مهلاً يا شهر الله!

مهلاً يا شهر الله!

ها هو شهر الله يحثّ المسير نحو نهايته لهذا العام، ومعه كلّ الأجواء الرّوحانيّة الّتي ترافقه، وقد عشنا على مدى شهر في ضيافة الرّحمن، ننهل من معين رحمته وعطفه، ويسجَّل لنا الثّواب والأجر الكبير، وها نحن نودّعه، آملين أن لا نفقد بركاته، وأن يعيده الله علينا، لننعم بما فيه من الخير والأجر.

يمضي الشَّهر الكريم، وقد شهد قصص توبة وندم يرويها كلّ صائم استفاد منه، وصام بجوارحه وقلبه وعقله قبل جوفه، قصصاً بدأت بقرار توبة مع بداية شهر رمضان، ارتفعت الأيادي للباري، وجاءت التّلبية بالغفران والقبول، كما وعد الله سبحانه وتعالى في شهر التّوبة والغفران.

ولكن ماذا بعد انتهاء هذا الشَّهر؟ وهل يمكن أن تستمرّ مفاعيل هذه التّوبة والأجواء الروحيّة التي عشناها في هذا الشّهر بين صلاة ودعاء على مدى الأيّام المقبلة؟

أسئلة نطرحها، ونحن نعلم أنَّ من استطاع أن يقتنص الفرصة في شهر رمضان، ونجح في تسجيل اسمه في لائحة المرحومين في شهر الله، من غير المقبول أن يتنازل عن هذه المكانة العظيمة التي خصَّه بها صاحب هذا الشَّهر المبارك؛ هل سنحافظ على الزّاد الروحي من شهر رمضان، أم سننجرف سريعاً أمام التحدّيات والمغريات بعد انتهاء الشهر الكريم؟! كلّنا معنيّون بالإجابة عن هذا السّؤال؟

تصحيح مسار الحياة

بمنتهى الصّراحة والشفافيّة، يتحدّث كثيرون عن تغيّرات جذريّة طاولت حياتهم في شهر رمضان المبارك. محمّد الذي كان يتهامل في تأدية صلواته الواجبة، حرص على تعويد نفسه على الالتزام بمواقيت الصّلاة، وفي بعض الأحيان، يجهد لتأدية بعض المستحبّات، كذلك فاطمة التي كانت تعاني بعض المشاكل العائليّة مع أهلها، أخذت المبادة في شهر الله، وبادرت إلى زيارتهم في هذا الشّهر وتصحيح العلاقة معهم، وأيضاً أبو علي الذي كان يتردّد في تخميس أمواله، وجد نفسه في شهر رمضان يؤدّي حقوق الله ويخمّس أمواله ويعطي الحقوق لأصحابها... إنها ليست قصصاً من نسج الخيال، بل عيّنة من أناس كثر استطاع شهر رمضان أن يخلق فيهم التّغيير الحقيقي في ذواتهم، اختبرهم الله سبحانه وتعالى، ونجحوا في الاختبار عندما صاموا قربةً إلى الله تعالى وفي سبيل مرضاته.

تؤكِّد سمر(21 عاماً)، أنّ شهر رمضان يساعد على التحكّم بالنفس والعقل والرّوح، وحتى كيفيّة التّفكير والكلام، لذا علينا "أن نساعد أنفسنا على أن نبتعد عن أيّ شي محرَّم، وعن أيّ شيء يؤثّر في روح الإنسان وغريزته، علينا أن نستفيد من شهر رمضان، أن نطهّر أنفسنا وننطلق منه في مسيرة إصلاح ذواتنا، لنبدأ من جديد في خطّ الطّاعة بعيداً عن خطّ الانحراف والمعصية".

من جهتها، ترى مروى أنّ الأجواء الروحيّة المميّزة التي عشناها في شهر رمضان، قادرة على دفعنا بعد الشّهر الكريم لإحداث تغيير جذريّ في حياتنا، في شهر رمضان اعتدنا على الصّلاة والدّعاء وترك المعاصي، ولا شيء يمنع من الاستمرار إذا قرّر الإنسان ذلك، نحتاج القرار ليس أكثر. وتقول: "شهر رمضان فرصة لا تتكرّر لإصلاح النّفس ومحو الذّنوب وكسب الحسنات والتغيير نحو الأفضل".

من قرَّر الانطلاق في مسيرة التّوبة والتّغيير في شهر رمضان، سيجد نفسه مستمرّاً في ذلك بعده

هل تنتهي مفاعيل الصّوم؟

يربط سماحة السيّد حسان ياسين مفاعيل الصّوم في حياتنا بحقيقة الصوم الذي عاشه المكلَّف على مدى شهر كامل؛ هل هو الامتناع عن الطّعام والشّراب فقط، أم هو صوم النّفس والرّوح عن كلّ محرَّم أمرنا الله سبحانه وتعالى بتركه في شهر رمضان وغيره من الشّهور، ويلفت سماحته إلى أنَّ استغراق الصّائم في ملذّات المأكل والمشرب، سيؤثّر دون أدنى شكّ في علاقته الروحيّة بربّه، أمّا من قرَّر أن ينطلق في رحاب الرّحمة الإلهيّة في شهر رمضان، وطرق باب التّوبة، ورغب في تحقيق تغيير حقيقيّ في حياته، فسيجد نفسه مستمرّاً في درب الهداية والصّلاح حتى بعد نهاية الشّهر الكريم. ويلفت سماحته إلى أهميّة إدراك الصائم المعنى الحقيقي للصّوم والغاية منه، حتى ينجح في حصد الثّمار الروحية للصّوم، والتي يأتي في مقدَّمها توطيد العلاقة بالخالق عزّ وعلا.

ويضيف سماحته: "الإنسان الذي يرغب بالقيام بأمر معيَّن، يسخّر كلّ طاقاته وجوارحه من أجل تحقيقه، ولا يصرفه عن ذلك أيّ أمر آخر، فمن التزم مواعيد الصّلاة في شهر رمضان، لن يصعب عليه الاستمرار في ذلك طوال الأيّام الأخرى، ومن حسّن خلقه وترك المعاصي والتزم خطّ الاستقامة والطّاعة، من خلال صلة الرّحم ورحمة الأيتام وترك الموبقات، فلن يحيد عن هذا الخطّ إذا رغب بذلك، لأنّ الحلال حلال في شهر رمضان وغيره، وكذلك الحرام".

هل نحن قادرون على الاستمرار في خطّ الطّاعة؟

لعلّه من المفيد ونحن نتحدّث عن فكرة الإصلاح الذاتي، أن نستحضر فوائد الصّيام النفسيّة، والتي تساعد بدورها على تعزيز المناعة النفسيّة لمواجهة التحديات والمغريات. وحول هذا الجانب، تتحدث الأستاذة رولا عز الدّين، الاختصاصيّة في علم النفس العيادي، معتبرةً أنَّ الصّيام هو فرصة حقيقيّة للإنسان كي يضع ذاته في موضع التّفكير، فيعمل على إعادة توازنها، وينمّي قدراته من أجل التحكّم بها.

وتشرح عزّ الدّين فؤائد الصّوم النفسيّة، والتي يمكن الاستفادة منها بعد شهر رمضان، من خلال النّقاط التالية:

الصّيام فرصة حقيقيّة للإنسان كي يعمل على إعادة توازن ذاته، وتنمية قدراته من أجل التحكّم به

- الصّوم يعلّم الإنسان كيف يكبح جماح النّفس عن السيّئات ويعمل على تربيتها، وبإمكانه أن يستمرّ في ذلك.

- يعتبر الصّيام من الأمور الأساسيّة الّتي تساهم في تقويم الأخلاق، فالصّوم يساعد على الهدوء والسّكينة، وعلينا الاستفادة من هذه الأجواء في حياتنا.

