الصّوم الواعي والتقرّب من الله

الصّوم الواعي والتقرّب من الله

[بعد الحديث عن بعض دروس الصّوم، ومنها التمرُّد على العادات، والصّبر وتربية الوازع الدّينيّ]، الدّرس الرابع الذي نستطيع أن نتعلَّمه، هو أن يكون جوعنا جوعاً واعياً، وعطشنا عطشاً واعياً. إذا جعت وأحسست بالجوع، وربّما ليست عندك فرصة في حياتك أن تحسَّ بالجوع، لأنَّك من النّاس الّذين إذا أرادوا شيئاً وجدوه، إنَّ الله يريد للنَّاس أن يحسُّوا بالجوع ليفكِّروا أنَّ هناك جائعين، ليفهموا لسعات الجوع في مشاعر الجائعين، ليعرفوا معنى الجوع، فإذا عرفوا معنى الجوع وأحسُّوه وذاقوه، استطاعوا أن ينفتحوا على مشكلة الجوع من موقع الحسّ، لا من موقع الفكرة الّتي تبتعد عن الحسّ.

وهكذا، إذا عطشت، فإنّك تفكّر أنَّ هناك أناساً يعطشون ويظمأون، فتفكّر فيهم كيف تحلّ مشكلة جوعهم، وكيف تحلّ مشكلة عطشهم، لأنَّ المشكلة في الكثيرين من الناس، أنّهم لا يصدّقون أنَّ هناك جائعين، لأنّهم لم يعيشوا مشكلة الجوع، ولم يصدِّقوا أنَّ هناك عطاشى، لأنّهم لم يعيشوا مشكلة العطش، وهكذا في كلّ مجالات الحياة الّتي يعيش فيها بعض النّاس الحرمان بطريقةٍ وبأخرى.

هذا هو الجوّ الذي ينبغي لنا أن نعيش فيه مع الصّوم، من أجل أن نعيش التقوى في كلّ مجالاتها العمليّة.

ثمّ قال الله في هذه الأجواء: يا محمّد، قد لا يعرفني عبادي، يا محمّد، قد يسألك عنّي عبادي، لأنّهم لا يعرفون قربي منهم، قد يتصوَّرونني بعيداً عنهم، قد يتصوَّرونني في واقع لا أستجيب لهم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: 186]. لماذا يبتعدون عنّي، لماذا يبتعد عبادي عنّي وقد خلقتهم؟ لماذا يبتعد عبادي عنّي وقد رزقتهم؟ لماذا يبتعد عبادي عنّي وأنا أتعهّدهم؟ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: 16]، لماذا يبتعد عبادي عنّي؛ هل يتصوّرونني بعيداً عنهم هناك في السَّماء؟... {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}، عندما أُناديهم، أكون قريباً أجيب دعوتهم، لماذا لا يدعونني؟ لماذا تقدّمون كلّ دعواتكم وكلّ عروضكم للآخرين من عبادي الّذي يحتاجونني كما تحتاجونني أنتم؟ لماذا تقدِّمون طلباتكم إلى الذين يذلُّونكم وإلى الّذين قد لا يستجيبون لكم؟ أنا ربّكم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186].

هذه هي الروح التي يريد الله لنا أن نعيشها عندما نعيش معه، أن نقترب إليه بكلّ حياتنا وبكلّ آلامنا وبكلّ مشاكلنا وبكلّ قضايانا وبكلّ خطوطنا، أن نجلس بين يديه.

أيُّها الناس، إنّكم تجلسون إلى كلّ الناس من حولكم، فلماذا لا تجلسون إلى ربّكم وقد دعاكم إلى أن تجلسوا إليه؟ إنّكم تتحدَّثون بعضكم إلى بعض حديثاً كثيراً، وتتناجون في ما بينكم مناجاةً كثيرة، فلماذا لا تتحدّثون إلى ربّكم؟ ولماذا لا تناجونه في كلّ ما يهمّكم؟ اجلسوا إلى الله، تعلَّموا محبَّة الله، تعلَّموا أن تكونوا أصدقاء الله، هل غريب أن يكون بشر صديقاً لله {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[النساء: 125]، إبراهيم جعله الله صديقه، لماذا جعله الله صديقه؟ لأنَّ إبراهيم {قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة : 131]، وعندما أسلم لله كلّ حياته، وأعطى لله كلّ وجوده وكلّ ما عنده، اتّخذه الله خليلاً، لأنّه عَرَفَ منه صدق النيّة وصدق العبوديّة وصدق المحبّة في ذلك كلّه.

*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

[بعد الحديث عن بعض دروس الصّوم، ومنها التمرُّد على العادات، والصّبر وتربية الوازع الدّينيّ]، الدّرس الرابع الذي نستطيع أن نتعلَّمه، هو أن يكون جوعنا جوعاً واعياً، وعطشنا عطشاً واعياً. إذا جعت وأحسست بالجوع، وربّما ليست عندك فرصة في حياتك أن تحسَّ بالجوع، لأنَّك من النّاس الّذين إذا أرادوا شيئاً وجدوه، إنَّ الله يريد للنَّاس أن يحسُّوا بالجوع ليفكِّروا أنَّ هناك جائعين، ليفهموا لسعات الجوع في مشاعر الجائعين، ليعرفوا معنى الجوع، فإذا عرفوا معنى الجوع وأحسُّوه وذاقوه، استطاعوا أن ينفتحوا على مشكلة الجوع من موقع الحسّ، لا من موقع الفكرة الّتي تبتعد عن الحسّ.

وهكذا، إذا عطشت، فإنّك تفكّر أنَّ هناك أناساً يعطشون ويظمأون، فتفكّر فيهم كيف تحلّ مشكلة جوعهم، وكيف تحلّ مشكلة عطشهم، لأنَّ المشكلة في الكثيرين من الناس، أنّهم لا يصدّقون أنَّ هناك جائعين، لأنّهم لم يعيشوا مشكلة الجوع، ولم يصدِّقوا أنَّ هناك عطاشى، لأنّهم لم يعيشوا مشكلة العطش، وهكذا في كلّ مجالات الحياة الّتي يعيش فيها بعض النّاس الحرمان بطريقةٍ وبأخرى.

هذا هو الجوّ الذي ينبغي لنا أن نعيش فيه مع الصّوم، من أجل أن نعيش التقوى في كلّ مجالاتها العمليّة.

ثمّ قال الله في هذه الأجواء: يا محمّد، قد لا يعرفني عبادي، يا محمّد، قد يسألك عنّي عبادي، لأنّهم لا يعرفون قربي منهم، قد يتصوَّرونني بعيداً عنهم، قد يتصوَّرونني في واقع لا أستجيب لهم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: 186]. لماذا يبتعدون عنّي، لماذا يبتعد عبادي عنّي وقد خلقتهم؟ لماذا يبتعد عبادي عنّي وقد رزقتهم؟ لماذا يبتعد عبادي عنّي وأنا أتعهّدهم؟ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: 16]، لماذا يبتعد عبادي عنّي؛ هل يتصوّرونني بعيداً عنهم هناك في السَّماء؟... {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}، عندما أُناديهم، أكون قريباً أجيب دعوتهم، لماذا لا يدعونني؟ لماذا تقدّمون كلّ دعواتكم وكلّ عروضكم للآخرين من عبادي الّذي يحتاجونني كما تحتاجونني أنتم؟ لماذا تقدِّمون طلباتكم إلى الذين يذلُّونكم وإلى الّذين قد لا يستجيبون لكم؟ أنا ربّكم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186].

هذه هي الروح التي يريد الله لنا أن نعيشها عندما نعيش معه، أن نقترب إليه بكلّ حياتنا وبكلّ آلامنا وبكلّ مشاكلنا وبكلّ قضايانا وبكلّ خطوطنا، أن نجلس بين يديه.

أيُّها الناس، إنّكم تجلسون إلى كلّ الناس من حولكم، فلماذا لا تجلسون إلى ربّكم وقد دعاكم إلى أن تجلسوا إليه؟ إنّكم تتحدَّثون بعضكم إلى بعض حديثاً كثيراً، وتتناجون في ما بينكم مناجاةً كثيرة، فلماذا لا تتحدّثون إلى ربّكم؟ ولماذا لا تناجونه في كلّ ما يهمّكم؟ اجلسوا إلى الله، تعلَّموا محبَّة الله، تعلَّموا أن تكونوا أصدقاء الله، هل غريب أن يكون بشر صديقاً لله {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[النساء: 125]، إبراهيم جعله الله صديقه، لماذا جعله الله صديقه؟ لأنَّ إبراهيم {قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة : 131]، وعندما أسلم لله كلّ حياته، وأعطى لله كلّ وجوده وكلّ ما عنده، اتّخذه الله خليلاً، لأنّه عَرَفَ منه صدق النيّة وصدق العبوديّة وصدق المحبّة في ذلك كلّه.

*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية