في الخطبة الدينية بتاريخ 21/12/2001، تحدث العلامة المرجع السيد من حسين فضل
الله (رض) عن مواصفات الذين يحبهم الله تعالى والذين يبغضهم ، فالذين يحبهم تعالى
ويقرّبهم إليه هم المحسنون المنفقون التوّابون والمتطهّرون، والذين يعدلون مع الناس
المجاهدون في سبيل الله تعالى، أما الذين لا يحبّهم تعالى ولا يرضى عنهم، فهم
الظالمون المعتدون على حقوق الناس وكراماتهم، المرابون الذين يتاجرون بلقمة الناس،
والذين يسعون في الأرض فساداً، المتكبرون المتجبّرون.
يقول سماحته:
"نأتي إلى الذين يحبّهم الله {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، أحسن إلى الناس في مالك، في عملك، في جاهك، في كل
ما يحتاجه الناس منك في حياتهم مما تستطيع أن تعطيهم إياه، ولو بأن تدخل الفرح إلى
قلوبهم الحزينة، وأن تزرع البسمة على شفاههم الكئيبة، وما إلى ذلك.
{إن الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين}، فإذا عصيت الله، فتذكر أن تتوب إلى
الله من معصيتك، فإن الله يحبّك، لأنه سبحانه يحبّ الإنسان الذي إذا عصا استغفر
وتاب عن معصيته، وصمّم على إطاعة الله في ما يستقبل من عمره.
ويحب المتطهرين الذين يأخذون بأسباب الطهارة الروحية، والطهارة الجسدية، {بلى من
أوفى بعهده واتّقى فإن الله يحب المتقين}، {وكأيِّن من نبي قاتل معه ربيّون كثيرون}،
هؤلاء الذين انفتحوا على ربهم {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما
استكانوا} وجاهدوا في سبيله.
والله يحبّ الصّابرين، إذا كنت تريد أن تكون ممن يحبّهم الله، عليك أن تصبر على
بلاء الله، فلا تجزع، أو أن تصبر على الجهد في طاعة الله، لكي لا تبتعد عن مواقع
طاعته، وأن تكون الصّابر في الإحساس بالحرمان عندما تبتعد عن معصية الله، وتترك ما
حرّم الله مما تشتهيه.
وهكذا نرى أنّ الله سبحانه وتعالى يخاطب النبيّ (ص) ليقيِّم ويقدر أخلاقيّته مع
الناس، لأنه كان طيب القلب وليّن اللّسان {فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ولو كنت
فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا
عزمت فتوكّل على الله إن الله يحب المتوكلين}. والتوكل على الله هو أن تقوم بكل ما
تستطيع أن توفره من شروط عملك، ثم إذا خفت من المستقبل، كأن تحدث بعض الطوارئ التي
تبطل عملك أو تجلب لك بعض الخسارة، فقل يا ربّ توكلت عليك. وقد ورد في الحديث: "المتوكلون
هم الزارعون"، كما الفلاح الذي يقوم بما عليه من فلاحة الأرض وزراعتها والاعتناء
بها ويتوكل على الله. ولذلك، فإن التوكل على الله يختلف عن الاتكالية، كأن يجلس
الإنسان في البيت ويريد أن يأتيه الرزق إلى البيت.
{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ الله يحبّ المقسطين}، أي العادلين، والعدل هو أن
يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، والله سبحانه وتعالى جعل العدل مطلقاً، {وإذا قلتم فاعدلوا
ولو كان ذا قربى}، أي قل كلمة الحقّ حتى ولو كانت ضدّ أقربائك: {يا أيها الذين
آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، ثم
يبيّن الله سبحانه وتعالى طبيعة العلاقة حتى مع الأعداء: {ولا يجرمنّكم شنآن قوم
على ألاّ تعدلوا ـ مع أعدائكم ـ اعدلوا هو أقرب للتّقوى}. وهكذا نقرأ أيضاً {إنّ
الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص}، الله يريد للأمّة أن
تجمّد كلّ خلافاتها، وأن تتوحّد إذا دخلت المعركة ضدّ أعدائها الذين يريدون إسقاطها.
ويقول الإمام زين العابدين (ع): "إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين" من خلال ذنوبه، وحزين
في الابتهال إلى الله، "ويحبّ كلّ عبد شكور"، يشكر لله ويشكر للنّاس. ويقول الإمام
الباقر (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الحيِي الحليم"، الإنسان الذي يستحي من القبيح،
والحليم الذي يوسّع صدره ويعفو عن النّاس.
وعن النبي (ص) قال: "ثلاث يحبّهم الله عزّ وجلّ: رجل قام من اللّيل يتلو كتاب الله،
ورجل تصدّق صدقة بيمينه فيخفيها عن شماله ـ صدقة السر ـ ورجل كان في سرية ـ معركة ـ
فانهزم أصحابه فاستقبل العدوّ".
من لا يحبهم الله:
أما الذين لا يحبهم الله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن
الله لا يحب المعتدين}، لا تكن المعتدي، والاعتداء هو أن تتصرف مع كل إنسان بما لا
حقّ لك فيه، كأن تعذبه أو تشتمه وما إلى ذلك.
{يمحق الله الرّبا ـ أي أنّ الرّبا يزول ـ ويربي الصّدقات}، ينمي هذه الصّدقات. وقد
ورد أنّ الله يربي للمتصدّق صدقته كما يربي أحدكم فصيله حتى تصير كالجبل العظيم،
وفي ذلك يقول تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع
سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء}.
{والله لا يحبّ كل كفّار أثيم} {وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفّيهم أجورهم
والله لا يحب الظالمين}، والظالم هو كلّ إنسان يتصرّف مع الآخر أو حتى مع نفسه بما
لا حقّ له فيه.
وقد ورد في الحديث عن عليّ (ع): "الظلم ثلاثة: ظلم يُغفر، وظلم لا يُغفر، وظلم
مطلوب لا يُترك. أمّا الظلم الذي يُغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات ـ الصغائر ـ
وأما الظلم الذي لا يُغفر فالشرك في الله ـ {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء}. وجاء في القرآن عندما يوحي لقمان لابنه {يا بنيّ لا تشرك بالله
إن الشرك لظلم عظيم} ـ أمّا الظلم الذي لا يُترك، فظلم العباد بعضهم بعضاً". ثم
يقول الإمام (ع): "القصاص هناك ـ يوم القيامة ـ شديد، ليس جرحاً بالمدى ـ السّكاكين
ـ ولا ضرباً بالسّياط ـ ظهر العاري ـ ولكنّه ما يستصغر ذلك معه".
تنام عينك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ
"إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله"، "ظلم الضّعيف أفحش الظلم". {ولا
تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً}، {إن الله لا
يحب من كان مختالاً فخوراً}، أي الإنسان المتكبر المتجبر، حيث يقول تعالى: {ولا
تصعّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً}.
وهكذا {والله لا يحبّ المفسدين} الّذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها {إنّه لا يحب
المسرفين}، الّذين يسرفون أموالهم ويبذّرونها، فيصرفونها بغير مواردها الطبيعيّة، {لا
يحب الله الجهر بالسوء من القول} الذين يغتابون الناس ويشتمونهم ويوجهون إليهم
الكلام الفاحش البذيء {إلا من ظلم}.
وعن الإمام الصادق (ع): "ألا وإنّ أحبّ المؤمنين إلى الله، مَن أعان المؤمن الفقير
من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ورفع المكروه عن المؤمنين"، بالرأي أو
بالجاه أو بالمال وما إلى ذلك.
ويقول الإمام الصادق (ع) في حديثٍ آخر: "أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ، رجل صدوق
في حديثه ـ لا يكذب ـ محافظ على صلاته ـ لا يستهين بها ـ وما افترض الله عليه مع
أداء الأمانة".
وعن النبيّ (ص): "يقول الله تبارك وتعالى: إنّ أحبّ العباد إليّ المتحابون من أجلي،
المتعلّقة قلوبهم بالمساجد ـ من أجل عبادة الله ـ والمستغفرون بالأسحار، أولئك إذا
أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم".
وهكذا، إنّ أحبّكم إلى الله جلّ ثناؤه، أكثركم ذكراً لله، وأكرمكم عند الله وأتقاكم
له، وهكذا يقول: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على
أهل بيت سروراً". وقد سُئِل رسول الله (ص): من أحب الناس إلى الله، قال: "أنفع
الناس للناس"، والإمام الصادق (ع) يقول: قال الله عزّ وجلّ: "الخلق عيالي، فأحبّهم
إليّ ألطفهم بهم".
وهكذا، أيّها الأحبّة، يريد الله منا أن نخلص له، وأن نحبّه في طاعتنا له، وترك
معصيته، وأن نحبّه في أن نفجر كلّ طاقاتنا في نفع الناس، سواء كانت في المال أو
العلم أو السلطة أو الجاه أو ما إلى ذلك، ليكون الإنسان خيراً وبركةً للناس. وقد
ورد في تفسير لقول السيد المسيح (ع) في ما نسبه الله له في كتابه: {وجعلني مباركاً
أينما كنت}، أي نفّاعاً للناس.
تعالوا أيّها الأحبّة، لنودع طاقاتنا في الحياة، ولا ندعها تموت معنا، لنعطي من هو
بحاجة إلى هذه الطاقات، ولنقرأ قوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا
والباقيات الصالحات ـ من أعمالك ـ خير عند ربّك ثواباً وخيرٌ أملاً} {وما تقدّموا
لأنفسكم من خير تجدوه عند الله}. فلنعمل لله حتى نلاقي عملنا عنده {وقل اعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}".