التَّحذير من الشَّيطان واللّجوء إلى الله

التَّحذير من الشَّيطان واللّجوء إلى الله

... ثمّ يتوجَّه الخطاب لآدم (عليه السلام): {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19]. خذْ حرّيتك أنتَ وزوجك، اذهب أينما تشاء فيها، اشرب من أيّ ينبوع، كُلْ من ثمر كلِّ شجرة {وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، فقط هذه الشجرة لا تقرب منها أبداً، حتّى لا تكون أنتَ وحوّاء من الذين يظلمون أنفسهم بالخروج من الجنّة.

ولأنَّ آدم (عليه السلام) لم يكن يملك التّجربة، ولم يكن يعرف أن يراوغ أو يكذب أو يخدع، فلقد نسي أمر الله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} فلا يمكن لآدم أن يُقدم على معصية الله وهو مدركٌ للمسألة من جميع جهاتها {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْم}[طه: 115]، ليست لديه إرادة في هذا الموضوع، بحيث يعزم عزماً قويّاً للإقدام عليه {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: 20] كانا يسيران في الجنّة عاريين، وكان لا يخطر في بالهما أيُّ شيء حول هذه المسألة، لأنَّهما كانا يعيشان الطهارة المطلقة في فكرهما وجسديهما، لذلك لم يكن عندهما أيّ إحساس غير طبيعيّ بالنّسبة لسوءاتهما، فأتى إبليس ليعقِّد لهما حياتهما من خلال ما أقدما عليه من أكل ثمرة الشّجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، حيث أقدما على هذا الفعل، لا من منطلق التمرّد على الله سبحانه، بل لنقصان في التّجربة عندهما {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، فزيَّن لهما أنَّ الذي يأكل من هذه الشّجرة لا يموت أبداً، بل يبقى خالداً، أو يصير مَلَكاً يطير بجناحيه.

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: 21]، وإنّي أُسدي لكما النصح بذلك، لأنَّ الله يريد لكما أن تبقيا بشراً، وباستطاعتكما أن تكونا ملائكة، وأن تخلدا حيث لا يزحف الموت إليكما {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}[الأعراف: 22] غرّهما وخدعهما وجعلهما يميلان للسّقوط، فلمّا أكلا من الشجرة، التفتا إلى الجوّ الجديد {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}. وهنا شعرا بالحياء من العري، وصارا يغطّيان سوءاتهما من أوراق شجر الجنَّة، ويناديهما ربُّهما مذكِّراً بنهيه لهما عن عدم الرّضوخ لتسويلات إبليس.

{إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، ولكنّهما كانا طَيّبَيْن مؤمنين، لم ينطلقا في مخالفة أمر الله من موقع تمرّد، ولكن من حالة غفلة ونسيان وخديعة من إبليس. وهذا ما جاء في دعاء أبي حمزة الثّمالي: "إلهي ما عصيتك إذ عصيتك وأنا بربوبيّتك جاحدٌ، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا بأمرك مستخفّ، ولا لوعيدك متهاون، ولكنْ خطيئةٌ عَرَضت وسوَّلت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانتني عليها شقوتي، وغرَّني سترُك المُرْخَى عليَّ، فقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً مَنْ يخلّصني، وبحبلِ مَنْ أتّصل إنْ أنتَ قطعتَ حبلك عنّي". هذا لسان حال المؤمن الذي قد يقع في بعض المعاصي، مخالفاً أوامر مولاه، لا عن تمرّد وكِبْر، بل عن حالة طارئة، سرعان ما يعود إلى ربِّه خائفاً وتائباً.

اللّجوء إلى الله

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: 23]، نسينا، فظلمنا أنفسنا، فوقعنا في التّجربة الصّعبة، ونطلب منك المغرفة والرّحمة، لأنْ ليس هناك مَن يغفر لنا غيرك، وليس هناكَ مَن يرحمنا إلاّ أنت، وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. ويطلب الله منهما ومن إبليس أن يخرجوا جميعاً من الجنّة {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأعراف: 24] فإبليس هبط بالتكبّر، وأنتما هبطتما بالمعصية، ومعصيتهما كما يقول علماء الكلام، ليست معصية دينيّة، وهي معصية تسمَّى بمعصية النَّهْي الإرشادي.

والله تعالى أراد لآدم (عليه السلام) أن يكون خليفة في الأرض، فأُدخل في هذه التجربة ليعيشها، حتَّى عندما ينزل إلى الأرض، يكون عنده وعي التجربة في مقابل الآخر.

وفي الأرض، برزت العداوة بين الإنسان والشّيطان، حيث حذَّر الله تعالى من مكائده {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّ}[فاطر: 6]. ويبدأ الصّراع {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة: 36]، كلّ واحد له عمرٌ معيَّن سيعيشه على هذه الأرض {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: 25].

وينتقل الخطاب الإلهيّ من آدم وحوّاء إلينا نحن بني آدم، فمن الأرض وترابها خُلقنا، وفيها موتنا، ومنها نُبعث من جديد في يوم القيامة {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف: 26]، هيّأ لكم من الصّوف والقطن وما شابه ما تصنعون به لباسكم الّذي يستر عوراتكم.

وإذا كان هذا اللّباس يواري عورات الجسد ويسترها، فهناك لباسٌ يواري عورات الرّوح وعورات الدّاخل في النفس، فيواريها ويسترها.. وما هو إلاّ لباس التّقوى {ذَلِكَ خَيْرٌ}، إنّه خير لباس، فكما تهتمّ بلباسك وثيابك، كيف تفصِّلها وتنظِّفها، اهتمّ بلباس التقوى، حتّى يكون عقلك تقيّاً، وعاطفتك تقيّة، ومواقفك تتحرّك في مجال التقوى.. إنَّك تحتاج إلى اللّباس الخارجيّ ليقيك من البرد والحرّ، وبحاجةٍ أكبر إلى لباس التَّقوى الذي يقيك من النَّار وغضب الجبَّار {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ} التي أنزلها على رُسُله {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، فيُخرِجون أنفسهم من الغفلة والنسيان، ويتذكّرون نِعَم الله وما أمرهم به ونهاهم عنه.

*"من كتاب "عرفان القرآن".

... ثمّ يتوجَّه الخطاب لآدم (عليه السلام): {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19]. خذْ حرّيتك أنتَ وزوجك، اذهب أينما تشاء فيها، اشرب من أيّ ينبوع، كُلْ من ثمر كلِّ شجرة {وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، فقط هذه الشجرة لا تقرب منها أبداً، حتّى لا تكون أنتَ وحوّاء من الذين يظلمون أنفسهم بالخروج من الجنّة.

ولأنَّ آدم (عليه السلام) لم يكن يملك التّجربة، ولم يكن يعرف أن يراوغ أو يكذب أو يخدع، فلقد نسي أمر الله {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} فلا يمكن لآدم أن يُقدم على معصية الله وهو مدركٌ للمسألة من جميع جهاتها {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْم}[طه: 115]، ليست لديه إرادة في هذا الموضوع، بحيث يعزم عزماً قويّاً للإقدام عليه {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: 20] كانا يسيران في الجنّة عاريين، وكان لا يخطر في بالهما أيُّ شيء حول هذه المسألة، لأنَّهما كانا يعيشان الطهارة المطلقة في فكرهما وجسديهما، لذلك لم يكن عندهما أيّ إحساس غير طبيعيّ بالنّسبة لسوءاتهما، فأتى إبليس ليعقِّد لهما حياتهما من خلال ما أقدما عليه من أكل ثمرة الشّجرة التي نهاهما الله عن الاقتراب منها، حيث أقدما على هذا الفعل، لا من منطلق التمرّد على الله سبحانه، بل لنقصان في التّجربة عندهما {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، فزيَّن لهما أنَّ الذي يأكل من هذه الشّجرة لا يموت أبداً، بل يبقى خالداً، أو يصير مَلَكاً يطير بجناحيه.

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: 21]، وإنّي أُسدي لكما النصح بذلك، لأنَّ الله يريد لكما أن تبقيا بشراً، وباستطاعتكما أن تكونا ملائكة، وأن تخلدا حيث لا يزحف الموت إليكما {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}[الأعراف: 22] غرّهما وخدعهما وجعلهما يميلان للسّقوط، فلمّا أكلا من الشجرة، التفتا إلى الجوّ الجديد {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}. وهنا شعرا بالحياء من العري، وصارا يغطّيان سوءاتهما من أوراق شجر الجنَّة، ويناديهما ربُّهما مذكِّراً بنهيه لهما عن عدم الرّضوخ لتسويلات إبليس.

{إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، ولكنّهما كانا طَيّبَيْن مؤمنين، لم ينطلقا في مخالفة أمر الله من موقع تمرّد، ولكن من حالة غفلة ونسيان وخديعة من إبليس. وهذا ما جاء في دعاء أبي حمزة الثّمالي: "إلهي ما عصيتك إذ عصيتك وأنا بربوبيّتك جاحدٌ، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا بأمرك مستخفّ، ولا لوعيدك متهاون، ولكنْ خطيئةٌ عَرَضت وسوَّلت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانتني عليها شقوتي، وغرَّني سترُك المُرْخَى عليَّ، فقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً مَنْ يخلّصني، وبحبلِ مَنْ أتّصل إنْ أنتَ قطعتَ حبلك عنّي". هذا لسان حال المؤمن الذي قد يقع في بعض المعاصي، مخالفاً أوامر مولاه، لا عن تمرّد وكِبْر، بل عن حالة طارئة، سرعان ما يعود إلى ربِّه خائفاً وتائباً.

اللّجوء إلى الله

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: 23]، نسينا، فظلمنا أنفسنا، فوقعنا في التّجربة الصّعبة، ونطلب منك المغرفة والرّحمة، لأنْ ليس هناك مَن يغفر لنا غيرك، وليس هناكَ مَن يرحمنا إلاّ أنت، وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. ويطلب الله منهما ومن إبليس أن يخرجوا جميعاً من الجنّة {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأعراف: 24] فإبليس هبط بالتكبّر، وأنتما هبطتما بالمعصية، ومعصيتهما كما يقول علماء الكلام، ليست معصية دينيّة، وهي معصية تسمَّى بمعصية النَّهْي الإرشادي.

والله تعالى أراد لآدم (عليه السلام) أن يكون خليفة في الأرض، فأُدخل في هذه التجربة ليعيشها، حتَّى عندما ينزل إلى الأرض، يكون عنده وعي التجربة في مقابل الآخر.

وفي الأرض، برزت العداوة بين الإنسان والشّيطان، حيث حذَّر الله تعالى من مكائده {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّ}[فاطر: 6]. ويبدأ الصّراع {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة: 36]، كلّ واحد له عمرٌ معيَّن سيعيشه على هذه الأرض {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: 25].

وينتقل الخطاب الإلهيّ من آدم وحوّاء إلينا نحن بني آدم، فمن الأرض وترابها خُلقنا، وفيها موتنا، ومنها نُبعث من جديد في يوم القيامة {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف: 26]، هيّأ لكم من الصّوف والقطن وما شابه ما تصنعون به لباسكم الّذي يستر عوراتكم.

وإذا كان هذا اللّباس يواري عورات الجسد ويسترها، فهناك لباسٌ يواري عورات الرّوح وعورات الدّاخل في النفس، فيواريها ويسترها.. وما هو إلاّ لباس التّقوى {ذَلِكَ خَيْرٌ}، إنّه خير لباس، فكما تهتمّ بلباسك وثيابك، كيف تفصِّلها وتنظِّفها، اهتمّ بلباس التقوى، حتّى يكون عقلك تقيّاً، وعاطفتك تقيّة، ومواقفك تتحرّك في مجال التقوى.. إنَّك تحتاج إلى اللّباس الخارجيّ ليقيك من البرد والحرّ، وبحاجةٍ أكبر إلى لباس التَّقوى الذي يقيك من النَّار وغضب الجبَّار {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ} التي أنزلها على رُسُله {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}، فيُخرِجون أنفسهم من الغفلة والنسيان، ويتذكّرون نِعَم الله وما أمرهم به ونهاهم عنه.

*"من كتاب "عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية