كتابات
25/03/2019

مشروع المرجعيّة المؤسّسة

مشروع المرجعيّة المؤسّسة

في سياق حوار له مع مجلّة البلاد اللّبنانيّة العام 1992، تحدَّث سماحة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله (رض) عن تصوّراته للمرجعيَّة المؤسَّسة، وآراؤه حولها، ورؤيته إليها كتجربة يمكن أن تقدِّم الكثير لقضايا الأمَّة على الصّعد كافّة. جاء في كلام سماحته:

"إنّ مسألة المرجعيّة تتّسع حسب اتّساع مسألة الإسلام، ومسؤوليَّتها تكبر حسب مسؤوليّات الإسلام. فليست هناك حدود لمسؤوليّات المرجعيّة، مادام الإسلام لا يعيش مثل هذه الحدود.

ومن هنا، فإنّ موقع المرجعيّة في نظر الإمام الخميني (رض)، هو موقع الإسلام في كلّ المجالات، فلا بدَّ من أن تتحرَّك حيث يتحرَّك الإسلام، وهذا هو الّذي يجعل المرجع الموصل للقيادة والولاية، منفتحاً على كلّ الحياة، وعلى كلّ الواقع، وعلى كلّ المسؤوليّات.

أمّا الشّهيد السيد الصدر (رض)، فإنّه في الفقه الإسلاميّ الواسع، ليس بعيداً من هذا الخطّ، وقد لاحظنا كيف استقبل نجاح الثورة الإسلاميّة، ونجاح الإمام الخميني في قيادته، بالكلمات الرّائعة التي أطلقها في ضرورة الذّوبان في مرجعية الإمام الخميني، لأنّه يلتقي بهذا الأفق الواسع الّذي انطلق منه الإمام الخميني، وحاول أن يتحرّك في هذا الخطّ في رسالته "الإسلام يقود الحياة". ولكنّه عندما تحدث عن المرجعيّة، كان يتحدّث فيما أسماه "المرجعيّة الرشيدة"، عن الجانب التنظيمي الإداري للمرجعيّة، من خلال طبيعة مسؤوليّاتها الإداريّة. وبتعبير آخر، كان يريد أن يحدِّد الوسائل العملية الّتي تجعل المرجعيّة تتحرّك كمؤسَّسة لا كشخص. ولذلك، فإنَّنا لا نستطيع أن نقول إنَّ الشَّهيد الصَّدر قد ابتعد عن خطّ الإمام الخميني في هذا الأفق الواسع، ولكنّه لم يعش هذه التّجربة، ولم يرافق حركة الثّورة الإسلاميّة بهذه الشموليّة، وأعتقد أنّه لو مدّ الله في عمره، لما اختلف عن الإمام الخميني في أيّ جانبٍ من الجوانب.

المرجعيّة المؤسّسة

أمّا رأينا، فإنّنا نعتقد أنّ المسألة تتحرَّك في هذا الخطّ، ويمكن لنا أن نفكّر في الجانب الواقعيّ للمسألة، عندما لا نستطيع أن نتحكَّم بالظّروف السياسيّة الواسعة التي يمكن أن تدفع بالمرجعيّة إلى أن تكون قوّةً فاعلةً تهزّ العالم... إنّنا نتصوّر أنّه لا بدَّ لنا، إضافةً إلى ما ذكره السيّد الشَّهيد من التَّخطيط الإداري للمرجعيّة الرَّشيدة، من بحث الخطوط العامّة، لأننا لسنا في وارد بحث التفاصيل التي قد يفكّر الإنسان في أنّ من الممكن أن تتوسّع أو تضيق. ولذا نتصوّر أنّ المرجعيّة الإسلاميّة الشيعية قد تحتاج في ظروفها المحدّدة، أو في طبيعة أوضاعها الخاصّة، إلى أن تتحرّك في دائرتين:

الدائرة الأولى: هي أن لا تكون المرجعيَّة شخصاً، بحيث يرث أولاده تراثه وتجربته، أو أن تكون أجهزته خاضعة لخصوصيّاته، بل أن تكون المرجعيّة مؤسَّسة، بحيث إنَّ المرجع يأتي إلى مؤسّسة تختزن تجارب المراجع السابقين، بحيث يكون بين يدي المرجع الجديد، كلّ الوثائق الّتي تمثّل علاقات المرجعيّة بالعالم، وتجاربها، وخصوصيّات القضايا الّتي عالجتها، حتّى في مسألة الاستفتاء والأسئلة والأجوبة، وبحيث يجد المرجع الجديد كلَّ هذه التجارب جاهزة في مؤسَّسة المرجعيّة، ليبدأ من حيث انتهى المرجع السَّابق، لا ليبدأ من نقطة الصّفر بعيداً من كلّ التجارب السّابقة.

وفي هذا المجال، نحن لا نمانع في أن يكون للمرجع معاونون يختارهم في حركته، ولكن على أن لا يكونوا هم المؤسّسة، بل أن يكونوا المعاونين الّذين ينسجم معهم في دائرة المؤسَّسة وإطارها.

الدّائرة الثّانية: هي أنّنا نتصوَّر أنّه لا بدّ للمرجع من أن يطلَّ على قضايا العالم، ولو من ناحية اتخاذ المواقف السياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة الّتي تطلّ على كلّ مواقع المرجعيَّة، أو ما يمتدّ منها إلى أبعد من هذه المواقع، مما تتأثّر به سلباً أو إيجاباً.

نموذج البابويّة:

وهناك نقطة ثالثة في هذا المجال، وهي مسألة أن يتحرَّك المرجع في أنحاء العالم، وأن لا يبقى في موقعه بعيداً من الناس، بحيث يكون موقع المرجعيّة، مع بعض الفوارق، شبيهاً بموقع البابويّة، فلا بدَّ للمرجع، تبعاً لظروفه الخاصّة والمرحلة الّتي يعيش فيها، من أن يطلَّ على مواقع مرجعيّته، ليخاطب النّاس، وينفتح عليهم، ويتحدَّث في شؤونهم.

إنّ هذا هو الّذي يمكن أن يحقِّق للمرجعيَّة حيويّتها وحركيّتها التي تكون بها عنصراً فاعلاً في حياة كلّ النّاس الّذين ينتمون إليها ويتبعونها.

ومن الطبيعيّ أنَّ الجوانب التنظيميّة في هذه المؤسَّسة، لا بدَّ من أن تخضع لتخطيط معيَّن، بحيث تتكامل كلّ المواقع في داخل الموقع الكبير.

إنّني أتصوَّر أنَّ طبيعة تحدّيات العصر، وشموليَّة قضاياه، والمتغيِّرات الّتي تتحرَّك بين يوم وآخر، والحيرة الّتي يعيشها النّاس في ما هو تكليفهم الشرعيّ في كلّ القضايا التي تتَّصل بحياتهم السياسيّة والاجتماعيّة، تحتاج إلى أن تخرج المرجعيَّة من عزلتها، وأن يكون المرجع إنساناً منفتحاً على الإسلام كلِّه، وعلى العالم كلِّه، وعلى كلّ المتغيّرات التي تتحرَّك في ساحته، انفتاح الموقف، لا انفتاح الثّقافة فحسب.

في سياق حوار له مع مجلّة البلاد اللّبنانيّة العام 1992، تحدَّث سماحة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله (رض) عن تصوّراته للمرجعيَّة المؤسَّسة، وآراؤه حولها، ورؤيته إليها كتجربة يمكن أن تقدِّم الكثير لقضايا الأمَّة على الصّعد كافّة. جاء في كلام سماحته:

"إنّ مسألة المرجعيّة تتّسع حسب اتّساع مسألة الإسلام، ومسؤوليَّتها تكبر حسب مسؤوليّات الإسلام. فليست هناك حدود لمسؤوليّات المرجعيّة، مادام الإسلام لا يعيش مثل هذه الحدود.

ومن هنا، فإنّ موقع المرجعيّة في نظر الإمام الخميني (رض)، هو موقع الإسلام في كلّ المجالات، فلا بدَّ من أن تتحرَّك حيث يتحرَّك الإسلام، وهذا هو الّذي يجعل المرجع الموصل للقيادة والولاية، منفتحاً على كلّ الحياة، وعلى كلّ الواقع، وعلى كلّ المسؤوليّات.

أمّا الشّهيد السيد الصدر (رض)، فإنّه في الفقه الإسلاميّ الواسع، ليس بعيداً من هذا الخطّ، وقد لاحظنا كيف استقبل نجاح الثورة الإسلاميّة، ونجاح الإمام الخميني في قيادته، بالكلمات الرّائعة التي أطلقها في ضرورة الذّوبان في مرجعية الإمام الخميني، لأنّه يلتقي بهذا الأفق الواسع الّذي انطلق منه الإمام الخميني، وحاول أن يتحرّك في هذا الخطّ في رسالته "الإسلام يقود الحياة". ولكنّه عندما تحدث عن المرجعيّة، كان يتحدّث فيما أسماه "المرجعيّة الرشيدة"، عن الجانب التنظيمي الإداري للمرجعيّة، من خلال طبيعة مسؤوليّاتها الإداريّة. وبتعبير آخر، كان يريد أن يحدِّد الوسائل العملية الّتي تجعل المرجعيّة تتحرّك كمؤسَّسة لا كشخص. ولذلك، فإنَّنا لا نستطيع أن نقول إنَّ الشَّهيد الصَّدر قد ابتعد عن خطّ الإمام الخميني في هذا الأفق الواسع، ولكنّه لم يعش هذه التّجربة، ولم يرافق حركة الثّورة الإسلاميّة بهذه الشموليّة، وأعتقد أنّه لو مدّ الله في عمره، لما اختلف عن الإمام الخميني في أيّ جانبٍ من الجوانب.

المرجعيّة المؤسّسة

أمّا رأينا، فإنّنا نعتقد أنّ المسألة تتحرَّك في هذا الخطّ، ويمكن لنا أن نفكّر في الجانب الواقعيّ للمسألة، عندما لا نستطيع أن نتحكَّم بالظّروف السياسيّة الواسعة التي يمكن أن تدفع بالمرجعيّة إلى أن تكون قوّةً فاعلةً تهزّ العالم... إنّنا نتصوّر أنّه لا بدَّ لنا، إضافةً إلى ما ذكره السيّد الشَّهيد من التَّخطيط الإداري للمرجعيّة الرَّشيدة، من بحث الخطوط العامّة، لأننا لسنا في وارد بحث التفاصيل التي قد يفكّر الإنسان في أنّ من الممكن أن تتوسّع أو تضيق. ولذا نتصوّر أنّ المرجعيّة الإسلاميّة الشيعية قد تحتاج في ظروفها المحدّدة، أو في طبيعة أوضاعها الخاصّة، إلى أن تتحرّك في دائرتين:

الدائرة الأولى: هي أن لا تكون المرجعيَّة شخصاً، بحيث يرث أولاده تراثه وتجربته، أو أن تكون أجهزته خاضعة لخصوصيّاته، بل أن تكون المرجعيّة مؤسَّسة، بحيث إنَّ المرجع يأتي إلى مؤسّسة تختزن تجارب المراجع السابقين، بحيث يكون بين يدي المرجع الجديد، كلّ الوثائق الّتي تمثّل علاقات المرجعيّة بالعالم، وتجاربها، وخصوصيّات القضايا الّتي عالجتها، حتّى في مسألة الاستفتاء والأسئلة والأجوبة، وبحيث يجد المرجع الجديد كلَّ هذه التجارب جاهزة في مؤسَّسة المرجعيّة، ليبدأ من حيث انتهى المرجع السَّابق، لا ليبدأ من نقطة الصّفر بعيداً من كلّ التجارب السّابقة.

وفي هذا المجال، نحن لا نمانع في أن يكون للمرجع معاونون يختارهم في حركته، ولكن على أن لا يكونوا هم المؤسّسة، بل أن يكونوا المعاونين الّذين ينسجم معهم في دائرة المؤسَّسة وإطارها.

الدّائرة الثّانية: هي أنّنا نتصوَّر أنّه لا بدّ للمرجع من أن يطلَّ على قضايا العالم، ولو من ناحية اتخاذ المواقف السياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة الّتي تطلّ على كلّ مواقع المرجعيَّة، أو ما يمتدّ منها إلى أبعد من هذه المواقع، مما تتأثّر به سلباً أو إيجاباً.

نموذج البابويّة:

وهناك نقطة ثالثة في هذا المجال، وهي مسألة أن يتحرَّك المرجع في أنحاء العالم، وأن لا يبقى في موقعه بعيداً من الناس، بحيث يكون موقع المرجعيّة، مع بعض الفوارق، شبيهاً بموقع البابويّة، فلا بدَّ للمرجع، تبعاً لظروفه الخاصّة والمرحلة الّتي يعيش فيها، من أن يطلَّ على مواقع مرجعيّته، ليخاطب النّاس، وينفتح عليهم، ويتحدَّث في شؤونهم.

إنّ هذا هو الّذي يمكن أن يحقِّق للمرجعيَّة حيويّتها وحركيّتها التي تكون بها عنصراً فاعلاً في حياة كلّ النّاس الّذين ينتمون إليها ويتبعونها.

ومن الطبيعيّ أنَّ الجوانب التنظيميّة في هذه المؤسَّسة، لا بدَّ من أن تخضع لتخطيط معيَّن، بحيث تتكامل كلّ المواقع في داخل الموقع الكبير.

إنّني أتصوَّر أنَّ طبيعة تحدّيات العصر، وشموليَّة قضاياه، والمتغيِّرات الّتي تتحرَّك بين يوم وآخر، والحيرة الّتي يعيشها النّاس في ما هو تكليفهم الشرعيّ في كلّ القضايا التي تتَّصل بحياتهم السياسيّة والاجتماعيّة، تحتاج إلى أن تخرج المرجعيَّة من عزلتها، وأن يكون المرجع إنساناً منفتحاً على الإسلام كلِّه، وعلى العالم كلِّه، وعلى كلّ المتغيّرات التي تتحرَّك في ساحته، انفتاح الموقف، لا انفتاح الثّقافة فحسب.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية