يتحدَّث القرآن الكريم عن مسألة المعاد الّذي هو اليوم الآخر، وذلك من خلال خطّين اثنين:
الخطّ الأوَّل: هل هو ممكن أو مستحيل؟
الخطّ الثَّاني: هل هو واقع أو ليس بواقع؟
أمَّا فكرة أنَّه هل هو ممكن أو مستحيل، فقد كانت فكرةً تلحُّ على واقع النَّاس الّذين كانوا في عهد الدّعوة، وربما ما زالت تلحُّ على أناسٍ كثيرين الآن، لأنَّ هناك خلطاً عندهم بين ما هو معقول وما هو مألوف، فما هو معقول، هو الشَّيء الّذي يحكم العقل بإمكانه، بحيث إنّ العقل لا يجد هناك أيّ مانعٍ من الموانع في الفكر تحول دون إمكانه، كما هو الحال مع استحالة وجود الشَّيء وعدمه في آنٍ واحد. أمَّا غير المألوف، فأن يكون الشّيء غريباً، أي أنّنا لم نألف وجوده، على اعتبار أنّنا لم نلاحظه في تجاربنا في الواقع رغم وجوده.
فالقرآن الكريم، واستناداً إلى هذا الفارق، شجب نظرة النّاس أو اعتبارهم الشّيء غير المألوف أنّه غير معقول، يقول تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[1]. لاحظوا كلمة: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، فالقرآن يقول إنَّ هذا الإنسان استغرق في الحالة التي تمثِّل نهايته، أي الموت، وتساءل كيف يحيا الإنسان الّذي يموت بعد أن يكون عدماً، ونسي البداية، أي نسي كيف انطلق الوجود الإنسانيّ في الأصل من العدم، {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، وهي حقيقة تختصر كلّ شيء: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[2]، إنّه يؤكِّد المسألة من ناحية الإمكان العقليّ، أي أنَّ الإنسان الّذي أنشأه الله من العدم أوَّل مرَّة، قادرٌ على إحيائه وإنشائه من جديد بعد موته.
وفي السِّياق نفسه المتَّصل بالإجابة عن سؤال: هل هناك يومٌ آخر أو ليس هناك يوم آخر؟ نقول إنَّ هذا أمر يمكن أن يُواجَه عقليّاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[3]، فإذا كانت الدّنيا لا تتبعها آخرة، فمعنى ذلك أنّ الله يعبث، ويتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، لأنَّ ذلك معناه أنَّ الدنيا تكون تماماً كما هي الفقاعة التي تنتفخ ثم تنفجر دون أن تترك وراءها أيَّ شيء.
إذاً، وفق الإمكان العقليّ، لا بدَّ للدّنيا من آخرة، على أساس أنَّ الدنيا تمثّل حركة المسؤوليّة، والآخرة تمثّل حصاد العمل. ويمكن تأكيد ذلك من خلال تصديقنا للنبوّات، فإنّ النبيّ المطّلع على الغيب، أخبرنا أنَّ هناك دار آخرة، وهذه المسألة تنطلق من ذاتيّة تصديق النبيّ، والمفروض أنّنا نتحدَّث إسلاميّاً، فمعنى ذلك أنّنا نصدّق النبيّ في ذلك.
وهكذا، نجد أنَّ الله أراد أن يركّز الفكرة التوحيديّة من خلال العقل، حيث نلاحظ أيضاً أنَّ الله أثار سؤالاً أمام الإنسان، وهذا السّؤال هو: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[4]، كيف؟ إنّك تواجه واقعاً؟ ادرس نفسك؛ هل خُلِقْتَ من غير شيء؟ إنَّ خَلْقك لا يحمل في داخله بذوراً تحتّم وجوده لوحده، فكيف وجدت من غير شيء؟ فأن توجد من غير شيء، هو أمر ليس وارداً، وأن تخلق أنت نفسك، فمعنى ذلك أنّك وجدت قبل أو توجد، والإنسان لا يمكن أن يكون موجوداً في حال كونه معدوماً. ولذلك، فإنَّ المسألة من النَّاحية العقليَّة لا معنى لها.
*المصدر: من كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل"
[1] [يس: 78].
[2] [يس: 79].
[3] [المؤمنون: 115].
[4] [الطّور: 35].

يتحدَّث القرآن الكريم عن مسألة المعاد الّذي هو اليوم الآخر، وذلك من خلال خطّين اثنين:
الخطّ الأوَّل: هل هو ممكن أو مستحيل؟
الخطّ الثَّاني: هل هو واقع أو ليس بواقع؟
أمَّا فكرة أنَّه هل هو ممكن أو مستحيل، فقد كانت فكرةً تلحُّ على واقع النَّاس الّذين كانوا في عهد الدّعوة، وربما ما زالت تلحُّ على أناسٍ كثيرين الآن، لأنَّ هناك خلطاً عندهم بين ما هو معقول وما هو مألوف، فما هو معقول، هو الشَّيء الّذي يحكم العقل بإمكانه، بحيث إنّ العقل لا يجد هناك أيّ مانعٍ من الموانع في الفكر تحول دون إمكانه، كما هو الحال مع استحالة وجود الشَّيء وعدمه في آنٍ واحد. أمَّا غير المألوف، فأن يكون الشّيء غريباً، أي أنّنا لم نألف وجوده، على اعتبار أنّنا لم نلاحظه في تجاربنا في الواقع رغم وجوده.
فالقرآن الكريم، واستناداً إلى هذا الفارق، شجب نظرة النّاس أو اعتبارهم الشّيء غير المألوف أنّه غير معقول، يقول تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[1]. لاحظوا كلمة: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، فالقرآن يقول إنَّ هذا الإنسان استغرق في الحالة التي تمثِّل نهايته، أي الموت، وتساءل كيف يحيا الإنسان الّذي يموت بعد أن يكون عدماً، ونسي البداية، أي نسي كيف انطلق الوجود الإنسانيّ في الأصل من العدم، {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}، وهي حقيقة تختصر كلّ شيء: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[2]، إنّه يؤكِّد المسألة من ناحية الإمكان العقليّ، أي أنَّ الإنسان الّذي أنشأه الله من العدم أوَّل مرَّة، قادرٌ على إحيائه وإنشائه من جديد بعد موته.
وفي السِّياق نفسه المتَّصل بالإجابة عن سؤال: هل هناك يومٌ آخر أو ليس هناك يوم آخر؟ نقول إنَّ هذا أمر يمكن أن يُواجَه عقليّاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[3]، فإذا كانت الدّنيا لا تتبعها آخرة، فمعنى ذلك أنّ الله يعبث، ويتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، لأنَّ ذلك معناه أنَّ الدنيا تكون تماماً كما هي الفقاعة التي تنتفخ ثم تنفجر دون أن تترك وراءها أيَّ شيء.
إذاً، وفق الإمكان العقليّ، لا بدَّ للدّنيا من آخرة، على أساس أنَّ الدنيا تمثّل حركة المسؤوليّة، والآخرة تمثّل حصاد العمل. ويمكن تأكيد ذلك من خلال تصديقنا للنبوّات، فإنّ النبيّ المطّلع على الغيب، أخبرنا أنَّ هناك دار آخرة، وهذه المسألة تنطلق من ذاتيّة تصديق النبيّ، والمفروض أنّنا نتحدَّث إسلاميّاً، فمعنى ذلك أنّنا نصدّق النبيّ في ذلك.
وهكذا، نجد أنَّ الله أراد أن يركّز الفكرة التوحيديّة من خلال العقل، حيث نلاحظ أيضاً أنَّ الله أثار سؤالاً أمام الإنسان، وهذا السّؤال هو: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[4]، كيف؟ إنّك تواجه واقعاً؟ ادرس نفسك؛ هل خُلِقْتَ من غير شيء؟ إنَّ خَلْقك لا يحمل في داخله بذوراً تحتّم وجوده لوحده، فكيف وجدت من غير شيء؟ فأن توجد من غير شيء، هو أمر ليس وارداً، وأن تخلق أنت نفسك، فمعنى ذلك أنّك وجدت قبل أو توجد، والإنسان لا يمكن أن يكون موجوداً في حال كونه معدوماً. ولذلك، فإنَّ المسألة من النَّاحية العقليَّة لا معنى لها.
*المصدر: من كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل"
[1] [يس: 78].
[2] [يس: 79].
[3] [المؤمنون: 115].
[4] [الطّور: 35].