التَّوازن بين الواجبات

التَّوازن بين الواجبات

الإنسان روح وجسد، ولكلّ منهما مطالب وواجبات، وعمليّة التّوازن بين مطالب الاثنين وواجباته تحتاج إلى رويّة وحكمة، وذلك بأن لا نطلق الحريّة والعنان لكلّ منهما في مطالبه، بل يجب أن نقيّد مطالب الجسد بعدم الإضرار والإجحاف بمطالب الرّوح والباقيات الصالحات، ونقيّد مطالب الروح أيضاً بالحرص والمحافظة على مطالب الجسد والطيّبات من الرزق، وبكلمة، أن لا نؤثر أحدهما على حساب الآخر، وبذلك يتحقّق الانسجام والتّرابط في جامع يضمّ مطالب الروح والجسد معاً.

ونضرب مثلاً بقصّة الإمام أمير المؤمنين (ع) مع عاصم بن زيد الحارثي الّذي لبس العباءة وتخلَّى عن الدنيا، فقال له الإمام (ع): "يا عدوَّ نفسه، لقد استهان بك الخبيث ـ الشيطان ـ أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى أنَّ الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذ منها؟ أنت أهون عليه من ذلك".

وقوله (أهون) يتضمَّن الإنكار على من حرَّم على نفسه زينة الله والطيّبات من الرزق، وماذا يصنع الله بزهد الإنسان ورهبنة الرّهبان {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الحجّ: 37).

ومن التقوى أن نعطي كلّ ذي حقّ حقّه، قال الرسول الأعظم (ص): "إنّ لربّك عليكم حقاً، وإنّ لنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعط لكلّ ذي حقّ حقّه". وقال: "ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه.. من طلب الدّنيا مكاثراً مفاخراً، لقي الله وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافاً وصيانةً لنفسه، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر".

أبداً لا فارق وفاصل في دين الإسلام بين العمل للدّنيا والعمل للآخرة، مادام كلّ منهما من أجل حياة أفضل، وإنما الفصل والحدّ بين الحلال والحرام، بين الظّلم والعدل، بين المحاباة والمساواة، بين أن تعيش بكدّ اليمين، وأن تعيش على حساب الآخرين: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة: 229).

ومثل آخر من سنّة الرّسول الأعظم (ص): رأى الصّحابة في ذات يوم شابّاً قوياً يسرع إلى عمله، فقال بعضهم: لو كان هذا في سبيل الله، فردّ النبيّ عليهم وقال: لا تقولوا هذا، "إن كان خرج يسعى على أولاد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان".

هذا السّعي للنفس والآباء والأولاد كلّه لله والآخرة، وإن كان من المصلحة الخاصّة مادامت حلالاً. أرأيت إلى هذا الالتصاق والوفاق بين دنيا الحلال والآخرة، وهل من شيء أقوى في الدّلالة وأوضح على أنّ دين الإسلام هو دين الحياة لا دين المغيّبات فقط؟ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.

بهذا الحديث وبأمثاله من كتاب الله وسنّة نبيّه، وبهذا المنهج السليم في فهم الإسلام، يجب أن نخاطب، نحن حملة الدين ودعاته، الشابّ المثقّف الذي يطالب بتغيير الدّين وتطويره! إنّ قلوبنا وأدمغتنا، نحن المرشدين والمبلّغين، هي التي يجب أن تتغيّر وتتطوّر، وليس الدين الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين.

ولا أدع الكلام، حتى أذكر مثلاً واحداً على فهم أهل البيت (ع) لدين جدّهم رسول الله (ص)، قال رجل للإمام الصّادق (ع): إني أحبّ الدنيا، قال الإمام: "تصنع بها ماذا؟"، قال: أتزوّج منها وأحجّ وأنفق على عيالي وأنيل إخواني. قال الإمام: "ليس هذا من الدّنيا، هذا من الآخرة".

وهكذا ارتفع فهم المعصوم لدين الله وجدّه رسول الله على كلّ فهم. فأيّ شيء يحقّق أملاً من آمال الإنسانيّة، ويخطو بها إلى ما فيه صلاحٌ للنّاس بجهة من الجهات، فهو رضا الله، ومن خير الآخرة وثوابها، وعلى هذا الفهم المعصوم، يجب أن يعرض كلّ تفسير وتأويل لكتاب الله، وكلّ قول أو فعل أو تقرير يُنسب إلى رسول الله (ص)، فما صدّقه وشهد له فهو من الإسلام، وإلا فهو بدعة وزخرف.

*من كتاب "فلسفة الأخلاق في الإسلام".

الإنسان روح وجسد، ولكلّ منهما مطالب وواجبات، وعمليّة التّوازن بين مطالب الاثنين وواجباته تحتاج إلى رويّة وحكمة، وذلك بأن لا نطلق الحريّة والعنان لكلّ منهما في مطالبه، بل يجب أن نقيّد مطالب الجسد بعدم الإضرار والإجحاف بمطالب الرّوح والباقيات الصالحات، ونقيّد مطالب الروح أيضاً بالحرص والمحافظة على مطالب الجسد والطيّبات من الرزق، وبكلمة، أن لا نؤثر أحدهما على حساب الآخر، وبذلك يتحقّق الانسجام والتّرابط في جامع يضمّ مطالب الروح والجسد معاً.

ونضرب مثلاً بقصّة الإمام أمير المؤمنين (ع) مع عاصم بن زيد الحارثي الّذي لبس العباءة وتخلَّى عن الدنيا، فقال له الإمام (ع): "يا عدوَّ نفسه، لقد استهان بك الخبيث ـ الشيطان ـ أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى أنَّ الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذ منها؟ أنت أهون عليه من ذلك".

وقوله (أهون) يتضمَّن الإنكار على من حرَّم على نفسه زينة الله والطيّبات من الرزق، وماذا يصنع الله بزهد الإنسان ورهبنة الرّهبان {وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الحجّ: 37).

ومن التقوى أن نعطي كلّ ذي حقّ حقّه، قال الرسول الأعظم (ص): "إنّ لربّك عليكم حقاً، وإنّ لنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعط لكلّ ذي حقّ حقّه". وقال: "ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه.. من طلب الدّنيا مكاثراً مفاخراً، لقي الله وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافاً وصيانةً لنفسه، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر".

أبداً لا فارق وفاصل في دين الإسلام بين العمل للدّنيا والعمل للآخرة، مادام كلّ منهما من أجل حياة أفضل، وإنما الفصل والحدّ بين الحلال والحرام، بين الظّلم والعدل، بين المحاباة والمساواة، بين أن تعيش بكدّ اليمين، وأن تعيش على حساب الآخرين: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة: 229).

ومثل آخر من سنّة الرّسول الأعظم (ص): رأى الصّحابة في ذات يوم شابّاً قوياً يسرع إلى عمله، فقال بعضهم: لو كان هذا في سبيل الله، فردّ النبيّ عليهم وقال: لا تقولوا هذا، "إن كان خرج يسعى على أولاد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان".

هذا السّعي للنفس والآباء والأولاد كلّه لله والآخرة، وإن كان من المصلحة الخاصّة مادامت حلالاً. أرأيت إلى هذا الالتصاق والوفاق بين دنيا الحلال والآخرة، وهل من شيء أقوى في الدّلالة وأوضح على أنّ دين الإسلام هو دين الحياة لا دين المغيّبات فقط؟ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.

بهذا الحديث وبأمثاله من كتاب الله وسنّة نبيّه، وبهذا المنهج السليم في فهم الإسلام، يجب أن نخاطب، نحن حملة الدين ودعاته، الشابّ المثقّف الذي يطالب بتغيير الدّين وتطويره! إنّ قلوبنا وأدمغتنا، نحن المرشدين والمبلّغين، هي التي يجب أن تتغيّر وتتطوّر، وليس الدين الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين.

ولا أدع الكلام، حتى أذكر مثلاً واحداً على فهم أهل البيت (ع) لدين جدّهم رسول الله (ص)، قال رجل للإمام الصّادق (ع): إني أحبّ الدنيا، قال الإمام: "تصنع بها ماذا؟"، قال: أتزوّج منها وأحجّ وأنفق على عيالي وأنيل إخواني. قال الإمام: "ليس هذا من الدّنيا، هذا من الآخرة".

وهكذا ارتفع فهم المعصوم لدين الله وجدّه رسول الله على كلّ فهم. فأيّ شيء يحقّق أملاً من آمال الإنسانيّة، ويخطو بها إلى ما فيه صلاحٌ للنّاس بجهة من الجهات، فهو رضا الله، ومن خير الآخرة وثوابها، وعلى هذا الفهم المعصوم، يجب أن يعرض كلّ تفسير وتأويل لكتاب الله، وكلّ قول أو فعل أو تقرير يُنسب إلى رسول الله (ص)، فما صدّقه وشهد له فهو من الإسلام، وإلا فهو بدعة وزخرف.

*من كتاب "فلسفة الأخلاق في الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية