قضيّة العاملات الأجنبيّات في البيوت باتت ظاهرة تفرض نفسها على مجتمعاتنا، ولم يعد بالإمكان التّغافل عنها وعمّا تحدثه من تغيّر في المنظومة الاجتماعيّة والتّربويّة، وخصوصاً عندما يترك أمر متابعة الأولاد للعاملة المنزليّة الأجنبيّة الّتي تأتي من ثقاقة مختلفة عن ثقافتنا، ومن بيئةٍ لا تشبه بيئتنا، وفي الكثير من الأحيان، من منطلقات دينيّة بعيدة عن مفاهيمنا الدّينية.
موقع بيّنات أجرى حواراً مع أستاذ علم النّفس الاجتماعي، الدّكتور محمّد أيّوب الشّحيمي، حول هذا الموضوع، وهذا نصّه:
***
ظاهرة.. وأثر
س: لا ريب في أنَّ موضوع العاملات في المنازل موضوع يستدعي الحديث عنه، وخصوصاً في ظلّ تزايد هذا الظّاهرة، وما تحمله من آثارٍ في بيوتنا ومجتمعاتنا. فماذا تقولون في ذلك؟
ج: بالنّسبة إلى موضوع الخادمات، عندما يطرح هذا الموضوع، ننحني أمام عظمة أمّهاتنا ونسائنا اللّواتي كنَّ يقمن بكلّ الأعمال بأنفسهنّ، دون الاستعانة بالخادمات. في تاريخنا، كانت الأمّ هي الأمّ والزوجة وطاهية الطعام، والتي تكنس وتنظّف وتخبز، وأحياناً، يمتدّ نشاطها إلى مساعدة زوجها في الحقل. هذه الأمّ العظيمة التي أنجبت مجتمعاً متماسكاً، لم يكن يدور في ذهنها أنّه سيصل يوم من الأيام لتستخدم مساعدة. وأنا في كلّ ذلك، لم أتحدّث عن دورها التربوي، هذا الدَّور الرائع الذي كان يتمثّل بإعطاء طفلها شيئاً من روحها وأحاسيسها، ومن وجدانها وعاطفتها وسهرها وقلقها.
بكلّ أسف، وهذا أيضاً أحد تداعيات العولمة الاقتصادية، بدأنا نستبدل بهذه الأمّ العظيمة امرأة أخرى، تحت شعار المرأة العاملة ـ مع أنّ لي رأياً آخر في موضوع المرأة العاملة في هذا المجال ـ واستقدمنا سيلاً من الخادمات.
أذكر في ضيعتي في الجنوب، أنّه كان هناك أكثر من 25 خادمة يعملن في بيوت الأثرياء والوجهاء. اليوم هذه البلدة ذاتها، تستخدم أكثر من مئة خادمة من جنسيّات مختلفة.
أنا أتوقّع وصول جيل لاتربويّ، أو جيل يختلف عن تقاليدنا وعن نمط حياتنا اختلافاً كبيراً، وهذا يذكّرني بقول أحد المتشائمين من المربّين: سيصل زمان يأبى فيه أبناؤنا الانتساب إلينا، كما نأبى الانتساب إلى فصيلة القرود.
هذا القول سنحصد نتائجه السلبيّة بعد عقود من الزمن، وبعض النتائج بدأت تظهر الآن؛ الأمهات اللّواتي تخلين عن دورهن لصالح الخادمة، فقدن الدور التربوي، وفقدن معه جيلاً. أنا لا أثق بهذا الجيل، لأنه سيمثّل ماضيه وسيمثّل تراثه.
دور خطير!
س: لماذا التحامل على الخادمة؟ فإذا أردنا أن نأخذ بالرّأي الآخر، فإنّهم يقولون إنّ الخادمة تهتمّ بالبيت وبالطّفل، وتقوم بأعباء كثيرة، فلماذا التّحامل عليها؟
ج: ما تذكرينه صحيح لو اقتصر دور الخادمة على التّنظيف والكنس والطبخ وما شابه ذلك، ولو اقتصر الأمر على ذلك، لكان أمراً طبيعياً. هذه الخادمة أصبحت عنصراً من عناصر الأسرة تتفاعل معها، حتى إن بعض الأطفال بدأوا يتقنون لغة الإثيوبية والسرلانكية والبنغاليّة على حساب لغتهم. هذا مظهر بسيط من مظاهر التّأثير. وهذا دليل على أنّ المرأة لم تكتف من الخادمة بأن تقوم بمساعدتها، بل أعطتها كلّ الأوراق التربوية. الأمّ التي تتنازل عن طفلها للخادمة لكي تعطي الطّفل ما يسمّى "الببرونة"، هي تنازلت ليس عن حالة أو وضعية، بل تنازلت عن دور تربوي.
بالأمس،كانت الأمّ المشغولة، والتي لديها أعمال كثيرة، تضع "الببرونة" على فم طفلها، وتسندها إلى "تكاية" لكي تكمل أعمالها ويأكل الطفل على مهله... علماء النفس يركّزون على هذه الوضعية بالذات؛ عندما يكون رأس الطفل على ثدي أمّه، وإلى جانب قلبها، وتضمّه في صدرها، كلّ هذا يخلق عنده مناخاً من الحنان والعطف والتماهي مع حبّ الأمّ.
وهذه المظاهر النفسية كلّها لا يمكن للخادمة أن تقدّمها، يمكن أن تقدّم الطعام، يمكن أن تقوم تقوم بالأعمال المنزلية، من هنا، يطلق عليها اليوم اسم الخدمة المنزليّة وليست الخدمة التربويّة. بات الأبناء يقضون حتى وقت الفراغ مع الخادمات. هذا أمر مريب، ويجب أن ينظر إليه بحذر، ويجب أن تتنبّه النساء من هذا الأمر، وأن لا يتخلّين عن دورهنّ التربويّ.