أوّلاً: التّعريف:
الاحتراق النفسي حالة تصيب العاملين والموظّفين بكلّ المجالات، ولكنها تكثر في مجالات العمل، حيث تعتمد على الجهد الذهنيّ، ونراه لدى المعلمين والأطباء والعاملين في المجال النفسي والتربوي والاجتماعي والصحي والتمريض، وكذلك لدى المدراء والموظفين والذين يعملون بدوامات متواصلة وتتطلّب مهنتهم جهداً خاصّاً.
ويعرّف الاحتراق النفسي على أنه"حالة من الإنهاك الجسدي والانفعالي والعقلي، تظهر على شكل إعياء شديد، وشعور بعدم الجدوى وفقدان الأمل، وتطوّر مفهوم ذات سلبي واتجاهات سلبية نحو العمل والحياة والناس".[تعريف كريستينا ماسلاش Cristina Maslach ,1982 الباحثة في مجال الاحتراق النفسي].
ثانياً: العوارض:
1ـ العواطف السلبيّة: الشعور بالإحباط والغضب والاكتئاب والاستياء والقلق أحياناً والإعياء العاطفيّ، وتتمثّل المشاعر السلبيّة في (السخرية، والتّشاؤميّة، واللامبالاة، والسّأم(.
2ـ أعراض نفسيّة: تتمثّل في فقدان الحماس، وعدم القابليّة للعمل أو القيام بالمسؤوليّات، والنّفور من أنشطة الحياة المعتادة، وعدم الانسجام على المستوى الشّخصي أو مع زملاء العمل، والشّعور بالقلق والضّيق والعدوانيّة، وعدم الصبر، والعصبيّة وسرعة الاستثارة .
3ـالأعراض العضويّة: وترتبط بما يتعرّض له الفرد من أعراض وتدهور في الحالة الصحيّة؛ مثل الإجهاد والإعياء، مشاكل عدم النّوم بشكل طبيعي، ارتفاع ضغط الدّم، آلام الظّهر، الإرهاق الشّديد، الصّداع المستمرّ، الأرق، والتّعب. ومنها كذلك فقدان الشّهيّة، ونقص المناعة لمقاومة الأمراض، وشكاوي بدنيّة من آلام متفرّقة في الجسم.
4ـ الأعراض السلوكيّة: تبدأ بالشّكوى والتذمّر من العمل، والسخرية من العملاء وزملاء العمل، والتّشاؤميّة والقسوة في التّعامل مع العملاء، والتغيّب عن العمل والتّغيير الوظيفي.
5ـ الأعراض الإدراكيّة: عدم القدرة على التركيز والمزاج الساخر، وتظهر بوضوح هذه الأعراض على شكل تغير في نمط إدراك الفرد من الموظّفين والمدراء على حدّ سواء.
6ـ سوء استغلال المادّة: عند حدوث التوتّر والنّزاع في العمل، قد نجد الفرد نفسه قد يستخدم منشّطات ومثبّتات صحية أو غير صحيّة، ويأكل كثيراً (أو أقلّ)، ويشرب القهوة كثيراً ويدخّن...
ثالثاً: الأسباب:
يوجد عدّة دراسات حدّدت أسباب الاحتراق النفسيّ،سنوردها كما تمّ التوصل إليها ضمن الأبواب التالية:
ـضغط العمل: يشعر الموظّف بأنّ لديه أعباء كثيرة مناطة به، وعليه تحقيقها في مدّة قصيرة جدّاً، ومن خلال مصادر محدودة وشحيحة، وكثير من المؤسّسات والشّركات سعت في العقود الماضية إلى الترشيد، من خلال الاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظّفين والعمالة، مع زيادة الأعباء الوظيفيّة على الأشخاص الباقين في العمل، ومطالبتهم بتحسين أدائهم وزيادة إنتاجيّتهم.
2ـ محدوديّة صلاحيات العمل: إنّ أحد المؤشّرات التي تؤدّي إلى الاحتراق النفسي، هو عدم وجود صلاحيات لاتخاذ قرارات لحلّ مشكلات العمل.. وتتأتّى هذه الوضعيّة من خلال وجود سياسات وأنظمة صارمة، لا تعطي مساحةً من حرية التصرّف واتخاذ الإجراء المناسب من قبل الموظّف.
3ـ قلّة التعزيز الإيجابي: عندما يبذل الموظَّف جهداً كبيراً في العمل، وما يستلزم ذلك من ساعات إضافيّة وأعمال إبداعيّة، دون مقابل ماديّ أو معنويّ، يكون ذلك مؤشّراً آخر على المعاناة والاحتراق الّذي يعيشه الموظّف.
4ـ انعدام الاجتماعيّة: يحتاج الموظّف أحياناً إلى مشاركة الآخرين في بعض الهموم والأفراح والتّنفيس، لكنَّ بعض الأعمال تتطلّب فصلاً في المكان، وعزلة اجتماعيّة عن الآخرين، حيث يكون التّعامل أكثر مع الأجهزة والحاسبات وداخل المختبرات والمكاتب المغلقة.
5ـ عدم الإنصاف والعدل: يتمّ أحياناً تحميل الموظَّف مسؤوليات لا يكون في مقدوره تحمّلها، وعند إخلاله بها يتمّ محاسبته. وقد يكون القصور في أداء العمل ليس تقاعساً من الموظّف، ولكن بسبب رداءة الأجهزة وتواضع إمكانياتها ومحدودية برامجها، إضافةً إلى إمكانية عدم وجود كفاءات فنيّة مقتدرة لأداء الواجبات المطلوبة.
6ـصراع القيم: يكون الموظّف أحياناً أمام خيارات صعبة، فقد يتطلّب منه العمل القيام بشىء ما، والاضطلاع بدور ما، ولا يكون ذلك متوافقاً مع قيمه ومبادئه. فمثلاً، قد يضطرّ عامل المبيعات أن يكذب من أجل أن يمرّر منتجاً على عميل، أو غير ذلك من الظّروف والملابسات.
وتكثر أعراض الاحتراق النفسي في أوساط المهن الّتي يكون فيها التعامل مع الجمهور، والتي عادةً تتطلّب مواجهة مباشرة أو استيعاباً دقيقاً لآراء الناس واتجاهاتهم، والتي تعدّ محكّاً أساسيّاً في تقييم أعمال المشتغلين بتلك المهن.
رابعاً: العلاجات:
1ـ اعتماد قاعدة التّوازن بين الفصول الأربعة، حيث يخصّص وقت للعمل، ووقت لممارسة العبادات والتّواصل الاجتماعيّ والتعلم والتّدريب، ووقت للراحة والترفيه الجزئي ضمن وقت العمل، ويوزّع اليوم كذلك لهذه النّاحية حتى بعد دوام العمل.
2ـ اعتماد نظام موحّد لكلّ العاملين، والأهمّ، التركيز على إنجاز المهمّة ضمن الوقت الطبيعي لإنجازها، وليس التركيز على الالتزام بشكليّات لا طائل لها إلا المزيد من الضغط والشعور بالاحتراق النفسي.
3ـ كسر الروتين اليومي أو الأسبوعي للعمل، مثال:
- إعطاء يوم بالشّهر الدّوام فيه حرّ لدى الموظّفين، الأهمّ أن يقدّم ساعات العمل المطلوبة.
- تخصيص يوم بالشّهر للمشاركة بنشاط رياضي جماعي للعاملين (أو ساعة مرّة كلّ15 يوماً).
- تقديم ضيافة غير متوقّعة للعاملين وهم على مكاتبهم يعملون، مرّة شهريّاً.
- إجراء أحد الاجتماعات بطريقة ودّية وليس رسميّة صارمة.
- تخصيص يوم للاجتماع مع مدير المؤسّسة للتّعبير عن متطلبات الموظّفين والعاملين .
4ـأن يوضع حدّ لعمل العامل: يعني لا يكفي أن يقوم العامل بعمله، وكما يجب، بل على الإدارة أن توقف العامل عن العمل ليستريح عندما يعمل إلى مستوى حدّ الارهاق.
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.