جهاد النّفس.. أكبر الجهاد

جهاد النّفس.. أكبر الجهاد

أوَّل جهادٍ يريده الله من الإنسان ـ وهو أكبر الجهاد ـ جهاد النَّفس؛ أن يدرس كلَّ نفسه، ويتعرَّف ما فيها من عناصر الحقّ والخير وعناصر الباطل والشّرّ، فإنَّ الإنسان ـ كلّ إنسان منَّا ـ عندما يبدأ طفولته، فهناك أشياء يرثها في أصل تكوينه من أجداده وآبائه، وهناك أشياء يرثها من بيئته.

ففي الطّفولة، نختزن أشياء كثيرة تدخل إلى عقولنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وعاداتنا، لا نعرف كيف دخلت، فقد يمتصّ الطّفل شيئاً من عادات أبيه أو أمّه، أو من الأطفال الّذين يلعب معهم، وقد يمتصّ شيئاً من الأفكار الّتي يسمعها من أبيه أو أمِّه أو مَنْ حولهما، وقد يمتصّ شيئاً من الأفكار والأحاسيس والمشاعر، من خلال ما يشاهده في التّلفزيون، أو ما يسمعه في الإذاعة، أو ما إلى ذلك.

وهكذا، عندما ينطلق الإنسان في مرحلة الشّباب، وللشابّ رفاقه وأصدقاؤه وملاعبه ومجالاته في الحياة، يأخذ من هذا فكرة، ومن ذاك طبعاً، ومن هذا عادةً، وما إلى ذلك، وهكذا تزحف الكثير من الأفكار الّتي نقرأها أو نـسمعها أو نعيشها. والكثير من العادات الموجودة في مجتمعاتنا، تزحف إلينا من دون اختيار، فنشعر بأنَّنا نفكّر بطريقة لم يكن لنا خيار فيها، ولكنّنا تأثّرنا بها.

هنا، يريد الله للإنسان أن يدرس نفسه دائماً قبل أن تنظر عيناه إلى ما عند الآخرين، وقبل أن يتوجَّه فكره إلى ما عندهم، لذلك سلّط ـ أيّها الإنسان ـ عين عقلك على كلِّ ما في عقلك من أفكار الخير والشّرّ، والحقّ والباطل، والعدل والظّلم، وسلّط عين قلبك على كلِّ ما في قلبك من عواطف الحبِّ والبغض، وعواطف الخير والشرّ، وسلِّط عين ذاتك على كلِّ ما تعتاده من أعمالٍ وحركاتٍ، وما تطلقه من كلمات، فإذا رأيت أنَّ هناك شرّاً يرقد في عقلك، وباطلاً يعيش في فكرك، وإحساساً خبيثاً يعيش في قلبك، وعادةً سيّئةً تسيطر على حياتك، أو أعمالاً شـرّيرة تتحرَّك في طاقاتك، فحاول أن تجاهد نفسك، وتجعل منها شيئاً آخر، كما لو كانت عدوّاً تجاهده، أو شـخصاً يريد أن يقتلك لتدافع عن نفسك، لأنَّه ليس هناك فرقٌ بين النّـاس الذين يهجمون علينا ليقتلونا جسديّاً، ومن يهجم علينا ليقتلنا روحيّاً ودينيّاً من أجل أن يُســقط روحنا ويفقدنا ديننا.

ونحن نعرف أنّنا نُحشَر إلى الله بما نملك من روحٍ تنفتح عليه سبحانه، وأنّنا نقف بين يدي الله من خلال هذا الدِّين الّذي أرادنا الله أن نجعل حياتنا من أجله.

لذلك، قد يغلبكم النّاس على دينكم ويضيّعون روحكم، وقد يتحرّك الكثيرون من أصدقائكم وأقربائكم ليستغلّوا عاطفة الصّداقة والقرابة، ليكيدوا لكم، وليوجِّهوكم في الطريق التي لا يريدها الله.

لذلك، اجلسوا مع أنفسكم ساعةً أو ساعتين، وافحصوها فحص الطَّبيب للمريض، وحاولوا أن تكتشفوا المرض في بداياته قبل أن يتأكَّد فلا تستطيعوا لعلاجه سبـيلاً.

ومن هنا، إنكم عندما تجاهدون أنفسكم، فإنّكم تربحونها، أمّا إذا تركتموها على هواها وأهملتموها وجعلتموها تخوض مع الخائضين وتركض مع الرّاكضين، إلى أين؟ لا تدرون إلى أيـن! فإنَّ التيّار يحملكم من موجةٍ إلى موجة، والأوضاع تندفع بكم إلى هذا وإلى ذاك، وأنتم لا تدرون ولا تعرفون أين الشّاطئ، فلا بدَّ لنا إذا حملتنا أمواج الضَّلال والفسق والفجور والباطل ـ سواء كان باطلاً في العقيدة أو الشّريعة أو السّياسة ـ من أن نسبح ونسبح ونسبح حتى نبلغ الشّاطئ، لأنّ الّذي لا يبلغه، سوف تأخذه الأمواج إلى الأعماق، والأعماق هنا نار جهنّم، وليست عمق البحر.

*من أرشيف خطب الجمعة العام 1997.

أوَّل جهادٍ يريده الله من الإنسان ـ وهو أكبر الجهاد ـ جهاد النَّفس؛ أن يدرس كلَّ نفسه، ويتعرَّف ما فيها من عناصر الحقّ والخير وعناصر الباطل والشّرّ، فإنَّ الإنسان ـ كلّ إنسان منَّا ـ عندما يبدأ طفولته، فهناك أشياء يرثها في أصل تكوينه من أجداده وآبائه، وهناك أشياء يرثها من بيئته.

ففي الطّفولة، نختزن أشياء كثيرة تدخل إلى عقولنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وعاداتنا، لا نعرف كيف دخلت، فقد يمتصّ الطّفل شيئاً من عادات أبيه أو أمّه، أو من الأطفال الّذين يلعب معهم، وقد يمتصّ شيئاً من الأفكار الّتي يسمعها من أبيه أو أمِّه أو مَنْ حولهما، وقد يمتصّ شيئاً من الأفكار والأحاسيس والمشاعر، من خلال ما يشاهده في التّلفزيون، أو ما يسمعه في الإذاعة، أو ما إلى ذلك.

وهكذا، عندما ينطلق الإنسان في مرحلة الشّباب، وللشابّ رفاقه وأصدقاؤه وملاعبه ومجالاته في الحياة، يأخذ من هذا فكرة، ومن ذاك طبعاً، ومن هذا عادةً، وما إلى ذلك، وهكذا تزحف الكثير من الأفكار الّتي نقرأها أو نـسمعها أو نعيشها. والكثير من العادات الموجودة في مجتمعاتنا، تزحف إلينا من دون اختيار، فنشعر بأنَّنا نفكّر بطريقة لم يكن لنا خيار فيها، ولكنّنا تأثّرنا بها.

هنا، يريد الله للإنسان أن يدرس نفسه دائماً قبل أن تنظر عيناه إلى ما عند الآخرين، وقبل أن يتوجَّه فكره إلى ما عندهم، لذلك سلّط ـ أيّها الإنسان ـ عين عقلك على كلِّ ما في عقلك من أفكار الخير والشّرّ، والحقّ والباطل، والعدل والظّلم، وسلّط عين قلبك على كلِّ ما في قلبك من عواطف الحبِّ والبغض، وعواطف الخير والشرّ، وسلِّط عين ذاتك على كلِّ ما تعتاده من أعمالٍ وحركاتٍ، وما تطلقه من كلمات، فإذا رأيت أنَّ هناك شرّاً يرقد في عقلك، وباطلاً يعيش في فكرك، وإحساساً خبيثاً يعيش في قلبك، وعادةً سيّئةً تسيطر على حياتك، أو أعمالاً شـرّيرة تتحرَّك في طاقاتك، فحاول أن تجاهد نفسك، وتجعل منها شيئاً آخر، كما لو كانت عدوّاً تجاهده، أو شـخصاً يريد أن يقتلك لتدافع عن نفسك، لأنَّه ليس هناك فرقٌ بين النّـاس الذين يهجمون علينا ليقتلونا جسديّاً، ومن يهجم علينا ليقتلنا روحيّاً ودينيّاً من أجل أن يُســقط روحنا ويفقدنا ديننا.

ونحن نعرف أنّنا نُحشَر إلى الله بما نملك من روحٍ تنفتح عليه سبحانه، وأنّنا نقف بين يدي الله من خلال هذا الدِّين الّذي أرادنا الله أن نجعل حياتنا من أجله.

لذلك، قد يغلبكم النّاس على دينكم ويضيّعون روحكم، وقد يتحرّك الكثيرون من أصدقائكم وأقربائكم ليستغلّوا عاطفة الصّداقة والقرابة، ليكيدوا لكم، وليوجِّهوكم في الطريق التي لا يريدها الله.

لذلك، اجلسوا مع أنفسكم ساعةً أو ساعتين، وافحصوها فحص الطَّبيب للمريض، وحاولوا أن تكتشفوا المرض في بداياته قبل أن يتأكَّد فلا تستطيعوا لعلاجه سبـيلاً.

ومن هنا، إنكم عندما تجاهدون أنفسكم، فإنّكم تربحونها، أمّا إذا تركتموها على هواها وأهملتموها وجعلتموها تخوض مع الخائضين وتركض مع الرّاكضين، إلى أين؟ لا تدرون إلى أيـن! فإنَّ التيّار يحملكم من موجةٍ إلى موجة، والأوضاع تندفع بكم إلى هذا وإلى ذاك، وأنتم لا تدرون ولا تعرفون أين الشّاطئ، فلا بدَّ لنا إذا حملتنا أمواج الضَّلال والفسق والفجور والباطل ـ سواء كان باطلاً في العقيدة أو الشّريعة أو السّياسة ـ من أن نسبح ونسبح ونسبح حتى نبلغ الشّاطئ، لأنّ الّذي لا يبلغه، سوف تأخذه الأمواج إلى الأعماق، والأعماق هنا نار جهنّم، وليست عمق البحر.

*من أرشيف خطب الجمعة العام 1997.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية