ثبات السَّحرة في وجه فرعون

ثبات السَّحرة في وجه فرعون

نواصل الحديث عن تجربة النّبيّ موسى(ع)، وما تركه من أثرٍ كبيرٍ في الجولة الأولى من المواجهة مع فرعون وحكمه.

فرعون يعيش وقع الصَّدمة

كان إيمان السَّحرة بالله بعد طرح النبيّ موسى الآية الكبرى، صدمةً عنيفةً لفرعون أسقطت جبروته السّلطويّ أمام الجماهير الغفيرة الّتي حشدها في ساحة التحدّي، ليشهدوا انتصاره على موسى، فكانت المفاجأة أنهم شهدوا هزيمته. ولقد حاول أن يغطّي سقوطه السَّاحق بالاتّجاه إلى تهديد السَّحرة واتهامهم بالتّبعيَّة للنبيّ موسى، وبأنّه ربما كان هو المعلّم الّذي تلمّذوا عليه، وأنّ هناك مؤامرة خبيثة ضدّه، فلم يكن ـ في منطقه التبريري للهزيمة ـ يعتبر أنَّ هناك فريقين في المعركة، بل كان يرى أنّ هناك فريقاً واحداً، وهو فريق موسى والسّحرة، يقف ضدّه.

وهكذا، بدأ حديثه معهم بتوجيه تهمة التمرّد على الشّرعيّة القانونيّة الّتي يعتبرها ممثَّلةً به، والتي تقتضي منهم الالتزام بأوامره ونواهيه، فليس لأحدٍ أن يقوم بأيِّ عمل أو يتّخذ أيّ موقف إلا بإذنه، ولا سيّما هؤلاء السّحرة الّذين يمثّلون القوّة الفاعلة المرتبطة بسلطته الشرعيّة، والسّائرة في مواقع حركته في معارك التحدّي الّتي يبحث فيها عن انتصارات ضدّ أعدائه، وهذا ما خاطب به هؤلاء: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}، فكيف فعلتم ذلك؟ إنَّها الجرأة على الإله السيِّد العظيم ـ وهو فرعون نفسه ـ الَّذي لا يجوز لأحد،ٍ مهما كانت رتبته، أن يقوم بأيِّ عملٍ أو يعلن أيَّ موقف يتعلّق بنفسه أو بالآخرين، إلا بعد أن يحصل على موافقته، فهو الّذي يحدّد لهم ما يصلح حياتهم أو يفسدها، لأنّه هو الّذي يعرف ما لا يعرفونه من أمور الحياة.

ثمَّ حاول أن يغطّي فشله وضعفه، وأن يمنع النّاس من التأثّر بموقف السَّحرة الإيماني أمام موسى(ع)، فعمل على تصوير المسألة بصورة الحالة التآمريَّة الخفيَّة الحاصلة بين موسى والسّحرة للقيام بهذه التمثيليّة المسرحيّة، للإيقاع به، وإضعاف ملكه، وإخراج أهل مصر من مصرهم، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}[1]، وشبّه دورهم (أي دور السّحرة) بدور التَّلاميذ الّذين يخضعون لأستاذهم فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وفيما يوجِّههم إليه، ليوحي بأنَّ دورهم كان امتداداً لدور موسى(ع). وبذلك، حاول أن يستوعب مشاعر الجماهير لمصلحته، تماماً كالكثيرين من الطّغاة الّذين يحاولون أن يدرسوا مع الأجهزة الأمنيّة الإعلاميّة، ما هي أفضل الوجهات الّتي يمكنهم إثارتها أمام الفئات المعارضة الّتي تهدِّد سياستهم وحكمهم، ليلصقوا بهم مختلف التّهم الّتي تحاصرهم في السَّاحة الجماهيريَّة، تخفيفاً من تأثيرهم في الآخرين، وبذلك قد ينجحون في عزلهم عن الأمَّة، مستغلّين عجز النَّاس عن فهم ألاعيبهم وأسرارهم.

وهذا ما يجعلنا نستوحي من الأسلوب الفرعونيّ، كيف نواجه أسلوب الكثيرين من الفراعنة المعاصرين والمستقبليّين، فيما يضلّلون به شعوبهم تجاه التّحدّيات التي توجَّه إليهم.

والملاحظ أنَّ فرعون كان يعرف أنَّ هذه التّهمة للسّحرة هي تهمةٌ غير حقيقية، لأنّ موسى قد تربّى في بيت فرعون منذ ولادته حتى بلوغه سنّ الشباب، وقد قال له: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[2]، وكان موسى يتحرك في المجتمع الّذي يسيطر عليه فرعون وقومه، وربما كانت علاقات موسى مستمرةً مع فرعون قبل قيامه بقتل القبطي، ولم يعهد أنّ موسى مارس أيّ عمل من أعمال السحر، أو ارتبط بأية جهة ممن يمارسون السحر، أو تعلّم من أيّ شخص هذا الفنّ، فكيف تحوّل في منطق فرعون إلى أن يبلغ درجة كبير السّحرة الّذي علّمهم؟!

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ السّحرة كانوا يمثّلون الجيش الاحتياطيّ الّذي يحارب به فرعون أعداءه، وينتصر بهم عليهم، وكانوا معه في كلّ تاريخهم، فهم يعيشون معه، ويتردّدون على مجلسه، وينشئون العلاقات مع قادة ملكه، وينعمون بما يمنحهم إيّاه من امتيازات عظيمة، بحيث يعرف عنهم كلّ أوضاعهم، منذ بدأوا الأخذ بأسباب الفن السّحريّ، إلى تلك المرحلة في المعركة مع موسى، فكيف يتّهمهم بأنهم تلاميذ موسى وأنهم يتآمرون عليه، وخصوصاً أنه عندما استدعاهم إليه، كانوا يطلبون الأجرة على مشاركتهم في المعركة، وذلك قوله تعالى: {وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[3]، ما يدلّ على أنه كان يعرف أنَّ وقوفهم معه وخدمتهم له، كانت طمعاً في ماله أو في الحصول على مواقع القرب منه؟!

وربما كان الناس يعرفون ذلك من خلال نظرتهم إلى أمثال هؤلاء الذين يجتذبهم الطاغية إلى مواقع حكمه من أجل الاستعانة بهم للوصول إلى أهدافه، أمّا هم، فلم تكن علاقتهم به إلا علاقة ماديّة من أجل الحصول على الأجر منه. ولكنَّ الطّاغية فرعون لم يكن يهمّه اقتناع النّاس بمصداقيّته فيما يطرحه من اتهامات وشعارات، بل كلّ ما كان يهمّه، هو أن يقدّم تبريراً لواقع الهزيمة، تخفّفاً من الإحراج الّذي واجهه، والصّدمة التي أسقطت عنفوانه وأضعفت قوّته.

تهديد فرعون للسَّحرة

ثم بدأت عمليّة التّهديد بالعقاب، في محاولةٍ فرعونيَّة لدفعهم إلى التراجع عن موقفهم، والابتعاد عن موسى، ليضمن بذلك الحصول على بعض ما فقده من القوّة المعنويّة أمام الجماهير، فقال لهم: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}[4]، فهو يهدِّدهم بأنهم سيندمون على موقفهم في تآمرهم مع موسى وتمرّدهم عليه، لأنَّ موسى لا يملك أيَّ شيء من سلطة الدّنيا وسطوتها وأموالها التي يرغبون في الحصول عليها، فهو الّذي يملك كلَّ شيء من حوله، ويملك مواقع القوّة والنفوذ، {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي}[5]، فأعطي من أشاء، وأمنع من أشاء، وأقتل من أريد، وأعفو عمَّن أريد؟!

ونلاحظ أنَّ هذا المنطق الفرعوني لا يمثِّل منطق القوَّة، بل هو موقف ضعف، لأنَّ استعراضه لكلِّ قوّته أمام السّحرة في تهديده لهم، وإعلانه إنزال العذاب بهم بهذه الطّريقة الوحشيّة من القتل، يدلُّ على شعوره بأنَّه فقد أكثر المواقع من موازين القوَّة، لأنَّ هؤلاء كانوا يمثّلون الفئة التي يتحدَّى بها الآخرين، وقد كان منطقه هذا يوحي بأنهم يمثّلون الندّ له في عمليّة التوازن فيما بينهم.

ولكنَّ السّحرة كانوا قد دخلوا في عالم آخر؛ في آفاق الرّوح الواسعة، فقد التقوا بالله في روحيَّة الإيمان به، وانفتحوا من خلاله على عالم القدس والصَّفاء والطَّهارة، وعاشوا في عالم الغيب المطلق الّذي لا تحدّه أيّة حدود، وانفصلوا عن عالمهم المحدود في أمور الدّنيا، فلم تعد الدّنيا تمثّل لهم أيّ هدفٍ أو غايةٍ في أيّ طموحٍ ماديّ في غناها وفقرها، ورفعتها وضِعتها، وقوَّتها وضعفها، بل أصبحت الآخرة في رضوان الله ورحمته وعفوه ومغفرته أكبر همّهم وأفضل طموحاتهم. ولذلك، كانت مواجهتهم له من موقع إحساسهم بالقوّة الكبيرة المتحدّية، فيما ارتفعوا إليه في سماوات الرّوح، وفي انفتاحهم على المعاني الرّوحيّة الهادئة الصّافية المطمئنة، والسكينة النفسيّة العميقة.

تمسّك السَّحرة بإيمانهم

وكان ردّهم: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}[6]، من دلالات واضحة ظاهرة تؤكِّد لنا الحقيقة من دون شكٍّ أو شبهة، فكيف نتنكَّر لها ونتركها من دون أساس؟ وماذا تمثّل أنت أمام الله، خالقنا وخالق النّاس كلّهم والكون كلّه؟ إنّك مجرّد إنسان ضعيف في تكوينه البشري، لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً إلا بالله الّذي هو وليّ الحياة والموت، أمّا المال الّذي تملكه، والأرض الّتي تسيطر عليها، فإنهما مجرّد عرَض زائل يزول حيث تزول، ويفنى حيث تفنى، ولا يبقى لك من سيطرتك على مقدّرات المال في خزائنك وفي أرضك شيء تزهو به أو تستعرضه في مواقع القدرة عندك.

ثم ماذا تمثّل أنت أمام حقيقة الإيمان في مواجهة ما يختزنه فكرك، وما تتحرَّك به في خطّك من الباطل؟ وماذا تمثّل طريقتك في الحياة الّتي تدفعك إلى الاستكبار على الناس والاستعلاء عليهم، إحساساً منك بانتفاخ الشخصيّة وضخامة الذات؟ وما هي قيمك في المعنى الإنسانيّ للقيمة؟ وما هي شريعتك في إصلاح النّاس وتدبير أمورهم وتركيز أوضاعهم على الخطّ المستقيم؟ وما هي مفاهيمك في الانفتاح على حقائق الإنسان والحياة؛ هل تثبت بالمقارنة أمام قيم الإيمان ومفاهيمه؟

إنَّ الحقيقة تفرض نفسها علينا، وهي أنَّ شريعة الله هي شريعة الحقّ، وأنّ شريعة أمثالك من الطّغاة وأتباعهم هي شريعة الباطل، ولذلك، فإنّنا لن نؤثر الباطل على الحقّ، مهما كانت الإغراءات، ومهما كانت التّهديدات، ولن نؤثرك على الله ربّنا، {وَالَّذِي فَطَرَنَ}، وخلقنا وأوجدنا وأفاض نعمه علينا، وما زال يرعى حياتنا بنعمه ولطفه ورحمته، فمن أنت أمام الله؟ وما هو حجمك؟ وما هي قيمتك؟ وما هي قوَّتك؟ وما دورك بالنّسبة إلينا وإلى بقيَّة النّاس، ليكون لك علينا وعلى النّاس حقّ الطاعة؟

من أنت؟ إنّك مجرّد مخلوقٍ ضعيف لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضرّاً ولا حياةً ولا موتاً إلا بالله. وما هي قدرتك؟ ومن أين لك كلّ هذه الإمكانات والوسائل لو لم يمنحك الله إيّاها، فهي من الله الّذي أعطاك إيّاها لحكمةٍ، وسيسلبك إيّاها في أيّ وقتٍ في حياتك أو عند موتك؟ فماذا تريد؟ وماذا تستطيع أن تفعل؟ فإنك قد تملك السيطرة الغاشمة على أجسادنا، ولكنّك لن تملك السّلطة على عقولنا وأفكارنا وأرواحنا ومشاعرنا الّتي ترفضك وترفض كلَّ ملكك وسلطانك وكلّ ألاعيبك، كما ترفض طريقتك في إضلال النّاس واستغلال جهلهم وسذاجتهم وضعفهم في إلزامهم بالواقع المنحرف الكافر الّذي تتحرَّك فيه وتتحكّم به.

{فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَ}[7]، هل تريد أن تقتلنا؟ هل عندك أكثر من التّمثيل بنا وصلبنا؟ إنّنا لن نخسر الكثير، إنّها حياتنا الدّنيا نفقدها ونفقد شهواتها ومنافعها ولذَّاتها ونخسرها، ولكنَّها لن تكون الخسارة الكبيرة، لأنّنا سنفارق هذه الدّنيا إن عاجلاً أو آجلاً، وسوف نربح الدّار الآخرة من خلال هذه الشّهادة التي يكرّمنا الله بها من خلال عدوانك علينا، من أجل إيماننا بالله، وموقفنا من الحقّ، والتزامنا بتوحيده وعبادته وطاعته، وسوف ننتقل إلى دار الرّحمة الّتي تنتظر المؤمنين فيما أعدَّ الله لهم من نعيم الجنة وسعادة الرضوان.

{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَ}، الّتي أسلفناها في ماضي حياتنا، في ممارساتنا الذاتيّة تجاه أنفسنا، وفي مساعدتنا لك في تضليل الناس وحرفهم عن صراط الحقّ، وها نحن نتوب إليه من موقع الإيمان به، والالتزام بخطّه المستقيم في الحياة، ليغفر لنا ذلك كلّه، {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ}، الذي كان وسيلةً تخدع بها الناس وتضلّهم لمصلحتك، حيث كنا مستكرهين لما فرضته علينا من سلطتك الغاشمة، ولما أغرقتنا فيه من ضلال، وحدَّدته لنا من دور، وهدَّدتنا به من قوَّة ساحقة، وأغريتنا به من مالٍ وجاهٍ وسلطة.

وها نحن نتضرَّع إلى الله أن يغفر لنا واقعنا المنحرف كلّه، وستزول أنت، وسيزول ملكك عاجلاً أو آجلاً، وسيزول كلّ هؤلاء الّذين من حولك، ممن يزيّنون لك الباطل، ويشوِّهون لك الحقّ، ويساعدونك على ظلم النّاس، ويمنعونك من الحكم بالعدل والأخذ بأسبابه، ويبقى الله القادر الملك القاهر فوق عباده، {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[8]، لأنّه الربّ العظيم الّذي يرحم خلقه ويرعاهم ويهيِّئ لهم السّعادة في الدّارين، إذا أطاعوه وعملوا بما يحبّ ويرضى. وقد جاءت هذه الفقرة التي تتحدَّث عن أنَّ الله خيرٌ وأبقى، ردّاً على كلمة فرعون بأنَّه الأبقى في تهديده للسّحرة.

وهكذا استطاع هؤلاء المؤمنون أن يقفوا الموقف الّذي يؤكِّدون فيه إيمانهم وتمرّدهم على كلِّ التهديدات الفرعونيّة القاسية التي وجَّهها إليهم، لأنهم تخطّوا بإيمانهم بالله وانفتاحهم على عالم الغيب، كلَّ مواقع الخوف ونقاط الضَّعف، وانطلقوا مع قوَّة الله الّتي لا قوّة فوقها.

هذا هو الدَّرس العظيم الذي يقدِّمه القرآن للمجاهدين، الذين قد يقفون مثل هذا الموقف أمام طغاة زمانهم، فيواجهون التّهديد بالسِّجن والقتل والصّلب، ليتنازلوا عن مواقفهم، وليتركوا مواقعهم، وليسقطوا أمام التجربة الصعبة، ليتعلّموا من هؤلاء السّحرة الَّذين رفضوا كلّ الامتيازات التي كانوا يملكونها في حكم فرعون، من مالٍ وسطوةٍ وجاه، لأنهم اختاروا الإيمان على الكفر، والهدى على الضَّلال، والتزموا بالله وتركوا فرعون، فلم تعد الدّنيا تمثّل لهم أيَّ شيءٍ أمام الآخرة التي تمثّل لهم كلَّ شيء.

وللحديث بقيّة، إن شاء الله، في الأسبوع القادم. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [طه: 71].

[2]  [الشّعراء: 18].

[3]  [الأعراف: 113، 114].

[4]  [طه: 71].

[5]  [الزّخرف: 51].

[6]  [طه: 72].

[7]  [طه: 72].

