كتابات
25/02/2018

القرآن دليلنا على نفي الولاية التكوينيّة

القرآن دليلنا على نفي الولاية التكوينيّة
يؤكّد الرسول (ص) رسالته بطريقة إيحائية على مستوى الصّدمة: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}[الإسراء: 96]، فإنّي لا أريد أن أُقدّم نفسي كرسول من خلال ما تطرحونه عليّ، ممّا لا أملك قدرته، وممّا لم يعطني الله قدرته، مع أنّ الله قادر على أن يعطي من القدرات لعباده إذا اقتضت حكمته ذلك، ولكن ليست هناك حكمة في أن يرسل الله الرسول في مهمّة تغيير العالم وما أشبه ذلك.

وإذا كان بعض الناس يتحدَّث عن الولاية التكوينيّة للأنبياء وللأئمّة (ع)، فإنّ القرآن دليل صارخ على رفض هذه الفكرة، لأنّنا إذا قلنا بأنَّ الله غير قادر على أن يعطي الأنبياء والأئمّة هذه القدرة، فهذا غير معقول، لأنَّ الله قادر أن يفعل ذلك، كما هو حال المعجزة، حيث يحوّل العصا إلى ثعبان، ويحوّل اليد السّمراء إلى يد بيضاء، ويعطي عيسى (ع) السلام القدرة على أن يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، كمعاجز في ظروف معيَّنة نتيجة حاجة الرّسالة إليها، ولكنّ الله لم يعطِ رسله وأولياءه هذه القدرة بالمطلق، لأنّهم لا يحتاجون إليها، فهي ليست مهمّتهم، فالبحث ليس في القدرة، إنّما هو في الحاجة لذلك.

ثمّ نحن نقول دائماً لماذا الولاية؟! الولاية إنّما تُجعل لسدّ النّقص، فالشخص البالغ المستقلّ الرّشيد ألا ترتفع عنه الولاية؟! وإنّما يجعل شخص وليّاً على شخص أو على أمر إذا كان هناك نقص، فإنّ الوليّ يكمله.
 والله هو وليّ الكون، وقد نظّم الكون وفق قوانين وسنن كلّها برهان على هذا الكمال {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطلاق: 3] و{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: 49] و{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك: 3-4] فإذا كان خلق الله لهذا الكون بهذا المستوى من الكمال، فلماذا يجعل وليّاً عليه؟ فهل يأتي الوليّ لينقل الشّمس من المشرق لتشرق من المغرب؟! أو هل إنّه قادر على أن يجفِّف البحار، وحتى يحوِّل الصحارى – بدون وسائل – جنائن وأنهاراً وغير ذلك؟! إنَّ الله أعطى الإنسان وسائل طبيعيّة لعملية التغيير، وضمن القوانين التي أودعها في الكون.

ولذلك نقول إنّ القرآن هو الدليل على نفي الولاية التكوينيّة {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}، وذلك في خطابه للنبيّ (ص)، الذي هو أعظم من الأئمّة (ع)، لم يقم بتفجير الأنهار ، لأنّ وظيفتهم هي في هداية البشرية.

أمّا ما يمكن أن يستدلّ به من التّدبير نظير تدبير الملائكة، كما في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}[النازعات: 5]، فإنّ ذلك لا يعني خصوصيّة وتمييزاً للأنبياء والأئمّة (ع)، وإلا، فهل نعتقد بالولاية للملائكة، أو هل نعتقد بالولاية للجنّ، حيث قال العفريت لسليمان (ع): {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ}، فـ {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النّمل: 39-40].
فقد استدلَّ القائلون بالولاية التكوينيّة بما قاله الذي عنده علم الكتاب، بدعوى أنّ الذي يملك علم الكتاب كلّه، وهم الأئمّة (ع)، أولى بذلك، فإنّ الفرق بين العفريت وبين الذي عنده علم الكتاب هو بالزّمن؛ ذلك يأتي به قبل أن يقوم من مقامه، وهذا قبل أن يرتدّ إليه الطرف.

فهل نقول إنّ هذا دليل على الولاية للجن؟ إنَّ هذه من القدرات المحدودة التي أعطاها الله – لحكمة – لنفر من خلقه، وهذا نظير المعاجز التي يجريها على أيدي الأنبياء، أو الكرامات لبعض أوليائه وبعض خلقه لحكمة يراها هو سبحانه وتعالى. بل حتى المعجزات، فإنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي حوَّل العصا إلى ثعبان، وهو الذي حوَّل يد موسى (ع) إلى يد بيضاء، وكذلك عيسى (ع)، فالله هو الذي يحيي الموتى، ولكنَّ الله أجرى هذه الأشياء على يده.

 وكما في قصّة إبراهيم (ع): {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}[البقرة: 260]، فإنّ الله هو الذي أحياها.

ولذلك، يجب أن نقرأ القرآن بتدبُّر، وأن نأخذ عقائدنا الإسلاميّة الأساسيّة منه. وهذا لا يعني أن نلغي السنّة، بل إنّ ذلك هو من السنّة أيضاً، إذ روي عن النبيّ (ص) والأئمّة (ع): "ما جاءك من روايةٍ من برٍّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك من روايةٍ من برٍّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به"، "ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاتركوه".

وإذا كنّا ننفي أن يكون للنبيّ القدرة على التصرّف في الكون، فإنّ هذا ليس انتقاصاً من النبيّ (ص) أو الأئمّة (ع)، لأنّ عظمة النبيّ أنّ الله أرسله واصطفاه، وعظمة الأئمة أنّهم أوصياء رسول الله، وأنّهم حملوا الرّسالة وأخلصوا لها، وقد يعطي الله ما يحتاجه النبيّ لنبوَّته، وما يحتاجه الإمام لإمامته.
*من كتيب "عقائد"، لسماحة المرجع السيّد فضل الله (رض).

الهوامش:
1- {وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعًا (٩٠) أَو تَكونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجيرًا (٩١) أَو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفًا أَو تَأتِيَ بِاللَّـهِ وَالمَلائِكَةِ قَبيلًا (٩٢) أَو يَكونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ أَو تَرقى فِي السَّماءِ وَلَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابًا نَقرَؤُهُ قُل سُبحانَ رَبّي هَل كُنتُ إِلّا بَشَرًا رَسولًا (٩٣)} (الإسراء).


يؤكّد الرسول (ص) رسالته بطريقة إيحائية على مستوى الصّدمة: {قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}[الإسراء: 96]، فإنّي لا أريد أن أُقدّم نفسي كرسول من خلال ما تطرحونه عليّ، ممّا لا أملك قدرته، وممّا لم يعطني الله قدرته، مع أنّ الله قادر على أن يعطي من القدرات لعباده إذا اقتضت حكمته ذلك، ولكن ليست هناك حكمة في أن يرسل الله الرسول في مهمّة تغيير العالم وما أشبه ذلك.

وإذا كان بعض الناس يتحدَّث عن الولاية التكوينيّة للأنبياء وللأئمّة (ع)، فإنّ القرآن دليل صارخ على رفض هذه الفكرة، لأنّنا إذا قلنا بأنَّ الله غير قادر على أن يعطي الأنبياء والأئمّة هذه القدرة، فهذا غير معقول، لأنَّ الله قادر أن يفعل ذلك، كما هو حال المعجزة، حيث يحوّل العصا إلى ثعبان، ويحوّل اليد السّمراء إلى يد بيضاء، ويعطي عيسى (ع) السلام القدرة على أن يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، كمعاجز في ظروف معيَّنة نتيجة حاجة الرّسالة إليها، ولكنّ الله لم يعطِ رسله وأولياءه هذه القدرة بالمطلق، لأنّهم لا يحتاجون إليها، فهي ليست مهمّتهم، فالبحث ليس في القدرة، إنّما هو في الحاجة لذلك.

ثمّ نحن نقول دائماً لماذا الولاية؟! الولاية إنّما تُجعل لسدّ النّقص، فالشخص البالغ المستقلّ الرّشيد ألا ترتفع عنه الولاية؟! وإنّما يجعل شخص وليّاً على شخص أو على أمر إذا كان هناك نقص، فإنّ الوليّ يكمله.
 والله هو وليّ الكون، وقد نظّم الكون وفق قوانين وسنن كلّها برهان على هذا الكمال {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطلاق: 3] و{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: 49] و{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك: 3-4] فإذا كان خلق الله لهذا الكون بهذا المستوى من الكمال، فلماذا يجعل وليّاً عليه؟ فهل يأتي الوليّ لينقل الشّمس من المشرق لتشرق من المغرب؟! أو هل إنّه قادر على أن يجفِّف البحار، وحتى يحوِّل الصحارى – بدون وسائل – جنائن وأنهاراً وغير ذلك؟! إنَّ الله أعطى الإنسان وسائل طبيعيّة لعملية التغيير، وضمن القوانين التي أودعها في الكون.

ولذلك نقول إنّ القرآن هو الدليل على نفي الولاية التكوينيّة {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}، وذلك في خطابه للنبيّ (ص)، الذي هو أعظم من الأئمّة (ع)، لم يقم بتفجير الأنهار ، لأنّ وظيفتهم هي في هداية البشرية.

أمّا ما يمكن أن يستدلّ به من التّدبير نظير تدبير الملائكة، كما في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً}[النازعات: 5]، فإنّ ذلك لا يعني خصوصيّة وتمييزاً للأنبياء والأئمّة (ع)، وإلا، فهل نعتقد بالولاية للملائكة، أو هل نعتقد بالولاية للجنّ، حيث قال العفريت لسليمان (ع): {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ}، فـ {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النّمل: 39-40].
فقد استدلَّ القائلون بالولاية التكوينيّة بما قاله الذي عنده علم الكتاب، بدعوى أنّ الذي يملك علم الكتاب كلّه، وهم الأئمّة (ع)، أولى بذلك، فإنّ الفرق بين العفريت وبين الذي عنده علم الكتاب هو بالزّمن؛ ذلك يأتي به قبل أن يقوم من مقامه، وهذا قبل أن يرتدّ إليه الطرف.

فهل نقول إنّ هذا دليل على الولاية للجن؟ إنَّ هذه من القدرات المحدودة التي أعطاها الله – لحكمة – لنفر من خلقه، وهذا نظير المعاجز التي يجريها على أيدي الأنبياء، أو الكرامات لبعض أوليائه وبعض خلقه لحكمة يراها هو سبحانه وتعالى. بل حتى المعجزات، فإنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي حوَّل العصا إلى ثعبان، وهو الذي حوَّل يد موسى (ع) إلى يد بيضاء، وكذلك عيسى (ع)، فالله هو الذي يحيي الموتى، ولكنَّ الله أجرى هذه الأشياء على يده.

 وكما في قصّة إبراهيم (ع): {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً}[البقرة: 260]، فإنّ الله هو الذي أحياها.

ولذلك، يجب أن نقرأ القرآن بتدبُّر، وأن نأخذ عقائدنا الإسلاميّة الأساسيّة منه. وهذا لا يعني أن نلغي السنّة، بل إنّ ذلك هو من السنّة أيضاً، إذ روي عن النبيّ (ص) والأئمّة (ع): "ما جاءك من روايةٍ من برٍّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك من روايةٍ من برٍّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به"، "ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاتركوه".

وإذا كنّا ننفي أن يكون للنبيّ القدرة على التصرّف في الكون، فإنّ هذا ليس انتقاصاً من النبيّ (ص) أو الأئمّة (ع)، لأنّ عظمة النبيّ أنّ الله أرسله واصطفاه، وعظمة الأئمة أنّهم أوصياء رسول الله، وأنّهم حملوا الرّسالة وأخلصوا لها، وقد يعطي الله ما يحتاجه النبيّ لنبوَّته، وما يحتاجه الإمام لإمامته.
*من كتيب "عقائد"، لسماحة المرجع السيّد فضل الله (رض).

الهوامش:
1- {وَقالوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعًا (٩٠) أَو تَكونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجيرًا (٩١) أَو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفًا أَو تَأتِيَ بِاللَّـهِ وَالمَلائِكَةِ قَبيلًا (٩٢) أَو يَكونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ أَو تَرقى فِي السَّماءِ وَلَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابًا نَقرَؤُهُ قُل سُبحانَ رَبّي هَل كُنتُ إِلّا بَشَرًا رَسولًا (٩٣)} (الإسراء).


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية