كتابات
11/02/2019

شموليّة الإيمان

شموليّة الإيمان

هناك نقطةٌ لا بدَّ للمسلم من أن يعيشها في عقله ووجدانه، وهي الاعتقاد بالإيمان الشموليّ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: 285]. فالمسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً ولا يفرّق بينهم، ويؤمن بالملائكة وكُتُب الله وصُحُف إبراهيم وموسى وإنجيل عيسى وتوراة موسى وزَبور داود، وليس كغيره من أتباع الديانات الأخرى، يؤمن ببعض ويكفر ببعض.

ومن هنا، عندما كنّا نُسأل لماذا تجوّزون زواج المسلم من الكتابيّة، مسيحيّة أو يهوديّة، ولا تجوّزون زواج المسلمة من المسيحيّ أو اليهوديّ؟ كنّا نقول بأنَّ المسلم عندما يتزوّج يهوديّة أو نصرانيّة، فإنّها تأمن على مقدّساتها، لأنَّ زوجها لن يسيء إليها، لأنّه يؤمن بعيسى وموسى أنّهما من أنبياء الله، وكُتُبهما كتب الله التي أنزلها عليهما، أمّا المسلمة إذا تزوّجت من الكتابيّ، فلن تأمن على دينها ومقدَّساتها، لأنّ هذا الكتابي لا يعيش اليقين بنبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبالقرآن، وبالتالي، لن يحترمهما ويقدّسهما، وإذا صادف أنّ هذا الكتابي لم يتناول مقدّسات المسلمة بالإساءة، فإنَّ ذلك ناشئ من حالة أدبية ذاتية مهذَّبة، لا من خلال ما ينطلق فيه من إيمان بعقيدته التي لا تعترف بنبوّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأنّ القرآن مُنْزَلٌ من عند الله تعالى.

فالمسلم، إذاً، يؤمن بالأنبياء جميعاً {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، لأنَّ ذلك أمرُ الله الذي لا يحيد عنه، {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، المسلم المؤمن مطيعٌ لله في كلِّ ما أمر وما نهى، وليس له حريّةٌ على الإطلاق أمام حرَّية الله {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: 285] اغفر لنا ما أسلفنا من السيّئات، فنحن سنعود إليك ومصيرنا بين يديك، فعندما نعود إليك، نطلب منك أن نأتيَ بين يديك وقد غفرت كلَّ ذنوبنا.

ويأتيهم الجواب من الله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة : 286]، ولأنّهم يعيشون الضعف أمام الله، وقد ينساقون وراء شهواتهم وغرائزهم، فتغلبهم مطامعهم، ويوسوس لهم الوسواس الخنّاس، ولكنَّهم يعودون إلى الله {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}. فالإصْر هو الحِمْل الثَّقيل، وذلك كناية عن المسؤوليّات الثقيلة الصعبة، ولأنّهم يثقون بالله ويؤمنون به، وإنْ كانت في بعض مراحل حياتهم قد سيطرت عليهم أطماعُهم، يطلبون منه سبحانه أن يخفّف عنهم ذلك ولا يرهقهم {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} اجعلنا نحمل الأشياء التي نستطيع حملها {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا} لا مولى لنا غيرك، ووحدك تنصرنا وتعيننا وتسدِّد خطواتنا {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} عندما نستعدّ لهم ونواجههم، لتبقى كلمة الله هي العليا.

هذا الذّكر الدّائم لله تعالى، هو الّذي يربّي عقولنا على الحقّ، وقلوبنا على الخير، هو الذي يربّي حياتنا على التقوى وطاعة الله، حتّى لا نسمح للشّيطان أن يمرح في ساحات شهواتنا وملذّاتنا ومنازعاتنا وخلافاتنا. فالشّيطان لا يقترب من مواقع الذاكرين الّذين لا يعيشون الغفلة، ولا يخضعون لغرائزهم، ولا ينسحقون في حزبيّاتهم وعصبيّاتهم.

*"من كتاب "عرفان القرآن".

هناك نقطةٌ لا بدَّ للمسلم من أن يعيشها في عقله ووجدانه، وهي الاعتقاد بالإيمان الشموليّ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: 285]. فالمسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً ولا يفرّق بينهم، ويؤمن بالملائكة وكُتُب الله وصُحُف إبراهيم وموسى وإنجيل عيسى وتوراة موسى وزَبور داود، وليس كغيره من أتباع الديانات الأخرى، يؤمن ببعض ويكفر ببعض.

ومن هنا، عندما كنّا نُسأل لماذا تجوّزون زواج المسلم من الكتابيّة، مسيحيّة أو يهوديّة، ولا تجوّزون زواج المسلمة من المسيحيّ أو اليهوديّ؟ كنّا نقول بأنَّ المسلم عندما يتزوّج يهوديّة أو نصرانيّة، فإنّها تأمن على مقدّساتها، لأنَّ زوجها لن يسيء إليها، لأنّه يؤمن بعيسى وموسى أنّهما من أنبياء الله، وكُتُبهما كتب الله التي أنزلها عليهما، أمّا المسلمة إذا تزوّجت من الكتابيّ، فلن تأمن على دينها ومقدَّساتها، لأنّ هذا الكتابي لا يعيش اليقين بنبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبالقرآن، وبالتالي، لن يحترمهما ويقدّسهما، وإذا صادف أنّ هذا الكتابي لم يتناول مقدّسات المسلمة بالإساءة، فإنَّ ذلك ناشئ من حالة أدبية ذاتية مهذَّبة، لا من خلال ما ينطلق فيه من إيمان بعقيدته التي لا تعترف بنبوّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأنّ القرآن مُنْزَلٌ من عند الله تعالى.

فالمسلم، إذاً، يؤمن بالأنبياء جميعاً {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، لأنَّ ذلك أمرُ الله الذي لا يحيد عنه، {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، المسلم المؤمن مطيعٌ لله في كلِّ ما أمر وما نهى، وليس له حريّةٌ على الإطلاق أمام حرَّية الله {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: 285] اغفر لنا ما أسلفنا من السيّئات، فنحن سنعود إليك ومصيرنا بين يديك، فعندما نعود إليك، نطلب منك أن نأتيَ بين يديك وقد غفرت كلَّ ذنوبنا.

ويأتيهم الجواب من الله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة : 286]، ولأنّهم يعيشون الضعف أمام الله، وقد ينساقون وراء شهواتهم وغرائزهم، فتغلبهم مطامعهم، ويوسوس لهم الوسواس الخنّاس، ولكنَّهم يعودون إلى الله {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}. فالإصْر هو الحِمْل الثَّقيل، وذلك كناية عن المسؤوليّات الثقيلة الصعبة، ولأنّهم يثقون بالله ويؤمنون به، وإنْ كانت في بعض مراحل حياتهم قد سيطرت عليهم أطماعُهم، يطلبون منه سبحانه أن يخفّف عنهم ذلك ولا يرهقهم {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} اجعلنا نحمل الأشياء التي نستطيع حملها {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا} لا مولى لنا غيرك، ووحدك تنصرنا وتعيننا وتسدِّد خطواتنا {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} عندما نستعدّ لهم ونواجههم، لتبقى كلمة الله هي العليا.

هذا الذّكر الدّائم لله تعالى، هو الّذي يربّي عقولنا على الحقّ، وقلوبنا على الخير، هو الذي يربّي حياتنا على التقوى وطاعة الله، حتّى لا نسمح للشّيطان أن يمرح في ساحات شهواتنا وملذّاتنا ومنازعاتنا وخلافاتنا. فالشّيطان لا يقترب من مواقع الذاكرين الّذين لا يعيشون الغفلة، ولا يخضعون لغرائزهم، ولا ينسحقون في حزبيّاتهم وعصبيّاتهم.

*"من كتاب "عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية