حديثنا اليوم عن الإدمان على المخدِّرات، وتحديداً، عن كيفيَّة اكتشاف هذا
الإدمان، والمؤشِّرات التي تدلّل على مشوار بداية الإدمان القاتم، مع الاختصاصيّة
النفسية الأستاذة نسرين نصر، والخبيرة في علاج الإدمان.
ظاهرة الإدمان
س: كنْتِ في إيطاليا، وخضعت لدورة تدريبيّة متخصّصة في إطار علاج الإدمان، فهل من
الصّعب اليوم على الأهل اكتشاف ملامح هذا الإدمان مبكراً، لأنّ الأهل غالباً ما
يعرفون عن إدمان ولدهم في مراحل متقدمة؟
ج: بدايةً، موضوع الإدمان يتميَّز عن باقي الاضطرابات، أنّ المريض عادةً يصل إلينا
متأخّراً، قد تصل المدّة من سبع سنوات إلى عشر سنوات من بداية الإدمان...هذا الأمر
يجعلنا نطرح على أنفسنا سؤالاً: لماذا يتمّ الاكتشاف متأخّراً عند الأهل؟ ربما نقص
المعرفة عند الأهل بالمؤشّرات الأساسيّة، يجعلهم يتأخّرون لاكتشاف الإدمان عند
ولدهم.
وقد ساهم الإعلام في مرحلة سابقة بإظهار مؤشّرات خاطئة لعوارض الإدمان، بأن يظهر
يدي المدمن مدبغتين، ودائماً يكسّر ويحطّم، فعندما لا يرون ابنهم بهذه الطريقة،
يعتبرون أن الأمور لازالت آمنة، بينما الواقع أنّ المؤشّرات تغيّرت بسبب الموادّ
الّتي يتمّ تعاطيها... وإذا كان عنده وفرة ماديّة، فربّما لا يكون عنده هذا الغضب،
لأنّه يستطيع تأمين المادّة بطريقة عاديّة جداً.
الإدمان، صراحة، ومن خلال تجربتنا العلاجيَّة، والدّورات التي قمنا بها، هو مرض
معقَّد ومزمن، وعلى الأهل معرفة أمر مهمّ في حال اكتشاف مرض ابنهم، أنهم سيمرّون
بمرحلة طويلة تتطلّب صبراً ومثابرةً وإرادة.
أمَّا كيف يكتشفون الأمر، فإنَّ ذلك يختلف بحسب نوع المادّة التي يتعاطاها، فهناك
موادّ تُحدِث بطبيعتها خمولاً، بحيث نرى الولد دائماً بحالة نوم، وهناك موادّ على
العكس تماماً، بمعنى أننا لا نلاحظ شيئاً عليه، لأنّ نشاطه تقريباً يبقى كما هو.
بداية عمر الإدمان
س: عن أيّ عمر هنا نتحدّث؟
ج: في لبنان، سنّ بداية الإدمان تبدأ من عمر 12 – 13، هذا العمر هو الأكثر عرضة
لبداية الإدمان، والتي قد تكون مع سيجارة حشيش، أو حبة منّشطة، وليس بالضّروري أن
تكون استخداماً لموادّ قاسية. من هنا تبدأ رحلة الإدمان، وكلنا نعرف إذا بدأت رحلة
الإدمان، كم سيصبح إنهاؤها صعباً.
أماكن الإدمان
س: في هذا العمر، أين يمكن لهذا الولد أن يبدأ؟
ج: بحسب تجربتنا، الخطوات الأولى لبدايته تكون في المدرسة، يعني هنا نتحدَّث عن
مرحلة من ستّة أشهر إلى سنة، وعندما يطلب جسمه كميّة أكبر، ويبحث عن مكان أكثر
أماناً ليتعاطى فيه، هنا نذهب نحو السّهر.
وأعود وأؤكّد: السّهر ثم السّهر ثم السّهر، لأنَّه من أكثر البلاءات التي تجعل
الولد يتعاطى والأهل لا يعرفون، بحجّة أنَّ هذا الولد داخل الضّيعة، وأنّنا نعرف
أصحابه ونعرف آباءهم، في الوقت الّذي تكون هذه الأماكن وكراً للتّعاطي، وخصوصاً في
وقت السّهر في اللّيل.
وأتذكّر ذات مرّة أنّ طفلاً قال لي: لو أنّ أمّي كانت تسهر وترى، لعرفت أنّني
أتعاطى. والذي يحدث، أنّ الولد يأتي متأخّراً إلى البيت وقد تعاطى وانتهى، وينام
ويستيقظ، ويكون أثر المادَّة وأعراضها قد زال، وخصوصاً الاحمرار في العين، وارتجاف
الجسد، فلا يلاحظ الأهل هذه الأعراض.
س: أي أنّه يكون خلال النَّهار شخصاً طبيعيّاً ولا يظهر عليه شيء؟
ج: نعم صحيح، هو بحاجة إلى وقت من سنتين إلى ثلاث سنوات من بداية الإدمان لنبدأ
بالملاحظة؛ تأخّر مستواه الدراسيّ، نبذ العلاقات الاجتماعيّة، انقطع عن لعب الكرة،
يصبح عصبيّاً... لأنّ أثر الإدمان لا يبدأ لمجرّد أن أخذت السّيجارة اليوم فتصبح
مدمناً. أبداً، هذه العمليّة طويلة.
المراهق والمخدّرات
س: هل هناك أنواع شائعة من المخدِّرات؟
ج: نتحدّث بعمر المراهقة الأولى عن مادّة الحشيش، وعندما يصبح في عمر 14- 15، وبعد
أن يعتاد على الحشيش، يطلب شيئاً أكبر، وعندما نتحدَّث عن الشّيء الأكثر، يعني موادّ
خطرة، لأنها مركّبة تركيبات كيماويَّة. فمادّة الحشيش مادّة طبيعيّة، ومن المؤكّد
أنّها خطرة وتؤدّي إلى إدمان، ونحن نسمّي الحشيش بوّابة الإدمان، فكلّ إدمان يمرّ
بالحشيش أوّلًا. ولكنّنا نتحدث حالياً عن موادّ موجودة وخطرة، من أهمّها مادّة "سيلفيا"،
الّتي قد تؤدّي إلى الانتحار من نفس أو نفسين، لأنها تحفّز كلّ المخاوف عند هذا
الإنسان.
كيف يتصرّف الأهل؟!
س: إذا أردنا أن نخاطب جميع الأهل من دون أن نبثّ الخوف عندهم، كيف ينبغي أن يفكّر
الأهل ويتصرّفوا إذا كان هناك بعض المؤشّرات أو بعض المخاوف؟
ج: أوّلاً، لا أحبّ أن أخيف أحداً، لأنّ هذه الأعراض قد تتشابه مع أعراض ليس لها
علاقة بالإدمان، فلنركّز على هذه النقطة.
إلا أنّ هناك عوامل وعوارض تتقاطع مع بعضها البعض، أي أنّنا نتكلّم عن سهر اللّيل
اليوميّ، ولوقت متأخّر، فلأجرّب هنا أن أخفّف من ساعات السّهر عنده وألاحظ ردّ فعله.
هنا كأهل أستطيع أن أعرف، لأن إذا منعته من السَّهر، منعته من تعاطي المادَّة..
فعليّ أن أراقب؛ هل يسهر مرّة في الأسبوع أو بشكل دائم؟!
النقطة الثّانية، هي أنّ المخدِّرات ـ للأسف ـ باتت متوفّرة حاليّاً ولم تعد غالية
الثّمن، فإذا كان مصروف ابني الشّهري 35 ألفاً أو 40 ألفاً، ولاحظت عنده طلباً
مستمرّاً للمال، ولا تظهر آثار صرف هذا المال، كما أن يشتري ثياباً أو هدية لرفيقته
أو لرفيقه مثلاً، ودائماً عنده حجج ماليّة: رفيقي بحاجة إلى مال.. أمّ رفيقي مريضة
وبحاجة إلى مساعدة... يعني عنده هذه الحجج، ومترافقة مع السهر...
الخبرية الثّالثة: التّراجع الدّراسي، لأنّه صار عنده "لخبطة" في السّاعة
البيولوجيّة أثناء النَّوم والتَّركيز، وسوف يظهر عنده مشاكل على المستوى الدّراسي.
المشكلة الرّابعة: العزلة عن الأهل، في الوقت الَّّذي يكون عنده علاقات اجتماعيَّة
مع أصدقائه، مع قطعه العلاقة مع الرّفاق الذين نعرفهم.. كلّ شخص غير مدمن لا يعنيه
ولا يستهويه أبداً، إضافةً إلى انقطاع الشهيَّة عنده، لأنّنا نلاحظ أنَّ أوزان
المدمنين تتراوح بين 50 إلى 60 كيلوغراماً.
تحسين العلاقة بالولد
س: سيكون لنا، إن شاء الله، وقفات أخرى في موضوع الإدمان، ولكن الآن، ماذا نقول
للأهل؟
ج: نقول للأهل إنَّ الإدمان مشكلة اجتماعيّة واقتصاديّة، وأضيف أنَّ الدِّراسات
العربيَّة والأجنبيَّة ربطت الإدمان بتقدير الذَّات عند الولد، يعني إذا وثق الولد
بنفسه، وأعطيناه التّقدير للذّات، وشجَّعناه بشكلٍ مستمرّ، فإنَّ هذا الولد سيكون
أقلّ عرضةً من أن ينهار بالإدمان، لأنَّ الولد الّذي يشعر بالضّعف، سيبحث عن القوّة
في مكان آخر، وهذه القوّة يراها في سيجارة الحشيش، أو في شيء آخر، يبحث عن القوَّة
الوهميّة التي لا يراها في الحياة.
أنا أقول للأهل، إذا لم تكن العلاقة بينهم وبين ولدهم علاقة سويّة، فليبدأوا من
الآن بتصحيح هذه العلاقة، لأنّ الإدمان نتيجة طبيعيّة للعلاقات المضطربة داخل
الأسرة، إضافةً إلى كونها مشكلة اجتماعيّة.
*مقابلة أجرتها الإعلاميّة فاطمة خشّاب درويش من موقع "بيّنات" مع الأستاذة نسرين
نصر، الاختصاصيّة النّفسيّة الخبيرة في مجال العلاج من الإدمان.