أنا لا أنظر إلى مسألة أن يقبل المجتمع الفتوى أو لا يقبلها، بل أرى أنَّ المسألة
المنفتحة على الخطوط الاجتهاديّة العلميّة، لا بدَّ من أن تدرس موضوعيّاً في
العناصر التي يمكن للإنسان أن يكتشف فيها ما يراه حقيقةً. لذلك، ليست لديّ أيّة
مشكلة في الفتوى، حتى تلك التي قد تكون مخالفةً للمشهور من الفقهاء.
أنا كنت أوّل فقيهٍ أفتى بطهارة كلّ إنسان، بينما كان الرّأي الفقهيّ عند الكثير من
علماء الشّيعة هو الحكم بنجاسة الكفّار، وقد حصل هناك بعض التطوّر، فأصبح البعض
يُفتي بطهارة أهل الكتاب، لكن بنجاسة الباقين من الملحدين. أمّا رأيي الاجتهادي منذ
عدّة سنين، فهو أنّه لا دليل عندنا على نجاسة الإنسان جسديّاً، لذلك أفتيت بطهارة
كلّ الناس.
نعم، هناك نجاسة في الفكر، قد توجد في المسألة السياسيّة والاجتماعيّة، وقد توجد في
المسألة الدّينيّة. بعضهم يقول: إنَّ الله يقول: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
نَجَسٌ}[التّوبة: 28]، ونحن قلنا إنَّ النّجاسة هنا هي النَّجاسة المعنويّة،
باعتبار أنَّ الشِّرك يمثّل قذارةً فكريّةً لا يحترم فيها الإنسان عقله.
أتصوّر أنّ بعض المراجع عندما اطّلعوا على بعض فتاويّ، أقرّوها لأنهم اقتنعوا بها.
كذلك فإنّ التطوّر الفكريّ الاجتهاديّ الفقهيّ قد يفسح في المجال لانفتاحٍ أفضل في
الفتوى.
قد تجعلني أسئلة النّاس أشعر بضرورة التعمّق في دراسة مسألة معيّنة، باعتبار أنها
تمثّل مشكلةً للواقع الإسلاميّ العام، كذلك، قد أجتهد في دراسة مسائل سبق أن أبديت
رأياً فيها، بحيث يمكن أن تتبدّل آرائي السّابقة التي ربما كانت تقليديةً، إلى آراء
جديدة. وهذا ما انطلقنا به في كثيرٍ من الفتاوى.
مثلاً، هناك بعض الفتاوى التي لاتزال مدار جدل لدى الفقهاء، مثل أنَّ الأشياء
اللاصقة بالجسد تمنع الوضوء وتمنع الغسل، مثل الدّهان والصّباغ، أو طلاء الأظافر،
لكنّني عندما درست المسألة، رأيت أنها ليست حاجباً، وأنَّ الحاجب هو ما كان انفصالاً
واقعيَّاً عن الجسد.
ومثل آخر، كان الرّأي المشهور عند علماء الشِّيعة، أنَّ الحلال من حيوانات البحر هو
السّمك الذي له قشر، لكنّي وصلت أخيراً إلى أنَّ كلّ صيد البحر حلال، إلّا ما كان
مضرّاً وسامّاً.
وكانت هناك فتوى مشهورة لدى كثير من علماء الشّيعة، إلّا القليل منهم، في مسألة أنّ
الزوجة لا ترث من الأرض، بل من قيمة البناء في البيت، لكنَّني أفتيت الآن بأنّه لا
فرق بين الزّوج والزّوجة في أنهما يرثان كما يرث أحدهما الآخر انطلاقاً من النصّ
القرآنيّ.
وأيضاً المعروف عند المسلمين الشّيعة أنَّ الغروب يتحقَّق عند ذهاب الحمرة
المشرقيَّة، لكني أفتيت، وفاقاً لبعض العلماء أيضاً من المسلمين السنّة والشّيعة،
بأنَّ سقوط قرص الشّمس كافٍ لتحقّق الغروب، لذا يجوز لنا أن نفطر، سنّةً وشيعةً في
وقت واحد.
أنا أثق بالعلم عندما يحصل منه اليقين، وأحاول عيش عصري من خلال مستجدّاته العلميّة".
* من حوارٍ مع جريدة الأخبار اللّبنانيّة، بتاريخ 21/8/2009م.