في الصّحيفة السجادية، كلّ المفاهيم والقيم الروحيّة والأخلاقيّة التي تسمو بالإنسان وترتفع بروحه، وتنفتح به على الخالق وعظمته، بما تجعله يتحسَّس مسؤوليّته أمامه.
يقول الإمام زين العابدين(ع) في دعاءٍ له: "فصلِّ على محمَّدٍ وآله، وافْتح لي يا ربِّ باب الفرج بطوْلِك، واكسرْ عنّي سلطانَ الهمِّ بحوْلِك، وأنلني حُسنَ النّظرِ في ما شكوت، وأذقني حلاوة الصُّنعِ في ما سألت، وهَبْ لي من لدُنْكَ رحمةً وفرجاً هنيئاً، واجعل لي من عندك مخرجاً وحيّاً، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهُدِ فروضك واستعمال سُنَّتِك، فقد ضِقْتُ بما نزل بي ـ يا ربِّ ـ ذرعاً، وامتلأتُ بحملِ ما حدث عليَّ همّاً، وأنتَ القادِرُ على كشفِ ما مُنِيْتُ به، ودفعِ ما وقعْتُ فيه، فافعل بي ذلك وإن لم أستوجبه منك يا ذا العرشِ العظيم".
أنت وحدك ـ يا ربّ ـ تفتح أبواب الرّحمة والرّزق لعبادك، وتفتح باب الفرج عندما تضيق السُّبُل وتقفل الطّرق، فالطّلب إليك وحدك ـ يا ربّ ـ أن تفرّج ضيقنا، وتجعلنا نتنفّس في رحابك، بعيداً عن الضّغوطات التي تثقل نفوسنا وترهقها.
والطلب إليك ـ يا ربّ ـ وحدك، أن تبعد عنّا الهموم والأحزاب الّتي تمنع عنّا السّعادة والطّمأنينة، وأنت وحدك المؤمَّل والمرجوّ على الدّوام بما وعدت به عبادك المخلصين، بالنّظر إليهم نظرةً ملؤها العطف والعفو والرّحمة، وبما تنزَّل عليهم من الفضل والمنّ والإحسان.
وأنت ـ يا ربّ ـ من يدفع البلاء عن عباده، وأنت من يمنحنا الشعور الدائم بحضور القلب، وتأدية فروضك والعمل بسنّتك على أحسن حال، وبما أنّ النفس مثقلة بالأحزان والضغوطات التي تمنعها في لحظة ضعف من تأدية حقوقك كما يجب، فيا ربّ أنت الوحيد القادر على كشف الضّرر، ودفع البلاء، وإحياء النفوس والقلوب، مع معرفتنا بتقصيرنا وإسرافنا على أنفسنا..
وحول ما تقدّم، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"يا ربّ، إنّك الفاتح لكلّ مغاليق الأبواب في الحياة، عندما يحبس الواقع الإنسان في زواياه، فيختنق في ظلماتها، وتسقط روحه في كهوفها، وأنا المحبوس في ضيق المشاكل الخانقة الضّاغطة.. وها أنا ـ يا ربّ ـ أعيش الهمّ الكبير الّذي يملأ كلّ كياني، وأنت وحدك القادر على أن تكسر سلطانه، وتقهر قوّته.
لقد وعدت ـ يا ربّ ـ عبادك الخاشعين لك، الخاضعين لربوبيّتك أن تنظر إليهم نظرةً رحيمةً، من خلال عمق الحنان في رحمتك، وأنت ـ يا ربّ ـ الذي تنزل الرّحمة على خلقك، لتستجيب لهم في ما يسألونك.
إنني ـ يا ربّ ـ أحسّ بالمشكلة الّتي تحيط بي كما لو كانت فوق الطّاقة، فلا تتحمّلها قوّتي، فقد تهتزّ المشاعر، وتختلط الأفكار، ويضعف الجسد من خلال ذلك، وأنت ـ وحدك ـ القادر على كشف ما ابتليت به..
إنّني أعرف ـ يا ربّ ـ أني لا أستحق ذلك بما أسلفت من ذنوب وجرائم، ولكنّي أعرف أنّك الكبير في عظمته، الرّحيم في قدرته.. وها أنا في انتظار الفرج الكبير من خلال حولك وطولك، فقد يشفع لي ابتهالي إليك في الحصول على الخير في الدّنيا والآخرة.."[كتاب: آفاق الرّوح، ج:1، ص:193-196].
نتعلّم من هذا الدّعاء أن نتوجّه إلى الله وحده، مهما اشتدّت الضّغوطات والتحدّيات، وأن نطلب منه وحده الفرج وإنزال الرّحمة واللّطف بنا، وأن نقوّي علاقتنا به مهما عصفت بنا المحن، بأن نتمسّك بالإيمان والإخلاص والثّقة بالله والتوكّل عليه، فهو وحده العظيم والقدير والرّحيم، حيث "لا ملجأ إلا إليه".
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.