... يبدأ القرآن جولةً في بعض أحكام الحجّ، وهو فريضة فرضها الله على عباده منذ رسالة إبراهيم(ع)، وقد كان معروفاً بين أهل الجاهليّة، وأقرّه الإسلام وزاد فيه بعض المناسك. والحجّ ـ لغة ـ هو القصد، ويقصد به هنا القصد إلى النّسك المخصوص، أمّا العمرة، فهي زيارة البيت الحرام على نحو خاصّ.
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله}. لا بُدَّ للإنسان من إتمام الحجّ والعمرة إذا بدأهما بالإحرام لهما، وذلك بالإتيان بكلّ الواجبات الّتي تدخل في نطاق تكوين الفرض في الحالات الاختيارية أو الاضطرارية. وإذا كانت الآية تؤكّد أن يكون هذا الإتمام لله، فمعنى ذلك أنهما من العبادات التي لا بُدَّ من أن يقصد بها وجه الله، فيشعر الإنسان معها بالحاجة إلى القرب من الله، من خلال ما يؤدّيه من الأعمال التي تتضمن في داخلها أقوالاً أو أفعالاً أو أفكاراً يتعبّد فيها الإنسان لربّه...
ولعلّ القيمة الكبرى للعبادات الإسلاميّة، أنها لا تمثّل مجرّد حالة وجدانيّة ذاتية غارقة في ضباب المحبّة وغيبوبة الخشوع، ليبقى الإنسان بعيداً عن حركة الحياة عندما يقف بين يدي الله؛ بل هي تعبير عن الخطّ الإسلاميّ العمليّ في علاقة العبد بربّه، حيث يلتقي الجانب الروحي بالحياة في أوسع مجالاتها وأرحب آفاقها، ليتصوّر معها حياته الّتي تضجّ فيها الحركة؛ فنجد في الصّلاة الكلمات التي تمثّلها سورة الفاتحة، إضافةً إلى السورة الأخرى التي يختارها المصلّي تبعاً لحاجته الروحية والفكرية، فنلتقي بالتصوّر الإسلامي لله في صفاته المتصلة بحركة الحياة في مخلوقاته من التربية والرّعاية والرحمة، وبطبيعة العلاقة التي تشدّ الإنسان إلى الله، وبالتوجّه إليه في مجال الصّراع الذي تزدحم فيه التيارات الضالّة والجاحدة في مقابل الخطّ المستقيم... وهكذا تتحرّك الصلاة في كيان الإنسان، فتتحرّك الأفكار والتصوّرات الإسلاميّة في وجدانه، ليستقيم له من خلالها الوعي الروحي والفكري والعملي، في كلمات وأفعال يتحرّك فيها المضمون في روح نابضة بالحياة.
فإذا التقينا بالحجّ، فإننا نلتقي بالعبادة الزاخرة بأكثر من معنى، فهي تلتقي بالصّلاة في أجواء الطواف والسعي، والوقوف بعرفات والمزدلفة، والمبيت بمنى، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمّل وأصفى مشاعره وأرفع درجاته. أمّا الإحرام، فإنه يمثّل الالتقاء بالصّوم، حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثيرٍ من الأشياء التي تتصل بشهواته وعاداته وأخلاقه، فتمثّل مرحلة تدريبيّة صعبة يتعلّم فيها الصّبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين، واحترام كلّ شيء محترم حوله، حتى الحيوان والنبات، إلى جانب دقّة الملاحظة، عندما يراقب كلّ حركة من حركاته، حتى سقوط الشعر وحكّ البدن والنظر في المرآة. أمّا رمي الجمار، فإنه يمثّل الرمز العملي للصّراع مع الشيطان، في ما تمثّله الجمرات من رمز.
وهكذا يتحرّك الإنسان من عمل إلى عمل، ليحقَّق لنفسه البناء الروحي والفكري والعمليّ، في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللّقاء بالله. وبذلك، لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة، بل هي ـ على العكس من ذلك ـ تدفعه دفعاً إليها بكلّ قوّة، من موقع الروحيّة التي تعطي المادّة معناها، دون أن تفقدها صفاتها الماديّة.
وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرَّعه من أشكالها، بل يمتدّ بها، حتى يجعل كلّ عمل محبوب لله عبادةً إذا قام به الإنسان لوجه الله. وقد كثرت الأحاديث الّتي ترى في طلب العلم، وفي العمل في سبيل العيال، وفي العفاف وقضاء حاجة المؤمن، وتفريج كربته، عبادةً يكسب الإنسان بها رضى الله، كأيِّ عبادة من العبادات المعروفة.
وفي ضوء ذلك كلّه، نجد في كلمة:
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله}، إيحاءً بالإتمام من الناحية الروحيّة التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحجّ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثّلها هذه الفريضة، ويتحرّك معها بأخلاقيّة إسلاميّة كاملة؛ فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون، لأنه يمثّل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشّكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني؛ ما يجعل العمل غير مقرّب لله وغير مقبول عنده، لأنَّ الله لا يقبل من الأعمال إلاَّ ما أقبل الإنسان فيها بكلّ كيانه وروحيّته.
... يبدأ القرآن جولةً في بعض أحكام الحجّ، وهو فريضة فرضها الله على عباده منذ رسالة إبراهيم(ع)، وقد كان معروفاً بين أهل الجاهليّة، وأقرّه الإسلام وزاد فيه بعض المناسك. والحجّ ـ لغة ـ هو القصد، ويقصد به هنا القصد إلى النّسك المخصوص، أمّا العمرة، فهي زيارة البيت الحرام على نحو خاصّ.
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله}. لا بُدَّ للإنسان من إتمام الحجّ والعمرة إذا بدأهما بالإحرام لهما، وذلك بالإتيان بكلّ الواجبات الّتي تدخل في نطاق تكوين الفرض في الحالات الاختيارية أو الاضطرارية. وإذا كانت الآية تؤكّد أن يكون هذا الإتمام لله، فمعنى ذلك أنهما من العبادات التي لا بُدَّ من أن يقصد بها وجه الله، فيشعر الإنسان معها بالحاجة إلى القرب من الله، من خلال ما يؤدّيه من الأعمال التي تتضمن في داخلها أقوالاً أو أفعالاً أو أفكاراً يتعبّد فيها الإنسان لربّه...
ولعلّ القيمة الكبرى للعبادات الإسلاميّة، أنها لا تمثّل مجرّد حالة وجدانيّة ذاتية غارقة في ضباب المحبّة وغيبوبة الخشوع، ليبقى الإنسان بعيداً عن حركة الحياة عندما يقف بين يدي الله؛ بل هي تعبير عن الخطّ الإسلاميّ العمليّ في علاقة العبد بربّه، حيث يلتقي الجانب الروحي بالحياة في أوسع مجالاتها وأرحب آفاقها، ليتصوّر معها حياته الّتي تضجّ فيها الحركة؛ فنجد في الصّلاة الكلمات التي تمثّلها سورة الفاتحة، إضافةً إلى السورة الأخرى التي يختارها المصلّي تبعاً لحاجته الروحية والفكرية، فنلتقي بالتصوّر الإسلامي لله في صفاته المتصلة بحركة الحياة في مخلوقاته من التربية والرّعاية والرحمة، وبطبيعة العلاقة التي تشدّ الإنسان إلى الله، وبالتوجّه إليه في مجال الصّراع الذي تزدحم فيه التيارات الضالّة والجاحدة في مقابل الخطّ المستقيم... وهكذا تتحرّك الصلاة في كيان الإنسان، فتتحرّك الأفكار والتصوّرات الإسلاميّة في وجدانه، ليستقيم له من خلالها الوعي الروحي والفكري والعملي، في كلمات وأفعال يتحرّك فيها المضمون في روح نابضة بالحياة.
فإذا التقينا بالحجّ، فإننا نلتقي بالعبادة الزاخرة بأكثر من معنى، فهي تلتقي بالصّلاة في أجواء الطواف والسعي، والوقوف بعرفات والمزدلفة، والمبيت بمنى، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمّل وأصفى مشاعره وأرفع درجاته. أمّا الإحرام، فإنه يمثّل الالتقاء بالصّوم، حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثيرٍ من الأشياء التي تتصل بشهواته وعاداته وأخلاقه، فتمثّل مرحلة تدريبيّة صعبة يتعلّم فيها الصّبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين، واحترام كلّ شيء محترم حوله، حتى الحيوان والنبات، إلى جانب دقّة الملاحظة، عندما يراقب كلّ حركة من حركاته، حتى سقوط الشعر وحكّ البدن والنظر في المرآة. أمّا رمي الجمار، فإنه يمثّل الرمز العملي للصّراع مع الشيطان، في ما تمثّله الجمرات من رمز.
وهكذا يتحرّك الإنسان من عمل إلى عمل، ليحقَّق لنفسه البناء الروحي والفكري والعمليّ، في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللّقاء بالله. وبذلك، لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة، بل هي ـ على العكس من ذلك ـ تدفعه دفعاً إليها بكلّ قوّة، من موقع الروحيّة التي تعطي المادّة معناها، دون أن تفقدها صفاتها الماديّة.
وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرَّعه من أشكالها، بل يمتدّ بها، حتى يجعل كلّ عمل محبوب لله عبادةً إذا قام به الإنسان لوجه الله. وقد كثرت الأحاديث الّتي ترى في طلب العلم، وفي العمل في سبيل العيال، وفي العفاف وقضاء حاجة المؤمن، وتفريج كربته، عبادةً يكسب الإنسان بها رضى الله، كأيِّ عبادة من العبادات المعروفة.
وفي ضوء ذلك كلّه، نجد في كلمة:
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله}، إيحاءً بالإتمام من الناحية الروحيّة التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحجّ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثّلها هذه الفريضة، ويتحرّك معها بأخلاقيّة إسلاميّة كاملة؛ فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون، لأنه يمثّل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشّكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني؛ ما يجعل العمل غير مقرّب لله وغير مقبول عنده، لأنَّ الله لا يقبل من الأعمال إلاَّ ما أقبل الإنسان فيها بكلّ كيانه وروحيّته.