قالوا: الشعب لا يستطيع أن يأكل الخبز، فقالت:إذاً فليأكلوا البسكويت.(ماري أنطوانيت).
الخبز هو ذلك الطّعام الّذي يحتوي على الطّحين والملح والسكّر والماء، والذي تنوّعت أشكاله وأحجامه، فمنه الدّائريّ، ومنه المستطيل والسّميك والرّفيع، إضافةً إلى اختلاف رائحته ومذاقه.
هو الطّعام الّذي يحتاج إليه النّاس كما يحتاجون إلى الماء والهواء.
الخبز هو الأكثر شعبيّةً بين النّاس، والأكثر أهميّةً، حيث بات من أولويّاتهم، فأوّلاً يجب عليهم تأمين الخبز لعائلاتهم قبل كلّ شيء؛ فهذا يعمل يوميّاً فقط من أجل تأمين ربطة من الخبز لأولاده، وذاك الّذي لا يملك مالاً يقول: "ليس معي ثمن ربطة خبز لأولادي"... فأوّل ما يتبادر إلى ذهن النّاس عندما تسألهم عن أحوالهم المعيشيّة هو الخبز...
ولأهميّته، تقوم أكثر دول العالم بدعم سعر الطّحين، وذلك ليتسنّى لكلّ النّاس أن يشتروا الخبز؛ ولكن اليوم طرأ تعديلٌ بسيط على ذلك، فمع ارتفاع الأسعار، ولا سيّما ارتفاع أسعار المحروقات، باتت بعض الدّول، وخصوصاً النامية منها، والتي تتضمّن بالطبع بعض الدّول العربيّة، عاجزة أمام هذا الارتفاع الرّهيب للأسعار، فلم يعد بمقدورها دعم الطّحين من أجل تأمين السّعر المناسب لرغيف خبز، فما كان منها إلا أن خفّفت من دعمها للطّحين، وبالتّالي لجأت أفران الخبز إمّا إلى رفع سعره، أو إلى تقليل عدد الأرغفة، كلبنان الّذي لجأ إلى تقليل عدد الأرغفة الموجودة في الرّبطة من عشرة أرغفة إلى ثمانية.
وفي كلا الحالتين، على الفقير أن يشهد أزمة جديدة، أزمة تأمين رغيف خبز.
وعلى المجتمع المدني أن يكون الشّاهد المجهول على جريمة إنسانيّة ضدّ أرواح الفقراء.
ولكن السّؤال الّذي يطرح هنا: هل على المجتمع المدنيّ أن يبقى ساكناً دون أن يتفوّه بكلمة حقٍّ تعيد الحقّ إلى أصحابه، أم علينا أن نلجأ إلى موضة الثّورات، فنشهد ثورة الخبز؟!
والجواب يكمن بخطوةٍ صغيرة يمكن أن تعيد الحقّ إلى أصحابه، وهي خطوة أقدم عليها المجتمع المدني بالتّعاون مع بعض الجمعيّات الأهليّة في الأردن، إضافةً إلى مشاركة بعض أصحاب أفران الخبز، وهذه الخطوة تقضي بأن يقوم صاحب الفرن بوضع رفوفٍ داخل الفرن، وهذه الرّفوف مخصّصة للأشخاص الّذين لا يستطيعون شراء الخبز (لمن لا يستطيع شراء الخبز). ولكن أوّلاً، يجب على من يستطيعون شراء الخبز أن يشتروا ما يحتاجونه من الخبز لأسرهم، ثم يشتروا خبزاً ليضعه صاحب الفرن على الرفّ المخصّص للفقراء، وذلك بمبادرةٍ منه، وبذلك يستطيع الفقير أن يأخذ الخبز مجّاناً وبدون إحراج له.
هذه الخطوة تعدّ خطوةً إيجابيّة على عدّة أصعدة:
أوّلاً: بات بإمكان الفقير أن يأخذ الخبز مجاناً، وبالتّالي التّخفيف عنه، أمّا على الصّعيد الثّاني، فأصبح بإمكان النّاس أن يقوموا بفعل الخير في أيّ وقت، وبسعر زهيد، ما يولّد الشعور بالألفة بين النّاس، حيث يشعر الإنسان بأخيه الإنسان. وأمّا على الصّعيد الأخير، فلم يعد على أصحاب الأفران أن يرموا الخبز المتبقّي، لأنّ فئة كبيرة من النّاس غير قادرين على شرائه يوميّاً.
هذه الخطوة لم تلق رواجاً كبيراً في الأردن بعد، والسّبب يعود إلى أنها مازالت محصورة ببعض الأفران، إضافةً إلى المواطنين الّذين لم يألفوا بعد فكرة وجود خبز لمن لا يستطيعون شراء الخبز.
قد تكون هذه الخطوة خطوةً بسيطةً من حيث الشّكل، ولكن بالمضمون قد تصبح حلاً لأزمةٍ راهنة، لا يستطيع فيها الفقير أن يشتري الخبز، ولا أن يشتري بسكويتاً!!
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .