تتلخّص أسباب صلح الحسن مع معاوية بما يلي:
1ـ تخاذل أهل العراق، وقعودهم عن أبيه أمير المؤمنين يوم كان معاوية يغزوهم في عقر دارهم بعصابات القتل والنهب، تذبح رجالهم، وتسلب نساؤهم والإمام يستنهضهم، ويستحثّهم ببلاغته وحكمته، فلا يزدادون إلا تقلّباً وتلوّناً، حتى تمنى فراقهم بالموت، وتعجّل القتل – كما أسلفنا- وإذا كانت هذه حالهم مع أمير المؤمنين، فبالأولى أن يخذلوا ولده، وينكصوا عنه إذا جدّ الجد، واحتدم القتال، هذا، إلى أنّ أهل الشّام كانوا أطوع لمعاوية من بنانه، لا يسألونه عمّا يفعل، وهم مسؤولون.
2ـ إنّ أكثر الوجهاء والشيوخ الذين بايعوا الإمام الحسن، والتفوا حوله، كانوا طلاب غنائم ومناصب، شأنهم في ذلك شأن معظم الوجهاء والرؤساء في كلّ زمان ومكان "فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"، وليس لهؤلاء ولا لغيرهم عند الحسن إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل، ليس عنده إلا العدل والمساواة وإلا المنفعة تعمّ الناس أجمعين، وكيف يرضى "الوجيه الكبير" أن يكون مع "المسكين الفقير"؟!... لقد ترك النجاشي، ومصقلة بن هبيرة، والقعقاع بن شور وغيرهم وغيرهم، تركوا الإمام بعد أن بايعوه، وكانوا معه على عدوّه، والتحقوا بمعاوية، لا لشيء إلا إيثاراً للعاجلة على الآجلة، والفانية على الباقية، تركوا من لا يغلبه على دينه أهل السموات والأرض، وتسلّلوا إلى من يستبيح كل محرّم في سبيل مآربه ومطالبه.
3ـ إنّ عدداً غير قليل ممن بايع الإمام الحسن كان من المنافقين، يشايعونه ظاهراً، ويكيدون له سراً، ومنهم من راسل معاوية، وراسله معاوية، وبعث له الأموال، ومنهم من أخذ وعداً من معاوية بالولاية على بعض الأقطار، ومن سعد وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وإسماعيل وإسحاق ابنا طلحة بن عبيد الله، وغيرهم. قال الشيخ راضي آل يس في كتاب "صلح الحسن"...: "وكتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة في السرّ، واستحثوه على المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن، أو الفتك به، وأرسل معاوية إلى كلّ من عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وحجار بن أبجر، وشبث بن ربعي: إنّك إذا قتلت الحسن فلك مئة ألف درهم، وجند من أجناد الشّام، وبنت من بناتي. فبلغ الحسن ذلك، فكان يحترز ويلبس الدّرع تحت الثياب، ولا يتقدّم للصّلاة إلا كذلك، فرماه أحدهم بسهم، وهو في الصلاة، فلم يثبت فيه للدّرع الذي لابسه".
معاوية يساوم على بناته شبث بن ربعي وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر وأضرابهم، يساومهم ليغدروا بالحسن ريحانة الرسول، ولقد صمّموا وعزموا على قتله، ولولا الصلح لأنفذوا أمر معاوية بالحسن، كما أنفذوا أمر ولده يزيد بالحسين، وأطفال الرسول وبناته، فإنّ عدداً كبيراً ممن اشتركوا في قتل الحسين كانوا منخرطين في جيش أخيه الحسن قبل الصّلح، ومنهم شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين(ع).
4ـ إن الحسن صمّم على القتال، وحثّ الناس على الجهاد، وأرسل جيشاً إلى الحدود والثغور، وخرج الحسن بنفسه بعد أن استخلف على الكوفة ابن عمّه المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وتخلّف عنه خلق كثير، ولم يخرجوا معه بعد أن كانوا قد وعدوه بالقتال ضدّ عدوّه، فغرّوه كما غرّوا أباه من قبل... وبقي معسكراً بالنّخيلة عشرة أيام، وليس معه إلا أربعة آلاف، فرجع الكوفة يستنفر الناس، وخطب فيهم يقول: قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي.
وكان الحسن قد سيَّر عبيد الله بن العباس في 15 ألف مقاتل، ليدفع معاوية عن حدود العراق، ولكن معاوية اشترى هذا العبيد بمليون درهم، فقبض الثمن، وانضمّ إلى العدوّ، وكانت خيانته نصراً كبيراً لمعاوية، فلقد أحدثت عسكر الحسن التمرّد والتصدّع، بالإضافة إلى ما هم عليه من التخاذل، وأخذ أهل العراق يتسلّلون الواحد بعد الآخر إلى الشّام.
5ـ إنّ معاوية جمع كلّ ما أتاه من كتب أصحاب الحسن التي وعدوا فيها معاوية أن يسلموه الحسن أو يفتكوا به، وأرسلها إلى الحسن مع المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن الحكم، فتفحّص الحسن تلك الخطوط، وتأكد من نسبتها لأصحاب التواقيع، وقد أراد معاوية بذلك أن يتضعضع جيش الحسن ويتمزّق أيدي سبأ.
هذه هم أهمّ الأسباب التي دعت الحسن إلى الصلح، ومنها يتبيّن معنا أن سبب صلح الحسن(ع) لم يكن حقناً للدماء، ولا جمعاً للشمل، ولا كرهاً للحرب التي تقضي على الفتنة والفساد، بل لأنّ الإمام الحسن لم يجد من يقوى به على عدوّه وعدوّ الدين، فإن أكثر الذين أظهروا متابعته كانوا عيناً عليه، وعملاء لعدوّه، يتربصون به الدوائر، وينتهزون الفرص، فهم أخطر عليه من الذين صارحوه العداء وجهاً لوجه.
تتلخّص أسباب صلح الحسن مع معاوية بما يلي:
1ـ تخاذل أهل العراق، وقعودهم عن أبيه أمير المؤمنين يوم كان معاوية يغزوهم في عقر دارهم بعصابات القتل والنهب، تذبح رجالهم، وتسلب نساؤهم والإمام يستنهضهم، ويستحثّهم ببلاغته وحكمته، فلا يزدادون إلا تقلّباً وتلوّناً، حتى تمنى فراقهم بالموت، وتعجّل القتل – كما أسلفنا- وإذا كانت هذه حالهم مع أمير المؤمنين، فبالأولى أن يخذلوا ولده، وينكصوا عنه إذا جدّ الجد، واحتدم القتال، هذا، إلى أنّ أهل الشّام كانوا أطوع لمعاوية من بنانه، لا يسألونه عمّا يفعل، وهم مسؤولون.
2ـ إنّ أكثر الوجهاء والشيوخ الذين بايعوا الإمام الحسن، والتفوا حوله، كانوا طلاب غنائم ومناصب، شأنهم في ذلك شأن معظم الوجهاء والرؤساء في كلّ زمان ومكان "فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"، وليس لهؤلاء ولا لغيرهم عند الحسن إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل، ليس عنده إلا العدل والمساواة وإلا المنفعة تعمّ الناس أجمعين، وكيف يرضى "الوجيه الكبير" أن يكون مع "المسكين الفقير"؟!... لقد ترك النجاشي، ومصقلة بن هبيرة، والقعقاع بن شور وغيرهم وغيرهم، تركوا الإمام بعد أن بايعوه، وكانوا معه على عدوّه، والتحقوا بمعاوية، لا لشيء إلا إيثاراً للعاجلة على الآجلة، والفانية على الباقية، تركوا من لا يغلبه على دينه أهل السموات والأرض، وتسلّلوا إلى من يستبيح كل محرّم في سبيل مآربه ومطالبه.
3ـ إنّ عدداً غير قليل ممن بايع الإمام الحسن كان من المنافقين، يشايعونه ظاهراً، ويكيدون له سراً، ومنهم من راسل معاوية، وراسله معاوية، وبعث له الأموال، ومنهم من أخذ وعداً من معاوية بالولاية على بعض الأقطار، ومن سعد وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وإسماعيل وإسحاق ابنا طلحة بن عبيد الله، وغيرهم. قال الشيخ راضي آل يس في كتاب "صلح الحسن"...: "وكتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة في السرّ، واستحثوه على المسير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن، أو الفتك به، وأرسل معاوية إلى كلّ من عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وحجار بن أبجر، وشبث بن ربعي: إنّك إذا قتلت الحسن فلك مئة ألف درهم، وجند من أجناد الشّام، وبنت من بناتي. فبلغ الحسن ذلك، فكان يحترز ويلبس الدّرع تحت الثياب، ولا يتقدّم للصّلاة إلا كذلك، فرماه أحدهم بسهم، وهو في الصلاة، فلم يثبت فيه للدّرع الذي لابسه".
معاوية يساوم على بناته شبث بن ربعي وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر وأضرابهم، يساومهم ليغدروا بالحسن ريحانة الرسول، ولقد صمّموا وعزموا على قتله، ولولا الصلح لأنفذوا أمر معاوية بالحسن، كما أنفذوا أمر ولده يزيد بالحسين، وأطفال الرسول وبناته، فإنّ عدداً كبيراً ممن اشتركوا في قتل الحسين كانوا منخرطين في جيش أخيه الحسن قبل الصّلح، ومنهم شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين(ع).
4ـ إن الحسن صمّم على القتال، وحثّ الناس على الجهاد، وأرسل جيشاً إلى الحدود والثغور، وخرج الحسن بنفسه بعد أن استخلف على الكوفة ابن عمّه المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وتخلّف عنه خلق كثير، ولم يخرجوا معه بعد أن كانوا قد وعدوه بالقتال ضدّ عدوّه، فغرّوه كما غرّوا أباه من قبل... وبقي معسكراً بالنّخيلة عشرة أيام، وليس معه إلا أربعة آلاف، فرجع الكوفة يستنفر الناس، وخطب فيهم يقول: قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي.
وكان الحسن قد سيَّر عبيد الله بن العباس في 15 ألف مقاتل، ليدفع معاوية عن حدود العراق، ولكن معاوية اشترى هذا العبيد بمليون درهم، فقبض الثمن، وانضمّ إلى العدوّ، وكانت خيانته نصراً كبيراً لمعاوية، فلقد أحدثت عسكر الحسن التمرّد والتصدّع، بالإضافة إلى ما هم عليه من التخاذل، وأخذ أهل العراق يتسلّلون الواحد بعد الآخر إلى الشّام.
5ـ إنّ معاوية جمع كلّ ما أتاه من كتب أصحاب الحسن التي وعدوا فيها معاوية أن يسلموه الحسن أو يفتكوا به، وأرسلها إلى الحسن مع المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن الحكم، فتفحّص الحسن تلك الخطوط، وتأكد من نسبتها لأصحاب التواقيع، وقد أراد معاوية بذلك أن يتضعضع جيش الحسن ويتمزّق أيدي سبأ.
هذه هم أهمّ الأسباب التي دعت الحسن إلى الصلح، ومنها يتبيّن معنا أن سبب صلح الحسن(ع) لم يكن حقناً للدماء، ولا جمعاً للشمل، ولا كرهاً للحرب التي تقضي على الفتنة والفساد، بل لأنّ الإمام الحسن لم يجد من يقوى به على عدوّه وعدوّ الدين، فإن أكثر الذين أظهروا متابعته كانوا عيناً عليه، وعملاء لعدوّه، يتربصون به الدوائر، وينتهزون الفرص، فهم أخطر عليه من الذين صارحوه العداء وجهاً لوجه.