[في ردّ سماحته على شبهة قول الشّيعة بتحريف القرآن:]
فأقول: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإنّ القرآن العظيم، والذكر الحكيم متواتر (متتابع) من طرقنا بجميع آياته وكلماته، وسائر حروفه وحركاته وسكناته، تواتراً قطعيّاً عن أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام)، لا يرتاب في ذلك إلا معتوه، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى، وهذا أيضاً مما لا ريب فيه، وظواهر القرآن الحكيم ـ فضلاً عن نصوصه ـ أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضّرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصّحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار، ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمّتهم (عليهم السلام) .
وكان القرآن مجموعاً أيام النبيّ (صلى الله عليه وآله) على ما هو عليه الآن من التّرتيب والتّنسيق في آياته وسوره، وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير. وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك، لانهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الأولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السّور، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها، ولا القران بين سورتين على الأحوط، وفقههم صريح بذلك، فلولا أن سور القرآن باجمعها كانت زمن النبي صلى الله عليه وآله على ما هي الآن عليه من الكيفية والكمية ما تسنى لهم هذا القول، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل .
أجل، إن القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة، مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وقد عرضه الصحابة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتلوه عليه من أوّله إلى آخره، وكان جبرائيل (عليه السلام) يعارضه (صلى الله عليه وآله) بالقرآن في كلّ عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين، وهذا كله من الأمور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة، القائلين بتحريف القرآن ـ والعياذ بالله ـ فإنهم لا يفقهون. نعم، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنها مما لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة، على أنها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط، ولا سيّما بعد معارضتها لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
ومن عرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حكمته البالغة ونبوَّته الخاتمة، ونصحه لله ولكتابه ولعباده، وعرف مبلغ نظره في العواقب، واحتياطه على أمّته في مستقبلها، يرى أن من المحال عليه أن يترك القرآن منثوراً مبثوثاً، حاشا هممه وعزائمه، وحكمه المعجزة من ذلك، وقد كان القرآن زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) يطلق عليه الكتاب، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ .
وهذا يشعر بأنّه كان مجموعاً ومكتوباً، فإنّ ألفاظ القرآن إذا كانت محفوظة ولم تكن مكتوبة، لا تسمَّى كتاباً، وإنما تسمَّى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى.
وكيف كان، فإن رأي المحقّقين من علمائنا، أن القرآن العظيم إنما هو ما بين الدفّتين الموجود في أيدي الناس، والباحثون من أهل السنّة يعلمون منّا ذلك، والمنصفون منهم يصرّحون به، وحسبك ممن صرَّح بهذا، إمام أهل البحث والتتبّع، الشيخ رحمة الله الهندي، فإنه نقل كلام كثير من عظماء علماء الإمامية في هذا الموضوع بعين ألفاظهم، فراجع ص 89 من النصف الثاني من سفره الجليل "إظهار الحق"، فإن هناك كلام المعروفين من متقدّمي علماء الإمامية ومتأخريهم، منقولاً عن كتبهم المشهورة المنشورة الّتي يمكنكم بعد مراجعة إظهار الحقّ، أن تراجعوها أيضاً بأنفسكم، لتزدادوا بصيرةً فيما نقول، وسترون هذا الشّيخ الجليل بعد نقله كلام علماء الشيعة حول هذا الموضوع، قد علّق عليه كلمة تبيّن كنه مذهبهم فيه، حيث قال ما هذا لفظه:
"فظهر أنَّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإماميّة الإثني عشريّة، أنَّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفظه ونقله ألوف من الصّحابة، وجماعة من الصحابة، كعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر (رضي الله عنه)" .
*المصدر: كتاب "أجوبة مسائل جار الله"، بقلم سماحة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدّين الموسوي (المسألة الرابعة)، الطبعة الثّانية 1373 ه/ مطبعة العرفان ـ صيدا. 1953 م، ص 34 ـ 45.
[في ردّ سماحته على شبهة قول الشّيعة بتحريف القرآن:]
فأقول: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإنّ القرآن العظيم، والذكر الحكيم متواتر (متتابع) من طرقنا بجميع آياته وكلماته، وسائر حروفه وحركاته وسكناته، تواتراً قطعيّاً عن أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام)، لا يرتاب في ذلك إلا معتوه، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى، وهذا أيضاً مما لا ريب فيه، وظواهر القرآن الحكيم ـ فضلاً عن نصوصه ـ أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضّرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصّحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار، ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمّتهم (عليهم السلام) .
وكان القرآن مجموعاً أيام النبيّ (صلى الله عليه وآله) على ما هو عليه الآن من التّرتيب والتّنسيق في آياته وسوره، وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير. وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك، لانهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الأولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السّور، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها، ولا القران بين سورتين على الأحوط، وفقههم صريح بذلك، فلولا أن سور القرآن باجمعها كانت زمن النبي صلى الله عليه وآله على ما هي الآن عليه من الكيفية والكمية ما تسنى لهم هذا القول، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل .
أجل، إن القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة، مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وقد عرضه الصحابة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتلوه عليه من أوّله إلى آخره، وكان جبرائيل (عليه السلام) يعارضه (صلى الله عليه وآله) بالقرآن في كلّ عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين، وهذا كله من الأمور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة، القائلين بتحريف القرآن ـ والعياذ بالله ـ فإنهم لا يفقهون. نعم، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنها مما لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة، على أنها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط، ولا سيّما بعد معارضتها لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
ومن عرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حكمته البالغة ونبوَّته الخاتمة، ونصحه لله ولكتابه ولعباده، وعرف مبلغ نظره في العواقب، واحتياطه على أمّته في مستقبلها، يرى أن من المحال عليه أن يترك القرآن منثوراً مبثوثاً، حاشا هممه وعزائمه، وحكمه المعجزة من ذلك، وقد كان القرآن زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) يطلق عليه الكتاب، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ .
وهذا يشعر بأنّه كان مجموعاً ومكتوباً، فإنّ ألفاظ القرآن إذا كانت محفوظة ولم تكن مكتوبة، لا تسمَّى كتاباً، وإنما تسمَّى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى.
وكيف كان، فإن رأي المحقّقين من علمائنا، أن القرآن العظيم إنما هو ما بين الدفّتين الموجود في أيدي الناس، والباحثون من أهل السنّة يعلمون منّا ذلك، والمنصفون منهم يصرّحون به، وحسبك ممن صرَّح بهذا، إمام أهل البحث والتتبّع، الشيخ رحمة الله الهندي، فإنه نقل كلام كثير من عظماء علماء الإمامية في هذا الموضوع بعين ألفاظهم، فراجع ص 89 من النصف الثاني من سفره الجليل "إظهار الحق"، فإن هناك كلام المعروفين من متقدّمي علماء الإمامية ومتأخريهم، منقولاً عن كتبهم المشهورة المنشورة الّتي يمكنكم بعد مراجعة إظهار الحقّ، أن تراجعوها أيضاً بأنفسكم، لتزدادوا بصيرةً فيما نقول، وسترون هذا الشّيخ الجليل بعد نقله كلام علماء الشيعة حول هذا الموضوع، قد علّق عليه كلمة تبيّن كنه مذهبهم فيه، حيث قال ما هذا لفظه:
"فظهر أنَّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإماميّة الإثني عشريّة، أنَّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي النّاس ليس بأكثر من ذلك، وأنّه كان مجموعاً مؤلّفاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفظه ونقله ألوف من الصّحابة، وجماعة من الصحابة، كعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ عدّة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر (رضي الله عنه)" .
*المصدر: كتاب "أجوبة مسائل جار الله"، بقلم سماحة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدّين الموسوي (المسألة الرابعة)، الطبعة الثّانية 1373 ه/ مطبعة العرفان ـ صيدا. 1953 م، ص 34 ـ 45.