- يساهم الصّوم في ضبط الآلة المزاجيّة للإنسان، فمن نجح في ذلك في شهر رمضان، يمكن أن ينجح في باقي أيام السنة.

- يساعد الصّيام في كفّ النفس عن الاهتمام بمشاغل الحياة وهمومها.

- يجعل الصّوم الصّائم أقرب إلى ما يعانيه الفقراء، فيتحسَّس معنى الجوع الحقيقيّ، ما يولِّد شعوراً من العطف والحنان حيالهم.

- الصّوم يشعر الإنسان بالطّمأنينة والراحة النفسية والفكرية، فالصّائم يحاول أن يبتعد عن كلّ ما يمكن أن يعكِّر صفو صيامه من المحرَّمات والمشاكل، ونستطيع أن نكمل في هذا المسار.

- تأثيرات الصّوم لا تنعكس فقط على الذّات الإنسانيّة، بل تترك آثارها على المجتمع ككلّ، إذا عاش الجميع روحيّة الصّيام الحقيقيّة، لأنّ تهذيب النفس هو المدخل الأساس لتهذيب المجتمع.

- إنّ الصيام يساعد في تجنّب الكثير من الحالات النفسيّة المزعجة، كالقلق والاكتئاب والغضب، وعلينا أن نستفيد من ذلك بعد شهر رمضان.

- كما يقلّل الصّيام من حالة الأرق ويساعد في انتظام النوم.

وتلفت عزّ الدين إلى أنَّ كلَّ الفؤائد النفسيّة الّتي اكتسبها الإنسان على مدى أيّام شهر رمضان المبارك، وكانت سبباً في صلاح حاله، ولا سيّما مع ربّه، من خلال حالة الخشوع والامتثال التامّ لأوامر الله سبحانه وتعالى، لا بدَّ للإنسان من أن يستثمرها في حياته بعد شهر رمضان المبارك، فالإنسان الّذي نجح على مدى شهر بكامله في عمليّة تربية النّفس وكبح جماحها، يستطيع أن يكمل ما بدأه ويستمرّ في طريق الجهاد الأكبر، ألا وهو تربية النّفس.

هل ننجح في مواجهة التحدّيات؟

وحول قدرة الإنسان على مواجهة التحدّيات والمغريات بعد شهر رمضان المبارك، يؤكِّد السيّد ياسين القدرة على المواجهة في حال قرّر الإنسان ذلك أوّلاً، وانتقل ثانياً من مقام التّنظير إلى مقام التّطبيق في المواضيع العباديّة والدينيّة، فإذا التزم المسلم الأقوال والأحاديث والآيات القرآنيّة التي ينشرها على صفحات مواقع التَّواصل الاجتماعي، فسيكون من العاملين وليس المنظّرين في خطّ الطّاعة والتّقوى، لأنَّ من استطاع أن يتخلّى عن الكثير من الأمور في شهر رمضان، لن يعجز عن الاستمرار إذا قرَّر ذلك.

ويتابع سماحته القول: "شهر رمضان، كما كان يقول المرجع فضل الله(رض)، هو فترة لترويض النّفس، رياضة النّفس ليست سهلةً، ومن أجل تغيير العادات والسلوكيّات، نحتاج إلى جهود جبّارة في ظلّ كلّ ما نعيشه من تحدّيات في حياتنا المعاصرة. ولكنّ الفرصة متاحة، وخصوصاً مع كلّ الزّخم والزّاد الرّوحيّ الّذي تزوَّدنا منه طوال الشّهر الكريم، لا ترضخوا أمام التحدّيات، واستمرّوا في خطّ الإيمان والتقوى لسعادة الدّنيا والآخرة".

وفي الختام أعزّائي القرّاء، وقفة مع هذا المقتطف من دعاء الإمام زين العابدين(ع) في وداع شهر رمضان المبارك:

"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَفِطْرِنَا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا، أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبٍ، وَاغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ" .

إنَّ الآراء الواردة في هذا التَّحقيق، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

ها هو شهر الله يحثّ المسير نحو نهايته لهذا العام، ومعه كلّ الأجواء الرّوحانيّة الّتي ترافقه، وقد عشنا على مدى شهر في ضيافة الرّحمن، ننهل من معين رحمته وعطفه، ويسجَّل لنا الثّواب والأجر الكبير، وها نحن نودّعه، آملين أن لا نفقد بركاته، وأن يعيده الله علينا، لننعم بما فيه من الخير والأجر.

يمضي الشَّهر الكريم، وقد شهد قصص توبة وندم يرويها كلّ صائم استفاد منه، وصام بجوارحه وقلبه وعقله قبل جوفه، قصصاً بدأت بقرار توبة مع بداية شهر رمضان، ارتفعت الأيادي للباري، وجاءت التّلبية بالغفران والقبول، كما وعد الله سبحانه وتعالى في شهر التّوبة والغفران.

ولكن ماذا بعد انتهاء هذا الشَّهر؟ وهل يمكن أن تستمرّ مفاعيل هذه التّوبة والأجواء الروحيّة التي عشناها في هذا الشّهر بين صلاة ودعاء على مدى الأيّام المقبلة؟

أسئلة نطرحها، ونحن نعلم أنَّ من استطاع أن يقتنص الفرصة في شهر رمضان، ونجح في تسجيل اسمه في لائحة المرحومين في شهر الله، من غير المقبول أن يتنازل عن هذه المكانة العظيمة التي خصَّه بها صاحب هذا الشَّهر المبارك؛ هل سنحافظ على الزّاد الروحي من شهر رمضان، أم سننجرف سريعاً أمام التحدّيات والمغريات بعد انتهاء الشهر الكريم؟! كلّنا معنيّون بالإجابة عن هذا السّؤال؟

تصحيح مسار الحياة

بمنتهى الصّراحة والشفافيّة، يتحدّث كثيرون عن تغيّرات جذريّة طاولت حياتهم في شهر رمضان المبارك. محمّد الذي كان يتهامل في تأدية صلواته الواجبة، حرص على تعويد نفسه على الالتزام بمواقيت الصّلاة، وفي بعض الأحيان، يجهد لتأدية بعض المستحبّات، كذلك فاطمة التي كانت تعاني بعض المشاكل العائليّة مع أهلها، أخذت المبادة في شهر الله، وبادرت إلى زيارتهم في هذا الشّهر وتصحيح العلاقة معهم، وأيضاً أبو علي الذي كان يتردّد في تخميس أمواله، وجد نفسه في شهر رمضان يؤدّي حقوق الله ويخمّس أمواله ويعطي الحقوق لأصحابها... إنها ليست قصصاً من نسج الخيال، بل عيّنة من أناس كثر استطاع شهر رمضان أن يخلق فيهم التّغيير الحقيقي في ذواتهم، اختبرهم الله سبحانه وتعالى، ونجحوا في الاختبار عندما صاموا قربةً إلى الله تعالى وفي سبيل مرضاته.

تؤكِّد سمر(21 عاماً)، أنّ شهر رمضان يساعد على التحكّم بالنفس والعقل والرّوح، وحتى كيفيّة التّفكير والكلام، لذا علينا "أن نساعد أنفسنا على أن نبتعد عن أيّ شي محرَّم، وعن أيّ شيء يؤثّر في روح الإنسان وغريزته، علينا أن نستفيد من شهر رمضان، أن نطهّر أنفسنا وننطلق منه في مسيرة إصلاح ذواتنا، لنبدأ من جديد في خطّ الطّاعة بعيداً عن خطّ الانحراف والمعصية".

من جهتها، ترى مروى أنّ الأجواء الروحيّة المميّزة التي عشناها في شهر رمضان، قادرة على دفعنا بعد الشّهر الكريم لإحداث تغيير جذريّ في حياتنا، في شهر رمضان اعتدنا على الصّلاة والدّعاء وترك المعاصي، ولا شيء يمنع من الاستمرار إذا قرّر الإنسان ذلك، نحتاج القرار ليس أكثر. وتقول: "شهر رمضان فرصة لا تتكرّر لإصلاح النّفس ومحو الذّنوب وكسب الحسنات والتغيير نحو الأفضل".

من قرَّر الانطلاق في مسيرة التّوبة والتّغيير في شهر رمضان، سيجد نفسه مستمرّاً في ذلك بعده

هل تنتهي مفاعيل الصّوم؟

يربط سماحة السيّد حسان ياسين مفاعيل الصّوم في حياتنا بحقيقة الصوم الذي عاشه المكلَّف على مدى شهر كامل؛ هل هو الامتناع عن الطّعام والشّراب فقط، أم هو صوم النّفس والرّوح عن كلّ محرَّم أمرنا الله سبحانه وتعالى بتركه في شهر رمضان وغيره من الشّهور، ويلفت سماحته إلى أنَّ استغراق الصّائم في ملذّات المأكل والمشرب، سيؤثّر دون أدنى شكّ في علاقته الروحيّة بربّه، أمّا من قرَّر أن ينطلق في رحاب الرّحمة الإلهيّة في شهر رمضان، وطرق باب التّوبة، ورغب في تحقيق تغيير حقيقيّ في حياته، فسيجد نفسه مستمرّاً في درب الهداية والصّلاح حتى بعد نهاية الشّهر الكريم. ويلفت سماحته إلى أهميّة إدراك الصائم المعنى الحقيقي للصّوم والغاية منه، حتى ينجح في حصد الثّمار الروحية للصّوم، والتي يأتي في مقدَّمها توطيد العلاقة بالخالق عزّ وعلا.

ويضيف سماحته: "الإنسان الذي يرغب بالقيام بأمر معيَّن، يسخّر كلّ طاقاته وجوارحه من أجل تحقيقه، ولا يصرفه عن ذلك أيّ أمر آخر، فمن التزم مواعيد الصّلاة في شهر رمضان، لن يصعب عليه الاستمرار في ذلك طوال الأيّام الأخرى، ومن حسّن خلقه وترك المعاصي والتزم خطّ الاستقامة والطّاعة، من خلال صلة الرّحم ورحمة الأيتام وترك الموبقات، فلن يحيد عن هذا الخطّ إذا رغب بذلك، لأنّ الحلال حلال في شهر رمضان وغيره، وكذلك الحرام".

هل نحن قادرون على الاستمرار في خطّ الطّاعة؟

لعلّه من المفيد ونحن نتحدّث عن فكرة الإصلاح الذاتي، أن نستحضر فوائد الصّيام النفسيّة، والتي تساعد بدورها على تعزيز المناعة النفسيّة لمواجهة التحديات والمغريات. وحول هذا الجانب، تتحدث الأستاذة رولا عز الدّين، الاختصاصيّة في علم النفس العيادي، معتبرةً أنَّ الصّيام هو فرصة حقيقيّة للإنسان كي يضع ذاته في موضع التّفكير، فيعمل على إعادة توازنها، وينمّي قدراته من أجل التحكّم بها.

وتشرح عزّ الدّين فؤائد الصّوم النفسيّة، والتي يمكن الاستفادة منها بعد شهر رمضان، من خلال النّقاط التالية:

الصّيام فرصة حقيقيّة للإنسان كي يعمل على إعادة توازن ذاته، وتنمية قدراته من أجل التحكّم به

- الصّوم يعلّم الإنسان كيف يكبح جماح النّفس عن السيّئات ويعمل على تربيتها، وبإمكانه أن يستمرّ في ذلك.

- يعتبر الصّيام من الأمور الأساسيّة الّتي تساهم في تقويم الأخلاق، فالصّوم يساعد على الهدوء والسّكينة، وعلينا الاستفادة من هذه الأجواء في حياتنا.

- يساهم الصّوم في ضبط الآلة المزاجيّة للإنسان، فمن نجح في ذلك في شهر رمضان، يمكن أن ينجح في باقي أيام السنة.

- يساعد الصّيام في كفّ النفس عن الاهتمام بمشاغل الحياة وهمومها.

- يجعل الصّوم الصّائم أقرب إلى ما يعانيه الفقراء، فيتحسَّس معنى الجوع الحقيقيّ، ما يولِّد شعوراً من العطف والحنان حيالهم.

- الصّوم يشعر الإنسان بالطّمأنينة والراحة النفسية والفكرية، فالصّائم يحاول أن يبتعد عن كلّ ما يمكن أن يعكِّر صفو صيامه من المحرَّمات والمشاكل، ونستطيع أن نكمل في هذا المسار.

- تأثيرات الصّوم لا تنعكس فقط على الذّات الإنسانيّة، بل تترك آثارها على المجتمع ككلّ، إذا عاش الجميع روحيّة الصّيام الحقيقيّة، لأنّ تهذيب النفس هو المدخل الأساس لتهذيب المجتمع.

- إنّ الصيام يساعد في تجنّب الكثير من الحالات النفسيّة المزعجة، كالقلق والاكتئاب والغضب، وعلينا أن نستفيد من ذلك بعد شهر رمضان.

- كما يقلّل الصّيام من حالة الأرق ويساعد في انتظام النوم.

وتلفت عزّ الدين إلى أنَّ كلَّ الفؤائد النفسيّة الّتي اكتسبها الإنسان على مدى أيّام شهر رمضان المبارك، وكانت سبباً في صلاح حاله، ولا سيّما مع ربّه، من خلال حالة الخشوع والامتثال التامّ لأوامر الله سبحانه وتعالى، لا بدَّ للإنسان من أن يستثمرها في حياته بعد شهر رمضان المبارك، فالإنسان الّذي نجح على مدى شهر بكامله في عمليّة تربية النّفس وكبح جماحها، يستطيع أن يكمل ما بدأه ويستمرّ في طريق الجهاد الأكبر، ألا وهو تربية النّفس.

هل ننجح في مواجهة التحدّيات؟

وحول قدرة الإنسان على مواجهة التحدّيات والمغريات بعد شهر رمضان المبارك، يؤكِّد السيّد ياسين القدرة على المواجهة في حال قرّر الإنسان ذلك أوّلاً، وانتقل ثانياً من مقام التّنظير إلى مقام التّطبيق في المواضيع العباديّة والدينيّة، فإذا التزم المسلم الأقوال والأحاديث والآيات القرآنيّة التي ينشرها على صفحات مواقع التَّواصل الاجتماعي، فسيكون من العاملين وليس المنظّرين في خطّ الطّاعة والتّقوى، لأنَّ من استطاع أن يتخلّى عن الكثير من الأمور في شهر رمضان، لن يعجز عن الاستمرار إذا قرَّر ذلك.

ويتابع سماحته القول: "شهر رمضان، كما كان يقول المرجع فضل الله(رض)، هو فترة لترويض النّفس، رياضة النّفس ليست سهلةً، ومن أجل تغيير العادات والسلوكيّات، نحتاج إلى جهود جبّارة في ظلّ كلّ ما نعيشه من تحدّيات في حياتنا المعاصرة. ولكنّ الفرصة متاحة، وخصوصاً مع كلّ الزّخم والزّاد الرّوحيّ الّذي تزوَّدنا منه طوال الشّهر الكريم، لا ترضخوا أمام التحدّيات، واستمرّوا في خطّ الإيمان والتقوى لسعادة الدّنيا والآخرة".

وفي الختام أعزّائي القرّاء، وقفة مع هذا المقتطف من دعاء الإمام زين العابدين(ع) في وداع شهر رمضان المبارك:

"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَفِطْرِنَا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا، أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبٍ، وَاغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ" .

إنَّ الآراء الواردة في هذا التَّحقيق، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية