت الظلمة ناتجة عن سبب سماوي آخر غير الغيوم، فإنَّ صومه يبطل على الأحوط وجوباً، كما أنه يلزمه القضاء والكفارة على الأحوط وجوباً. وأمّا إذا وجدت الظلمة من غير علة في السَّماء، لا غيم ولا غيره، فإنَّ صومه باطل وعليه القضاء والكفارة.
وكذلك يبطل صومه ويجب عليه القضاء والكفارة فيما إذا لـم يكن في السَّماء ظلمة، وشك في تحقّق الغروب فأفطر من دون فحص فتبين بقاء النهار، إلاَّ أن يصدف تحقّق الغروب فلا شيء عليه.
هذا ولا بُدَّ من إلفات النظر إلى أنَّ الموارد التي حكم فيها ببطلان الصوم في هذه المسألة لا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالإمساك بقية النهار.
مسألة 958: ما ذكر في المسألة السابقة حول الإخلال بالوقت لا يختلف الحكم فيه بين صوم شهر رمضان وغيره من أنواع الصيام الواجب، لكن لما كانت هذه الأنواع تختلف في أنَّ بعضها يجوز إبطاله اختياراً للمكلّف قبل الظهر أو في تمام النهار وبعضها لا يجوز إبطاله في تمام النهار، فإنَّ الكفارة التي تجب في بعض فروع المسألة السابقة سوف يختلف وجوبها باختلاف أنواع الصوم، فمثلاً إذا أخل الصائم بوقت الإمساك عند طلوع الفجر عمداً إذا قامت عنده الحجة على طلوعه فخالفها وتناول المفطر وتبين طلوعه فعلاً، ففي شهر رمضان تجب الكفارة بينما في قضائه لا تجب الكفارة، لأنه يجوز في صوم القضاء تعمد تناول المفطر وإبطال الصوم في فترة ما قبل الظهر اختياراً، وهكذا.
وأمّا أنواع الصوم المستحب فإنه يجوز تعمد الإفطار فيها طوال النهار وبالتالي فإنه لا يجب على من فعل ذلك القضاء والكفارة.
أنواع الصوم:
ينقسم الصوم ـ في الأصل ـ من حيث حكمه إلى أربعة: وهي الصوم الواجب والمستحب والمكروه والمحرم، وكلّ واحد منها له أفراد كثيرة.
فالصوم الواجب هو: صوم شهر رمضان، وهو أهمها، وصوم الكفارة، وصوم النذر واليمين والعهد، وصوم بدل الهدي في الحج، وصوم القضاء.
مسألة 959: في صوم شهر رمضان يجب الإمساك طوال النهار، فلا يجوز الإفطار فيه خلال النهار بدون عذر، ويجوز الإفطار في صوم القضاء قبل الظهر ولا يجوز بعده إذا كان يقضي عن نفسه، ويجوز إذا كان يقضي عن غيره. أمّا صوم الكفارة فإنه في الأيام التي يجب التتابع فيها لا يجوز الإفطار قبل الظهر ولا بعده، وفي غير أيام التتابع يجوز الإفطار قبل الظهر لا بعده. وأمّا الواجب بالنذر ونحوه إذا لـم يُعيَّن له وقت فإنه يجوز الإفطار فيه قبل الظهر وبعده، والأحوط استحباباً ترك الإفطار بعد الظهر، وما حدّد له وقت معين لا يجوز الإفطار فيه، لا قبل الظهر ولا بعده.
أمّا الصوم المستحب فكثير، وأشهره صيام رجب وشعبان، وثلاثة أيام من كلّ شهر، ويوم الغدير، ويوم مولد النبيّ (ص) وغيرها. وهذا النوع من الصيام يجوز فيه الإفطار قبل الظهر وبعده ما عدا صوم الاعتكاف فإنه لا يصح الإفطار فيه لمن يريد الالتزام بشروط الاعتكاف.
وأمّا الصوم المحرّم فهو في يوم العيدين الفطر والأضحى، وأيام التشريق لمن كان في منى، سواء أكان في حج أم لـم يكن، وصيام يوم الشك على أنه من شهر رمضان، والصوم المنذور شكراً لله تعالى على معصية فعلها، والصوم الذي يَصِلُ فيه الليل بالنهار قاصداً ذلك ناوياً له كذلك، ولا يضرّ عدم الإفطار إلى اليوم الثاني من دون نية الوصال، وصيام الزوجة المستحب مع مزاحمته لحقّ الزوج، وصوم الصمت عن الكلام تمام النهار أو بعضه، بنحو يجعله في نيته من قيود الصوم، وصوم المريض أو من يضره الصوم، وكلّ صوم يتعَنْوَن بعنوان محرّم، كصوم الولد مع كونه موجباً لإيذاء والديه إشفاقاً. وغير ذلك.
أمّا المكروه فمنه: صيام الولد نافلة بدون إذن والده. والضيف من دون إذن مضيفه. ويوم عرفة عند الشك في هلال ذي الحجة مع احتمال كونه عيد الأضحى، أو لمن خاف أن يضعف عن الدعاء.
ـ نية الصوم:
مسألة 960: لا بُدَّ في صحة الصوم من وقوعه عن النية، ويكفي فيها قصد الصوم تقرّباً إلى الله تعالى، ولا يجب تحديد نوع الصوم من حيث كونه واجباً أو مستحباً، أو أداءً أو قضاءً إلاَّ من حيث الإشارة إلى ما هو المطلوب إذا كان مشتركاً بين أكثر من نوع، وتوقف تحديده على ذلك، ولكن لا بُدَّ من قصد العنوان الذي أخذ موضوعاً للحكم، كصوم شهر رمضان أو قضائه، أو صوم النذر ونحوه.
مسألة 961: لا يقع في أيام شهر رمضان صوم غيره، فلو نوى صوم غير شهر رمضان ملتفتاً عالماً بطل صومه، ولم يصح لا عن رمضان ولا عمّا نواه، أمّا مع النسيان لشهر رمضان أو الجهل به فإنه يصح صومه عن شهر رمضان لا عمّا نواه، ولا يبعد صحة الصوم المستحب ـ وهو خصوص الصوم الذي يمكن إيقاعه في السفر أساساً، مثل صيام ثلاثة أيام لقضاء الحاجة في المدينة المنورة ـ إذا وقع من المسافر خلال شهر رمضان، وكذا الصيام المنذور إيقاعه في السفر أو مطلقاً بدون قيد السفر أو الحضر، فإنه لا يبعد صحته ـ أيضاً ـ إذا اختار الناذر أيام سفره في شهر رمضان للوفاء بنذره، وإن كان الاحتياط بالترك لا ينبغي تركه.
مسألة 962: وقت النية في شهر رمضان عند طلوع الفجر الصادق، وذلك بمعنى أن لا يطلع الفجر عليه وهو غير ناوٍ للصوم، وليس معنى كون النية عند طلوع الفجر أن يكون المكلّف مستيقظاً في هذا الوقت لإيقاع النية فيه، بل يكفي نية ذلك عند المساء قبل النوم وتصح بذلك إذا استمر به النوم إلى ما بعد طلوع الفجر، بل إنه يكفي لشهر رمضان نية واحدة في أول يوم منه من دون حاجة لتجديدها في كلّ ليلة.
أمّا الواجب غير المعين بوقت خاص، مثل قضاء الصوم، أو النذر غير المحدّد بوقت، أو صوم الكفارة، ونحوها فإنه يمتد وقت النية فيه إلى ما قبل الظهر، فلو أصبح غير ناوٍ للصوم وظلّ ممسكاً عن المفطرات، فبدا له قبل الظهر أن يصوم هذا اليوم فنواه قضاءً أو كفارة مثلاً صح منه، ولا يصح هذا الصوم إذا نواه بعد الظهر على الأحوط وجوباً.
وأمّا الواجب المعين، وهو الذي حدّد له وقت خاص بمثل النذر أو اليمين فإنه ملحق بالواجب غير المعين، فيصح تأخير نيته إلى ما قبل الظهر، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بجعل نيته عند الفجر، فإنْ جَعَلَها بعده تأكد عليه استحباب الاحتياط بقضاء ذلك اليوم وعدم الإكتفاء به.
وأمّا الصيام المستحب فإنه يمكن أن ينويه قبل المغرب بلحظات، فلو صادف أنه ظلّ نائماً، أو كان مستيقظاً لكنَّه لـم يتناول المفطر إلى ما قبل الغروب، فنوى الصوم صح منه.
مسألة 963: يجب أن لا تتأخر النية لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام غفلة أو جهلاً ثُمَّ تفطن قبل أن يستعمل مفطراً، فإذا كان تذكره قبل الزوال نوى الصوم وصحّ منه، وإن كان بعد الزوال نوى الصوم وظلّ ممسكاً ثُمَّ يقضي بعد ذلك على الأحوط وجوباً. وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبهاً بالصائمين ثُمَّ يقضيه بعد ذلك. وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناوٍ للصيام عن تعمد وعصيان ثُمَّ تاب في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبهاً بالصائمين ثُمَّ يقضيه بعد ذلك.
مسألة 964: يجب الاستمرار في نية الصوم طوال النهار، فإذا عزم على قطع الصوم ولو بمثل العزم على تناول المفطر بطل صومه، وكذا لو تردّد بين الاستمرار وعدمه، فإن زال تردّده واستقر عزمه على المضي في الصوم قبل تناول المفطر صح صومه، وإن كان الاحتياط بالقضاء لا ينبغي تركه. هذا ولا يضرّ التردّد في النية إذا حدث بسبب الشك في صحة صومه وعدمها ثُمَّ تبين له بعد ذلك صحة صومه.
هذا في صوم شهر رمضان، أمّا في الواجب غير المعين بوقت خاص، فإنه إذا رجع عن نيته قبل الظهر ثُمَّ تجدّد منه العزم على الصوم قبل تناول المفطر لـم يبطل صومه، وكذا الحكم في الواجب المعين، وإن كان الأحوط استحباباً قضاؤه فيما بعد. أمّا الصوم المستحب فإنه يصح إذا عاد عن تردّده أو عن نية القطع قبل الغروب.
مسألة 965: الأحوط وجوباً عدم العدول من صوم صحيح إلى صوم آخر حتى لو كان وقت النية في المعدول إليه باقياً، وذلك كأن يعدل قبل الظهر من نية الصيام المستحب إلى نية صوم القضاء. أمّا إذا بطل الصوم الذي نواه لسبب غير تناول المفطر فإنه يجوز له أن ينوي صوماً غيره إذا كان وقت النية باقياً.
مسألة 966: إذا لـم تقع النية من المكلّف بشكلها الصحيح، أو تعمد الإخلال بالنية، حتى فات وقت تداركها، بطل الصوم ولزمه الإمساك إلى الغروب والقضاء فيما بعد، ولا كفارة عليه مع التعمد.
الصوم هو: الإمساك والامتناع في زمن محدّد عن تناول أو فعل أمور معينة اعتبرها الشرع مُفطِّرة ومبطلة للصوم.
ومبدأ الصوم طلوع الفجر الصادق الذي يتميّز بأنه ينتشر أفقياً فيشكل في بدايته ما يشبه الخيط الأبيض الممتد مع الأفق، يتوسع في الانتشار طولاً وعرضاً. وينتهي عند غروب الشمس الذي يتحقّق بغياب القرص، من دون ضرورة لإنتظار ذهاب الحمرة المشرقية التي تتحقّق ـ عادة ـ بعد غياب القرص بما بين اثنتي عشرة وخمس عشرة دقيقة، وإن كان الاحتياط بالانتظار إلى حين زوال الحمرة المشرقية لا ينبغي تركه.
مسألة 956: يجب الإمساك قبل طلوع الفجر ولو بلحظة، فليس هناك وقتان: وقت للإمساك ووقت لطلوع الفجر، كما هو الشائع بين النّاس، بل هو وقت واحد، وقت الفجر، ولكن لما كان تحديد الفجر بدقة أو اكتشافه للرائي أمراً لا يخلو من الصعوبة، كان الاحتياط بالإمساك قبل الوقت بفترة وجيزة، كخمس دقائق، لازماً من باب المقدمة. هذا وقد سبق منا في مواقيت الصلاة ذكر الوسائل التي يمكن معرفة الوقت بها، وهي لا تختلف في الصوم عنها في الصلاة.
مسألة 957: يجوز للمكلّف الاستمرار في الأكل والشرب ما دام لـم يعلم بطلوع الفجر، بل يجوز له ذلك حتى مع الشك في الطلوع وعدمه، ولا يجب عليه الفحص والتدقيق في ذلك. وعليه فإنه إذا ظلّ على جهله بالأمر، ولم يتبين له الواقع فيما بعد، مضى في صومه ولا شيء عليه، وإذا تبين له أثناء النهار أنه كان قد أكل أو شرب بعد طلوع الفجر، يحكم ببطلان صومه ولزوم قضائه فيما بعد، ولا إثـم عليه ولا كفارة.
أمّا إذا فحص وتحرّى عن الوقت عند الشك، فإن كان قد اعتقد بقاء الليل وعدم طلوع الفجر فأكل أو شرب ثُمَّ تبين أنه كان طالعاً فصومه صحيح ولا شيء عليه، وإن كان قد اعتقد طلوع الفجر فتناول المفطر ـ رغم ذلك ـ تعمداً وإهمالاً فصومه باطل وعليه القضاء والكفارة إلاَّ إذا تبين خطأُه وبقاء الليل فليس عليه شيء.
هذا بالنسبة لطلوع الفجر. أمّا بالنسبة للإخلال بوقت الغروب فنقول:
إنه لا يجوز للصائم تناول المفطر إلاَّ بعد التأكد والاعتماد على حجة معتبرة يتحقّق بها من غروب الشمس، فإن تحقّق من غروب الشمس فأفطر فتبين بقاء النهار وجب عليه الاستمرار في الصوم ولا شيء عليه، وإن كان الاحتياط بالقضاء لا بأس به، أمّا إذا تحقّق من بقاء النهار فخالف الحجة وأفطر وكان النهار باقياً فعلاً، فإنه يبطل صومه، وعليه القضاء والكفارة، إلاَّ أن يتبين حلول الغروب فلا شيء عليه.
وأمّا إذا كان قادراً على الفحص فأهمله وظنّ دخول الليل فأفطر فتبين بقاء النهار، فإن كان في السَّماء ظلمة وكانت ناتجة عن تكاثف الغيوم فصومه صحيح ويواصله إلى الغروب ولا شيء عليه. أمّا إذا كانت الظلمة ناتجة عن سبب سماوي آخر غير الغيوم، فإنَّ صومه يبطل على الأحوط وجوباً، كما أنه يلزمه القضاء والكفارة على الأحوط وجوباً. وأمّا إذا وجدت الظلمة من غير علة في السَّماء، لا غيم ولا غيره، فإنَّ صومه باطل وعليه القضاء والكفارة.
وكذلك يبطل صومه ويجب عليه القضاء والكفارة فيما إذا لـم يكن في السَّماء ظلمة، وشك في تحقّق الغروب فأفطر من دون فحص فتبين بقاء النهار، إلاَّ أن يصدف تحقّق الغروب فلا شيء عليه.
هذا ولا بُدَّ من إلفات النظر إلى أنَّ الموارد التي حكم فيها ببطلان الصوم في هذه المسألة لا ينبغي ترك الاحتياط فيها بالإمساك بقية النهار.
مسألة 958: ما ذكر في المسألة السابقة حول الإخلال بالوقت لا يختلف الحكم فيه بين صوم شهر رمضان وغيره من أنواع الصيام الواجب، لكن لما كانت هذه الأنواع تختلف في أنَّ بعضها يجوز إبطاله اختياراً للمكلّف قبل الظهر أو في تمام النهار وبعضها لا يجوز إبطاله في تمام النهار، فإنَّ الكفارة التي تجب في بعض فروع المسألة السابقة سوف يختلف وجوبها باختلاف أنواع الصوم، فمثلاً إذا أخل الصائم بوقت الإمساك عند طلوع الفجر عمداً إذا قامت عنده الحجة على طلوعه فخالفها وتناول المفطر وتبين طلوعه فعلاً، ففي شهر رمضان تجب الكفارة بينما في قضائه لا تجب الكفارة، لأنه يجوز في صوم القضاء تعمد تناول المفطر وإبطال الصوم في فترة ما قبل الظهر اختياراً، وهكذا.
وأمّا أنواع الصوم المستحب فإنه يجوز تعمد الإفطار فيها طوال النهار وبالتالي فإنه لا يجب على من فعل ذلك القضاء والكفارة.
أنواع الصوم:
ينقسم الصوم ـ في الأصل ـ من حيث حكمه إلى أربعة: وهي الصوم الواجب والمستحب والمكروه والمحرم، وكلّ واحد منها له أفراد كثيرة.
فالصوم الواجب هو: صوم شهر رمضان، وهو أهمها، وصوم الكفارة، وصوم النذر واليمين والعهد، وصوم بدل الهدي في الحج، وصوم القضاء.
مسألة 959: في صوم شهر رمضان يجب الإمساك طوال النهار، فلا يجوز الإفطار فيه خلال النهار بدون عذر، ويجوز الإفطار في صوم القضاء قبل الظهر ولا يجوز بعده إذا كان يقضي عن نفسه، ويجوز إذا كان يقضي عن غيره. أمّا صوم الكفارة فإنه في الأيام التي يجب التتابع فيها لا يجوز الإفطار قبل الظهر ولا بعده، وفي غير أيام التتابع يجوز الإفطار قبل الظهر لا بعده. وأمّا الواجب بالنذر ونحوه إذا لـم يُعيَّن له وقت فإنه يجوز الإفطار فيه قبل الظهر وبعده، والأحوط استحباباً ترك الإفطار بعد الظهر، وما حدّد له وقت معين لا يجوز الإفطار فيه، لا قبل الظهر ولا بعده.
أمّا الصوم المستحب فكثير، وأشهره صيام رجب وشعبان، وثلاثة أيام من كلّ شهر، ويوم الغدير، ويوم مولد النبيّ (ص) وغيرها. وهذا النوع من الصيام يجوز فيه الإفطار قبل الظهر وبعده ما عدا صوم الاعتكاف فإنه لا يصح الإفطار فيه لمن يريد الالتزام بشروط الاعتكاف.
وأمّا الصوم المحرّم فهو في يوم العيدين الفطر والأضحى، وأيام التشريق لمن كان في منى، سواء أكان في حج أم لـم يكن، وصيام يوم الشك على أنه من شهر رمضان، والصوم المنذور شكراً لله تعالى على معصية فعلها، والصوم الذي يَصِلُ فيه الليل بالنهار قاصداً ذلك ناوياً له كذلك، ولا يضرّ عدم الإفطار إلى اليوم الثاني من دون نية الوصال، وصيام الزوجة المستحب مع مزاحمته لحقّ الزوج، وصوم الصمت عن الكلام تمام النهار أو بعضه، بنحو يجعله في نيته من قيود الصوم، وصوم المريض أو من يضره الصوم، وكلّ صوم يتعَنْوَن بعنوان محرّم، كصوم الولد مع كونه موجباً لإيذاء والديه إشفاقاً. وغير ذلك.
أمّا المكروه فمنه: صيام الولد نافلة بدون إذن والده. والضيف من دون إذن مضيفه. ويوم عرفة عند الشك في هلال ذي الحجة مع احتمال كونه عيد الأضحى، أو لمن خاف أن يضعف عن الدعاء.
ـ نية الصوم:
مسألة 960: لا بُدَّ في صحة الصوم من وقوعه عن النية، ويكفي فيها قصد الصوم تقرّباً إلى الله تعالى، ولا يجب تحديد نوع الصوم من حيث كونه واجباً أو مستحباً، أو أداءً أو قضاءً إلاَّ من حيث الإشارة إلى ما هو المطلوب إذا كان مشتركاً بين أكثر من نوع، وتوقف تحديده على ذلك، ولكن لا بُدَّ من قصد العنوان الذي أخذ موضوعاً للحكم، كصوم شهر رمضان أو قضائه، أو صوم النذر ونحوه.
مسألة 961: لا يقع في أيام شهر رمضان صوم غيره، فلو نوى صوم غير شهر رمضان ملتفتاً عالماً بطل صومه، ولم يصح لا عن رمضان ولا عمّا نواه، أمّا مع النسيان لشهر رمضان أو الجهل به فإنه يصح صومه عن شهر رمضان لا عمّا نواه، ولا يبعد صحة الصوم المستحب ـ وهو خصوص الصوم الذي يمكن إيقاعه في السفر أساساً، مثل صيام ثلاثة أيام لقضاء الحاجة في المدينة المنورة ـ إذا وقع من المسافر خلال شهر رمضان، وكذا الصيام المنذور إيقاعه في السفر أو مطلقاً بدون قيد السفر أو الحضر، فإنه لا يبعد صحته ـ أيضاً ـ إذا اختار الناذر أيام سفره في شهر رمضان للوفاء بنذره، وإن كان الاحتياط بالترك لا ينبغي تركه.
مسألة 962: وقت النية في شهر رمضان عند طلوع الفجر الصادق، وذلك بمعنى أن لا يطلع الفجر عليه وهو غير ناوٍ للصوم، وليس معنى كون النية عند طلوع الفجر أن يكون المكلّف مستيقظاً في هذا الوقت لإيقاع النية فيه، بل يكفي نية ذلك عند المساء قبل النوم وتصح بذلك إذا استمر به النوم إلى ما بعد طلوع الفجر، بل إنه يكفي لشهر رمضان نية واحدة في أول يوم منه من دون حاجة لتجديدها في كلّ ليلة.
أمّا الواجب غير المعين بوقت خاص، مثل قضاء الصوم، أو النذر غير المحدّد بوقت، أو صوم الكفارة، ونحوها فإنه يمتد وقت النية فيه إلى ما قبل الظهر، فلو أصبح غير ناوٍ للصوم وظلّ ممسكاً عن المفطرات، فبدا له قبل الظهر أن يصوم هذا اليوم فنواه قضاءً أو كفارة مثلاً صح منه، ولا يصح هذا الصوم إذا نواه بعد الظهر على الأحوط وجوباً.
وأمّا الواجب المعين، وهو الذي حدّد له وقت خاص بمثل النذر أو اليمين فإنه ملحق بالواجب غير المعين، فيصح تأخير نيته إلى ما قبل الظهر، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بجعل نيته عند الفجر، فإنْ جَعَلَها بعده تأكد عليه استحباب الاحتياط بقضاء ذلك اليوم وعدم الإكتفاء به.
وأمّا الصيام المستحب فإنه يمكن أن ينويه قبل المغرب بلحظات، فلو صادف أنه ظلّ نائماً، أو كان مستيقظاً لكنَّه لـم يتناول المفطر إلى ما قبل الغروب، فنوى الصوم صح منه.
مسألة 963: يجب أن لا تتأخر النية لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام غفلة أو جهلاً ثُمَّ تفطن قبل أن يستعمل مفطراً، فإذا كان تذكره قبل الزوال نوى الصوم وصحّ منه، وإن كان بعد الزوال نوى الصوم وظلّ ممسكاً ثُمَّ يقضي بعد ذلك على الأحوط وجوباً. وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبهاً بالصائمين ثُمَّ يقضيه بعد ذلك. وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناوٍ للصيام عن تعمد وعصيان ثُمَّ تاب في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبهاً بالصائمين ثُمَّ يقضيه بعد ذلك.
مسألة 964: يجب الاستمرار في نية الصوم طوال النهار، فإذا عزم على قطع الصوم ولو بمثل العزم على تناول المفطر بطل صومه، وكذا لو تردّد بين الاستمرار وعدمه، فإن زال تردّده واستقر عزمه على المضي في الصوم قبل تناول المفطر صح صومه، وإن كان الاحتياط بالقضاء لا ينبغي تركه. هذا ولا يضرّ التردّد في النية إذا حدث بسبب الشك في صحة صومه وعدمها ثُمَّ تبين له بعد ذلك صحة صومه.
هذا في صوم شهر رمضان، أمّا في الواجب غير المعين بوقت خاص، فإنه إذا رجع عن نيته قبل الظهر ثُمَّ تجدّد منه العزم على الصوم قبل تناول المفطر لـم يبطل صومه، وكذا الحكم في الواجب المعين، وإن كان الأحوط استحباباً قضاؤه فيما بعد. أمّا الصوم المستحب فإنه يصح إذا عاد عن تردّده أو عن نية القطع قبل الغروب.
مسألة 965: الأحوط وجوباً عدم العدول من صوم صحيح إلى صوم آخر حتى لو كان وقت النية في المعدول إليه باقياً، وذلك كأن يعدل قبل الظهر من نية الصيام المستحب إلى نية صوم القضاء. أمّا إذا بطل الصوم الذي نواه لسبب غير تناول المفطر فإنه يجوز له أن ينوي صوماً غيره إذا كان وقت النية باقياً.
مسألة 966: إذا لـم تقع النية من المكلّف بشكلها الصحيح، أو تعمد الإخلال بالنية، حتى فات وقت تداركها، بطل الصوم ولزمه الإمساك إلى الغروب والقضاء فيما بعد، ولا كفارة عليه مع التعمد.