[8]  [طه: 73].

نواصل الحديث عن تجربة النّبيّ موسى(ع)، وما تركه من أثرٍ كبيرٍ في الجولة الأولى من المواجهة مع فرعون وحكمه.

فرعون يعيش وقع الصَّدمة

كان إيمان السَّحرة بالله بعد طرح النبيّ موسى الآية الكبرى، صدمةً عنيفةً لفرعون أسقطت جبروته السّلطويّ أمام الجماهير الغفيرة الّتي حشدها في ساحة التحدّي، ليشهدوا انتصاره على موسى، فكانت المفاجأة أنهم شهدوا هزيمته. ولقد حاول أن يغطّي سقوطه السَّاحق بالاتّجاه إلى تهديد السَّحرة واتهامهم بالتّبعيَّة للنبيّ موسى، وبأنّه ربما كان هو المعلّم الّذي تلمّذوا عليه، وأنّ هناك مؤامرة خبيثة ضدّه، فلم يكن ـ في منطقه التبريري للهزيمة ـ يعتبر أنَّ هناك فريقين في المعركة، بل كان يرى أنّ هناك فريقاً واحداً، وهو فريق موسى والسّحرة، يقف ضدّه.

وهكذا، بدأ حديثه معهم بتوجيه تهمة التمرّد على الشّرعيّة القانونيّة الّتي يعتبرها ممثَّلةً به، والتي تقتضي منهم الالتزام بأوامره ونواهيه، فليس لأحدٍ أن يقوم بأيِّ عمل أو يتّخذ أيّ موقف إلا بإذنه، ولا سيّما هؤلاء السّحرة الّذين يمثّلون القوّة الفاعلة المرتبطة بسلطته الشرعيّة، والسّائرة في مواقع حركته في معارك التحدّي الّتي يبحث فيها عن انتصارات ضدّ أعدائه، وهذا ما خاطب به هؤلاء: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}، فكيف فعلتم ذلك؟ إنَّها الجرأة على الإله السيِّد العظيم ـ وهو فرعون نفسه ـ الَّذي لا يجوز لأحد،ٍ مهما كانت رتبته، أن يقوم بأيِّ عملٍ أو يعلن أيَّ موقف يتعلّق بنفسه أو بالآخرين، إلا بعد أن يحصل على موافقته، فهو الّذي يحدّد لهم ما يصلح حياتهم أو يفسدها، لأنّه هو الّذي يعرف ما لا يعرفونه من أمور الحياة.

ثمَّ حاول أن يغطّي فشله وضعفه، وأن يمنع النّاس من التأثّر بموقف السَّحرة الإيماني أمام موسى(ع)، فعمل على تصوير المسألة بصورة الحالة التآمريَّة الخفيَّة الحاصلة بين موسى والسّحرة للقيام بهذه التمثيليّة المسرحيّة، للإيقاع به، وإضعاف ملكه، وإخراج أهل مصر من مصرهم، {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}[1]، وشبّه دورهم (أي دور السّحرة) بدور التَّلاميذ الّذين يخضعون لأستاذهم فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وفيما يوجِّههم إليه، ليوحي بأنَّ دورهم كان امتداداً لدور موسى(ع). وبذلك، حاول أن يستوعب مشاعر الجماهير لمصلحته، تماماً كالكثيرين من الطّغاة الّذين يحاولون أن يدرسوا مع الأجهزة الأمنيّة الإعلاميّة، ما هي أفضل الوجهات الّتي يمكنهم إثارتها أمام الفئات المعارضة الّتي تهدِّد سياستهم وحكمهم، ليلصقوا بهم مختلف التّهم الّتي تحاصرهم في السَّاحة الجماهيريَّة، تخفيفاً من تأثيرهم في الآخرين، وبذلك قد ينجحون في عزلهم عن الأمَّة، مستغلّين عجز النَّاس عن فهم ألاعيبهم وأسرارهم.

وهذا ما يجعلنا نستوحي من الأسلوب الفرعونيّ، كيف نواجه أسلوب الكثيرين من الفراعنة المعاصرين والمستقبليّين، فيما يضلّلون به شعوبهم تجاه التّحدّيات التي توجَّه إليهم.

والملاحظ أنَّ فرعون كان يعرف أنَّ هذه التّهمة للسّحرة هي تهمةٌ غير حقيقية، لأنّ موسى قد تربّى في بيت فرعون منذ ولادته حتى بلوغه سنّ الشباب، وقد قال له: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}[2]، وكان موسى يتحرك في المجتمع الّذي يسيطر عليه فرعون وقومه، وربما كانت علاقات موسى مستمرةً مع فرعون قبل قيامه بقتل القبطي، ولم يعهد أنّ موسى مارس أيّ عمل من أعمال السحر، أو ارتبط بأية جهة ممن يمارسون السحر، أو تعلّم من أيّ شخص هذا الفنّ، فكيف تحوّل في منطق فرعون إلى أن يبلغ درجة كبير السّحرة الّذي علّمهم؟!

ومن جانبٍ آخر، فإنَّ السّحرة كانوا يمثّلون الجيش الاحتياطيّ الّذي يحارب به فرعون أعداءه، وينتصر بهم عليهم، وكانوا معه في كلّ تاريخهم، فهم يعيشون معه، ويتردّدون على مجلسه، وينشئون العلاقات مع قادة ملكه، وينعمون بما يمنحهم إيّاه من امتيازات عظيمة، بحيث يعرف عنهم كلّ أوضاعهم، منذ بدأوا الأخذ بأسباب الفن السّحريّ، إلى تلك المرحلة في المعركة مع موسى، فكيف يتّهمهم بأنهم تلاميذ موسى وأنهم يتآمرون عليه، وخصوصاً أنه عندما استدعاهم إليه، كانوا يطلبون الأجرة على مشاركتهم في المعركة، وذلك قوله تعالى: {وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[3]، ما يدلّ على أنه كان يعرف أنَّ وقوفهم معه وخدمتهم له، كانت طمعاً في ماله أو في الحصول على مواقع القرب منه؟!

وربما كان الناس يعرفون ذلك من خلال نظرتهم إلى أمثال هؤلاء الذين يجتذبهم الطاغية إلى مواقع حكمه من أجل الاستعانة بهم للوصول إلى أهدافه، أمّا هم، فلم تكن علاقتهم به إلا علاقة ماديّة من أجل الحصول على الأجر منه. ولكنَّ الطّاغية فرعون لم يكن يهمّه اقتناع النّاس بمصداقيّته فيما يطرحه من اتهامات وشعارات، بل كلّ ما كان يهمّه، هو أن يقدّم تبريراً لواقع الهزيمة، تخفّفاً من الإحراج الّذي واجهه، والصّدمة التي أسقطت عنفوانه وأضعفت قوّته.

تهديد فرعون للسَّحرة

ثم بدأت عمليّة التّهديد بالعقاب، في محاولةٍ فرعونيَّة لدفعهم إلى التراجع عن موقفهم، والابتعاد عن موسى، ليضمن بذلك الحصول على بعض ما فقده من القوّة المعنويّة أمام الجماهير، فقال لهم: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}[4]، فهو يهدِّدهم بأنهم سيندمون على موقفهم في تآمرهم مع موسى وتمرّدهم عليه، لأنَّ موسى لا يملك أيَّ شيء من سلطة الدّنيا وسطوتها وأموالها التي يرغبون في الحصول عليها، فهو الّذي يملك كلَّ شيء من حوله، ويملك مواقع القوّة والنفوذ، {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي}[5]، فأعطي من أشاء، وأمنع من أشاء، وأقتل من أريد، وأعفو عمَّن أريد؟!

ونلاحظ أنَّ هذا المنطق الفرعوني لا يمثِّل منطق القوَّة، بل هو موقف ضعف، لأنَّ استعراضه لكلِّ قوّته أمام السّحرة في تهديده لهم، وإعلانه إنزال العذاب بهم بهذه الطّريقة الوحشيّة من القتل، يدلُّ على شعوره بأنَّه فقد أكثر المواقع من موازين القوَّة، لأنَّ هؤلاء كانوا يمثّلون الفئة التي يتحدَّى بها الآخرين، وقد كان منطقه هذا يوحي بأنهم يمثّلون الندّ له في عمليّة التوازن فيما بينهم.

ولكنَّ السّحرة كانوا قد دخلوا في عالم آخر؛ في آفاق الرّوح الواسعة، فقد التقوا بالله في روحيَّة الإيمان به، وانفتحوا من خلاله على عالم القدس والصَّفاء والطَّهارة، وعاشوا في عالم الغيب المطلق الّذي لا تحدّه أيّة حدود، وانفصلوا عن عالمهم المحدود في أمور الدّنيا، فلم تعد الدّنيا تمثّل لهم أيّ هدفٍ أو غايةٍ في أيّ طموحٍ ماديّ في غناها وفقرها، ورفعتها وضِعتها، وقوَّتها وضعفها، بل أصبحت الآخرة في رضوان الله ورحمته وعفوه ومغفرته أكبر همّهم وأفضل طموحاتهم. ولذلك، كانت مواجهتهم له من موقع إحساسهم بالقوّة الكبيرة المتحدّية، فيما ارتفعوا إليه في سماوات الرّوح، وفي انفتاحهم على المعاني الرّوحيّة الهادئة الصّافية المطمئنة، والسكينة النفسيّة العميقة.

تمسّك السَّحرة بإيمانهم

وكان ردّهم: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}[6]، من دلالات واضحة ظاهرة تؤكِّد لنا الحقيقة من دون شكٍّ أو شبهة، فكيف نتنكَّر لها ونتركها من دون أساس؟ وماذا تمثّل أنت أمام الله، خالقنا وخالق النّاس كلّهم والكون كلّه؟ إنّك مجرّد إنسان ضعيف في تكوينه البشري، لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً إلا بالله الّذي هو وليّ الحياة والموت، أمّا المال الّذي تملكه، والأرض الّتي تسيطر عليها، فإنهما مجرّد عرَض زائل يزول حيث تزول، ويفنى حيث تفنى، ولا يبقى لك من سيطرتك على مقدّرات المال في خزائنك وفي أرضك شيء تزهو به أو تستعرضه في مواقع القدرة عندك.

ثم ماذا تمثّل أنت أمام حقيقة الإيمان في مواجهة ما يختزنه فكرك، وما تتحرَّك به في خطّك من الباطل؟ وماذا تمثّل طريقتك في الحياة الّتي تدفعك إلى الاستكبار على الناس والاستعلاء عليهم، إحساساً منك بانتفاخ الشخصيّة وضخامة الذات؟ وما هي قيمك في المعنى الإنسانيّ للقيمة؟ وما هي شريعتك في إصلاح النّاس وتدبير أمورهم وتركيز أوضاعهم على الخطّ المستقيم؟ وما هي مفاهيمك في الانفتاح على حقائق الإنسان والحياة؛ هل تثبت بالمقارنة أمام قيم الإيمان ومفاهيمه؟

إنَّ الحقيقة تفرض نفسها علينا، وهي أنَّ شريعة الله هي شريعة الحقّ، وأنّ شريعة أمثالك من الطّغاة وأتباعهم هي شريعة الباطل، ولذلك، فإنّنا لن نؤثر الباطل على الحقّ، مهما كانت الإغراءات، ومهما كانت التّهديدات، ولن نؤثرك على الله ربّنا، {وَالَّذِي فَطَرَنَ}، وخلقنا وأوجدنا وأفاض نعمه علينا، وما زال يرعى حياتنا بنعمه ولطفه ورحمته، فمن أنت أمام الله؟ وما هو حجمك؟ وما هي قيمتك؟ وما هي قوَّتك؟ وما دورك بالنّسبة إلينا وإلى بقيَّة النّاس، ليكون لك علينا وعلى النّاس حقّ الطاعة؟

من أنت؟ إنّك مجرّد مخلوقٍ ضعيف لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضرّاً ولا حياةً ولا موتاً إلا بالله. وما هي قدرتك؟ ومن أين لك كلّ هذه الإمكانات والوسائل لو لم يمنحك الله إيّاها، فهي من الله الّذي أعطاك إيّاها لحكمةٍ، وسيسلبك إيّاها في أيّ وقتٍ في حياتك أو عند موتك؟ فماذا تريد؟ وماذا تستطيع أن تفعل؟ فإنك قد تملك السيطرة الغاشمة على أجسادنا، ولكنّك لن تملك السّلطة على عقولنا وأفكارنا وأرواحنا ومشاعرنا الّتي ترفضك وترفض كلَّ ملكك وسلطانك وكلّ ألاعيبك، كما ترفض طريقتك في إضلال النّاس واستغلال جهلهم وسذاجتهم وضعفهم في إلزامهم بالواقع المنحرف الكافر الّذي تتحرَّك فيه وتتحكّم به.

{فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَ}[7]، هل تريد أن تقتلنا؟ هل عندك أكثر من التّمثيل بنا وصلبنا؟ إنّنا لن نخسر الكثير، إنّها حياتنا الدّنيا نفقدها ونفقد شهواتها ومنافعها ولذَّاتها ونخسرها، ولكنَّها لن تكون الخسارة الكبيرة، لأنّنا سنفارق هذه الدّنيا إن عاجلاً أو آجلاً، وسوف نربح الدّار الآخرة من خلال هذه الشّهادة التي يكرّمنا الله بها من خلال عدوانك علينا، من أجل إيماننا بالله، وموقفنا من الحقّ، والتزامنا بتوحيده وعبادته وطاعته، وسوف ننتقل إلى دار الرّحمة الّتي تنتظر المؤمنين فيما أعدَّ الله لهم من نعيم الجنة وسعادة الرضوان.

{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَ}، الّتي أسلفناها في ماضي حياتنا، في ممارساتنا الذاتيّة تجاه أنفسنا، وفي مساعدتنا لك في تضليل الناس وحرفهم عن صراط الحقّ، وها نحن نتوب إليه من موقع الإيمان به، والالتزام بخطّه المستقيم في الحياة، ليغفر لنا ذلك كلّه، {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ}، الذي كان وسيلةً تخدع بها الناس وتضلّهم لمصلحتك، حيث كنا مستكرهين لما فرضته علينا من سلطتك الغاشمة، ولما أغرقتنا فيه من ضلال، وحدَّدته لنا من دور، وهدَّدتنا به من قوَّة ساحقة، وأغريتنا به من مالٍ وجاهٍ وسلطة.

وها نحن نتضرَّع إلى الله أن يغفر لنا واقعنا المنحرف كلّه، وستزول أنت، وسيزول ملكك عاجلاً أو آجلاً، وسيزول كلّ هؤلاء الّذين من حولك، ممن يزيّنون لك الباطل، ويشوِّهون لك الحقّ، ويساعدونك على ظلم النّاس، ويمنعونك من الحكم بالعدل والأخذ بأسبابه، ويبقى الله القادر الملك القاهر فوق عباده، {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[8]، لأنّه الربّ العظيم الّذي يرحم خلقه ويرعاهم ويهيِّئ لهم السّعادة في الدّارين، إذا أطاعوه وعملوا بما يحبّ ويرضى. وقد جاءت هذه الفقرة التي تتحدَّث عن أنَّ الله خيرٌ وأبقى، ردّاً على كلمة فرعون بأنَّه الأبقى في تهديده للسّحرة.

وهكذا استطاع هؤلاء المؤمنون أن يقفوا الموقف الّذي يؤكِّدون فيه إيمانهم وتمرّدهم على كلِّ التهديدات الفرعونيّة القاسية التي وجَّهها إليهم، لأنهم تخطّوا بإيمانهم بالله وانفتاحهم على عالم الغيب، كلَّ مواقع الخوف ونقاط الضَّعف، وانطلقوا مع قوَّة الله الّتي لا قوّة فوقها.

هذا هو الدَّرس العظيم الذي يقدِّمه القرآن للمجاهدين، الذين قد يقفون مثل هذا الموقف أمام طغاة زمانهم، فيواجهون التّهديد بالسِّجن والقتل والصّلب، ليتنازلوا عن مواقفهم، وليتركوا مواقعهم، وليسقطوا أمام التجربة الصعبة، ليتعلّموا من هؤلاء السّحرة الَّذين رفضوا كلّ الامتيازات التي كانوا يملكونها في حكم فرعون، من مالٍ وسطوةٍ وجاه، لأنهم اختاروا الإيمان على الكفر، والهدى على الضَّلال، والتزموا بالله وتركوا فرعون، فلم تعد الدّنيا تمثّل لهم أيَّ شيءٍ أمام الآخرة التي تمثّل لهم كلَّ شيء.

وللحديث بقيّة، إن شاء الله، في الأسبوع القادم. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [طه: 71].

[2]  [الشّعراء: 18].

[3]  [الأعراف: 113، 114].

[4]  [طه: 71].

[5]  [الزّخرف: 51].

[6]  [طه: 72].

[7]  [طه: 72].

[8]  [طه: 73].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية