الملاحظ أنَّ هناك نزعة داخل الخطاب الإسلامي تدعو إلى مقاطعة الإنتاجات
الثقافيّة والفكريّة للغرب؛ هل إنّ هذه الدعوة تمثّل عائقاً إبستيمولوجياً للمعرفة
الإسلاميّة، أم أنّ هذه الدعوة مشروعة وذات جدوى في المسار الحضاري للأمّة؟
يجيب المرجع السيّد فضل الله(رض) عن هذا السّؤال بقوله:
"هناك بُعدان لحركة هذه الدعوة في المعرفة الإسلاميّة؛ البعد الأوّل هو رفض
الانفتاح على الإنتاج الثقافي والفكري في الغرب، بمعنى أن يغلق على الإنسان المسلم
هذه النافذة التي تُطلّ على حضارة واسعة، تملك الكثير من النتاج الإنساني، في كلّ
أبعاده الثقافية والفكريّة، لتكون المسألة هي عزلة المسلم عن الحضارات الأخرى الّتي
تختلف في خطوطها عن الخطّ الإسلامي، فنحن لا نوافق على تحريك هذا البعد في واقعنا
الإسلامي، لأنّنا نعتقد أنّه من الممكن جداً أن نستفيد الكثير من نتاج الآخرين في
البعد الإنساني للنتاج الذي تلتقي فيه الحضارات في قاعدتها الفكرية، كما أننا
نستفيد من التجارب الأدبية والفنية التي يمكن أن تفتح لنا آفاقاً واسعة لوسائل
التعبير وأساليب الأداء ومناهج تحليل الفكرة والواقع والإنسان، وكل ما استطاعت
الثقافة الغربية أن تطلّ عليه من أفقٍ واسع.. لكن ليس معنى الدعوة إلى الانفتاح على
هذا النتاج أن نستسلم أو نخضع له، بل يعني أن نفهم ونناقش وننفتح على كلّ آفاقه
كمنطلق للفكر المختلف المضادّ..
إننا نعتقد أننا لن نستطيع أن نتطوّر ثقافياً إذا لم ننفتح على الثقافات الأخرى،
لأنّ حركة الحضارة ـ بما فيها الحضارة الإسلامية ـ كانت منطلقة من التفاعل مع
الحضارات الأخرى في القضايا التي لا تتنافى مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة. هذا من
جهة، ومن جهة ثاتية، فإنك عندما تعتبر أنّ الغرب يمثل اتجاهاً فكرياً وحضارياً
مضادّاً للإسلام، ويمثل حركة في ساحة الصراع ضدّ الإسلام، فكراً وعقيدةً وشريعةً
وواقع حياة، فمن الطبيعيّ أن تحاول فهم هذا الغرب في خلفياته الفكرية والنفسية، وفي
خطوطه الثقافية والسياسية والاجتماعية، وفي أبعاده الحياتية، حتى تستطيع أن تتعرّف
الخطّ المضادّ من خلال عمقه وامتداده وسعته، ليمكنك أن تواجهه بالفكر الإسلاميّ،
وبالمفردات الإسلامية الأخرى التي تخاطب الجانب النفسي والروحي والسياسي والاجتماعي...
إنك لا تستطيع أن تدخل المعركة إن لم تكن تحمل فكراً جديداً، تستطيع أن تنتصر به في
المعركة، ليكون بحجم السّلاح الذي يوجَّه إليك.
البعد الثاني لهذه الدعوة، هو مسألة الاستغراق في الثقافة الغربيّة والانحناء
أمامها والانبهار بها، على أساس ما يحاول المتغرّبون أن يثيروه في حياتنا من أنّ
الغرب استطاع أن يسبقنا بمراحل واسعة في مجال التقدّم العلمي والفني والاجتماعي
والواقعي.. ولذلك، فإن علينا أن لا نعتبر الغرب هو القيمة في العلم والفنّ والخطّ
السياسي وفي حركة الواقع، باعتبار أننا متخلّفون في ذلك كلّه، ليكون الغرب بالنّسبة
إلينا كالمعلم بالنّسبة إلى التلميذ.
إن هؤلاء المتغرّبين يريدون منا أن نذوب في الغرب، حتى إنهم ينكرون علينا شخصيتنا،
ويتحدثون بما يشبه السخرية عن حديث الأصالة في خطابنا وفي واقعنا، ليعتبروا الأصالة
مسألة تأكيد لقواعد الفكر المتخلّف الضاربة في التّاريخ، أو العادات المتخلّفة التي
تملك بعداً في الزمن وغير ذلك.. إنّنا عندما نواجه هذا البعد، فقد نلاحظ أنّ من
الضروريّ جداً الوقوف أمام هذا الجوّ الانهزامي الذي يريد أن يهزم الأمّة في كلّ
قضاياها وكلّ خطوطها الفكرية، لتكون مجرّد تابع للغرب.
إنّ هذه الدعوة عندما تتحرّك في هذا الاتجاه، فإننا نعتقد أنها صحيحة لمنع
الاستغراق والانبهار والسقوط أمام الغرب، بحيث لا تفقد شخصيّتك الفكرية وكلّ
انتماءاتك العقيدية.. إننا نؤكد هذه الدعوة في هذا المجال، لأننا نعتبر أن المسألة
المتوازنة في هذه الدائرة، هي أن نعتبر أنفسنا موقعاً فكرياً وثقافياً يملك العناصر
التي تفتح الحياة على حضارة الإسلام، ليواجه الفكر الآخر والحضارة الأخرى، في عملية
دراسة ومقارنة، لنعرف هل نتكامل مع بعض هذه المفاهيم ونستفيد منها، أو نتصارع في
ساحة الاختلاف الفكري".
*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".
الملاحظ أنَّ هناك نزعة داخل الخطاب الإسلامي تدعو إلى مقاطعة الإنتاجات
الثقافيّة والفكريّة للغرب؛ هل إنّ هذه الدعوة تمثّل عائقاً إبستيمولوجياً للمعرفة
الإسلاميّة، أم أنّ هذه الدعوة مشروعة وذات جدوى في المسار الحضاري للأمّة؟
يجيب المرجع السيّد فضل الله(رض) عن هذا السّؤال بقوله:
"هناك بُعدان لحركة هذه الدعوة في المعرفة الإسلاميّة؛ البعد الأوّل هو رفض
الانفتاح على الإنتاج الثقافي والفكري في الغرب، بمعنى أن يغلق على الإنسان المسلم
هذه النافذة التي تُطلّ على حضارة واسعة، تملك الكثير من النتاج الإنساني، في كلّ
أبعاده الثقافية والفكريّة، لتكون المسألة هي عزلة المسلم عن الحضارات الأخرى الّتي
تختلف في خطوطها عن الخطّ الإسلامي، فنحن لا نوافق على تحريك هذا البعد في واقعنا
الإسلامي، لأنّنا نعتقد أنّه من الممكن جداً أن نستفيد الكثير من نتاج الآخرين في
البعد الإنساني للنتاج الذي تلتقي فيه الحضارات في قاعدتها الفكرية، كما أننا
نستفيد من التجارب الأدبية والفنية التي يمكن أن تفتح لنا آفاقاً واسعة لوسائل
التعبير وأساليب الأداء ومناهج تحليل الفكرة والواقع والإنسان، وكل ما استطاعت
الثقافة الغربية أن تطلّ عليه من أفقٍ واسع.. لكن ليس معنى الدعوة إلى الانفتاح على
هذا النتاج أن نستسلم أو نخضع له، بل يعني أن نفهم ونناقش وننفتح على كلّ آفاقه
كمنطلق للفكر المختلف المضادّ..
إننا نعتقد أننا لن نستطيع أن نتطوّر ثقافياً إذا لم ننفتح على الثقافات الأخرى،
لأنّ حركة الحضارة ـ بما فيها الحضارة الإسلامية ـ كانت منطلقة من التفاعل مع
الحضارات الأخرى في القضايا التي لا تتنافى مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة. هذا من
جهة، ومن جهة ثاتية، فإنك عندما تعتبر أنّ الغرب يمثل اتجاهاً فكرياً وحضارياً
مضادّاً للإسلام، ويمثل حركة في ساحة الصراع ضدّ الإسلام، فكراً وعقيدةً وشريعةً
وواقع حياة، فمن الطبيعيّ أن تحاول فهم هذا الغرب في خلفياته الفكرية والنفسية، وفي
خطوطه الثقافية والسياسية والاجتماعية، وفي أبعاده الحياتية، حتى تستطيع أن تتعرّف
الخطّ المضادّ من خلال عمقه وامتداده وسعته، ليمكنك أن تواجهه بالفكر الإسلاميّ،
وبالمفردات الإسلامية الأخرى التي تخاطب الجانب النفسي والروحي والسياسي والاجتماعي...
إنك لا تستطيع أن تدخل المعركة إن لم تكن تحمل فكراً جديداً، تستطيع أن تنتصر به في
المعركة، ليكون بحجم السّلاح الذي يوجَّه إليك.
البعد الثاني لهذه الدعوة، هو مسألة الاستغراق في الثقافة الغربيّة والانحناء
أمامها والانبهار بها، على أساس ما يحاول المتغرّبون أن يثيروه في حياتنا من أنّ
الغرب استطاع أن يسبقنا بمراحل واسعة في مجال التقدّم العلمي والفني والاجتماعي
والواقعي.. ولذلك، فإن علينا أن لا نعتبر الغرب هو القيمة في العلم والفنّ والخطّ
السياسي وفي حركة الواقع، باعتبار أننا متخلّفون في ذلك كلّه، ليكون الغرب بالنّسبة
إلينا كالمعلم بالنّسبة إلى التلميذ.
إن هؤلاء المتغرّبين يريدون منا أن نذوب في الغرب، حتى إنهم ينكرون علينا شخصيتنا،
ويتحدثون بما يشبه السخرية عن حديث الأصالة في خطابنا وفي واقعنا، ليعتبروا الأصالة
مسألة تأكيد لقواعد الفكر المتخلّف الضاربة في التّاريخ، أو العادات المتخلّفة التي
تملك بعداً في الزمن وغير ذلك.. إنّنا عندما نواجه هذا البعد، فقد نلاحظ أنّ من
الضروريّ جداً الوقوف أمام هذا الجوّ الانهزامي الذي يريد أن يهزم الأمّة في كلّ
قضاياها وكلّ خطوطها الفكرية، لتكون مجرّد تابع للغرب.
إنّ هذه الدعوة عندما تتحرّك في هذا الاتجاه، فإننا نعتقد أنها صحيحة لمنع
الاستغراق والانبهار والسقوط أمام الغرب، بحيث لا تفقد شخصيّتك الفكرية وكلّ
انتماءاتك العقيدية.. إننا نؤكد هذه الدعوة في هذا المجال، لأننا نعتبر أن المسألة
المتوازنة في هذه الدائرة، هي أن نعتبر أنفسنا موقعاً فكرياً وثقافياً يملك العناصر
التي تفتح الحياة على حضارة الإسلام، ليواجه الفكر الآخر والحضارة الأخرى، في عملية
دراسة ومقارنة، لنعرف هل نتكامل مع بعض هذه المفاهيم ونستفيد منها، أو نتصارع في
ساحة الاختلاف الفكري".
*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".